مؤتمر أربيل وثقافة المسدس والزيتوني!!
بقلم : د. عبدالخالق حسين
نشر السيد دانا جلال مقالاً بالعنوان أعلاه، فتصورتُ أول الأمر أن الكاتب يريد تذكير القراء بسياسات البعثيين العبثيين الأشرار، المعروفين بثقافة المسدس وكاتمات الصوت والزيتوني، وزيارات الفجر والاختطاف والقتل والتغييب والمقابر الجماعية...الخ. ولكن بعد قراءتي للمقال تبيَن أنه رد على مقالي الموسوم (مؤتمر التجمع العربي لنصرة الشعب الكردي أم لنصرة حكامه؟ )(1). عتبي على السيد الكاتب، هل كان من الانصاف أن يربط بين مقالي والعنوان المذكور؟ ولذلك استعرتُ منه العنوان عملاً بمقولة (هذه بضاعتكم ردت إليكم).
يبدو أن للسيد الكاتب اهتمام في علم النفس وخاصة في مبدأ (البافلوفية- نسبة إلى العالم الروسي إيفان بافلوف)، أي ربط الشيء بالشيء لإثارة الأفعال الانعكاسية. فخبراء الدعاية يعرفون هذا المبدأ الفسلجي ويعملون بموجبه، ويسمون العملية بـ (الدعاية عن طريق الربط Advertisement by association)، فمثلاً إذا تريد أن تروِّج لبضاعة معينة تضع صورة تلك البضاعة إلى جانب صورة تثير الغرائز البدائية في الإنسان مثل الجنس، فيضعون عادة صورة فتاة جميلة نصف عارية إلى جانب صورة تلك البضاعة التي لا علاقة لها بالجنس!! وبالعكس، إذا أرادوا الحط من بضاعة ما أو شخصية ما، وضعوا صورة قبيحة مقززة إلى جانبها، أو أبلسة وشيطنة الشخصية بتصويره بصورة إبليس أو الشيطان!! كما عمل حزب المحافظين البريطاني على تشويه صورة توني بلير في انتخابات 1997، حيث نشروا صورته في بوسترات على شكل صورة إبليس بعيون حمراء تقدح الشرر!!.
لا شك أن غالبية أبناء شعبنا يكرهون البعث ويحتقرونه لما تسبب لهم من أضرار وآلام وكوارث طيلة 35 سنة من حكمه العبثي الجائر، لذلك استعار السيد الكاتب أدوات وأسماء من البعث المقبور تحمل معاني وصور قبيحة في مخيلة أبناء شعبنا، فوضع عنواناً يذكر بأيام البعث السوداء، وربط هذه الصورة برده على مقالي ليوحي للقارئ بأني من فلول وأيتام البعث، لا لشيء إلا لأني قدمت نقداً بناءً في صالح الجميع، والواقع يؤكد أني أحد ضحايا هذه البعث الساقط، وقد حاربته بنشاطاتي السياسية وبمقالاتي باسمي الصريح منذ الثمانينات من القرن المنصرم.
لم يخطر ببالي يوماً أن أدخل في سجال مع كاتب عراقي، كردي أو غير كردي، حول الموقف من القضية الكردية، ولا أريد أحداً أن يزايد عليَّ في هذا المجال، فمقالاتي لنصرة القضية الكردية معروفة ومقروءة ومازالت على أرشيفي في مواقع الانترنت وبالأخص أرشيفي مقالتي على موقع (الحوار المتمدن) الذي يضم نحو 725 مقالاً منذ 2003 ولحد كتابة هذه السطور، وأكثر من مائة مقالة نشرت في صحافة المعارضة قبل هذا التاريخ. وكذلك دافعت عن الكرد في مؤتمرات دولية مثل مؤتمر الدفاع عن حقوق الأقليات في الشرق الأوسط الذي نظمته منظمة أقباط متحدون بقيادة المرحوم الباش مهندس عدلي أبادير يوسف في واشنطن عام 2005، وفي زيوريخ عام 2007، وقد حضر المؤتمر الأخير عدد من الأخوة الأكراد من العراق وتركيا وسوريا. والدفاع عن حقوق الكرد في هذه المؤتمرات أكثر تأثيراً إعلامياً من الدفاع عن حقوقهم في مؤتمر يعقد في أربيل عاصمة كردستان، وبعد أن حقق الشعب الكردي حقوقه المشروعة.
كما ولم يخطر ببالي أن مثقفاً مثل السيد دانا جلال، لا يميِّز يبن النقد البناء والعداء، فالنقد ضروري جداً لتصحيح مسار أي عمل إنساني، وبالأخص العمل السياسي لأن (النقد أساس التقدم- ماركس). فمعظم الثورات، والحركات السياسية ابتلت بالانحرافات، وعانت البشرية الكثير من المظالم بسبب ما ارتكبه القادة من أخطاء وجرائم باسم الثورة، والحفاظ على النقاء الأيديولوجي، لأنهم اعتبروا أنفسهم معصومين عن الخطأ، ومن ينتقدهم فهو خائن وعدو لدود للثورة يجب تصفيته. وهكذا انتهت بعض الحركات ببروز طغاة مثل ستالين، وبول بوت، وصدام حسين والقذافي وغيرهم.
يبدو أن البعض من الكتاب الكرد وأصدقائهم العرب من هذا القبيل، إذ يعتبرون أي نقد لقيادة حكومة إقليم كردستان كفر وإلحاد، وسرعان ما يوجهون له تهمة الشوفينية الجاهزة، ويضعونه في خانة البعثيين وثقافة المسدس والزيتوني والعلوج!! وكأن حكام إقليم كردستان ملائكة معصومين من الخطأ. بينما الواقع ليس كذلك، إذ تنقل وسائل الإعلام أن مظاهر الظلم والفساد في الإقليم هي الأكثر تفشياً وشيوعاً من أية منطقة أخرى في العراق، وهذا بشهادة نائب كردي وليس من "كتاب نور المالكي، أو كتاب السلطة، أو وعاظ السلاطين" كما يحلو للبعض تسمية كل من يختلف معهم في الرأي. لذلك أثار مقالي الناقد غيض البعض من منظمي التجمع المذكور.
وفيما يخص الفساد في كردستان، أشير إلى العنوان التالي: (مجلة كومينتري: فضائح عائلة برزاني تتحكم بالمستثمرين !!) حيث نشرت المجلة المذكورة تقريراً جاء فيه: (من جانبه قال النائب عن كتلة التغيير الكردستانية لطيف مصطفى أمين، في تصريح خص به وكالة (اور) أن الفساد الاداري والمالي مستشر بصورة سرطانية في كل مفاصل الدولة العراقية وان الاقليم قد يشكل النسبة الأعلى...). وتضيف المجلة: (... وبعد الزيارة المخيبة للآمال الى واشنطن والتي تم فيها اذلاله حينما اخضع وكلاء ادارة النقل حاشيته للتفتيش، فان الرئيس الكردي مسعود برزاني، استنادا الى تقرير في كردستان تربيون قد قام بزيارة الى الامارات العربية المتحدة بعد ان خسر ابنه منصور برزاني ثلاثة ملايين ومائتي الف دولار في كازينو محلي" . وتتساءل المجلة: "من اين حصل ابنه على هذا المبلغ، سواء جاء من الخزينة الحكومية، وإذا كان الامر كذلك، لماذا سافر البرزاني الابن بكل هذا النقد، هو سؤال بدون جواب." (2)
كما تعرّض الدكتور عبدالمصور سليمان بارزاني، استاذ التاريخ في جامعة السليمانية، الى عملية اختطاف على يد مليشيات تابعة لرئيس إقليم كردستان، تعرض خلالها الى الضرب والإهانة والتجريح، وشتائم ضده وضد السيد جلال طالباني، قبل أن يطلقوا سراحه بعد حين .. وقد غامر الدكتور بكتابة مذكرة وجهها إلى (أعضاء المحكمة الدولية لحقوق الإنسان) نضع رابط الشكوى في هامش المقال، ففيها التفاصيل والمحنة التي تعرض لها الأكاديمي الكردي.(3). وسؤالنا هو، أليس من واجب المؤتمرين في أربيل مساءلة حكومة الإقليم عن هذه التجاوزات الفضة على حقوق الإنسان، عملاً بالحكمة القائلة: (صديقك من صدقك وليس من صدَّقك)؟؟ وهل إذا قدمنا مثل هذه النصيحة نستحق عليها وضعنا في خانة "ثقافة المسدس والزيتوني"؟
والآن لأراجع بعض ما ورد في مقال السيد دانا جلال، وتوضيح موقفي منه بإيجاز شديد، وذلك كالتالي:
1- يعيب الكاتب وكثيرون غيره على المالكي أنه زعيم حزب إسلامي، وأن لا ديمقراطية ترجى من الإسلاميين. هذه المقولة باتت بديهية في رأيهم لا تقبل أي شك ولا حتى السؤال.
الحل في هذه الحالة، وكما ذكرت مرارا وتكراراً، هو: تفضلوا يا أخوان واقنعوا غالبية الناخبين من أبناء الشعب بأن ينتخبوا العلمانيين، فإذا نجحتم سأكون أول المصفقين لكم. لكن الحقيقة تؤكد أنه إذا ما تعرض أي شعب إلى الظلم والإذلال على أيدي الحكام الجائرين العلمانيين، وعدم إمكانية القوى المادية على خلاصه، فيتوجه هذا الشعب إلى الدين والقوى الغيبية. والجدير بالذكر أن البعث الصدامي وزع ظلمه على مكونات الشعب حسب انتماءاتهم المذهبية والأثنية، لذا فمن الطبيعي أن تتخندق الجماهير في خندق الدين والطائفة والقومية. لذلك تخندق الكورد في الخندق القومي الكوردي، ووجد الشيعة والسنة ملاذهم في أحزاب الإسلام السياسي، وهكذا. بمعنى أن ما يحصل في العراق الآن من تخندق طائفي وأثني هو رد فعل لسياسة البعث الطائفية والعنصرية الطائشة. وعليه فالحل ليس في شخصنة مشاكل العراق المتراكمة وإلقائها على كاهل شخص واحد وضعته الأقدار في موقع رئاسة الحكومة. فهكذا تفسير في رأينا خطأ، لا يقدم حلاً للمشكلة بل يفاقمها. كما ولا يمكن أن ندعي الديمقراطية ونرفض نتائجها. شئنا أم أبينا، فقد جاء السيد نوري المالكي إلى رئاسة الحكومة وفق التصويت الديمقراطي.
2- يقتبس السيد دانا جلال فقرة من مقالي، أني قلت: (" فأين كان هؤلاء يوم تعرض الشعب الكردي إلى حرب الإبادة من قبل نظام صدام حسين، مثل حملة الأنفال وحلبجة وغيرها")؟.
يعتبر الكاتب قولي هذا تهديدا "وضمن حملات وذهنيات التخوين الذي انجر اليها السيد د.عبد الخالق حسين..". لا أدري كيف فسر الكاتب عبارتي تلك بالتخوين، وأنا حريص جداً على عدم اتهام من يختلف معي بالتخوين. فهذه العادة ابتلى بها أصحاب الأيديولوجيات التي تحررتُ منها والحمد لله.
كما ويضيف السيد جلال قائلاً: "حينما وصف رموز ثقافية ونضالية بسؤال الاتهام حينما كتب واصفا الحضور العربي في مؤتمر الاخوة في اربيل... " ويتساءل: "حقيقة لا نعرف اي خندق اختار الدكتور عبد الخالق حسين فترة النضال ضد الفاشية، ولكني اجزم بانه لم يكن في ذات الخندق الذي كان فيه اغلب الحاضرين لمؤتمر التجمع العربي، حيث كان عددا كبيرا منهم ضمن فصائل الانصار الشيوعية ضد الفاشية او في الخلايا السرية لأحزاب اليسار العراقي والعربي."
جوابي على هذا الاتهام هو: إذا كان الانتماء لليسار وخلايا السرية، هو وحده عمل معادي للفاشية، فأنا كنت في تلك الفترة منتمياً للحزب الشيوعي، وعندما تركت الحزب في منتصف الثمانينات وأنا في بريطانيا، انتميت إلى (التجمع الديمقراطي العراقي) الذي كان يضم مجموعات من الذين تركوا الحزب الشيوعي، وكان تنظيمنا على يسار الحزب الشيوعي في التسعينات وله حضور متواضع مع الأنصار في كردستان. ولما انتهى التجمع بعد وفاة أمينه العام المرحوم صالح دكلة أواخر التسعينات، توصلت إلى قناعة أنه لا يمكن تحرير الشعب من البعثفاشية إلا بمساعدة أمريكا وبريطانيا، لذلك انتميت إلى المؤتمر الوطني العراقي الموحد الذي كان يضم الأحزاب الكردية أيضاً، وحتى الحزب الشيوعي العراقي، إضافة إلى عشرات التنظيمات السياسية الأخرى في المهجر. لذا فأطمئن الأخ دانا جلال أني لم أكن في خندق الفاشية. كذلك أؤكد أنه ليس كل من حضر مؤتمركم كان في خندق معاداة الفاشية آنذاك. هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، ومع احترامي للذين كانوا ضمن فصائل الأنصار وتقديري الكبير لتضحياتهم، إلا إني كنتُ ومازلتُ لا أؤمن بجدوى الكفاح المسلح. لأن الذين كان الأنصار يقتلونهم في كردستان هم الجنود الفقراء المكلفين من أهلنا في الجنوب، والذين كانت الحكومات الفاشية تبعثهم إلى جبهات القتال في كردستان رغماً عنهم لكي تتخلص منهم، فتعتبر قتلهم مصلحة لها، وهو جزء من حرب إبادة الجنس، إذ جاء على لسان عبدالسلام عارف: "عبدالحسين وكاكا حمة يتقاتلون وأي منهم ينقتل إحنا رابحين".
كذلك لا ننسى أن العلاقة بين قوات الأنصار، وقوات الحركة الكرستانية لم تكن على انسجام دائم، بل كانت معقدة تتراوح بين المد والجزر، وحتى حصل اقتتال بينهم راح ضحيتها أبرياء كمجزرة بشت آشان، على سبيل المثال لا الحصر. كذلك في السبعينات اصطف الأنصار الشيوعيون مع القوات البعثية في محاربة قوات بيشمركة الكردية. وفي التسعينات استنجد السيد مسعود بارزاني بصدام حسين ووجه له دعوة لإرسال قواته لاحتلال أربيل، وتحريرها من قوات غريمه قوات السيد جلال طالباني. وفي تلك العملية اختطفت القوات الصدامية نحو 700 من قوات المعارضة العراقية وأبادتهم عن بكرة أبيهم، وبينهم العشرات من الشيوعيين.
وقد استلمتُ قبل أسابيع رسالة مؤثرة من أحد الأنصار الشيوعيين تعليقاً على مقال لي في هذا الخصوص، ربما سأنشره يوماً، يؤكد صحة رأيي هذا.
3- يقول الأخ دانا جلال: "بغرض القفز على الحقائق لا يذكر د. عبد الخالق حسين بان جل نشاط التجمع العربي لنصرة القضية الكوردية يتركز على دعم قضية الكورد في تركيا وإيران وسوريا حيث يُمارس ضدهم حرب ابادة وانكار وجود قومي. .." ويضيف: "ان كورد العراق مهددين من قبل دول مجاورة تجتاح حدود العراق من بوابة الاقليم للنيل من الحقوق القومية للكورد، وما قتل الطائرات والمدافع التركية والإيرانية للمواطنين الكورد وهدم قراهم والغير مبرر كما اشارت لجنة التحقيق المشكلة من قبل الامم المتحدة...الخ".
طيب يا أخي دانا، إذنْ، الكورد مهددين بالإبادة من تركيا وإيران، وليس من حكومة بغداد، ولكن المؤتمر كان دعماً إعلامياً للسيد مسعود برزاني في صراعه مع رئيس الحكومة الاتحادية، السيد نوري المالكي الذي يعرف أن العراق مهدد من دول الجوار مثل إيران وتركيا والسعودية، يعملون على جعله دولة هشة وضعيفة. كذلك نعرف أن رئيس الإقليم يقوم بزيارات ودية لهذه الدول ويستقبل بالأحضان من قبل حكامها إلى حد أن الملك السعودي منح أعلى وسام الدولة للسيد بارزاني تقديراً لجهوده في إزاحة نوري المالكي من الحكومة وإضعاف الدولة العراقية. كما وأفادت الأنباء عن تبرع السعودية بـ 500 مليون دولار لقياديين في كتلة "العراقية"، ووعدت بدفع ثلاثة ملايين دولار لكل نائب عراقي يصوت لسحب الثقة من نوري المالكي والتخلص منه(4).
وهذا يعني أن مؤتمركم لم يكن لحماية الكورد من إيران وتركيا وسوريا، بل ضد الحكومة العراقية الاتحادية التي يشكل الكورد جزءً مهماً منها، وهو أشبه بأن تأتيك ضربة من شخص جالس على يمينك فتضرب الجالس على شمالك!!.
4- يستكثر الكاتب على رئيس الحكومة العراقية عقد اجتماعات وزرائه في بعض المحافظات، ويعتبرها تهديداً للكورد وأنه تحالف سلطة المركز (المذهب السياسي) مع القوى الشوفينية في كركوك والموصل وديالى وصلاح الدين ... فتلك وبحكم تنوعها القومي ارض هشة يمكن ان يخترقه الشباطيون الجدد". لاحظوا رجاءً استخدام الكاتب عبارة (الشباطيون الجدد).
لم أرغب في نكأ الجراح القديمة، ولكن السيد دانا جلال يرغمنا على ذلك، فيقوم بخلط الأوراق. فمن هم الشباطيون الجدد؟ هل السيد المالكي والحريصون على إنجاح العملية السياسية الساعون لسد الطريق على عودة البعث (الشباطيون الجدد والقدامى)، أم أولئك الذين يريدون إعادة انقلاب شباط 1963؟ ومن هم الذين تحالفوا مع الشباطيين القدامى والجدد، ويستقبلونهم الآن بالأحضان، في لقاءات أربيل، ووفروا لهم الملاذ الآن، ويرفضون تسليم المتهمين منهم بالإرهاب إلى القضاء في بغداد بحجة أنه ضد اخلاقية الكورد، على حد تعبير رئيس الإقليم في رفضه تسليم طارق الهاشمي الهارب من وجه العدالة والمتهم بجرائم الإرهاب؟ وهاهم الشباطيون القدامى والجدد بقيادة أياد علاوي وطارق الهاشمي وصالح المطلك وغيرهم يُستقبلون بالأحضان من قبل رئيس حكومة الإقليم، حتى صارت مدينة أربيل محجاً دائماً لهم. والغرض من هذه اللقاءات إسقاط المالكي كما أسقطوا عبدالكريم قاسم من قبل؟ ألم يكن قياديو "العراقية" من الشباطيين الأوائل والجدد؟ فهل صار حلفاء المالكي وبقدرة قادر من الشباطيين الجدد؟ وسؤالنا هو: هل هذا دليل على حرص الأخوة الكورد على الوحدة العراقية؟ ألا يحق لرئيس الحكومة الاتحادية أن يعقد اجتماعات وزرائه في المحافظات العراقية ومنها كركوك التي هي عبارة عن عراق مصغر بمكوناتها المختلفة؟ ثم لماذا الإسراع باتهام الآخرين بالشوفينية؟ حقاً كما قال المثل: (رمتني بدائها وانسلت).
5- يقول الكاتب: "كورد العراق مهددين، فعقلية الانفال وتكرار تراجيديا حلبجة ما زالت متحكمة عند بعض اصحاب القرار في بغداد الذين ينتظرون طائرات اف 16. ان حرب الابادة ضد الكورد في السعدية وجلولاء،" ويشير إلى "التهديد الوقح الذي اطلقه "عباس المحمداوي" امين عام ائتلاف أبناء العراق الغيارى برفع السلاح وقتل الكورد ان لم يخرجوا من بغداد وبقية المدن هو نموذج ليس بمنعزل، لان وجوها وعلوجا اخرى ستكشف حقيقتها ونظرتها الشوفينية ضد الكورد خلال الايام المقبلة"
جوابي على هذه الاتهامات أنه ليس الكورد وحدهم تعرضوا لحرب الإبادة من قبل الفاشية البعثية، فالشيعة أيضاً تعرضوا لحرب الإبادة والتهجير الجماعي. أما "التهديد الوقح الذي اطلقه عباس المحمداوي" فكنتُ أول من أدانه بمقال شديد اللهجة حيث وصفته بالفاشية والعنصرية. ولكن كما قال المحمداوي فيما بعد أن تهديده هذا جاء رد فعل لتصريحات البرزاني. فالمواطن الكردي في الإقليم له الحق بالسفر إلى أي مكان في العراق والعمل والسكن فيه بمنتهى الحرية، بينما لا يحق للمواطن العراقي العربي السفر إلى كردستان حتى ولو بدافع السياحة إلا بتأشيرة دخول وكفيل، وكأنه مسافر إلى دولة أجنبية، والبعض منهم يتعرض إلى إهانات وإذلال عند مخافر الحدودية كما كتب لي أحدهم أحتفظ برسالته. هذا السلوك الاستفزازي هو الذي يدفع المحمداوي وأمثاله إلى إطلاق مثل هذه التهديدات الفجة، والتي أدانتها السلطة المركزية بقوة.
واليوم يعيش العراق بنظام ديمقراطي يشكل الكورد جزءً فعالاً منه في صنع القرار السياسي والتمتع بثرواته. والإصرار على حرمان الدولة العراقية من الاستقرار، وبناء مؤسساته وقواته المسلحة بذريعة جرائم الحكومات الفاشية في الماضي أمر مجحف ومضر لا يسنده أي منطق، خاصة وأن حكومة الإقليم تسعى في نفس الوقت إلى تجهيز قواته المسلحة (البيشمركة) بالأسلحة الثقيلة، والذي يكون قائده رئيس الإقليم وليس رئيس الحكومة الاتحادية. لذلك، فهذه السياسة ليست ضارة بالعراق كدولة ديمقراطية دستورية اتحادية فحسب، بل وتضر بالكورد أيضاً بدليل أن الشعب الكردي يتعرض لحرب الإبادة من دول الجوار (تركيا وإيران) وليس بإمكان الحكومة المركزية حماية الكورد لأن حكومة الإقليم لن تسمح للقوات الإتحادية بالتواجد في كردستان.
6- يقول السيد دانا جلال: "بما ان كورد العراق اختاروا طوعا، وعبر برلمانهم المنتخب البقاء في العراق الديمقراطي الفيدرالي الدستوري، فان النضال من اجل دمقرطة المركز هو جدل تداخل القومي بالديمقراطي،.."
آمنا بالله، ولكن الذي يحصل هو أن رئيس حكومة الإقليم يريد أن يجعل من الإقليم أقوى من الدولة الاتحادية الديمقراطية، فهل هذه هي عملية دمقرطة الحكومة المركزية، أم جعلها حكومة كارتونية هشة ضعيفة لا حول لها ولا قوة، ولا أية سلطة لرئيس الوزراء وحومته المركزية على أية محافظة. فأية دولة ديمقراطية هذه التي تريدونها للعراق؟ وأين هذا التهديد الحقيقي للديمقراطية والقوى الديمقراطية؟ فإذا كنت تعني بالقوى الديمقراطية الأحزاب العلمانية فقط، فأنت على خطأ، لأن جميع الأحزاب الإسلامية، السنية والشيعية، تبنت الديمقراطية وقبلت العمل مع الأحزاب العلمانية وبآلية الديمقراطية. فلماذا ترفض الأحزاب العلمانية العمل مع الأحزاب الإسلامية التي تبنت الديمقراطية نهجاً لها وقرر بناء الدولة المدنية وليس الدولة الدينية؟
في الحقيقة أن الأحزاب العلمانية تعمل مع الأحزاب الإسلامية، ولكن في نفس الوقت تعمل وسائل إعلامها ضجيجاً عالياً ضد الأحزاب الإسلامية تتهمها بأنها غير ديمقراطية؟ بينما تاريخ هذه القوى يخلو من السلوك الديمقراطي عندما تكون في موقع القوة. وكما ذكرت آنفاً، إن هيمنة الأحزاب الإسلامية على السلطة هي تحصيل حاصل ونتاج صناديق الاقتراع، إذ لا يمكن أن ندعي الديمقراطية، وفي نفس الوقت نرفض القبول بنتائج الانتخابات.
وأخيراً، يقول السيد دانا جلال: "اتفق مع د. عبد الخالق حسين بوجود حالات فساد وتجاوزات في كوردستان العراق، حالات اعترفت بها حكومة الاقليم بعد ان سلط عليها الضوء كتاب وناشطين كورد وكنا ضمن هذا الجهد."
الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، لقد اعترف السيد الكاتب بوجود فساد في الإقليم، ولكن في نفس الوقت يبرره بأن حكومة الاقليم لا تدعي انها سويسرا او السويد في ديمقراطيتها...الخ"
طيب، ولكن لماذا تريدون من حكومة بغداد الاتحادية أن تكون مثل حكومة سويسرا او السويد في ديمقراطيتها، خاصة وأنها محاصرة من قبل الإرهاب، والشركاء في السلطة يضعون مختلف العراقيل لمنع أي تقدم في بناء مؤسسات الدولة وتحسين الخدمات للمواطنين لأنهم يعتقدون أن أي تحسن في الوضع سيكسب رئيس الوزراء شعبية ومكاسب سياسية؟؟
خلاصة القول: مما يؤسف له أن رئيس حكومة الإقليم يستغل المظالم التي تعرض لها الشعب الكردي على أيدي الحكومات الفاشية، لتوظيفها في حرمان العراق من الاستقرار، وذلك بجعله دولة كارتونية هشة وضعيفة ومشلولة لا حول لها ولا قوة، وجعل الإقليم أقوى من الحكومة المركزية الإتحادية، ليكون بإمكان رئيس الإقليم تغيير رئيس الوزراء العراقي متى شاء بمجرد عدم موافقة رئيس الوزراء على تنفيذ أوامر رئيس الإقليم. كذلك تريد حكومة الإقليم جعل ثروات كردستان لكردستان وحدها وتعقد الصفقات مع الشركات الأجنبية كما تريد ودون الرجوع إلى المركز، وثروة العراق للجميع، وأن يكون للشعب الكردي نفوذ وحصة في حكم العراق ودون أن تكون للحكومة المركزية أي دور في الإقليم.
والجدير بالذكر أن السيد مسعود بارزاني أراد الإعلان عن الدولة الكردية المستقلة في عيد نوروز هذا العام، وهذا من حقه وسأكون أول المباركين للشعب الكوردي على دولته الوليدة، ولكن لمّا نصحه الرئيس الأمريكي أوباما بعدم الإقدام على هذه الخطوة وإلا فإن أمريكا ستنفض يدها من كردستان، غيَّر السيد مسعود خطته، فتبنى خطة أسلم عاقبة وذلك، بجعل كردستان دولة قوية حقيقية مستقلة عملياً، وضمن الدولة العراقية نظرياً لكي يحمي دولته من الابتلاع من قبل إيران وتركيا، إضافة إلى ضمان منافع أخرى، منها أن قبوله بفيدرالية هشة مع العراق الضعيف يجعل رئيس الإقليم متسلطاً على حكم كردستان والعراق معاً. فهل هناك نظام مثل هذا في العالم؟
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com العنوان الإلكتروني
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/ الموقع الشخصي
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :