جديد الموقع
بستان الجثسيماني والزيتونة العتيقة
بقلم: زهير دعيم
كثيرًا ما أزور اورشليم ، ثمَّ أعود فأحنّ َلزيارتها من جديد ، فانّ لها في نفسي طعمًا خاصًّا ، ومذاقًا خاصًّأ ووقعًا مؤثِّرًا ، ففي قلبي يسكن حبّها ، كيف لا وأنا اتخيّل في كلّ مرة الربّ يسوع ماشيًا في أزقتها ، ، أراه يجوب الشوارع والأزقة وخلفه التلاميذ والشعب بكلّ شرائحة ، الغنّيّ والفقير، الناموسيّ والفريسيّ, جابي الضرائب والسامريّ ، الرومانيّ واليونانيّ ، يحطّ عصا ترحاله في كل شبر هناك ، فيزرع الخير والبسمات والمحبّة .
ويحلو لي ابدًا ، أن أبدأ من جبل الزيتون ، ثمَّ أنزل في أثر الفادي ، اشمّ عطر وجوده ، واريج محبته ، وأستمع الى همساته ووشوشاته ، فأسمعه يقول : " تعالوا اليَّ يا جميع المُتعَبين والثقيلي الأحمال وأنا اريحكم". "احبوا اعداءكم باركوا لاعنيكم" أنا هو الطريق والحقّ والحياة ".
وأهدأ وأستكين في البستان ، بستان الجثسيماني ، هناك عند أقدام الزيتونات العتيقة ، فأصمت في حضرة التاريخ والقداسة ، وأروح أتخيّل هذا الاله –الذي كان قبل أن يكون العالَم –اتخيّله في الليلة ايّاها ، ليلة الخيانة ، بل قٌلْ ليلة الحياة ، اتخيّله يسجد ويجثو للآب العظيم ، والتلاميذ نيام ، وتروح قطرات العَرَق تسيل منه كقطرات دم : "يا أبتاه ، ان شئت أن تجيزَ عنّي هذه الكأس ، ولكن لتكن لا إرادتي بل إرادتك "
ولكنه جاء لمثل هذه اللحظة ، وجاء ليضع نفسه عن أحبّائه ، جاء ليحمل آثام الخُطاة الذين اوّلهم أنا .
كم أرتاح في هذا البستان ، فأروح أبحث تحت الزيتونة العتيقة الوسطى عن قطرات العرق ، بل قطرات الدم ، فأرى بعض الأزهار الحمراء، فلا أدري لماذا يأخذني خيالي بعيدا ، فأظنّها من بقايا تلك القطرات .ولطالما تمنيت أن أكون رسّامًا بارعًا ، حتّى ارسم ذاك المشهد بريشتي ، المشهد الذي يُلوّن خيالي ويزركش وجودي ، مشهد السيّد ، وهو يحارب ، ويجاهد بمحبته الفائقة من اجلنا وبسببنا! .
انّي أصلبكَ يا سيّدي كلّ يوم ، انّي أجلدك يا فاديَّ في كلّ يوم خميس ، اجلدك بخطاياي وآثامي وشوكاتي ، ولكنني أرنو اليك وانت مُعلَّق على الخشبة ، فيصفو ضميري وترتاح نفسي ، فالطمأنينة تأتيني من تلك القطرات ، قطرات الدم ، وذاك الإكليل ، إكليل الشوك ومن ذاك الإله ، الذي حمَلَ الصليب ، وسار درب الآلام مرحلة مرحلة ، ينوء تحت هذا الصليب الخشبيّ الثقيل ، ينوء تحت وطأة آثامنا !!!
يا بنات أورشليم لا تبكين عليّ بل ابكين على أنفسكنَّ " ..وأسير معه في الأزقة العتيقة ، أسير مع نفسي وأرى الجماهير اليوم هي ذاتها التي سارت بالأمس ، وأكلت من خبزه وسمكاته وخيراته ، وشربت من ينبوعه ، وشُفيت من اوصابها ، هذا الشعب الذي صرخ بالأمس فقط " اوصنّا،هوشعنا، مبارك الآتي باسم الربّ! ملك اسرائيل"..هي اليوم التي يقول بعضها : اصلبهُ ، اصلبهُ.
ما أضعف هذا الجسد يا سيّدي ، وما أجحد هذا القلب ، القلب الإنسانيّ!!.
وأتابع المسير ، وتنوء يا سيّدي تحت وطأة الحِمْل ، فيأتي ذاك العائد من حقله ، سمعان القيرواني ، فيحمله عنك .
وأقف وأتساءل : أتُرى ترك الربّ ذاك القيرواني بدون اجرة؟!..ألم يعطِ السيّد لعُمّاله أجرًا كاملاً لقاء ساعة عمل واحدة ؟
أنت محظوظ يا قيرواني ، فالسيّد لا يبقى ولن يبقى مَدينًا لأحد .
وأصل ...أصل الى القبر المُقدّس ، القبر الفارغ ، فأجثو وأقبّل اللاشيء ، فالشيء والأهمّ هو في السما،.يسوع ، يجلس عن يمين العرش ، ألمْ يقُل : "قد اكْمِل ".
حقًّا يا حمَل الله ، ويا عريس الكنيسة ، كُلّ مَنْ شَهد الصَّلبَ وَحَمَل معك الصّليب وما زال ، يفرح يوم الأحد ويبتهج فلقد انتصر على ابليس وقهر الموت بسيده الحيّ ، الآتي قريبًا على سحاب المجد ....ليأخذنا الى اورشليم السماوية .
يسوع ما أحلاكْ ..وما اعلى سماكْ
غرِّقنا بحبّك وغسّلنا بدماكْ
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :