الأقباط متحدون | الأسئلة التأسيسية (2/7) هل تقومُ بمصر دولةٌ دينيةٌ؟
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٢٠:٠٤ | الاربعاء ٢٣ مايو ٢٠١٢ | ١٥ بشنس ١٧٢٨ ش | العدد ٢٧٦٩ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

الأسئلة التأسيسية (2/7) هل تقومُ بمصر دولةٌ دينيةٌ؟

بقلم : يوسف زيدان - المصري اليوم | الاربعاء ٢٣ مايو ٢٠١٢ - ٥٢: ٠٣ م +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

هذا السؤالُ البسيطُ البرىءُ ترتبطُ به ثلاثةُ أسئلة أخرى ركيزية تدور معه، حيث لا يمكن النظر فى عنوان مقالة اليوم أو تقديم رؤى رشيدة بصددها أو إجابات أقرب إلى الصواب، من دون الوقوف أولاً عند الأسئلة الثلاث المتفرعة بالضرورة عن هذا السؤال «الاستشرافى» الذى جعلته اليوم عنواناً للمقالة، وهذه الأسئلة هى: ما هى أصلاً الدولةُ الدينية؟ هل سبق أن قامت بمصر دولةٌ دينية؟ ماذا سيكون حال مصر إذا قامت بها دولةٌ دينية؟

وأعتقد أن السؤال «العنوان» يأتى فى موعده، بل يصير اليوم، مع الأسئلة المتفرِّعة عنه، أكثر إلحاحاً وخطورةً منه فى أى وقتٍ مضى، لأن اليوم «الأربعاء» هو اليوم الأول للمرحلة الأولى «غير الحاسمة» من انتخابات الرئاسة التى ستنحسم الأسبوع القادم، فتصير مؤشِّراً مُهمّاً لما سوف يجرى بديارنا فى الفترة القادمة، وما سوف يجرى أيضاً فى المنطقة المحيطة بنا، نظراً للأثر الإقليمى الكبير لمصر.. ومن هنا وجب علينا الشروعُ فى بحث هذا الأمر المصيرى، على الترتيب التالى:

ما هى الدولة الدينية؟.. لا يعرف المتخصِّصون فى السياسة وفى الفلسفة وفى تاريخ الأفكار شيئاً يسمى «الدولة الدينية»، إنما يعرفون المفهوم الاصطلاحى «الثيوقراطية» الدال على نظام الحكم السياسى الذى يستمد فيه الحاكمُ سلطاته من الإله الأعلى، ومن هنا جاء هذا المصطلح القديم جامعاً بين كلمتين من أصل يونانى: ثيو «إله» كراتيس «حُكم».. على الطريقة ذاتها التى تمَّ بها اشتقاق المصطلحات الشهيرة الدالة على أنظمة الحكم الأخرى، كالديمقراطية «حُكم الشعب» والأوتوقراطية «حكم الفرد الواحد» وغير ذلك.

ولأن «الثيوقراطية» محدَّدة المعنى ومثقلةٌ باعتراضاتٍ كثيرة، فقد تمَّ مؤخراً طرح مصطلح بديل لها هو: الدولة الدينية. وقد اشتهر هذا المصطلح الجديد على ألسنة الناس فى مصر، عقب نجاح ثورة يناير فى إزاحة الرئيس مبارك عن كرسى الحكم الذى تأبَّد عليه، وكان يتمنى توريثه لابنه الباهت المتحزلق، الذى كان يظن نفسه حاذقاً وبقية الناس بلهاء.. المهم أنه بمجرد أن لاحت فى الأفق علامات الفراغ السياسى الذى كانت مصر مقبلة عليه عقب سقوط مبارك وبعض رجاله، مَهَرَ الماهرون ونهض الناهضون من قادة الاتجاه المعروف باسم «الإسلام السياسى» خصوصاً الإخوان المسلمين منهم، فطرحوا على واقعنا مفهوماً جديداً بديلاً للثيوقراطية، ألطف وَقْعاً على الأسماع، هو «الدولة الدينية» وصاغوا له تعريفاً، هو: دولة مدنية بمرجعية إسلامية.. وهكذا صار أمل الساعين إلى بناء دولة مدنية متحققاً فى مشروع الإسلاميين الموافق للشريعة. وهكذا اجتمع النقيضان «الدولة المدنية والدولة الدينية» مع أن النقيضين فى المنطق لا يجتمعان. لكن الجمهور العام، ولا سيما عوامَّ المتدينين منهم «وهم كثيرون بمصر» لا يعتمدون عادةً على التفكير المنطقى، وإنما تروق لهم المعانى العامة الفضفاضة التى عبَّرت عنها الشعارات الشهيرة، مثل «إسلامية إسلامية، لا شرقية ولا غربية» أو «الإسلام هو الحل».. فضلاً عما كان يثار بين الحين والحين، ويلهب الحرائق على قاعدة أن الإسلام فى خطر، وأنه لا بد من تحرير «الأخت كاميليا» وغير ذلك من الترّهات التى ظلت تشغل الرأى العام، وتشعل فى الديار النار، بينما الماهرون من المشايخ اللاعبين فى الفراغ السياسى يؤكِّدون على الملأ ما مفاده أن الإسلام دينٌ ودنيا، وأن العدل هو أساس الملك، وأن هوية مصر فى خطر. ثم يزيدون الأمر توضيحاً، بتأكيدهم أنهم يسعون إلى حكم مدنىٍّ ذى مرجعية إسلامية، لأن لكل جماعة مرجعية، وغالبية أهل مصر مسلمون، فمن الطبيعى أن يكون الإسلام هو المصدر والمرجعية. ثم يزيدون حُججهم إقناعاً، بتوزيع عبوات الزيت وأكياس السُّكر وأنابيب الغاز التى شحَّت من دون سبب مفهوم.. وعند العوام وسكان العشوائيات والمهمَّشين، كانت هذه الوسائل «الإقناعية» ناجحة، وقد ظهر نجاحها الباهر فى نتائج الانتخابات البرلمانية، وربما يظهر اليوم وغداً فى نتائج الانتخابات الرئاسية، فتصير «الدولة الدينية» قاب قوسين أو أدنى من ذلك.

طيب، دعونا نتعقَّل هذا التعريف «دولة مدنية بمرجعية إسلامية» ونفكِّر فيه بشكلٍ منطقىٍّ لنكتشف ببساطة أن الإسلام «دين» وبالتالى يصير التعريف: دولة مدنية بمرجعية دينية.. ثم نكتشف أن الدولة المدنية لها مرجعيةٌ واحدةٌ هى القانون، وليس الفقه والنصوص الدينية، وهنا يظهر التعارض بين «مرجعية» هذه وتلك، وهو ما سوف يجرى علاجه ورفع تعارضه بعملية مراجعة شاملة لنصوص القانون، كى تتوافق مع «شرع الله» لأن القانون وضعىٌّ وغيرُ مقدسٍ، بينما الشريعة إلهيةٌ ومقدسة، والآياتُ القرآنية تقول بحسم: «ومَنْ لم يحكم بما أنزل الله، فأولئك هم الكافرون».. «ومَنْ لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون».. «ومَنْ لم يحكم بما أنزل الله، فأولئك هم الفاسقون»- وردت الآياتُ الثلاثُ فى سورة المائدة.

وآنذاك سوف نكتشف أن «دولة مدنية بمرجعية إسلامية» هو بالتمام والكمال نظام الحكم الثيوقراطى، ولن يقدر أحدٌ على المعارضة وإلا شُهرت فى وجهه النصال الرهاف المقتطعة من السياق القرآنى، والسيوف التى طالما قطعت رقاب «الخارجين» عن «الجماعة».

■ ■ ■

هل قامت بمصر، سابقاً، دولة دينية؟.. على سبيل المخايلة وطمأنة الناس بالباطل، يؤكد كثيرٌ من المشايخ أن تاريخ الإسلام لم يعرف الثيوقراطية، والبعض منهم يبالغ فيقول إن الدولة الثيوقراطية الصرفة، هى مجرد وَهْمٍ لم تعرفه مصر خلال تاريخها الطويل! وهم يستدلون على ذلك بأن دولة الإسلام الأولى فى يثرب «المدينة المنوَّرة» لم تكن دولة ثيوقراطية. والشواهد على ذلك، على حد زعمهم، كثيرة: أنتم أعلم بشؤون دنياكم»- «الحديث الشريف» و«درءُ المفاسد أَوْلى من جلب المنافع»- «القاعدة الأصولية» و«فمن شاء فليؤمن ومَنْ شاء فليكفر»- «مجزوء الآية القرآنية» جواز ولاية الصالح مع وجود الأصلح «القاعدة الأصولية» لستُ بملكٍ ولا جبار «الحديث الشريف» «لا إكراه فى الدين» «مجزوء الآية القرآنية» وغير ذلك من الدلائل الحاسمة، المؤكِّدة «مدنية» الدولة فى الإسلام! ولن يفسِّر لنا هؤلاء الداعون إلى «دولة مدنية بمرجعية إسلامية» ولا أولئك المدَّعون بأن تاريخ الإسلام لم يعرف الثيوقراطية؛ كيف يستقيم ذلك كله مع القاعدة الأساسية التى ظلت قروناً تتحكم فى الجانب السياسى من تاريخ الإسلام: الأئمة من قريش «الحديث».. وهل كانت لقريش أى أولوية على بقية العرب إلا بالدين! وكيف يصحُّ ما يزعمون وعليه يستدلُّون، مع الحقائق المعروفة تاريخياً فى دول الإسلام ابتداءً من دولة الخلفاء الراشدين إلى دولة آل عثمان فى الأناضول، حيث كانت السلطة السياسية تستند دوماً إلى الصلة بالنبىِّ من خلال الصحبة أو القرابة الممتدة عبر الأجيال على اعتبار أنها ذريةٌ بعضها من بعض! ولماذا، إذا كان الكلام الذى يروِّجون له صحيحاً، كان يُقال دوماً: الحاكم ظل الإله فى الأرض.. السمع والطاعة ولو لعبدٍ حبشىٍّ «لو: حرف امتناع لامتناع».. من شقَّ عصا الطاعة فاقتلوه.

ما علينا من هذا الكلام النظرى، ولننظر فى الوقائع: ألم يكن اختيار المهاجرين للحكم، وليس الأنصار، نابعاً من أنهم الأقرب إلى النبى؟ وكذلك كان المعيار فى اختيار الخليفة «أبى بكر» لأنه ناب عن النبى فى إمامة الصلاة؟ ومن بعد الخليفة الأول توالى الخلفاء بحسب قربهم من نبى الإسلام، وبالتالى كان «الدين» هو المرجِّح والمؤهِّل للحكم الدنيوى؟.. وفى التاريخ الخاص بمصر: ألم تكن دولة «المقوقس» فى مصر، يوم جاءها الإسلامُ، دولةً دينية؟ وأليس الأئمة «الفاطميون» كانوا يحكمون باعتبارهم آل بيت النبوة، وبالتالى فهم أحقُّ الناس بالأمر؟.. وبعيداً عن مصر: هل إيران الآن هى دولة مدنية؟ أم هى دولة مدنية بمرجعية دينية شيعية؟ أم هى دولة ثيوقراطية ينطق فيها الملالى وآياتُ الله بالحق الإلهى الذى لا حقَّ غيره؟.. وقريباً من مصر: ألم يتوسَّل حكام السودان بحكاية «تطبيق الشريعة» حتى وصلوا إلى كرسى الحكم وانقسمت البلاد فى عهدهم بينما بشيرهم يرقص بعصاه فى المناسبات؟ أليست المملكة السعودية دولة ثيوقراطية تستمد قوتها من المذهب الوهابى؟ ودولة عُمان القريبة منها، أليست تقوم على أساس المذهب الإباضى، الذى هو أحد مذاهب «الخوارج» الذين هم فى نهاية الأمر جماعةٌ مذهبيةٌ دينية؟

كيف نقول بعد ذلك كله، إن تاريخ الإسلام وتاريخ مصر لا يعرفان النظام السياسى «الثيوقراطى» الذى يقول بالحق الدينى فى الحكم الدنيوى؟ وكيف نتعامى، عامدين، عن حقيقة واضحة تقول إن الذين يتقافزون اليوم للجلوس على الكراسى الوثيرة يهدفون إلى إرساء دعائم الثيوقراطية تحت اسم آخر، هو: الدولة المدنية بمرجعية إسلامية! وهم يُضمرون فى أنفسهم أن مصر بعد حين، لن تكون إلا «إسلامية، إسلامية، لا شرقية ولا غربية» وأنهم اليوم يخاطبون الناس على قدر عقولهم، لكنهم فى يومٍ آتٍ لن يراعوا إلا حكم الله.. «الآن سيغضب منى قواد الإخوان المسلمين».

ومن جهة أخرى، فقد رأينا قبل سنوات كيف رفض البابا شنودة حكم القضاء المصرى «واجب التنفيذ» فى مسألة طلاق الأقباط، وأصرَّ على موقفه مُنطلقاً من أنه لا يأخذ الأوامر إلا من الله. فهل كان ذلك يعنى شيئاً آخر غير الدولة الثيوقراطية التى تعيش داخل الدولة المباركية المهترئة التى انهارت بعد ثورة يناير بهذا الشكل المروِّع، فخلَّفت فى البلاد فراغاً سلطوياً يسعى الإسلاميون اليوم لاقتناص فرصته السانحة.. «الآن سيغضب منى قادةُ الأقباط وقادةُ البرلمان» وعلى الجانب الأخفى، المصرى أيضاً، هل يخفى على أحد هذا التناغم الدائم بين العسكر والإسلاميين، منذ قيام الثورة المصرية التى أُجهضت فصارت «فورة»، وكيف جرى إعلاء الرموز الدينية تمهيداً لما أسفرت عنه الانتخابات البرلمانية، وربما تُسفر عنه بعد ساعاتٍ الانتخاباتُ الرئاسية. لأن النسق العسكرى أقرب دوماً إلى النسق السلطوى الدينى، حيث يشتركان فى طبيعة الترتيب الهرمى للسلطة، وفى نظرتهم الدونية للمرأة، وفى التزامهم بالطاعة العمياء للأوامر الصادرة من أعلى، وفى تقديسهم لمن هم فوقهم، وفى احتقارهم لغيرهم.. «الآن سيغضب منى القادة العسكريون».

على أننى، فى واقع الأمر، لا أسعى لإغضاب هؤلاء ولا أهدف إلا لبيان أن الدولة الدينية «الثيوقراطية» كانت دوماً موجودة فى تاريخ الإسلام وتاريخ مصر، وهى تبدو الآن وشيكة العودة إلى مصر. ولا سيما إذا فاز مرشح «إسلامى» بالرئاسة، وبذلك تجتمع القوتان «البرلمانية والرئاسية» وتنـزوى عن المشهد العام، رويداً، سلطة المجلس العسكرى، وتكمن فى الظل قانعةً بما حققته لها ثورة يناير من مكاسب مثل: القضاء على فكرة التوريث غير المناسبة للنسق العسكرى العام الذى لا يستسيغ أن يكون شخصاً مثل «جمال مبارك» قائداً أعلى للقوات المسلحة.. تأكيد قدرة الجيش على حسم المواقف «الداخلية» عند اللزوم، باعتباره المؤسسة الوحيدة القوية والمتماسكة فى مصر.. الاحتفاظ بالمكاسب التى تحققت للعسكريين فى زمن مبارك، وفى زمن الثورة على مبارك، وفى زمن ورثة مبارك من الإخوان المسلمين «سؤال: ألسنا جميعاً فى مصر إخواناً ومسلمين، فلماذا يختص بعضنا بهذه الصفة؟».

■ ■ ■

ماذا سيكون حال مصر، حين تقوم بها دولة دينية؟.. لن يحدث، فيما أرى، انقلابٌ درامى فى الواقع، لأن «الإخوان» أمهر من القيام بذلك. وإنما سيجرى الأمر تدريجياً على النحو التالى: توالى الرسائل السياسية المطمئنة لعموم الناس، خصوصاً الأقباط منهم والمعارضين للإسلام السياسى.. تتالى هجرة المستنيرين من مصر، لاستشعارهم خطورة الأيام المقبلة.. تسلسل «الإسلاميين» إلى المناصب العامة لإحكام القبضة على البلاد.. تحوُّل المتحولين دوماً إلى مشايعة النظام الجديد، ولا سيما أولئك الذين لا يرون بأساً فى التعامى وقبول الإهانات من أجل البقاء فى المناصب.. انزواء الفنون.. المعارضة الاجتماعية الصامتة للنظام الجديد وتسامح السلطة الحاكمة مع المعارضين فى الشهور المقبلة.. مبالغة الفتيات والنساء المتحرِّرات فى العرى خلال هذا الصيف، كأسلوبٍ للتحدى، وصبر الإسلاميين عليهم «على مضض».

وبعد هذه المرحلة «الانتقالية» سوف يطلُّ الهولُ علينا، وعلى الأجيال القادمة، وينعدم الأمل فى ثورة مصرية أخرى لتصحيح الأحوال.. فإنا لله وإنا إليه راجعون.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تنوية هام: الموقع غير مسئول عن صحة أو مصدقية أي خبر يتم نشره نقلاً عن مصادر صحفية أخرى، ومن ثم لا يتحمل أي مسئولية قانونية أو أدبية وإنما يتحملها المصدر الرئيسى للخبر. والموقع يقوم فقط بنقل ما يتم تداولة فى الأوساط الإعلامية المصرية والعالمية لتقديم خدمة إخبارية متكاملة.
تقييم الموضوع :