أزعجني حلم
لم أكن أتوقع أن السياسة تكون كابوسًا مزعجًا في حلم من أحلامي! لعل المخزون في العقل الباطن من الأحداث المتوترة على السطح هي السبب التي دفعت به في الليلة التي تسبق الأحكام على قانون العزل السياسي والفصل في انتخابات مجلس الشعب، والأحداث التي تترتب عليها انتخابات الإعادة لاختيار الرئيس..
نمت كالعادة في ساعة متأخرة من الليل، شاهدتُ نفسي أقف على سن حافة جبل عال وأمامي في الأسفل بحر واسع متلاطم الأمواج، وأُناس يسبحون يريدون النجاة، ومن خلفي هوة سحيقة مخيفة ومرعبة، لما فيها من حيوانات مفترسة ونيران وغير ذلك، وأناس يحاولون التسلق للخروج..
ونظرت يميني ويساري إذا بأناس كثيرين لكن يبدو عليهم التعب والألم الشديد، وعيون غالبيتهم تبدو شديدة الإحمرار جراء بكاء وحرقة، وآخرين بسطاء يضعون أياديهم فوق رؤوسهم وكأنهم يندبون حظهم على فقد شىء منهم، فانتابني خوف ورعب شديد، وكان لابد أن أذهب إليهم وأتعرف على هؤلاء لعل نجد حلًا ينقذنا، فاقتربت من أحدهم لأسأله: "من أتى بكم إلى هنا مثلي؟"، فرد: "لا أعرف.. كل ما أعرفه أنها لعبة السياسة، والمعارك الطاحنة على الكراسي والمناصب"، ففهمت أن حالهم من حالي، وسألت ثانيةً: "وكيف وصلتكم اللعبة إلى هنا؟"، قالوا: "احنا شعب بسيط وطيب، عايز يعيش في أمان وحرية وعدالة اجتماعية، ودوله مدنية متعرفش تفرق بين الناس، الكل عندها سواسية، والديمقراطية نابعة من عندنا، ولينا حضارة وتاريخ وبركات سمائية، لكن بعد ثورة 25 يناير اللي أسقطت النظام وكانت أهدافها أمنية الرضيع والطفل والفتى والشاب والعجوز والكهل والراجل والمرأة وكل المعتقدات والأحزاب والفئات وشرائح الشعب، حتى ذو الاحتياجات الخاصة، وسفك دم شهداء كثيرين من أجل أن ترتوي شجرة الحرية والحياة الأفضل لكل الناس، ولكن سرعان ما تبدل الحال، وطفا على السطح ركاب الموجة السياسية ومحبو الجلوس على ركام وحطام من تضرروا في الثورة، ثم سرقوا الزمام وقادونا للأمام واحتلوا كراسينا في مجلسي الشعب والشورى، ووزعوا المناصب، وبسرعة انقضوا على الرئاسه، وبعدها قسموا الغنايم، منهم من نزل ينقب على المجوهرات ومناجم الدهب والبترول وكل الثروات، والآخرون ركبوا سفينة القيادة وساروا يستكشفون الطريق علشان يتوسعوا خارج الحدود، وإحنا في مكاننا محلك سر، والجوع والحزن والألم وكل المتاعب والهم والمصائب علينا بتيجي؛ لأنه مفيش حد سأل عنا، ولامسؤول يعرفنا، فهربنا في الجبل، وأدينا ارتفعنا لأعلى سفح الجبل، وأدينا بنتفرج ركاب سفينة القيادة بيبحثوا عن طوق للنجاة بعد ما حطم الأعداء سفينتهم وشتتوهم بعيدًا، وصنعوا منهم تنظيمًا خطيرًا علشان يحاربوهم، والناس اللي بينقبوا على الثروات خرجت عليهم الوحوش الكاسرة من الأعداء وأدمروا نارًا متفرقة في الجوانب، وإحنا لا حول ولا قوة لنا، آدي حالنا، مش عارفين لينا طريق لنرجع لديارنا ونعيش حلوين."
ووجدت كمًا من صراخ وعويل الأطفال والمرضى، ودماءًا تتساقط قطراتها على الصخر، ورعد وبرق ظهر، وبعدها ظلام وأصوات مخيفة، حتى صرخت صرخات متتالية: "ارحمنا يالله، احمنا يالله.."
واستيقظت من النوم، وبرحت المكان، ولم تغمض عيني بعد حتى الليلة التالية.. ضغطت على نفسي حتى لا أنام إلا جالسًا من الخوف، والآن يتبادر بذهني سؤال: من المسؤول عن حالة التخبط الشديد التي أوصلتنا لهذا؟ وهل من مقاضاة هؤلاء من باعوا الشعب وقسموه؟ وهل من عودة للحياة الآمنة البعيدة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خلال البشر، منْ يتاجرون بالدين ليكسبوا السياسة والسلطة والحكم؟ وهل ممكن محاسبة السلطات التي تتناحر مع بعضها كأفراد وليس لخدمة مصرنا، والشعب الذي أولاهم تلك السلطات ليكونوا وكلاءًا أمناء عليها؟ ألا يخرج المجلس العسكري من صمته وينهي المعركة الداخلية التي أراها أصعب من الحرب على الجبهة، لأنها حرب فكر ولكن لا يُعفى من المسؤولية، لأن الثورة وثوارها الشرفاء وضعوا كل الثقة المطلقة فيهم لقيادة زمام أمور البلاد وتسليم البلاد دولة ودستورًا مدنيًا لا يعرف أي نوع من التمييز، ولا يخشوا ملامة أي دولة خارجية، لا أمريكا، ولا إسرائيل، ولا إيران، ولا غيرهم من الباحثين عن احتلال مصر من خلال فصائل من المصريين تزرعهم بصفقات، لأن "مصر" أهم محطة لأنظار الطامعين في منطقة الشرق الأوسط، وخطتهم تفكيك الدولة وإنشاء حروب أهلية على أساس طائفي وديني، وخاصةً لوجود تيارات دينية شهوتها السلطة والمال والجاة، ولا يهمهم شىء حتى ولو حصلوا عليها بسفك دماء غالبية الشعب، وهذا ما لا نريده، ونريد من المجلس العسكري سرعة اتخاذ القرار لتسليم البلاد مدنية ودستورًا مدنيًا.. الدين لله والوطن للجميع.. قبل أن يجهز على مصر وشعبها أعداؤها، بواسطة أحزاب وفصائل معصوبة العين، لا ترى سوى تحت قدميها..
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :