الكاتب
جديد الموقع
عُرْي الأجساد وعُرْي العقول
بقلم: إدوارد فيلبس جرجس
ما هو تعريف العُرْي ؟ إختلف جهابذة الفلاسفة في وضع تعريف للعُرْي ، وقال البعض أنه يعني " سالبوتا " أي نزع الثياب وارتداء لا شيء !! ، والبعض قال أنه " ملط زلط " أي ملط ثيابه وأصبح كما زلطته أمه . وقُسِمَ من حيث درجات التعري إلى سالبوتا كاملة ، أي نزع الثياب بالكامل من مبدأ أراح واستراح ، وربع سالبوتا ، وعلى حد تفكيري أنه يُقصد به المايوه البكيني المختصر جداً ، ونصف سالبوتا ويقصد به الثياب وقد انحسرت من أعلى ومن أسفل ، يعني اللي واقف فوق هيتفرج واللي ماشي تحت هيتفرج ، وأهو كله بثوابه . أما عن نقائص وخطايا العُرْي ، فهي محددة بالتعريف " الكشف عن أشياء لا يجب الكشف عنها " أو " الكشف عن المستور " أو ما يقال عنه " الكشف عن العورات " .
لا أريد أن أعود إلى الماضي وأحاسب آدم على خطيئته ونتائجها من الإحساس بالعري هو وحواء ، والتي لم ينبنا منها غير وجع الراس ، وكان يمكن أن نكون جميعاً الآن في راحة تامة أي " مسلبتين تماماً " لا نحتاج لثياب تسترنا ، ولا تحكمنا قيود الملابس ، ولا نسمع عن دجل بيوت الأزياء التي تلعب بالبيضة والحجر لكي تستنزف ما في جيوب العقول الفارغة ، وتستخدم كلمة " الموضة " وهي لا موضه ولا حاجه وليست أكثر من ..... ، وسأترككم تخمنون ما أريد أن أقوله ، والحقيقة أنها عملية استبدال الموضة القديمة بالجديدة والعكس ، تُغير وتُبدل فيهما بما يحلل لها مكاسب رهيبة ورزق الهبل على المجانين ، وأيضاً ما كنا سمعنا عن كلمة عُرْي ، ولا كلمة عورة ، ولا غطي راسك ، ولا اتحشمي ، ولا اتحجبي أو اتنقبي ، آدم وحواء خلقهما الله عريانين ، وكانا معاً ، ولم تتعجب حواء من عُري آدم ولم تغطي عينيها قائلة " عيب كدا يا أدومه ، وأيضاً لم يحتاج آدم لأن يضع يده فوق عينيه مفسحاً بين أصابعه ليشاهد مفاتن حواء ثم يستغفر ربه ، لم تظهر لهما هذه العورات إلا بعد خطيئتهما ، أي أن الخطيئة هي اللي كشفت عن العورات ، وليس العُرْي هو الذي تسبب في الخطيئة . معذرة ، أنا أعلم أن الكثيرين ينتظرون أن أخوض في عُرْي الإجساد بأسلوب القصصي والروائي ، وما يتبعهما من وصف ، لكن كما يقولون لكل مقام مقاله ، والمقام هنا ليس عن عري الأجساد ، لكنه عن عري العقول ، والموضوع ليس قصة أو رواية ، لكنه مقال جاد أو بمعنى عامي " ناشف " أو متخشب ، أو بالمعنى الصريح ميت ، فالحياة تعني البهجة ، والموت تشمله الأحزان.
ومقالي الجاد الناشف المتخشب الفاقد لبهجة الحياة المشمول بأحزان الموت ، عن عورات لم ترد لا في باب الخطيئة في الكتب الدينية ، ولا في باب الوصف المبتذل في الكتب الجنسية ، ولا في باب الحض على الفجور في الكتب الشيطانية ، عورات العقول العارية وخطيئتها التي ستدفع ثمنها مصرنا البريئة الطاهرة التي لا ذنب لها ولا جريرة في هذا العري ، ولا في هذه العورات التي لم تحاول البحث حتى عن أوراق الأشجار لتستتر بها كما فعل آدم وحواء . كان نوعاً من الخيال بالنسبة لي مجرد التفكير في أن هذا العري العقلي وعوراته سيتكشف بهذا الأسلوب العلني الفاضح ،
لم أكن أظن أو أتوقع ، أنه سيأتي اليوم الذي تغص فيه مصر بعقول ألقت بكامل ثيابها لتكشف عن عوراتها وسوآتها ، واللي عاجبه يتفرج واللي مش عاجبه يروح بلد تانيه لا تزال بها العقول لم تتعرى ولم تظهر عوراتها ، وكما قلت في عري الأجساد أن الخطيئة هي التي كشفت عن عورة آدم وحواء ، أيضاً خطيئة الفكر الذي هبط علينا بالبراشوت من سماء الغيوم السوداء المكفهرة ، هي التي عرت العقول وكشفت عن عوراتها ، وتحول الفكر إلى شيء كالبغاء أو فردة الحذاء ، ووعاء يفيض بكل الموبقات من كذب ورياء ومغالطات وتمويه وخداع وحروف أبجدية لا تكون سوى كلمات تدعو إلى السخرية ، ومظاهر خداعة تَدَّعيِ الإقتراب من الله وهي بعيدة عنه بعد القطب الشمالي عن القطب الجنوبي هذا إن لم يكن تعدى إلى كوكب آخر !! .
العقول العارية المتباهية بعوراتها ، لعبت لعبة الإغراء ، ولم تلق بثيابها دفعة واحدة ، وانزلقت أول قطعة في استفتاء 19 مارس ، وأمام تصفيقات الإستحسان من جمهور مسكين لا يعرف الفرق بين الرغبة الحلال والرغبة الحرام ، بدأت القِطْع في الإنزلاق واحدة تلو الأخرى ، إلى أن وصلت إلى تقديم عروضها العارية فوق مسرح الرئاسة ، دعوني أبدأ من العرض الأخير وهو ما يسمى برقصة الإستربتيز الرئاسية ، أي سنبدأ من نقطة النهاية ثم العودة للخلف أي بلغة السيارات " مرشدير " ولن استخدم جهاز الإنذار الذي يوجد في بعض السيارات ويطلق تحذيره " إنتبه السيارة عائدة للخلف " ، سأترك من لا ينتبه من ذاته ويوقظ كل حواسه لكلماتي أن يدهمه الواقع المرير وأعذر من أنذر ، حلبة السباق إلى مقعد رئاسة مصر ، وأقول مصر بالفم المليان ، للتأكيد على أنني أقول مصر ، وأنها حتى الآن لا تزال مصر ، وإلحقوها قبل أن تتحول إلى شيء لايشبه مصر لا شكلاً ولا موضوعاً ، لقد تسابقت العقول العارية تماماً ، وعوراتها المكشوفة للقاصي والداني دون حياء أو خجل ، وتخلت عن أبسط مبادئ العقل الزينة كما يسمونه ، ولم تحاول أن تغطي رأسها الممتلئ حتى الحافة بأفكاره وسلوكياته العوراتيه ولو بشورت شرعي !! ، أسماء وضعت في قائمة المترشحين للرئاسة ، لا بد أن يفرض النقاب على عقولها ، وليس النقاب العادي ، بل النقاب الذي يغطي حتى العينين ، فهو الوحيد الذي يمكن أن يحجب عورات هذه العقول ، عورات تبدو أمامها عورات الأجساد شيئاً عادياً بل تكسوها الفضيلة فتغمض عينيها قائلة بصوت مشمئز : غطي عقلك يا مترشح عيب كدا ، أَمَاَ للخجل من حكم عليك !!!
ماذا لو فازعقل من هذه العقول التي تطاحنت على المنصب دون وجه حق وجلس فوق مقعد الرئاسة ، والعورات بادية ولا أشجار العالم ولا أوراقها تكفي لتغطيتها ، كيف سنواجه أنفسنا وكيف سنواجه العالم ، ماذا سنقول لأولادنا وأحفادنا ، وما الذي سيسجله التاريخ عن ابناء النيل ، الذين تركوا ماءهُ العذب وعبوا من ماء البحار حتى انتفخت كروشهم وتقيأوا ألافاً من سنين الحضارة . انتبهوا أيها السادة الدبابة عائدة للخلف ، ستدهم الجميع ، ستُسقط الأهرامات ، ستذبح أبا الهول وتأكل لحمه نيئاً ، ستردم نهر النيل ويجف ماؤه ، إن لم تعرفوا وتفهموا الفرق بين العقول العارية المفضوحة بعوراتها والعقول المستورة المبجلة بفكرها ، لا تدعوا صوتكم الإنتخابي تذروه رياح الوهم والكلمات المعسولة شكلاً المرة مذاقاً ،
لا يغريكم كلام الليل المدهون بالزبد وبمجرد أن تخرج شمس الصباح يسيح ولا يبقى منه حرفاً واحداً ، لا تفتحوا أذانكم لحوار الطرشان ، لا تدفعوا بعراة العقول إلى كراسي ملوكنا خوفو وخفرع ومنقرع ، لا يستوى بناة الأهرام مع بناة الأوهام ، اتعظوا من شعوب سواء عن معرفة أو جهل ارتضت أن تضع أصواف الخراف فوق ظهورها ، ولا تدري أن سكين الجزار في انتظارها . السيارة ذات الجنازير عائدة للخلف لتقف أمام تعرية أخرى للعقول وعوراتها ، الوقفة الآن أمام اللجنة المزعومة أو جماعة أو مهزلة اللجنة التأسيسية للدستور ، التي تم اختيارها بطريقة المجلس مجلسنا ، والبلد بلدنا ، يبقى الدستور أيضاً لا بد أن تضعه العقول العارية.
حقيقة عندما قرأت عن كيفية تكوينها ، تذكرت حفلات الزار ، الله حي ، الله حي ، دستورنا جاي ، دستورنا جاي ، واللي عليه عفريت اسمه المدنيه ، هنلبسه طرحة الست زكيه !! ، وقد يكون لحكم المحكمة بإلغاء هذه اللجنة أو الجماعة ، التي تكونت بطريقة تنظيم مسابقة لاختيار كومبارس لفيلم ساقط ، بمثابة عودة الروح إلى جسدي المسكين الخائف المرتجف مع كل طلعة صباح وأنا أسمع وأرى وأشاهد إلى أي ماخور سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي وفكري يحاولون الزج بمصر إلى براثنه ، أمال انتو فاكرين إيه ، انها لعبة العقول العارية وعوراتها الخادشة للحياء ، التي تكشف عنها في كل مناسبة ، دون الخوف من القانون ، مع أنها فعل فاضح علني ، لعلمها أن القانون الآن ما هو إلا كلمات تذهب بها الرياح وتشتتها ، الحكام بأمر الله والمتوجون على كراسي الإحتماء بالحصانة ، والذين فرضوا السطوة بأغلبية لا تسمن ولا تغني عن جوع في ظروف كالتي ترزح تحتها مصر الآن ، ركبتهم العنجهية ولقد رأيت إحدى المناقشات داخل البرلمان وكيف يتحدث الرئيس مع أحد الأعضاء ، وكأنه مدرس يوبخ تلميذ لأنه يرفض أن يأخذ درس خصوصي ، وما أدراك ما هو الدرس الخصوصي الذي يفكر فيه الرئيس بالنسبة للتلاميذ الذين لا يسيرون على نهجه ونهج الأغلبية من تلاميذه !!!
لقد انكشفت كل الأوراق ، ورأينا كل المحطات التي توقف عليها قطار العقول العارية والعورات التي تطل من نوافذه ، والتي بدأت بمحطة استفتاء 19 مارس الخاص بالتعديلات الدستوريه وانتهت بمحطة النوعيات التي قاتلت لخوض معركة الرئاسة ، وما بينهما من وقفات استعراضية .
مجرد فكر أو تصور خيالي ، أو أمنية تبحث عن طاقة ليلة القدر ، أن أغفو وأستيقظ ، لأجد كل ماحدث منذ 25 يناير وحتى الآن ، ما هو إلا كابوس شرير كاد أن يزهق أنفاسي ، وأن كل العقول لابسة لباس الحشمة ، وأن العقول العارية وعوراتها المخجلة التي رأيتها في الكابوس بشكل يؤسف له ويؤسف عليه هي مجرد خيال نتيجة التفكير في كتابة رواية إباحية تحت مسمى " شاطئ العقول العارية " . اللهم ابعد عني وعن كل شعب مصر المسكين هذه الكوابيس ، اللهم اخرجنا من هذه الغمة وأعد لنا ثورتنا المختطفة ، اللهم انقذ مصر من جحيم يفوق الجحيم الذي ينتظر الخطاة في الآخرة ، اللهم افضح كل من يمسك بكتبك العزيزة وهو غير طاهر وأنت أعلم العالمين بأن طهارة الفكر أهم من طهارة الجسد ، اللهم نقب العقول العارية بنقاب من النوع الثقيل والأفضل أن يكون حائط اسمنتي ، اللهم لا تجعل من أمهاتنا أمريكيات الجنسية حتى لا نكون من الكاذبين والمدلسين ، اللهم اجعل من كرسي الرئاسة خازوقاً لمن يجلس عليه ولا يملك من الفكر سوى سوء النية ، اللهم اكسي العقول العارية واستر عوراتها ، فإذا كان آدم أكل من شجرة واحدة فهؤلاء أكلوا مصر كلها .
إنفراجة أمل
قد يكون لقرار استبعاد بعض المترشحين لانتخابات الرئاسة لعدم انطباق الشروط ، انفراجة أمل بأن نبدأ في الخروج من الضياع الذي تعيش فيه مصر منذ استفتاء 19 مارس ، ولا تتحول انتخابات الرئاسة إلى غزوة الكرسي ، وأعتقد أن ما قام به أحد المترشحين وأنصاره من سلوكيات معيوبة على كل الأوجه ، وتهديدات بالإستشهاد وهجمات انتحارية على وزارة الداخلية ، تطبيق عملي للعقول العارية وعوراتها وما أكثرها !! . إن كنا نكتب ، إن كنا نهاجم الأخطاء ، إن كنا نصرخ بأعلى أصواتنا انقذوا مصر ، فلأننا نحبها ، مصر هي الوطن الواحد ، وشعبها هو الشعب الواحد ، وعندما هتف المطرب سيد درويش " قوم يامصري مصر دايماً بتناديك " لم يقل قوم يا مسلم ولا يا مسيحي ولا يا إخواني ولا يا سلفي ، المواطن الشريف هو الذي يعيش تحت سماء مصر كمصري ومصري فقط!!!
edwardgirges@yahoo.com
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :