أغابي بلا أغابي
أغابي بلا أغابي
بقلم : ماجد سوس
مازالت مشغولا و مهموما بأهلي و عشيرتي القادمين من جحيم الإضطهاد و قسوة الحياة في مصر ومنهم الكثيرين المعسورين و المعوزين و المكلومين .
المعوز هنا ربما لايكون ماديا فقط و انما معنويا و نفسيا و قد يمتد الاحتياج الى احتياج قانوني كالإقامة او اقتصادي كالعمل و القوت اليومي و ازاء هذا التحدي الصعب الذي يواجه الكنيسة في المهجر علينا ان نتكاتف جميعنا من أجل مساندة اخوتنا و اهلنا و هذا يتطلب منا الى جهد مضني و لأني كتبت في ذلك الموضوع مرارا فلا اريد ان يكون حديثي معك عزيزي القارئ تكرارا و لكنها كلمات قليلة لتذكرتي و تذكرتك بدورنا الاساسي مع اخوتنا القادمين من مصر ولاسيما وقد أحب الله مضيفي الغرباء وباركهم كما فعل مع ابن ابراهيم حين اضاف الغرباء الثلاثة
و قد شبه الله نفسه بهؤلاء المحتاجين فأصبح من يعطي المحتاج او من يساعد الآخر كمن يفعل بالمسيح هذا وهي عادة الله المحب ان يشبه نفسه بالضعيف المعوز فيعلن عن مجد يحتجب عن من رأي المسيح جائعا و لم يطعمه ، عطشانا ولم يسقه ، عريانا و لم يكسه، مريضا و لم يزره.
كنت قد اقترحت من قبل عمل خدمة خاصة بالأسر القادمة من مصر و تجهيز مخزن توضع فيها أثاث و أجهزة و معلبات غذائية تساعد المهاجرين في شهورهم الاولي بخلاف انشاء مكتب خدمي لمساعدتهم في البحث عن سكن او محامي او خلافه.
في ضوء الحديث عن هذا الموضوع قدم لي سؤال في احدى الكنائس عن مأدبة الأغابي –كلمة يونانية تعني المحبة الباذلة – التي تقدم لشعب الكنيسة بعد القداس و كان صاحب السؤال يتمسك بأن يكون الطعام الذي يقدم للشعب بمقابل مادي نظراً لإحتياج الكنيسة للمال للصرف على انشطة او خدمات اخرى ولاسيما – من وجهة نظره – ان الناس ينفقون أموالا على المطاعم خارج الكنيسة و كان السؤال عن معرفة رأيي في هذه الخدمة.
قلت : في البداية أود أشكر السيد المسيح له المجد انه لم يأخذ و لو درهما من كل انسان اطعمه يوم ان اطعم الآلاف بالخمس خبزات و السمكتين ولم يأخذ مالا حين ملأ سفينة التلاميذ بالأسماك و الا لأصبحت سُنّة عنه و ذريعة لفرض المال على المدعويين في مأدبة اطلق عليها اباء الكنيسة اسم أغابي .
قلت له أنني أتذكر انسانا قال لي انه حينما حضر من مصر منذ سنوات عديدة ذهب الى احدى الكنائس هو و اسرته ليصلي قداس الاحد في الصوم الكبير و بعد انتهاء القداس ذهب وزوجته وأولاده ليأخذوا من السندوتشات الموضوعة على طاولة كبيرة في حوش الكنيسة و بعد ان تناولوها فإذا بإحدى السيدات تقول الحساب من فضلكم . السندوتش الواحد بخمسة دولارات فتسمر الزوج في مكانه لأنه لم يكن معه هذا المبلغ و الذي بلغ حوال خمسة وعشرون دولارا وكان متأثراً جدا و لايستطيع ان ينسى هذا الموقف حيث بدأ هو و زوجته يبحثون عن مال في موقف لايحسد عليه.
تخيل معي ياعزيزي ماذا يفعل هذا الأنسان في المرة القادمة فكر قليلا و اجب ، إما انه لن يذهب الى هذه الكنيسة مرة اخرى خجلا او خوفا من أن يشبط ابنائه في الاكل مرة اخرى او انه سيأخذ اولاده و يخرج فورا دون ان ينتظر ليقف مع اخوته المؤمنين او يسلم على احدهم.
الطعام ياأحبائي لايصح أن يكون بمقابل مادي لايصح مطلقا ، تحت اي ظرف و تحت اي احتياج . الله في نظري سيسد احتياج الكنيسة بطرق عديدة دون المساس بالشركة التي وضعها الرسل حينما كان كل شيء بينهم مشتركا و كانوا يواظبون معا على الصلاة وكسر الخبز والا فكيف يدعو الله اولاده ليأكلوا معا فيميز بين القادر و غيرالقادر .أما والكنيسة تحتاج الى اموال من اجل استكمال مشاريعها او مبانيها او خلافه لايضاهيه امتناع ولو شخص واحد عن المجيء للكنيسة بسبب لقمة المحبة التى لايستطيع ان يدفع ثمنها اسبوعياً.
أعرف كاهن حتى في معرض كنيسته السنوي و الذي يضطر فيه ان يوافق على مضض على بيع الطعام على أساس ان المعرض يقام مرة واحدة كل عام ، كان يقول للواقفين على بيع الأطعمة: أرجوكم أشبعوا كل انسان دون ان تلحوا في طلب المال و اذا جاءكم طفل يريد ان يأكل إياكم وتسألوه عن المال بل أطعمه اولا.واذا استشعرتم ان شخص ليس معه المال الكافي اعطوه كل مايطلب دون ان تحرجوه.
نعود الى غذاء الأغابي بعد القداسات و المناسبات الكنسية يا أحبائي فليقدم الطعام بكل محبة ليكون سببا في التقاء العائلات و المؤمنين معا وبلامقابل مهما كانت الكنيسة تمر بضائقة أو احتياج مادي ، بل و لايصح أيضاً أن يوضع حتى صندوقا بجانب طاولة الطعام فلاتجعل المحتاج ينظر الى الغني و هو يضع مبلغا كبيرا و هو لايستطيع ان يفعل هذا فيخجل من ان يأكل مع اخوته.
نيافة الأنبا سيرابيون أسقف لوس انجلوس وهاواي بعد ان أصبح مشرفا على دير القديس العظيم الأنبا أنطونيوس ببرية كاليفورنيا طلب ان يقدم كل الطعام في الأعياد مجانا بعد ان كان الناس يقفون طابورا كبيرا من اجل الحصول على تذاكر الطعام و بالفعل كان يمتنع على غير القادرين الحصول عليه.
عزيزي ، اذا كنت تصر ان تدفع مقابل الطعام فلا تجعل يسارك تعرف مادفعته يمينك فعليك اما ان تضع المال في صندوق داخل الكنيسة حتى لا تستوفى أجرك على الأرض . على انك تستطيع أن تساهم في شراء الطعام او القهوة دون ان تعلم بأحد بذلك ولكن اياك ان تطلب من جميع الناس الاشتراك في تدبير مصاريف الطعام.
أفضل الكنيسة التي تطلب في هدوء من ابناءها انه على من يرى نفسه قادرا ان يشترك او يساهم في الطعام ان يكتب اسمه عند خادمة او خادم معين .
كما أنني ايضاً أرفض ان توضع على جدران الكنيسة قائمة بمن سيقدم الطعام او سيساهم فيه حتى لا يشعر غير القادر بحرج آخر ان اسمه غير موجود فيخجل ان يأكل معنا ، أهون علينا ان نلغي مأدبة الغذاء على ان نجرح انسان ونفقده فقد علمنا بولس الرسول قائلا إن كان أكل اللحم يعثر أخي فلن آكل لحما قط .
علينا ألا ننسى اننا امام عمل روحي له هدف اسمى من غذاء الجسد وهو اتحاد الكنيسة في شخص المسيح لتسند الضعيف و المحتاج بل و تستر عليه ، لا ليتفاخر البعض على الاخر او يتعاظم بما يقدم بل نذوب في الرب ليكون الجميع واحد لا فرق بين غني و فقير، رجل وامرأة فمأدبة الغذاء او غذاء الأغابي هي لتقارب الناس لبعض و لنعيش معا كأسرة واحدة و نتذوق حياة الشركة في الروح.
أرجوا الا يغضب أحدا من تكراري الحديث في هذا الموضوع فلقد اتصلت بي أسرة خادمة و طلبت مني بإلحاح ان اكتب مرة اخرى في هذا الشأن حتى لا تتحول موائدنا الى أغابي بلا أغابي.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :