هل المالكي مشروع إيراني ؟
بقلم : د.عبدالخالق حسين
نشر الصحفي السعودي، السيد عبدالرحمن الراشد، مقالاً بعنوان (المالكي مشروع إيراني أم عراقي؟)
في صحيفة الشرق الأوسط السعودية بتاريخ 26/4/2012، ليستنتج في النهاية أن المالكي هو مشروع إيراني وليس مشروع عراقي!! ولله في خلق شؤون.
العرب والعقدة الإيرانية
لم تكن العلاقة بين إيران والعراق ودية وسلسة، بل كانت تتراوح بين المد والجزر، فترات سلم وحروب طوال التاريخ المدوَّن. وبعد الفتح العربي- الإسلامي لبلاد فارس (إيران)، اعتنق الفرس الإسلام ديناً لهم وتحمسوا له، ولعبوا دوراً كبيراً في تأسيس العلوم الإسلامية، وكتابة السيرة النبوية، وتبحروا في علوم اللغة العربية، وتفسير القرآن، وجمع وتنقية الأحاديث النبوية في كتب يثق بها أهل السنة خاصة، سميت بكتب (الصحاح)، مثل صحيح البخاري وصحيح مسلم، بل وحتى الإمام أبو حنيفة، مؤسس أحد مذاهب أهل السنة والجماعة، هو إيراني الأصل. وكذلك الشيخ عبدالقادر الكيلاني، إضافة إلى معظم شيوخ المعتزلة، وأخوان الصفا، والفلاسفة المسلمين، مثل ابن سينا والفارابي والبيروني والرازي وغيرهم كثيرون. وهكذا فقد أغنى الفرس التراث العربي- الإسلامي بمؤلفاتهم الغزيرة من كتب التراث وباللغة العربية. كل ذلك كان مقبولاً، ومرحباً به لدى العرب إلى أن تشيّع الشعب الإيراني قبل خمسمائة سنة، وعندها صار هذا الشعب يلقب بـ"الفرس المجوس"، بل وحتى التشيع العربي لأهل البيت، والذي بدأ في العراق صار مجوسياً، ومرادفاً للشعوبية المعادية للعرب!!
وبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 اتخذت العلاقة بين العرب بقيادة المملكة العربية السعودية، وبين إيران، منحىً جديداً فتدخلت فيها عوامل طائفية وسياسية ومصالح دولية. فشجعت السعودية والدول الخليجية الأخرى النظام البعثي الصدامي لشن حرب مهلكة على إيران دامت 8 سنوات عجاف أهلكت الحرث والنسل من الطرفين، وبدماء العراقيين وأموال الدول الخليجية، وبدعم من الدول الغربية. وبعد سقوط الفاشية البعثية وقيام النظام الديمقراطي في العراق، اتخذ النظام السعودي وتركيا وإيران من العراق ساحة لهم لتصفية حسابات فيما بينهم، ووأد الديمقراطية الوليدة، وذلك بتوظيف الصراعات الطائفية والأثنية بين مكونات الشعب العراقي، تعمل على تأجيج الصراع بين الكتل السياسية المشاركة في الحكم، كل قئة حسب انتمائها الطائفي باللعب على الورقة الطائفية.
هل المالكي مشروع إيراني؟؟
كان العراق في أواخر حكم البعث الصدامي يسمى بـ"الرجل المريض" في المنطقة. ولذلك رأى معظم دول الجوار (السعودية، سوريا، تركيا وإيران وسوريا) إبقاء العراق تحت حكم البعث ضعيفاً مهيض الجناح، يضطهد شعبه، ومحاصر اقتصادياً، أفضل لهم من إسقاطه وإقامة نظام ديمقراطي فيه. ولكن للتاريخ منطقه الخاص، إذ شاءت الأقدار أن يسخر التاريخ لنا أمريكا، الدولة العظمى، لتسقط هذا النظام الجائر، وإقامة نظام ديمقراطي تساهم فيه جميع مكونات الشعب وفق ما تفرزه صناديق الاقتراع. لذلك صممت دول الجوار على إفشال العملية السياسية.
وهكذا بدأت حملات هذه الحكومات لتدمير عراق ما بعد صدام ومنعه من التعافي. والمعروف أن المؤامرات الخارجية لا يمكن تنفيذها إلا على أيدي أبناء الوطن أنفسهم. لذلك استغلت هذه الحكومات الصراعات بين مكونات الشعب فراحت تؤججها، وتوظف قيادات هذه المكونات مقابل المال والدعم الإعلامي لتدمير العراق وتحت مختلف الأسباب والواجهات.
للسعودية أسباب عديدة لتدمير العراق، منها طائفية ضد مشاركة الشيعة في الحكم، وسياسة ضد الديمقراطية، وإقتصادية لمنع العراق من استثمار نفطه كما هو مخطط لكي لا ينافس السعودية في هذا المجال. وقد وجد هؤلاء في شخص السيد نوري المالكي العقبة الكأداء بوجوههم ضد تنفيذ مشاريعهم لتخريب العراق، لذلك تصاعدت الحملة من قبل السعودية وتركيا ضد المالكي بتوجيه شتى التهم له، بأنه طائفي ودكتاتور... الخ، للتخلص منه. وراحت السعودية وتركيا تعزفان على الوتر الطائفي والعنصري بإظهار أنفسهم أنهم حماة أهل السنة في العراق. ولم يكتفوا بدعم قيادات كتلة "العراقية"، علاوي وطارق الهاشمي والمطلك وغيرهم، والعزف على الوتر الطائفي فحسب، بل راحوا يغازلون رئيس إقليم كردستان السيد مسعود البارزاني، وتشجيعه على إضعاف الحكومة المركزية والإطاحة برئيسها. وليت الأمر توقف عند هذا الحد،
إذ هناك محاولات تقودها السعودية وتركية لتمزيق التحالف الوطني (الشيعي) الذي يقوده المالكي نفسه، وذلك بمغازلة قيادات بعض مكونات هذا التحالف، المنافسين للمالكي، مثل السيد مقتدى الصدر، والسيد عمار الحكيم، فتمت دعواتهم من قبل أردوغان والبرزاني بغية كسب ودهم لعزل المالكي. ومن ثمار هذه اللقاءات والمغازلات أن وجه السيد مقتدى الصدر إنذاراً إلى المالكي، إذا لم ينفذ كذا مشاريع خلال 15 يوماً فإنه يعمل على سحب الثقة منه!!. وهكذا نجد الصدر يطرح مثل هذه الشروط التعجيزية ومعها العد التنازلي!! تنفيذاً لمن يريد إفشال العملية السياسية. وهذا ما يجري على الساحة الآن.
والمؤسف أنه حتى البعض من المحسوبين على التيار اليساري والليبرالي أنضم إلى جوقة السعودي-التركي، من حيث يدري أو لا يدري، إذ هناك تناغم عجيب بين إعلام اليسار والإعلام السعودي في هذا الشأن، ولكل غاياته الخاص. فالاعلام اليساري والليبرالي يحارب حكومة المالكي (أو بالأحرى شخص المالكي) بحجة أنها "حكومة المحاصصة الطائفية والعنصرية والفساد"، دون أن يقدموا لنا أية رؤيا واضحة للخروج من هذا الوضع عدا تقديم مواعظ لا تختلف عن تلك التي يقدمها عادة وعاظ السلاطين في خطبهم الدينية الوعظية، سهلة القول مستحيلة التنفيذ، فنجدهم دائماً يعقدون مقارنات بين حكومات الدول الغربية مع الوضع في العراق، ويريدون أن تكون الحكومة العراقية بنفس المستوى وإلا يجب تبديل رئيسها، ودون أن يتجرؤوا بذكر اسم البديل السحري.
فالمالكي بالنسبة للسعودية، وكما جاء في مقال الكاتب السعودي عبدالرحمن الراشد هو مشروع إيراني، وليس مشروع عراقي. ولن يكون المالكي مشروع عراقي إلا إذا عمل وفق ما تريده السعودية، أي أن يسير على خطى صدام حسين بمعاداة إيران، وجعل العراق البوابة الشرقية لحماية الأمة العربية من "الفرس المجوس"، السياسة العبثية التي دمرت العراق.
لا نريد أحداً يزايد علينا حول الموقف من إيران، فقد كتبنا عدة مقالات ضد النظام الإيراني، ولكننا لا يمكن أن نسقط في الفخ السعودي وتصديق الأكاذيب والافتراءات. فالملاحظ أنه منذ سقوط حكم البعث الفاشي، تعمل الصحافة العربية وعلى رأسها الإعلام السعودي ضجيجاً عالياً حول التدخل الإيراني في العراق، وقد بولغ في تضخيم هذا النفوذ إلى حد أن اعتبر البعض العراق صار مستعمرة إيرانية!! وفي جيب إيران. ولم يكتفوا بهذه الادعاءات المقرفة، بل راحوا يلفقون تصريحات كاذبة تخدم أغراضهم وينسبونها إلى هذا المسؤول الإيراني أو ذاك. فعلى سبيل المثال لا الحصر، أشاعوا قبل أشهر قولاً نسبوه إلى الجنرال سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، أنه قال "أن العراق وسوريا وحزب الله في جيب إيران، وتحت سيطرتها" (كذا). وهنا قامت قيامة الإعلام العربي، واتخذوا من هذا التصريح "دليلاً" لا يرقى إليه الشك على أن الحكومة العراقية هي صنيعة النظام الإيراني!!. ورغم أن السفير الإيراني في بغداد نفى ذلك، وكذلك الحكومة الإيرانية، وأخيراً حتى سليماني نفسه ظهر على وسائل الإعلام نافياً أنه قال مثل هذا الكلام، ولكن رغم كل ذلك، أصر الإعلام العربي على "صحة" تلك التصريحات!!.
فحتى لو فرضنا جدلاً أن مسؤولاً إيرانياً قال شيئاً من هذا القبيل، فما ذنب المسؤولين العراقيين فيما يقوله الآخرون؟ وهل هذا يعني أن كل ما قاله المسؤولون الإيرانيون سيستجيب له المسؤولون العراقيون وينفذونه لهم؟
نعم، هناك علاقات طبيعية سلمية بين العراق وإيران، وكذلك بين العراق وتركيا وغيرها، وهي من مصلحة البلدين، وأغلبها تجارية، ولكن كما صرح السيد رئيس الجمهورية، الأستاذ جلال طالباني، أن نفوذ تركيا أضعاف نفوذ إيران في العراق. إذن، لماذا كل هذه الضجة ضد العلاقة مع إيران دون تركيا، رغم تدخل رئيس الحكومة التركية، أردوغان السافر بالشأن العراقي ودعمه وإيوائه للمتهمين بالإرهاب من أمثال طارق الهاشمي؟
وعندما تطالبهم بالدليل حول التدخل الإيراني في العراق، ليس لديهم أي دليل مادي سوى الافتراءات، والتلاعب باللغة على غرار ما طلع علينا السيد أياد جمال الدين بتصريح يعتبر بحق، إبداعاً لغوياً في الأدب العربي يستحق عليه الجوائز!. إذ نقل لنا السيد صائب خليل مشكوراً في مقال له في هذا الخصوص، جاء فيه: ((في حديث أدلى به لقناة «الآن» اللبنانية قال أياد جمال الدين: [ "التدخل الإيراني في العراق شيء يدرك ولا يوصف مثل الحبّ مثل الكُره، الانسان يشعر بالحبّ ولكن لا يستطيع ان يراه، لا يستطيع ان يشير له ويقول هذا حبّ. ولا يستطيع ان يقول هذا كُره. التدخل الإيراني من هكذا نمط. يُدرَك ولا يوصَف، ايران تُسيطر وتُهَيمن على كل مفاصل الحياة في العراق، السياسية والاقتصادية والدينية والثقافية وغير ذلك، البرلمان والحكومة ومجالس المحافظات القادمة أو الحالية والحكومات المحلية كل ذلك خاضع للنفوذ الإيراني، من يخالف إيران لا مكان له في العراق" ]. إذَنْ، التدخل الإيراني في العراق مثل الحب والكره، تشعر به ولا تراه!!
لم يدرك السيد أياد جمال الدين أنه بتصريحاته هذه حول اللتدخل الإيراني في العراق وبهذه المبالغة، أنه قد أهان الشعب العراقي، إذ أظهر هذا الشعب وأعضاء برلمانه وكأنهم العوبة بيد إيران، لا رأي لهم ولا عقل سوى تقديم الطاعة العمياء لحكام إيران، والتصويت في الانتخابات للمرشحين الذين توافق عليهم إيران فقط. فكل هذه الانتخابات وتحدي جماهير شعبنا لتهديدات الإرهابيين، لا قيمة لها وإنما هي تنفيذاً لأوامر إيران.
بالمناسبة، قبل ثلاثة أعوام، كنت مشاركاً في ندوة في لندن، إحتفاءً بذكرى ثورة 14 تموز. فوجه منظم الندوة الصديق الدكتور نجم الدين غلام دعوة للسيد أياد جمال الدين وكان نائباً برلمانياً آنذاك، وفي زيارة إلى لندن، فلبى السيد الدعوة مشكوراً. ولكنه خيَّب أمل الحضور عندما فاجأهم بالقول أنه لا يعرف أي شيء عن ثورة 14 تموز، وكل ما يعرفه عن الزعيم عبدالكريم قاسم، هو أنه بنى بيوتاً للفقراء، وأن والده كان يكره الزعيم!!. وهكذا اختزل أهم حدث في تاريخ العراق الحديث ببناء الزعيم قاسم بيوتاً للفقراء فقط ، أما المنجزات الأخرى، والأسباب السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي كانت وراء هذه الثورة العظيمة فلا يعرف عنها أي شيء. والسؤال هو، أن شخصاً علمانياً ديمقراطياً، يقود تنظيماً سياسياً، ولا بد أنه يطمح أن يكون يوماً رئيساً للحكومة، كيف يمكن لهذا السياسي أن يدير شؤون بلاد وهو يجهل تاريخها؟.
لا أفشي سراً إذا قلت أني كنت من المعجبين بالسيد أياد جمال الدين، ولكن جهله بتاريخ العراق، وإصراره على خدمة السياسة السعودية بإطلاقه مثل هذه التصريحات المهينة للشعب العراقي دون أن يدرك ما تعني، خيب أملي وأمل الكثيرين به من أتباعه ومريديه. ولحسن الحظ، فإن الرجل لم يصدقه أحد في كل ما يقول، لذلك خسر في الانتخابات الأخيرة رغم أنه صرف ملايين الدولارات على الدعاية لنفسه وتنظيمه السياسي، وبذلك، أعتقد أنه انتحر سياسياً.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :