جديد الموقع
الأكثر قراءة
- على جثة عواجيز الإخوان .. ابو الفتوح رئيساً
- من الضرب بالنار للمد على الرجلين
- "الحريري": النظام السابق هو المسئول عن الحوادث الطائفية التي تمت في عهده وليس الإرهابيين
- وزير الداخلية الألماني لا يستبعد طرد سلفيين متشددين
- اليوم في الثامنة مساءًا.. "مصر تريد" وحلقة عن التاريخ الأسود والسري للإخوان وهل يمكن الثقة في رئيس إخواني يحكم مصر؟
وقَتـلَ الشيطـان
بقلم : إدوارد فيلبس جرجس
الإعتراف سيد الأدلة كما يقول أهل القانون ، " عويس فرج أبو نحلة " اعترف وأصر على اعترافه ، يؤكد أنه لم يفعل سوى الخير ، وأن ما يصفونه بالجريمة ما هو إلا عملاً المفروض أن يكافاً عليه في الدنيا وفي الآخرة . منذ بدأ الخليقة وحتى الأنبياء والرسل عجزوا عن أن يخلصوا العالم من الشيطان ، وهو تمكن من قتله وخلص العالم منه في لحظات ، وستفتح أبواب الجنة أمام الجميع ، بعد أن رحل مفسد الأرض وما عليها من عباد . ساد المحكمة الهدوء مع أول سؤال وجهه القاضي :
- عويس أنت متهم بقتل رجل الأعمال والسياسي "مروان الكسبه" ، مع سبق الأصرار والترصد .
- أنا لم أقتل مروان بيه يا سيادة القاضي ، لكنني قتلت الشيطان .
- لماذا ترفض أن يكون لك محام للدفاع عنك ، تهمتك خطيرة ويمكن أن تذهب بك إلى حبل المشنقة؟!
عويس مقهقهاً :
_من يقتل الشيطان لا يحتاج إلى من يدافع عنه، الله عز وجل بذاته هو
الذي يدافع عنه ، وإذا كان الإعدام هو جزاء من خلص العالم من الشيطان، فهذا يؤكد على أن الـعالم أصبح يستهويه الضلال ، والمحاكم أصبحت تأخذ حق الشيطان من عباد الله.
عويس مقهقهاً :
_من يقتل الشيطان لا يحتاج إلى من يدافع عنه، الله عز وجل بذاته هو
الذي يدافع عنه ، وإذا كان الإعدام هو جزاء من خلص العالم من الشيطان، فهذا يؤكد على أن الـعالم أصبح يستهويه الضلال ، والمحاكم أصبحت تأخذ حق الشيطان من عباد الله.
- هل كنت تعرف السيد "مروان" من قبل ؟
- يا بيه أنا قلت أنا قتلت الشيطان وليس مــروان ، ولم يكن لــي ســـابق معرفة بالسيد مروان أبداً .
- الإنكار لن يفيدك يا عويس ، كل الأدلة والتحقيقات تؤكد التهمة الموجهة إليك .
- وأنا لم أنكر ، أنا الـذي ذهبت إلى قسم الشرطة ، واعترفت بأننـي قتلت الشيطان ، فـهل الشيطان اسمه مروان ؟
- هل كانت لك تعاملات مع الضحية .
- أعوذ بالله، كيف يكون لي معاملات مع الشيطان، وأنا أعرف الله، ولا يفوتني فرض من فروضه .
- هل لك شركاء يا عويس ؟
- كنت أتمنى أن تكون أنت شريكي يابيه، لتقتسم معي ثواب الآخرة، فأنـا أرى علي وجهك التقوى .
ضجت المحكمة بالضحك
- سأغير السؤال يا عويس ، من الذي دفعك إلى قتل الضحية ؟
ابتسامة أضاءت وجه عويس ، وأطلقت عيناه شعاعاً من نور ، وضع يده فوق قلبه ، وخرج صوته رقيقاً .
- تقصد من الذي دفعني للهداية يا بيه ، لأُخلص العالم من الشيطان الرجيم ، وقال لي بالحرف ، ستُفتح أمامك أبواب الجنة يا عويس ، ثواب الذي يقتل الشيطان يفوق ثواب أي بشر ، حتى الأنبياء والرسل ، هؤلاء كانوا يحضون الناس على مقاومة الشيطان ، أما أنت يا عويس ستقتله بيدك وتخلص الناس منه .
- أنا أسألك من هو يا عويس ؟!
أجاب وهو لا يزال في هيامه :
- حبيبي الشيخ الهادي .
- أين هو يا عويس ؟
- في الجنة ينتظرني، قال أنه سينتظر على الأرض، حتى يتأكد من نجاحي في مهمتي وأنني فزت بالجنة ، وبعدها سيسبقني إليها ليكون في استقبالي .
- ولماذ اختارك دون غيرك ؟!
- سألته نفس السؤال ، قلت له لماذا اختار الله شخصي الضعيف !! ، ليكون لي هذا الشرف الذي لم يعطه حتى لأنبيائه ورسله ، قال أنه ميزني عليهم بهذا الشرف لأنني صامد في الإيمان، في عصر تحول فيه البشر لعبادة الفساد .
- هل تستطيع أن تصف لنا شيخك الهادي !!
- النور يا بيه ، هل تستطيع أن تصف النور ، وجهه نور ، شعاع عيناه جذبني نحوه ، أصبحت لا أستطيع الابتعاد عنه .
- أين قابلت الشيخ الهادي ؟
- في المقهى يا بيه .
لم يتماسك القاضي وعلت الضحكات، نظرة استياء بدت على وجه عويس، هز رأسه آسفاً وصرخ بأعلى صوته :
- تضحكون أيها الكفرة ، لماذا لا يستدعيني من المقهى ؟، ألسنا نقول أن الله موجود في كل مكان ، هل يمكن لأحدكم أن ينفي وجـود الله حتى في غرف النوم التي تتعرون داخلها وتفعلون ما تفعلون ! ، الشيخ الهادي أُرسل من الله لتكليفي لكي أخــلصكم من الشيطان، فهل من الغريب أن يأتي إلى المقهى الذي كنت أنتظر به بين صلاة المغرب والعشاء ، حتى لا يثنيني الكسل عن أداء صلاة العشاء بالمسجد .
- لماذا لم يحضر الشيخ الهادي ليؤيد أقوالك؟
- الشيخ الهادي قال لي بأنك ستحكم بعدل الله وتبرئ ساحتي لأنني قتلت الشيطان الـذي يوسوس لك أحياناً حتى في أحكامك .
طرق القاضي بالمطرقة ليهدأ ضجيج الضحكات
- تؤجل الجلسة ، ويحول المتهم لمستشفى الأمراض العقلية ، لتحديد قواه العقلية ومدى مسئوليته عن تصرفاته .
********
الطموح الموشى بالأحلام يسيطر على عقول كثيراً من الشباب في هذا العصر ، وعندما يصاحبهما ذكاء داهيةلا توقفه حدود أو مباديء ، " زكي الخطيب" نشأ في عائلة رقيقة الحال ، يحلم بقفزة لأعلى لسماء الشهرة والمال . تمرد على حياته مع عائلة تكفي خبزها بالكاد ، انكفأ على دراسته ووصل لعتبة الدراسة الجامعية والتحق بكلية العلوم السياسيه، صدمته الفوارق الاجتماعيه ، شخصيته المدعمة بالذكاء مكنته من أن ينضم لصداقات مع مستويات بينها وبين مستواه فارق شاسع . " سها " زميلة رقيقة ناعمة كأوراق الزهور في مطلع الربيع ، بادلته نظرة مع ابتسامة ، هو في السنة الثالثة وهي في السنة الأولى ، رآها ورأته في كافيتيريا الكلية ، اشتراكه في معظم النشاطات ، وتفوقه في الملاكمة وحصوله على أكثر من جائزة ، أكسبته شهرة لم تتمكن من إخراج عقدة الشعور بدنو مستواه الاجتماعي ، تنكأه بمجرد انفصاله عن عالم الجامعة واقترابه من الحارة التي داست أرضها أقدامه العارية وهو يلعب مع صبيتها. يحُلم باليوم الذي يتمكن من أن يودعها دون رجعة ، حذره أبوه من تمرد نفسه وأنه يجب أن يكون راضياً بحياته كما هي ، حتى لا تفترسه تطلعاته كما يفترس الوحش الضاري أرنباً برياً ، يلوي " زكي " عنقه قائلاً أن الموت أفضل من حياة الفقر .
لم يشعر بحدة الفقر بهذه القوة إلا بعد أن تلاقت نظرته وابتسامته مع نظرة وابتسامة الفراشة الرقيقة " سها " . لكن أين هو وأين هي، مظاهر الثراء تلفها ، طموحاته التي تصل لأبعد نجوم السماء هتفت في داخله أن "سها" هي مفتاح الباب الذي يمكن أن يلج منه إلى عالم آخر بعيد جداً عن عالم الفقر والبؤس ، وهواء الحارة الذي يتنافس أهلها على استنشاقه . حدد خطواته للفوز بفتاة العالم الآخر كما أطلق عليها ، اختمرت الفكرة برأسه تشجعها جسارة لا توقفها أسوار . مخططه لجذب " سها " إلى شباكه بدأ بحوار العينين ، انتظرت بفارغ الصبر أن تتحول لكلمات ، لكنه اتبع أسلوب المماطلة والتسويف كمزيد من الوقود ليزيد درجة الاشتعال . لم يمض أكثر من شهر حتى أصبح فكرها كله في قبضته .
خاض العقبة الأولى بمكاشفته لها بمستواه الاجتماعي والمادي ، في خضم الحب وأمواجه قالت أنها ليست مشكلة ، وأنها لا تعدو ذرات من الغبار فوق ثيابه يمكن نفضها بسهولة دون أن تترك أثر. تخرج من الجامعة ، تمكن من الحصول على وظيفة في شركة يمتلكها والد زميل من زملاء الجامعة من أصحاب المستوى الرفيع . اقتصد خلال عام حفنة من النقود رأى فيها نكتة مضحكة لو أراد أن يطلق عليها لقب نقود . فاتح الفتاة بأنه آن الآوان لأن يتقدم لخطبتها وخاصة أنها أصبحت على أبواب السنة النهائية ولم يبق سوى عدة أشهر على تخرجها ، نظرة حائرة قرأها جيداً ، أمام إصراره وافقت . طالبها أن تدعمه وتسانده أمام ثراء أهلها ومستواهم الاجتماعي الذي يناطح السحاب . وعدته بأنها لن تتخلى عنه ، استطاعت أن تقنع والدتها به بعد أن ذرفت من الدموع ما أذاب رفض الأم . أخبرته من خلال دموعها الفََِرِحة بأنها كسبت جولة أمها وعليه فقط اقتحام عرين أبيها . لعبت الأفكار برأسه وهو يتخيل يده في يد رجل الأعمال الشهير والسياسي الكبير " مروان الكسبة " والد " سها " . طموحاته وجسارته لم توقفه للتفكير في الارتفاع الشاهق الذي يفصل بين أبناء الحارة وبين أبناء من يطلق عليهم لقب القطط السمان . طرق باب " مروان الكسبه " ، شتان بين ولوجه وخروجه ، ولج " زكي الخطيب " الباب سائراً على قدميه وخرج محمولاً على نقالة من السخرية والاستهانة ، لعق جراحه وأقسم على الانتقام من جبروت" مروان الكسبة" ، وبقسم أغلظ على الفوز بسها وثروتها.
لم يشعر بحدة الفقر بهذه القوة إلا بعد أن تلاقت نظرته وابتسامته مع نظرة وابتسامة الفراشة الرقيقة " سها " . لكن أين هو وأين هي، مظاهر الثراء تلفها ، طموحاته التي تصل لأبعد نجوم السماء هتفت في داخله أن "سها" هي مفتاح الباب الذي يمكن أن يلج منه إلى عالم آخر بعيد جداً عن عالم الفقر والبؤس ، وهواء الحارة الذي يتنافس أهلها على استنشاقه . حدد خطواته للفوز بفتاة العالم الآخر كما أطلق عليها ، اختمرت الفكرة برأسه تشجعها جسارة لا توقفها أسوار . مخططه لجذب " سها " إلى شباكه بدأ بحوار العينين ، انتظرت بفارغ الصبر أن تتحول لكلمات ، لكنه اتبع أسلوب المماطلة والتسويف كمزيد من الوقود ليزيد درجة الاشتعال . لم يمض أكثر من شهر حتى أصبح فكرها كله في قبضته .
خاض العقبة الأولى بمكاشفته لها بمستواه الاجتماعي والمادي ، في خضم الحب وأمواجه قالت أنها ليست مشكلة ، وأنها لا تعدو ذرات من الغبار فوق ثيابه يمكن نفضها بسهولة دون أن تترك أثر. تخرج من الجامعة ، تمكن من الحصول على وظيفة في شركة يمتلكها والد زميل من زملاء الجامعة من أصحاب المستوى الرفيع . اقتصد خلال عام حفنة من النقود رأى فيها نكتة مضحكة لو أراد أن يطلق عليها لقب نقود . فاتح الفتاة بأنه آن الآوان لأن يتقدم لخطبتها وخاصة أنها أصبحت على أبواب السنة النهائية ولم يبق سوى عدة أشهر على تخرجها ، نظرة حائرة قرأها جيداً ، أمام إصراره وافقت . طالبها أن تدعمه وتسانده أمام ثراء أهلها ومستواهم الاجتماعي الذي يناطح السحاب . وعدته بأنها لن تتخلى عنه ، استطاعت أن تقنع والدتها به بعد أن ذرفت من الدموع ما أذاب رفض الأم . أخبرته من خلال دموعها الفََِرِحة بأنها كسبت جولة أمها وعليه فقط اقتحام عرين أبيها . لعبت الأفكار برأسه وهو يتخيل يده في يد رجل الأعمال الشهير والسياسي الكبير " مروان الكسبة " والد " سها " . طموحاته وجسارته لم توقفه للتفكير في الارتفاع الشاهق الذي يفصل بين أبناء الحارة وبين أبناء من يطلق عليهم لقب القطط السمان . طرق باب " مروان الكسبه " ، شتان بين ولوجه وخروجه ، ولج " زكي الخطيب " الباب سائراً على قدميه وخرج محمولاً على نقالة من السخرية والاستهانة ، لعق جراحه وأقسم على الانتقام من جبروت" مروان الكسبة" ، وبقسم أغلظ على الفوز بسها وثروتها.
********
من معالم الحارة " عويس فرج أبو نحلة ، يعرفه الجميع ، بعد صلاة الفجر كل يوم يحمل فوق كتفه جواله الممتليء بالعدة اللازمة لإصلاح ورتق الأحذية ويتجه إلى السوق . مكانه معروف لا يتغير ولا يتبدل أبداً كالأهرامات . قبل صلاة المغرب كل يوم يكر عائداً ليؤدي الصلاة في الزاوية القريبة من بيته ، ثم ينتظر بالقهوة يحتسي كوباً من القرفة إلى أن تحين صلاة العشاء . لم يتمرد على حياته أبداً بالرغم من كثرة أعبائه ، لديه بلغة الحارة " كوم لحم " إشارة إلى أطفاله الثمانية وأمهم . الشكوى تتزايد من الأولاد وهم يقفزون من عام لعام وتزداد مع هذه القفزة احتياجاتهم ، لكن ما باليد حيلة ، الدخل من إصلاح الأحذية لا يكاد يكفي ضروريات سد الرمق . شفتاه لا تغفلان عن الدعاء والابتهال طوال جلسته بالمقهى. ذات يوم وعلى غير توقع جلس بالمقعد الثاني للمنضدة رجل يرتدي جلباباً أبيضاً ناصعاً ويضع فوق رأسه طاقية من نفس لون الجلباب ، لا ينقص وجهه مظاهر التقوى ، لحية كثة سوداء مخطوطة بشعيرات بيضاء ، تنتصف جبهته زبيبة (علامة الصلاة ) ، بادره الغريب بالتحية ، نظرعويس إلى مظاهر التقوى البادية عليه حتى في صوته المتزن وأجابه بأفضل منها ، تبسم الغريب في وجهه ثم قال :
- كيف حالك يا رجل يا مبروك .
- كيف حالك يا رجل يا مبروك .
بدت الدهشة على وجه عويس
- أنت البركة يا شيخنا.
- البركة في أهل البركة يا عم عويس يا طيب .
ازدادت الدهشة فوق وجه عويس
- هل تعرف اسمي!
ازدادت البسمة فوق شفتي الغريب وربت فوق يده وقال :
- لقد حان العشاء فتفضل لنصليا معاً .
سارا جنباً إلى جنب ، لم ينبس أحدهما بكلمة ، قبل أن يصلا إلى الزواية استوقف الغريب عويس بيده قائلاً:
- هل تؤمن بالرزق يا عم عويس؟
- هو الرزاق الواحد الأحد يا شيخنا ولا أحد غيره .
قال الغريب وهو يشير نحو حجر قائم على ناصية أحد البيوت :
- من فضلك يا عم عويس مد يدك خلف هذا الحجر .
تردد عويس لثوان ثم اقترب من الحجر ومد يده خلفه ، كاد أن ينكفيء فوق وجهه ، ثلاث ورقات من فئة المئة جنيه . مد بها يده نحو الغريب ، ربت الغريب فوق ظهره قائلاً :
- إنها رزقك يا عم عويس .
خرجت الكلمات متعلثمة من فم عويس :
- لكنها ليست لي.
- وليست لي أنا أيضاً ، ألم تقل منذ لحظات أنه هو الرزاق الواحد الأحد وليس أحد غيره.
- نعم ، لكن أنا لم أفعل شيئاً لأستحق هذا الرزق .
- صدقني ، أنه رزقك ، الواحد الأحد يرزق من يشاء دون حساب .
تاه عقل عويس بين التركيز في الصلاة ، والورقات الثلاث التي تسكن جيبه ، يتحسسها كل دقيقة ، ما أشعل الدهشة في رأسه ، أنه لم يجد الغريب بجانبه بعد انتهاء الصلاة ولم يعثُر عليه خارج الزاوية ، عاد وسأل عنه إمام الزاوية ، أجابه بأنه لم يره من قبل . عاد عويس وهو يقبض على الحقيقة التي في جيبه والتي ستنعش معيشتهم لبعض الوقت . مضى أسبوع وفكر عويس تائهاً بين الشيخ الغريب الذي ظهر واختفى فجأة ، ورزقه الذي كان يرقد خلف الحجر ، ذات مرة وهو في طريقه نحو الزاوية لصلاة العشاء وقف أمام الحجر مترددا ً ، تلفت يمنة ويسرة ، قوة لم يستطع مقاومتها دفعته لأن يمد يده خلفه ، كاد يغشى عليه ، قبضت يده على ثلاث ورقات بنفس القيمة والشكل ، لم يدر إن كان الصوت الذي دق في اذنه حقيقة أم وهم " رزقك يا رجل يا طيب " ، تكرر الموقف بعدها بثلاثة أيام وكاد الجنون أن يعقد صداقة معه . أمل يراوده حتى في منامه أن يلتقي بالغريب ثانية ، كاد أن يفقد توازنه عندما شاهده يجلس أمامه في المقهى ، لم ينتبه لمجيئه ولم يسمع حتى خطواته وكأنه هبط من السماء ، اختطف يده محاولاً تقبليها ، لكن الغريب سحبها بشدة وهو يقول :
- أعوذ بالله .. أعوذ بالله .. سامحك الله .. سامحك الله .
- اشتقت إليك يا سيدنا .
- وها أنا جئت لأطفئ اشتياقك .
- الرزق وفير يا سيدنا .
- نشكر الله على نعمه على عباده الصالحين .
- لكنني لست بصالح يا سيدنا .
- وهذه أولى علامات صلاحك ..الاتضاع .
- أنا عبد فقير .
- أمام الله أفضل من كل الأغنياء .. هيا بنا إلى الصلاة .
توقف الغريب أمام الحجر وابتسم في وجه عويس وقال :
- ألن تمد يدك .
- مددتها أكثر من مرة الأسبوع الماضي وامتلأت .
- الله يرزق دون حساب .
امتدت يد عويس وزادت الورقات إلى خمس ، هطلت الدموع من عينيه ، ربت الغريب على ظهره وقال :
- هل تأكدت من أنك عبد صالح أمام الله !!
- الحمد لله .. الحمد لله .
- حتى الآن لم أتشرف بمعرفة اسم سيدنا.
- الشيخ الهادي .
- لم نرك من قبل يا سيدنا .
- أسرار الله لا يمكن الحديث عنها .
حاول عويس بعد عودتهم إلى المقهى تقبيل يده ، أعاده الشيخ الهادي برفق إلى مقعده وهو يتمتم :
- استغفر الله.. استغفر الله .
- كيف أسلك طريق الصلاح يا سيدنا .
- أنت سلكته بالفعل ، وأنا هنا من أجل أن أكمل لك هذا الطريق .
- أرشدني إليه وأنا لن أتوان عنه لحظة .
- ما رأيك في أخلاق الناس الآن يا عم عويس .
- فساد في فساد يا سيدنا .
- وما السبب في كل هذا الفساد ؟!
- الشيطان شاطر كما يقول العامة مثلي .
- أي أنت مؤمن بأن الشيطان أس البلاء في كل المصائب التي أحاطت بنا.
- نعم .. نعم .. أؤمن كل الأيمان .. ولو كان بيدي لقتلته شر قتلة .
- بارك الله فيك يا عم عويس ، ولأنك إنسان صالح اختارك الله لهذه المهمة .
تجسدت علامات عدم الفهم مع جهل الرجل وأخذت بتلابيب وجهه وقال :
- أنا اختارني الله للقضاء على الشيطان !! أين هو ؟!
أخرج الشيخ الهادي صورة من جيبه بها صورة لشخص يرتدي الملابس الإفرنجية وخلفه مباشرة صورة للشيطان كما يصفوه للأطفال ، رأسه التي تنبت على جانبيها قرنان ، وأنيابه البارزة ، وعيناه التي يندفع منها اللهب . حملق فيها عويس وألقاها وهو يكتم صيحة:
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، وسأل الشيخ الهادي عن الرجل الذي يقف خلفه الشيطان .
ابتسم الشيخ الهادي وقال :
- هذا من لطف الله علينا ، الدين يقول لا يكلف الله نفساً إلا ما بوسعها ، كان من المستحيل أن يتركك الله تبحث عن الشيطان ، فسجنه لك داخل هذا الرجل الشرير ، ومتى قتلته ينتهي معه الشيطان .
تهلل وجه عويس وكاد أن يصيح .. الله أكبر .. الله أكبر ، لكن الشيخ الهادي أسرع لزجره قائلاً .. فعل خير كبير مثل هذا يخلص الناس من الشيطان يجب أن يتم في الخفاء .
- و كيف سيتم هذا ؟!
- أترك تدبير الأمر كله لي ، ولن تكون المهمة التي اختارك الله لها سوى اغماد نصل السكين في قلب الشيطان .
- سأغمدها مرة واثنتين وثلاث ، حتى أتأكد من قتله ، وأنني فزت بثواب تخليص البشر منه .
- هنيئاً لك الجنة يا عم عويس .
********
أغمد عويس نصل سكينه داخل قلب الشيطان ، أعاد الكرة ثلاث مرات ، وهو يهتف في كل مرة .. الله أكبر .. الله أكبر ، خلصتكم من الشيطان يا بشر . لم يكن الشيطان سوى رجل الأعمال الشهير والسياسي المعروف " مروان الكسبة" . والشيخ الهادي لم يكن سوى" زكي الخطيب" بعد أن اتقن تنكره لدرجة لا يكتشفها حتى أهل بيته ، نفذ خطته من خلال ذكاء داهية ، انتقم من مروان الكسبة الذي سحل كرامته يوم أن تقدم لطلب يد ابنته " سها " ، وأوسع لنفسه طريقاً للإرتباط بها بعد أن أزاح السد الذي كان يقف عائقاً بينهما ، "سها" لا تريد غيره ، وأمها أعطت له الضوء الأخضر قبل أن يتقدم لطلب يدها . تولدت الخطة الجهنمية في رأسه ذات ليلة ، كان يقف في شرفة بيته الضيقة ووقعت عيناه على "عويس " يسير في الحارة ، استغل جهل الرجل ودروشته وحاجته للمال ونفذ من خلالهم مخططه ، وقتها اندفعت إلى رأسه عملية "غسيل المخ " ، قرأ عنها في كتب تحكي عن أنها تفقد الإنسان كل إرادته . طبقها كأحسن ما يكون على رأس "عويس" التي كانت على استعداد لها وخاصة عندما تكون من شيخ مثل الهادي ، الذي ظهرت بركاته من خلال الحجر والأوراق المالية التي كان يدسها خلفه على أنها رزق من عند الله . لم ينس زكي الخطيب في الليلة التي قبل الجريمة أن يدس مبلغاً كبيراً اختلسه من عمله ، ودفع يد عويس وهما ذاهبان لصلاة العشاء لتقبض على الرزمة من خلف الحجر ، كاد عويس أن يفقد رشده أمام هذا الرزق الهائل ، في هذه المرة ترك له الشيخ الهادي يده ليشبعها تقبيلاً ، ولينال على حد قوله بركة تعينه على قتل الشيطان في اليوم التالي .
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :