جديد الموقع
الأكثر قراءة
- الصحافة العالمية تقول : سفير مصر في قطر يناشد المشير حمايته من انتقام وزير الخارجية.
- تشريعية مجلس الشعب توافق على مشروع قانون بالعفو الشامل على نور والشاطر
- الفــجر العتيد.. القيـامة والمواعيد
- "حجازي": نطالب بعزل المفتي ومحاكمته لزيارته للأقصى
- الجمعية الوطنية للتغيير تحذر من "سلق" الدستور أو تأخير نقل السلطة
نسـاء ولآلـئ
بقلم : إدوارد فيلبس جرجس
_ هل لا نزال نعيش في فكر الزمن الماضي يا أبي ؟!
إبتسامة مغضنة على وجه الأب وقال :
_ يا "عادل" يا ولدي لا تسئ بقولك إلى الزمن الماضي ، ليتنا لا نزال نعيش فيه ، لقد كان زمناً فاضلاً ، لاتخلط بين التقدم وأفكار الحياة وتجاربها ، لا بأس وبل من المفروض أن نأخذ من الحاضر تقدمه لكن لا يجب أن نتخلى عن فكر وتجربة الأباء والأجداد ، صدقني يا ابني فكر الماضي كان كنوزاً استبدلتها الأجيال الحاضرة بكومات من التراب تحت مسمى التقدم ، التقدم يمكن أن يحدث في وسائل المعيشة والرفاهيات ، لكن لا يمكن أن نغير به مكنونات الإنسان كإنسان ، أو نستبدل به الأخلاقيات والفضائل
_ وهل زواجي من " زيزيت" سيغير من مكنونات الإنسان والأخلاق والفضيلة ؟! .
_ يا ولدي أعتدت ألا أسئ إلى أي إنسان ، لكن لا تنسى أنك مهندس وهي راقصة .
_ الرقص مهنة كأي مهنة يا أبي ، ألم أقل أن أجيالكم لا تزال تعيش في أفكار الزمن الماضي !! .
أجاب الأب والأسف رفيق كلماته :
_ ليس العيب في الرقص ، إن اقتصر الأمر عليه ، لكن هل الثراء والبذخ الذي تعيش فيه " زيزيت" حصيلة مهنتها كراقصة فقط !!!! .
علق عادل غاضباً :
_ إن بعض الظن أثم يا أبي ، وأنا لم أر شيئاً يعيب سلوكها ، وأنت أيضاً لا تعرف عنها شيئاً ، فلماذا ترتكب الأثم يا أبي .
قال الأب بطول أناة :
_ هناك ظواهر تقابلنا في الحياة يا ولدي ، لا تحتاج لأدنى تفكير ، لأنها ُتعلن عن نفسها ، والنار إذا اشتعلت ، لا بد أن يكون هناك من أشعلها ، فهل هذه تحتاج إلى تفكير أو ظن أو أثم ؟!! .
قال عادل محاولاً الهرب من الحصار :
_ لكنني أحبها يا أبي ، ولا أستطيع الحياة بدونها .
قال الأب في نبرة واعظة :
_ لو حاولنا أن نفعل أو نحصل على كل شيء يروق أمام أعيننا ونتمسك به تمسكنا بالحياة لارتكبنا كثيراً من المعاصي !!
قال عادل غاضباً :
_ زواجي من " زيزيت " ليس معصية يا أبي ، ألم أقل لك أن أجيالكم تعيش بالأفكار القديمة وأول هذه الأفكار التفرقة أو التمييز بين الرجل والمرأة ، الرجال ملائكة حتى لو غرقوا في المعاصي ، والنساء تدان حتى على أنفاسها .
قال الأب وابتسامة رثاء فوق شفتيه :
_ لا يا ولدي قولك جانبه الصواب ، أجيالنا قدرت المرأة وحافظت عليها ، ولا تضع تمييزاً أو فرقاً بين الرجل والمرأة ، لكن كما أن هناك بعض الرجال غير أسوياء فأيضاً هناك بعض النساء غير سويات ، الإثنان بشر يقفان سواسية تحت بند الصواب والخطأ .
قال عادل ونبرة عنيدة تؤكد كلماته :
_ إنني مصر على الزواج من " زيزيت " يا أبي ولن أسمح لأي سبب أن يبعدني عنها .
قال الأب بصوت الحسرة على وحيده : _ هل تقبل " زيزيت " أن ترفع قدميها عن هذا الطريق الموحش ، وتعيش معك كزوجة فاضلة ؟!! ، لو قَبِلَتْ يا ولدي سأ قف وسط الجميع رافع الرأس وأصيح بأعلى صوتي ، من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر .
قال عادل وهو يحاول أن يرسل بعينيه بعيداً عن عيني الأب :
_ لقد عرضت عليها ولم توافق .
قال الأب وعيناه تفيضان حزناً ورأسه تهتز أسفاً :
_ لن أغلق باب الأمل في أن تعيد تفكيرك ، لكن لا تنسى أنك إذا أقدمت على هذه الخطوة ، ستكون نهاية أبوتي لك ، وحسرة في قلب أمك ، وعار على اسم العائلة التي توارثت الفضيلة .
********
" عادل صالح العدوي " ، شاب لم يصل إلى نهاية العقد الثالث ، نشأ في أسرة محافظة تنتمي إلى عائلة كبيرة عُرفت بالتقوى والفضيلة ، تحت رعاية عميدها " صالح العدوي " والد عادل ، لم يبخل عليه الأب ولا الأم حتى بلبن العصفورة كما يقولون ، نال من التدليل ما يكفي ويزيد ويطفو ، الإبن الوحيد الذي أتى بعد حرمان عشر سنوات من الإنجاب ، والوصول إلى درجة اليأس لأن تكون لهما ذرية ، ولد وفي فمه ملعقة من ذهب ، لم يبخل عليه الأب بأرقى المدارس ، وتخرج من كلية الهندسة معتلياً مرتبة النبوغ ، مما أهله لوظيفة مرموقة في إحدى الشركات الكبرى ، لم تبخل عليه الأم بالحنان والدلال الزائد الذي كان يعترض عليه الأب أحياناً ، يريد له أن ينشأ قوياً صلباً كرجال العائلة ، لكن الأم الفاضلة كانت تستطيع دائماً أن تكسب الجولة بكلمات بسيطة أمام زوج يحبها ويقدرها بأنه الأبن الوحيد الذي رأته أعينهما بعد سنوات من الحزن واليأس ، كان الأب يصمت على مضض وعن غير اقتناع ، لكن عادل لم يخيب ظنه وسار على الدرب القويم شاغلاً نفسه بالرياضة فأكسبته رشاقة وقوة ، ولم يبخل عليه الخالق بوجه جميل يجذب إليه القلوب ، وباختصار كان شاباً ملء العين والبصر ، لم يلوث رئتيه دخان ، أو يكوي حلقه كأس ، وقعت في هواه فتيات العائلة ، لكنه لم ينجذب إليهن ، ولم يضغط عليه الأب وإن كان في قرارة نفسه يود لو يختار عادل زوجة منهن معروفة الحسب والنسب .
المرة الوحيدة التي خرجت فيها قدمه عن الدرب القويم أتت عليه بكارثة ، أصر زملاء وأصدقاء العمل أن يحتفلوا بعيد ميلاده في أحد الملاهي ، لم تطأ قدمه مكان مثل هذا من قبل ، إنبهر به وبكل ما حوله ، والإنبهار الأكبر كان بالراقصة التي تعمدت أكثر من مرة أن تقترب منه وترمقه بنظرة خاصة ، انتهت السهرة وعاد إلى منزله لكن قلبه لم يعد معه ، ولم تفارق مخيلته نظرة من أسفل أهداب جارحة ، رقد واستيقظ في الصباح وقلبه كان لا يزال هناك ، ولم تنسه ساعات النوم نظرتها الداعية في صمت .
أحس بحتمية العودة إلى الملهى ليسترد قلبه ، وليعيد النظرة إلى صاحبتها ، خابت حساباته ، وخرج في المرة الثانية أسير شباك إنوثتها ، وسهام رغبة متوحشة لا تزال بكراً تخترق كل خلية في جسده . بدأت حكاية عادل الذي سجنته " زيزيت " خلف قضبان إغرائها وقالت وفوق شفتيها ابتسامة شيطانية ، إن استطعت الهرب فاهرب ، لم يحاول ، رأى في سجنها الجنة التي كثيراً ما سمع حكاياتها من والده . أذاقته من فتنتها مرة واحدة ، وعندما أطلقته من بين ذراعيها كان أشبه بمدمن مخدرات لا يتورع عن دفع حياته ثمناً لجرعة ثانية ، لكن الجرعة الثانية في مقامنا هذا ثمنها التوقيع على عقد الزواج ، شرطها الأول والأخير ، ذاقت واستمتعت بشبابه الغض وهو يضخ داخل جسدها الحب الحقيقي الذي لم تسمع عنه طوال حياتها ، منذ أن افترسها ذئب من ذئاب البشر وهي لا تزال في الرابعة عشر ، ومروراً بنزوات وشهوات وقاذورات لرجال يأخذون حق الثمن الباهظ الذي دفعوه للإستمتاع بالجسد الرخص ومفاتنه التي تغري قديساً على هجر حياة القداسة .
سألها عادل المزيد من رشفات الهوى المسكر ، وسألته التوقيع على رباط الزوجية أولاً ، بعزيمة حديدية قررت أن يكون من ممتلكاتها ، حاول أن يفتش عن البديل لإدمانه مراعاة لأسرته ولعائلته ، إلى جانب خوفه من مفاتحة الأب والمعلم والناصح والمرشد برغبته في الزواج من راقصة ، أبداً لم يعثر على ما ينسيه النشوة اللانهائية وهويتمرغ في حضنها ، ضاقت الدنيا أمام وجهه ، واكتست بثوب أسود وقاتم وحزين ، تحشرجت أنفاسه التي أدمنت أنفاسها بعد المرة الأولى ، لم يعد يسمع لقلبه سوى نغمة حزينة ، لا بد من الجرعة ، والجرعة ثمنها التوقيع على عقد الزواج ، ولماذا كل هذه المتاعب والقنوط ، الثمن لا يتعدى التوقيع ، ثمن بخس مقابل نعمة ما بين ذراعيها ، فليوقع ، وليوقع أمام العالم كله كشرطها الذي لن تتنازل عنه ، وليتحدى كل شيء حتى لو كانت طاعة الأب ، يقولون يا روح ما بعدك روح ، وهو لديه إحساس بأن روحه تنسحب منه رويداً رويداً وتكاد تطير بعيداً عنه .
معذرة يا أبي أُقسم بالله إنني لم أكن أود مخالفتك ، الموت أهون عندي عن الخروج عن طاعتك ، لكن ماذا أفعل ؟ ، أنت لم تجرب أن تُسلبَ منك كامل إرادتك وتسير كالتائه وكأنك تسير في دنيا غير الدنيا التي نشأت بها وتعرفها ، لم تجرب ما معنى كلمة الإدمان ، وكيف يتحول المدمن إلى مجنون يمكن أن يرتكب أي شيء حتى القتل للحصول على جرعة واحدة ، طينتك غير طينتي يا أبي ، طينة أجيالكم غير طينة أجيالنا ، طينتكم تعرضت لصهد الفرن فتقوت وأصبحت صلبة يصعب تفتيتها ، طينة أجيالنا لم تصهرها النار، تتفتت بسهولة أمام أي ضغطة من ضغطات الحياة وتجاربها وقسوة إمتحاناتها ، سامحني يا أبي ، سأتزوج " زيزيت " وتخيل إنك لم تنجبني ، أو أن الموت اختطفني صغيراً .
المرة الوحيدة التي خرجت فيها قدمه عن الدرب القويم أتت عليه بكارثة ، أصر زملاء وأصدقاء العمل أن يحتفلوا بعيد ميلاده في أحد الملاهي ، لم تطأ قدمه مكان مثل هذا من قبل ، إنبهر به وبكل ما حوله ، والإنبهار الأكبر كان بالراقصة التي تعمدت أكثر من مرة أن تقترب منه وترمقه بنظرة خاصة ، انتهت السهرة وعاد إلى منزله لكن قلبه لم يعد معه ، ولم تفارق مخيلته نظرة من أسفل أهداب جارحة ، رقد واستيقظ في الصباح وقلبه كان لا يزال هناك ، ولم تنسه ساعات النوم نظرتها الداعية في صمت .
أحس بحتمية العودة إلى الملهى ليسترد قلبه ، وليعيد النظرة إلى صاحبتها ، خابت حساباته ، وخرج في المرة الثانية أسير شباك إنوثتها ، وسهام رغبة متوحشة لا تزال بكراً تخترق كل خلية في جسده . بدأت حكاية عادل الذي سجنته " زيزيت " خلف قضبان إغرائها وقالت وفوق شفتيها ابتسامة شيطانية ، إن استطعت الهرب فاهرب ، لم يحاول ، رأى في سجنها الجنة التي كثيراً ما سمع حكاياتها من والده . أذاقته من فتنتها مرة واحدة ، وعندما أطلقته من بين ذراعيها كان أشبه بمدمن مخدرات لا يتورع عن دفع حياته ثمناً لجرعة ثانية ، لكن الجرعة الثانية في مقامنا هذا ثمنها التوقيع على عقد الزواج ، شرطها الأول والأخير ، ذاقت واستمتعت بشبابه الغض وهو يضخ داخل جسدها الحب الحقيقي الذي لم تسمع عنه طوال حياتها ، منذ أن افترسها ذئب من ذئاب البشر وهي لا تزال في الرابعة عشر ، ومروراً بنزوات وشهوات وقاذورات لرجال يأخذون حق الثمن الباهظ الذي دفعوه للإستمتاع بالجسد الرخص ومفاتنه التي تغري قديساً على هجر حياة القداسة .
سألها عادل المزيد من رشفات الهوى المسكر ، وسألته التوقيع على رباط الزوجية أولاً ، بعزيمة حديدية قررت أن يكون من ممتلكاتها ، حاول أن يفتش عن البديل لإدمانه مراعاة لأسرته ولعائلته ، إلى جانب خوفه من مفاتحة الأب والمعلم والناصح والمرشد برغبته في الزواج من راقصة ، أبداً لم يعثر على ما ينسيه النشوة اللانهائية وهويتمرغ في حضنها ، ضاقت الدنيا أمام وجهه ، واكتست بثوب أسود وقاتم وحزين ، تحشرجت أنفاسه التي أدمنت أنفاسها بعد المرة الأولى ، لم يعد يسمع لقلبه سوى نغمة حزينة ، لا بد من الجرعة ، والجرعة ثمنها التوقيع على عقد الزواج ، ولماذا كل هذه المتاعب والقنوط ، الثمن لا يتعدى التوقيع ، ثمن بخس مقابل نعمة ما بين ذراعيها ، فليوقع ، وليوقع أمام العالم كله كشرطها الذي لن تتنازل عنه ، وليتحدى كل شيء حتى لو كانت طاعة الأب ، يقولون يا روح ما بعدك روح ، وهو لديه إحساس بأن روحه تنسحب منه رويداً رويداً وتكاد تطير بعيداً عنه .
معذرة يا أبي أُقسم بالله إنني لم أكن أود مخالفتك ، الموت أهون عندي عن الخروج عن طاعتك ، لكن ماذا أفعل ؟ ، أنت لم تجرب أن تُسلبَ منك كامل إرادتك وتسير كالتائه وكأنك تسير في دنيا غير الدنيا التي نشأت بها وتعرفها ، لم تجرب ما معنى كلمة الإدمان ، وكيف يتحول المدمن إلى مجنون يمكن أن يرتكب أي شيء حتى القتل للحصول على جرعة واحدة ، طينتك غير طينتي يا أبي ، طينة أجيالكم غير طينة أجيالنا ، طينتكم تعرضت لصهد الفرن فتقوت وأصبحت صلبة يصعب تفتيتها ، طينة أجيالنا لم تصهرها النار، تتفتت بسهولة أمام أي ضغطة من ضغطات الحياة وتجاربها وقسوة إمتحاناتها ، سامحني يا أبي ، سأتزوج " زيزيت " وتخيل إنك لم تنجبني ، أو أن الموت اختطفني صغيراً .
********
صعب .. صعب .. الموقف في غاية الصعوبة ، " صالح المعداوي " سجن نفسه بعد زواج ابنه " عادل " من الراقصة " زيزيت " ، لم يحضر حفل الزواج سوى بعض الأصدقاء ، لم يقترب من بابه أحد من أسرته ، بل أعُلن الحداد داخل العائلة ، عادل مات أو في عداد الموتى ، خرج ولن يعود ، ترك محراب العائلة وسكن فسق الملاهي ، تزوج من راقصة تكبره بخمسة أعوام ، وثروة أتت من الحرام لا تحصى ولا تقدر ، لا يجب أن نظلمه ، الثروة أبداً لم تكن هي الجاذب له ، الجسد القاهر جذب كل عروقه وأوردة الحياة بداخله ، المرة الأولى التي ذاق فيها معنى كلمة الأنثى كانت من خلال ذراعيها ، امتص ثديها فأعاده إلى الطفولة وثدي أمه ، الطفل الكبير توسد وسادة النشوة وأصبح من الصعب جداً بل من المستحيل انتزاعها من أسفل رأسه ، الأب المسكين لا يفهم كل هذه الأشياء ، لم ينظر إليها كمرض أو فايروس يصعب علاجه بالنسبة لابنه صاحب المشاعر العذراء البكر .
توارى " صالح المعداوي " بين الجدران كمرتبك لجريمة أو لعار ، يشعر بالخزي ويرفض أن يكشف وجهه أمام العائلة وهو عميدها ، حاولت زوجته أن تهون الأمر عليه ، لكن رجولته منعت عليه الفضفضة بدموع تحرق داخله ، كتمها كنار لا تبرد ولا تنطفأ ، فاجأ زوجته ذات يوم بقراره الذهاب إلى أمريكا ، ليقضي باقي عمره بجانب أخاه وزوجته وأولاده الذين هاجروا منذ فترة طويلة ، فقد تعينه الغربة على رتق جرحه ، وأيضاً ستعفيه من الظهور أمام إناس يضحكون أمام وجهه ويتغامزون خلف ظهره ، شق على الزوجة أن تترك بلدها ووطنها وعائلتها وابنها التي تحاول أن تتشمم أخباره من بعيد ، وأمل يراودها في لقاء معه حتى لو من وراء علم زوجها ، قلب الأم وعاطفتها يغفران له نزوته حتى لو صلبتهما هذه النزوة فوق صليب العار . وأمام الإصرار كان الرحيل ودموع تملأ الجِرار ذرفها الأب خلسة وذرفتها الأم علانية .
توارى " صالح المعداوي " بين الجدران كمرتبك لجريمة أو لعار ، يشعر بالخزي ويرفض أن يكشف وجهه أمام العائلة وهو عميدها ، حاولت زوجته أن تهون الأمر عليه ، لكن رجولته منعت عليه الفضفضة بدموع تحرق داخله ، كتمها كنار لا تبرد ولا تنطفأ ، فاجأ زوجته ذات يوم بقراره الذهاب إلى أمريكا ، ليقضي باقي عمره بجانب أخاه وزوجته وأولاده الذين هاجروا منذ فترة طويلة ، فقد تعينه الغربة على رتق جرحه ، وأيضاً ستعفيه من الظهور أمام إناس يضحكون أمام وجهه ويتغامزون خلف ظهره ، شق على الزوجة أن تترك بلدها ووطنها وعائلتها وابنها التي تحاول أن تتشمم أخباره من بعيد ، وأمل يراودها في لقاء معه حتى لو من وراء علم زوجها ، قلب الأم وعاطفتها يغفران له نزوته حتى لو صلبتهما هذه النزوة فوق صليب العار . وأمام الإصرار كان الرحيل ودموع تملأ الجِرار ذرفها الأب خلسة وذرفتها الأم علانية .
********
العسل حلو جداً ، والغيرة قاسية جداً ، وبين حلاوة العسل وقسوة الغيرة ، يحاول رفض أن تعيش حياتها وشفاه أخرى ترتشف من عسلها ، اشتباكات تبدأ عنيفة ، وتنتهي بالصمت والخنوع والإستسلام أمام جرعات التأديب التي تناله بين الوقت والآخر ، فيعود إلى الطفل الطائع الذي يلهيه ثدي أمه عن كل شيء حوله ، مناقشات وحوارات تدور كتحصيل حاصل ،لا تبالي لتأكدها من أنها تقبض على زمام اللجام بيد قوية وحاكمة ، ولأنها تعلم جيداً أنه أصبح غير قادرعلى تقيأ إدمانه وعلى استعداد أن يزحف على بطنه من أجل جرعة ، دارت بينهما ذات مرة مناقشة إثر عودتها قرب الفجر :
_ لماذا صممتِ على الزواج وأنتِ تسلكين هذا السلوك ؟!
اجابت " زيزيت " وهي تهز كتفيها :
_ أعتقد أنك كنت متلهفاً على الزواج أكثر مني ، وأنك لم تتزوجني كراهبة من داخل الدير ، لكن كراقصة من داخل ملهى !!
_ نعم لم أنس هذا، لكن كنت أظن أن ثوب الراقصة فقط هو الذي سيبقى ، أما باقي الأثواب ستودعينها صندوق القمامة .
قالت بلهجة متهكمة :
_ وهل كنت تظن أن والدك سيغدق علينا بمعيشة كالتي نعيشها ؟! ، أنظر حولك لتعرف إننا نعيش في مستوى معيشة يسير على قدم المساواة مع أكبر مسئول في البلد ، فلماذا نخسر كل هذا ؟!! .
أجاب عادل ونظرة صارخة تستنكر صراحتها الفجة :
_ من أجل أن تكوني زوجة لرجل يحبك وأسرة وأولاد !! .
قالت بلهجة أكثر تهكماً :
_ ثم أستجدي لتبديل سيارتي ، أو لأشتري فستان أو قطعة حلي ، ومشيرة بأصبعها ، أنظر إلى هذه الحلي التي تملأ الدرج ، ملكة بريطانيا لا تقتني مثلها .
_ هناك فرق بين الحلال والحرام ؟!
أربد وجهها ، وقالت ونظرة كحد الخنجر تنطلق من عينيها :
_ منذ أن تزوجتني وأنت تغوص في الحرام ، كنهم أو جائع لم يذق طعاماً طوال عمره ، فما الذي نكأ جراح الشرف داخلك هذه الليلة ، ومن أجل هذا سأعفيك من الحرام هذه الليلة وسترقد وحيداً كدواء لجراح الكرامة التي بدأت تنزف .
قفز كمن لدغته حية ، أمسك بيدها يقبلها ، كاد يهبط حتى القدم ، يصرخ كطفل أبعدوه عن ثدي أمه وهو لم يشبع بعد ، يستعطفها ألا تلفظه من حضنها ، ألا تحرمه من جرعة الإدمان التي اعتاد عليها كل ليلة حتى لو شاركه فيها أحد قبله ، شمة واحدة كافية أن تعيد إليه ارتخاء أعصابه ، وتحلق به في جو من السعادة ، لا تحرمينني أيتها القاسية ، لقد قبلتها مهما كانت ، فأنا من المؤمنين بالإشتراكية حتى لو كانت في جسدك ، دفعته القاسية فحكم التأديب قد صدر ولا عودة فيه ولا استئناف ، رقد ودموع الأطفال تملأ مقلتيه ، يؤنب لسانه الذي أوقعه في مصيبة الإنتظار إلى فجر اليوم التالي لينال الجرعة ومن يدري فقد تطول فترة التأديب !! .
********
الغربة الموحشة ، وألم فراق الأهل والأحباب ، والقلب الممزق على وحيده الذي عصا طاعته ، وتزوج زواجة كالموت ، نعم زواجة الموت ، ثلاث سنوات قضاها " صالح المعداوي " في الغربة لم ير فيها وحيده ، ولم يسمع صوته ، ولم يهنأ بحفيد كان يحلم به ، حتى الإنجاب تمردت عليه " زيزيت " ، قالت له أنها لا تفكر مطلقاً فيه الآن ، يجب أن تشبع من الحياة والشهرة وتُتخم من المال قبل أن تفكر فيه ، في الحقيقة كان عرض عادل بالنسبة للإنجاب عرضاً واهياً ، فهو أيضاً يريد أن يشبع من مفاتنها قبل أن يفسدها الحمل والولادة ، الوقت الذي يقضيه معها بعد عودتها فجر كل يوم لا يُشبع نهمه ، الغير يمتلكون جسدها وهو مجرد ضيف لوقت قصير تكون فيه منهكة ، شيطان الرغبة فيها امتلكه وارتضى أن يكون الزوج المخدوع بعلمه ، كلمات الحب والغنج التي تهمس بها في أذنه وهى تتثاءب أعمته عن أنه يقف على هاوية الرجال ، حبذ فكرة عدم الإنجاب ، حتى لا يشاركه فيها طفل له احتياجاته الخاصة ، بفكر غريب وشاذ تقبل أن يشاركه في جسدها الغير ، استسلم لهذا الفكر بل وكيفه بما يرضي رغبته العاشقة ، وبأنها دائماً تكون له في آخر الليلة ، ولا تزال تحبه ، وتبرر له انحرافها المخجل على أنه مجرد عمل لا أكثر تجني من ورائه مكاسب طائلة تزيد من كومة ثروتها ضماناً للمستقبل ، صَدقَ أو لم يصدق لا يهم لكنه تقبله مقنعاً نفسه بأنه الصدق ، مرات كثيرة يتمرد عليها في صمت وعلى نفسه علناً في غيابها ، يتذكر أبيه وأمه ، يفتقدهما ويشعر بطوفان من الوحشة ، لكن أسرِه كان من النوع الثقيل ، أسر لا مهرب منه إلا بالموت .
كم سالت دموع الأب خلسة أيضاً وخياله يسرح في ابنه العاق الذي حرمه من متعة حفيد يحمل اسمه .
ذات يوم كان الأب يطالع الصحف المصرية كأحد وسائلة التي يقطع بها وقت الغربة ، فجأة هب واقفاً وقد طار عقله ، حادثة بالجريدة ، تقول أن رصاصات أُطلقت على الراقصة " زيزيت " وزوجها " عادل صالح " ، والنتيجة مصرع الراقصة وإصابة الزوج إصابة خطيرة ، في ساعات كان يجلس بالطائرة المتوجهة للقاهرة ، في المستشفى التي يرقد بها ابنه علم أن الإصابة أنهت على إحدى " كليتيه " و الأخرى في حالة خطرة ، ولا توجد سوى " كلية "واحدة من متبرع لا تطابق أنسجتها " كلية " عادل ، تقدم الأب طالباً التبرع بإحدى " كليتيه " لأبنه ، تطابقت الأنسجة لكن للأسف التقرير أوضح أن إحدى كليتي الأب تعمل بصورة جيدة والأخرى كفاءتها ضعيفة جداً ، ولهذا لن يستطيعوا انتزاع " كليته " السليمة وتركه يواجه الموت بكلية واحدة ضعيفة ، أصر الأب وهدد بالإنتحار إن لم يُقبل تبرعه بكليته السليمة لإبنه ، وقع على قبوله التبرع تحت مسئوليته ، أُجريت العملية وتمت بنجاح دون أن يعلم عادل أنه يحمل بداخله " كلية " من أبيه ، وبناء على رجاء الطبيب تقابل الأب والإبن كل واحد يرقد على فراش ، تولت الإبتسامات الضعيفة مهمة العناق وتبادل الأشواق ، حاول عادل حتى سمحت حنجرته بخروج كلماته الواهنة:
كم سالت دموع الأب خلسة أيضاً وخياله يسرح في ابنه العاق الذي حرمه من متعة حفيد يحمل اسمه .
ذات يوم كان الأب يطالع الصحف المصرية كأحد وسائلة التي يقطع بها وقت الغربة ، فجأة هب واقفاً وقد طار عقله ، حادثة بالجريدة ، تقول أن رصاصات أُطلقت على الراقصة " زيزيت " وزوجها " عادل صالح " ، والنتيجة مصرع الراقصة وإصابة الزوج إصابة خطيرة ، في ساعات كان يجلس بالطائرة المتوجهة للقاهرة ، في المستشفى التي يرقد بها ابنه علم أن الإصابة أنهت على إحدى " كليتيه " و الأخرى في حالة خطرة ، ولا توجد سوى " كلية "واحدة من متبرع لا تطابق أنسجتها " كلية " عادل ، تقدم الأب طالباً التبرع بإحدى " كليتيه " لأبنه ، تطابقت الأنسجة لكن للأسف التقرير أوضح أن إحدى كليتي الأب تعمل بصورة جيدة والأخرى كفاءتها ضعيفة جداً ، ولهذا لن يستطيعوا انتزاع " كليته " السليمة وتركه يواجه الموت بكلية واحدة ضعيفة ، أصر الأب وهدد بالإنتحار إن لم يُقبل تبرعه بكليته السليمة لإبنه ، وقع على قبوله التبرع تحت مسئوليته ، أُجريت العملية وتمت بنجاح دون أن يعلم عادل أنه يحمل بداخله " كلية " من أبيه ، وبناء على رجاء الطبيب تقابل الأب والإبن كل واحد يرقد على فراش ، تولت الإبتسامات الضعيفة مهمة العناق وتبادل الأشواق ، حاول عادل حتى سمحت حنجرته بخروج كلماته الواهنة:
_ سامحني يا أبي .
بصوت أضعف من الوهن قال الأب :
_ قلب الأب لا يعرف سوى التسامح يا عادل .
_ أريد أن أشعر بأنني عدت إلى منزلتي القديمة في قلبك ، فاهدني نصيحة من نصائحك التي كانت تلازم كل خطواتي قبل وقوعي بين براثن الشيطان .؟
قال الأب وعلى وجهه ابتسامة تحاول الهرب :
_ إذا فكرت في الزواج ثانية تذكر قول سيدنا سليمان " إمرأة فاضلة من يجدها لأن ثمنها يفوق اللآلئ .
دموع حارة كسيول الصيف انهمرت تغسل وجه عادل ، وامتدت يد لتسحب الملاءة البيضاء فوق وجه الأب !! .
تمت ؛
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :