الأقباط متحدون | الخطأ الشائع والصواب المهجور في مفهومنا للديمقراطية
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٩:٤٩ | السبت ١٠ مارس ٢٠١٢ | ١ برمهات ١٧٢٨ ش | العدد ٢٦٩٥ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

الخطأ الشائع والصواب المهجور في مفهومنا للديمقراطية

السبت ١٠ مارس ٢٠١٢ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم : د. وجدي ثابت غبريال

إذا ما اجتهد باحث في تأصيل مقترح أو تصحيح مصطلح فهم بما يقول مستهزئون وان ذكروا لا يذكرون ألا يتدبرون الحق ألا ساء ما يحكمون. فالنظرة العابرة توحي للبعض أن الديمقراطية تتلخص وحسب في الأهمية العددية لحزب أو لائتلاف حاكم. و الفكر السطحي يكتفي في جهالة بالحصول على أغلبية برلمانية نسبية حتى ينفرد حزب بالسلطة و يصبح بمنأى عن مشاركة السلطة مع القوى السياسية الأخرى. فليس هناك اغرب من هذه الفكرة على الديمقراطيات الدستورية الحديثة. 
تقوم الديمقراطيات الدستورية الحديثة على مبدأ توازن السلطة و توزيعها و المشاركة فيها و ليس على مبدأ الانفراد و الاستئثار الجشع بالسلطة بلا شريك أو حسيب. و الأمثلة العديدة تعضد ما أقول: 
 
اولا.
إذا ملكت الأغلبية البرلمانية حق التشريع فان حق أخر يقابل ذلك فى صالح الأقلية المعارضة وهو إمكانية مرخصة للمعارضة بالطعن على التشريع قبيل إصداره أمام القاضي الدستوري الذي يمكنه هو الأخر أن يقضى بعدم دستورية القانون فلا يصدر قبل تلافى العيوب الدستورية التي تعتريه. اثرت هذه الآلية الدستورية على تحقيق التوازن السياسي و الحد من السلطان المطلق لحزب أو ائتلاف واحد حاكم و تهدئة المناخ السياسي المتائجج أحيانا  لاسيما بعد صدور قرار القاضي الدستوري لمصلحة أو ضد احد الأطراف. فقرار القاضي هو عنوان للحقيقة القانونية و لو خالف الإرادة السياسية للأغلبية. 
 
ثانيا.
الأقلية المعارضة لها سلطات خاصة بها و حكر عليها فى الأنظمة الديمقراطية الحديثة و لا يجوز أن تمارس صلاحياتها الدستورية الرقابية إلا أحزاب الأقلية التي في المعارضة و ذلك أيا كان الحزب الذي تنتمي إليه هذه الأقلية و أيا كان حزب الأغلبية. ففي فرنسا مثلا كل ما يتعلق بالمحاسبات و الرقابة المالية على أعمال الحكومة تختص به لجان برلمانية داخل البرلمان و بمعاونة محكمة المحاسبات المشكلة أساسا من الحزب المعارض الذي يتمتع بمكنات دستورية تخوله حق إعمال طرائق الرقابة المختلفة على حكومة الأغلبية. 
 
ثالثا.
الفترة الانتقالية و النظام اللاحق لها يجب أن يعبرا عن حالة تحول سياسي عميق و جذري في واقع و تاريخ الشعب وإلا ما كانت هناك ثورة و ما كان هناك إلا تغييرا للأشخاص فحسب دون ادني تغيير موضوعي في حالة الشعب ذاته. مقتضى ذلك هو أن قمع الحريات او تقييدها في ظل نظام سابق  يجب أن يستبدل بحمايتها و تقرير ضمانات قضائية و دستورية لها في النظام الجديد. انه التزام بنتيجة و ليس فقط ببذل عناية. ولا تقبل اى حجة دينية أو عسكرية لتبرير تقييد حريات المواطنين في ظل النظام الدستوري الجديد و إلا كما قلنا لكان الأمر مجرد تغيير في شخص الحاكم فقط مع بقاء ذات الثقافة الحاكمة المعادية لفكرة الحرية الإنسانية ولو كان هذا العداء الجديد مبنيا على أسباب أخرى. لان ألعبره هي بالتغيير الموضوعي لمساحة الحريات التي يتمتع بها الأفراد.
 
رابعا.
 في فترات التحول السياسي و الحقب الانتقالية تتشابه التجارب بين الأمم و يمكن أن نستمد منها عظة حسنة. فانفراد حزب بالحكم و القرار كما كان الحال فى النظام السابق يجب أن يزول وألا يستبدل بانفراد حزب أخر بالسلطة و القرار. و تبعا فالسلطة التأسيسية القائمة باقتراح مشروع الدستور لا يجب أن تنفرد به. فالدستور قانونا و علميا و سياسيا هو تعبير حكيم عن توازنات سياسية دقيقة و يمثل سيادة الشعب كله و ليس أغلبية عددية و لو كانت من المتقين.
 
 و تبعا فاقتراح مشروع للدستور يجب ان يعبر عن الإرادة العامة للأمة بجميع مكوناتها و القوى السياسية المختلفة فيها. و ليس بدعا من القول أن تشارك جميع القوى السياسية فى وضع الدستور الجديد. فجميع الدول التي عبرت من نظام قامع إلى نظام حر دعت جميع القوى السياسية أقلية و أغلبية للتفاوض و النقاش حول مشروع الدستور الجديد فهذا هو التحدي الحقيقى الذي تمثله الديمقراطية : الدعوة للحوار و النقاش و التحسين و التجويد بين أطراف متعارضة تتعلم بالتجربة فن النقاش و الحوار الديمقراطي لان الحقيقة ليست حكرا على فريق. ألا نعلم أن النظام العنصري لجنوب إفريقيا سقط و عندما شرع الشعب في إقامة نظام حر جديد تم التفاوض بين جميع الأحزاب السياسية سنة 1992 لإعداد وثيقة دستورية  تجمع المبادئ الدستورية العليا المتفق عليها بين جميع الأحزاب أغلبية و أقلية و شاركت كافة الأحزاب في التفاوض حول مبادئ الدستور الجديد.
 
بل أكثر من ذلك فعندما لوحظ على المشروع النهائي مخالفته للمبادئ المتفق عليها في الوثيقة الدستورية المبدئية تمت إحالته للمحكمة الدستورية التي قضت بالفعل بعدم مطابقة بعض المواد في المشروع النهائي للوثيقة الدستورية المتفق عليها بين جميع الأحزاب السياسية المشاركة و لم يصدر الدستور الجديد دون إجراء التعديلات التي اقتضاها القاضي الدستوري في النص النهائي و التي تتفق مع إرادة جميع الأحزاب المشاركة في إعداد المشروع.
  
خامسا.
 إن القول بان الجمعية التأسيسية حرة حرية مطلقة في وضع  ما تشاء من مبادئ في مشروع الدستور الجديد ليعنى ببساطة  إمكانية التخلي عن المبادئ الدستورية التي قامت الثورة من اجلها و التي وافق  عليها الشعب المصري في استفتاء دستوري ملزم ومنها تحديد مدة الرئاسة بأربع سنوات و قصر التجديد على مدة واحدة. و منها أيضا الأشراف القضائي الكامل على العمليات الانتخابية فضلا عن مبدأ المواطنة و غيرها من المبادئ الدستورية. إن وجود هذه المبادئ الدستورية ملزم للسلطة التأسيسية. وهو ما يدعو للتساؤل ما الذي يمنع أن نضيف على هذه المبادئ مبادئ أخرى مكملة و ضرورية لاستكمال الدستور الجديد على أن تكون هذه الأخيرة ثمرة الحوار الديمقراطي بين كافة فئات الشعب الممثلة فى الجمعية التأسيسية.

أستاذ القانون الدستوري و الحريات العامة
بكلية الحقوق و العلوم السياسية - جامعة لاروشل الفرنسية




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تقييم الموضوع :