عندما نطق ابو الهول
بقلم : لطيف شاكر
ان ابا الهول الذي حير المؤرخين والاثريين بصمته وغموضه ,عندما غمروا جسمه بالرمال ولم يكن يظهر منه سوي عينيه وجبهته , وبقي فيه مدفونا وسره مدفونا معه , اعتبروه رمزا للصمت حتي أصبحت كلمة صمت ابو الهول من الامثال الشائعة , لقد لاذ بالصمت ليحتفظ بسره.
ولكنه نطق مرة سجلها له التاريخ في احدي لوحات متونه عام 1420ق.م عندما تحول الوادي المهجور الذي يحيط به الي منطقة للصيد والفروسية اطلق عليها اسم وادي الغزال .
لقد وصفت النقوش التي وجدت علي احدي لوحات المتون القديمة ,كيف كان اصغر أبناء الملك أمنحوتب الثاني يتدرب علي الفروسية بجوار معبد أبي الهول , فما نال منه التعب ماجعله يأوي الي ظل رأس ابو الهول أخذته سنة من النوم, راي فيها حلما ورؤيا ويسمع ابا الهول يخاطبه قائلا:
"اسمعني : أنا أبوك صقر الأفق المتجسد في الأرض . سأعطيك ملكي علي الارض لتكون علي رأس الكائنات الحية. ستحمل علي رأسك التاج الأبيض والتاج الأحمر لتكون علي عرشي وارثا للملك . ستكون لك الأرض التي تضيئها عين الرب بطولها وعرضها . ستكون خيرات الأرضين ملكا لك طوال سني عمرك .. وجهي متجه اليك وقلبي معك . ستكون راعيا لشئوني جميعها .
ان جميع أعضاء جسمي تتألم من الرمال التي غطت محرابي حتي غطت جسدي ولم يبق ظاهرا مني غير جبهتي وعيني.
التفت لما أقوله لك ولما أريد أن تعمله لتحقق رغبتي انك ابني وحارسي .. وأنا معك ومرشدك"
لقد تحققت تلك النبوءة التي نطق بها أبو الهول فعين الأمير تحتمس الرابع فرعونا علي عرش مصر , مع أنه لم يكن وارثا للعرش ,فقد كان له أربعة أخوة يكبرونه .
وأمر الملك تحوتمس برفع الرمال المتراكمة حول ابي الهول , وأمر بكتابة هذا الحلم علي لوحة جرانيتية التي كانت قائمة امام صدر ابي الهول تشهد علي امر هذه الرؤيا.
ان ابا الهول العملاق الصامت يشغل اهتمام العالم , فتسابق علماء الاثار ومراكز الابحاث العالمية المهتمة بالمصريات وارسلت حملات التنقيب للبحث المستمر بكل التقنيات الفنية واحدث التكنولوجيا ليكتشفوا ما يحويه ابا الهول من اسرار غامضة ومعلومات هامة تكشف عن امور كثيرة وخبايا عديدة , ومازال الكثير من العلماء ينظرون اليه بترقب واهتمام .
و كانت منطقة ابوالهول قديما من المناطق التي كان يقبل عليها الناس في العصرين اليوناني والروماني يحجون اليه ويتنزهون فيها وبنوا الرومان هناك مايشبه المسرح المدرج ,وكان مكونا من درجات كما شيدوا بعض المباني علي الطراز العمارة الرومانية ,ليخلدوا زيارات بعض الشخصيات الكبيرة التي اتت للاستمتاع برؤيته .ونقش كثير من الزوار اسماءهم وامآلهم علي ذراعي ابو الهول ,وعلي لوحات من الحجر الجيري تركوها علي مقرية من المكان, وكتب احدهم قصيدة باللغة اليونانية التي كانت شائعة في ذلك الزمان علي احدي اصابع مخلب ابو الهول يقول فيها حسب ماامكن التوصل اليه :
…...........................................
….................... فقد هلكوا ايضا
وهذه ا لجدران في طيبة بنتها الحوريات
ولكن جداري لايخشي الحروب
انه لايعرف التعرض لهجمات الحرب او يعرف ا لانتحاب
انها تجد مسرتها دائما في ا لاعياد والموائد
وفي الغناء الجماعي للشباب الذي يأتون من كل مكان
اننا نسمع نغمات الناي , لانفير الحرب
والدم الذي يروي الارض انما هو دم ثيران الاضاحي
وليس من اعناق الرجال المذبوحين
ان ماتتزين به هو ثياب ا لاعياد و لااسلحة الحرب
ولا نحمل في ايدينا السيف
ولكن كأس الأخوة في المائدة
وخلال ساعات الليل كلها عندما تشتعل القرابين
نغني الاناشيد للاله حورمخيس (حور-أم-أخت)
وتزين رؤوسنا بأكاليل الزهر....
ان جمال هذه السطور يعيد الي اذهاننا حقيقة صورة الماضي الجميل - حتي ماقبل هذه الايام السوداء المخضبة بدماء الاحرار - حيث كانوا يغنون ويلعبون في مرح وسرور في ليالي الصيف المقمرة وعلي انغام موسيقاهم العذبة , وكانوا يلهثون لسماع ابو الهول يتكلم من الزمن البعيد من خلال برنامج الصوتوالضوء بمنطقة الاهرام وابو الهول ..
ان من يذهب لزيارة ابو الهول في ضوء القمر لايمكن ان تتجه افكاره الا الي السلام , ويري فيها ذلك الهدوء وتلك العظمة خصوصا عندما يتطلع الي قسمات وجهه انه يحس بسحر المكان وروعة الزمان.
لقد مرت آلاف السنين ومازال ابو الهول جاثما في مكانه ينظر نحو الشرق وعلي شفتيه ابتسامة ساحرة , مليئة بالاسرار وا لاستعلاء , رأي مصر وهي في اوج عظمتها ويراها الآن في اسود ايامها , رأي اعداء البلاد يدنسون الارض المقدسة التي تمتد امام عينيه وشاهد علي قبح الكلام وفجر اللسان ,رافعين معاول الهدم لازالة المكان ومحو الزمان وتحولت ابتسامة ابو الهول الساحرة الي ابتسامة ساخرة
تغيرت الايام والليالي وكم مر علي مصر من مد وجزر في تاريخها الطويل وكان المصريون ينظرون دائما الي ذلك التاريخ القديم ينتظرون منه الالهام ..انهم ينظرون الي الاهرام كرمز للاستقرار والاعتزاز ينظرون الي ا بي الهول كمصدر غير محدود للحكمة وا لامل في المستقبل .
انني اخال ان ابو الهول يصرخ قائلا : انا ابو الهول حارس الاهرامات رمز مصر الخالدة سوف ابقي الي دهر الدهور رابضا في مكاني محطما كل معاول الهدم ,شاهدا علي زوال هذا العهد الاسود المخضب بدم ابنائي واحفادي مهما طال الزمن ولن يطول مراهنا علي فنائهم سريعا ونهايتهم قريبا .وابقي انا .
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :