الإعلام السَّلفي..صياغة عواطف المشاهدين
استغل السلفيون تطور وسائل الإعلام الفضائي والإلكتروني، وحاولوا عبرها التأثير على عواطف المشاهدين، وعلى مختلف فئاتهم العمرية، وتكثيف الخطاب الديني السلفي في الحث على الحجاب والتدين، ومنه ينفذ إلى السياسة، وقد اتضح ذاك التوظيف خلال ما عُرف بالربيع العربي، لتكون تلك الوسائل بوابات التيار لكسب المواطن في الحملات الانتخابية.
هذا المقال ملخص لبحث محمد مصباح ‘توجهات الإعلام ذي المرجعية السَّلفية’ ضمن الكتاب التاسع والأربعين(فبراير2011) ‘السَّلفيون في المغرب العربي’، الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.
يبرز توجه جديد في تعاطي الحركات السلفية مع الوسائل الحديثة للتواصل، بحيث انطلقت منذ بداية القرن الجديد، وهي ظاهرة حديثة ارتبطت بالتحولات الحاصلة على مستوى التدفق الإعلامي، والانتشار الواسع للوسائل الحديثة للتواصل عبر مختلف مناطق العالم، وضمنها العالم العربي والإسلامي، والتي قام الفاعلون في الحركات السلفية المعاصرة بتوظيفها لصالحهم، وقد ساعدهم في ذلك كون هذه الوسائل الحديثة للتواصل مرتبطة بالتحول غير المسبوق في تطور الوسائل الحديثة للتواصل من جهة، وبهيمنة النيوليبرالية والعولمة، وما يرتبط بها من مفاهيم من قبيل “السوق الحرة” وحرية انتقال “الأفكار”. والتي من بين أهم إفرازاتها تحرير وسائل الإعلام من هيمنة الحكومات، وكسر احتكارها للمعلومة في سوق تداول المعلومات والقيم، وترك هذا المجال مفتوحاً أمام منافسة رجال الأعمال الذين يسعون إلى تنامي الأرباح وتحقيق التراكم المادي.
نعتبر في هذه الورقة إعلاماً سلفياً مجموع القنوات والإذاعات والمواقع التي تعرض للبرامج والفعاليات والخطابات ذات مضمون سلفي؛ سواء كانت سمعية أو بصرية أو كليهما، بغض النظر عن الوسيط medium أو الوسيلة التي تم من خلالها (برنامج، فيديو، CD/DVD، MP3 أو 4MP…)، وبغض النظر عن المؤسسة أو الأفراد الذين يقفون وراء هذه المؤسسة. فالإعلام السلفي يمكن أن يكون حاضراً على المستوى المؤسساتي، مثل البرامج المعروضة من طرف بعض القنوات أو المواقع الرسمية والحكومية. كما يمكن أن يكون على المستوى الشعبي أو الفردي مثل مواقع الجمعيات والمنظمات ذات المرجعية السلفية، أو حتى مواقع الأفراد والدعاة والمشايخ السلفيين. الأمر الذي يدفعنا إلى اعتماد تصنيف الإعلام السلفي بناء على صنفين أساسيين كالتالي:
تأثير الإعلام السلفي يتم من خلال ثلاثة مستويات:
1. المستوى العاطفي: تزايد الإذاعات والبرامج والمواقع السلفية، التي تؤدي إلى إعادة صياغة عواطف المشاهدين، والتأثير في الأذواق والاختيارات بناء على النموذج السلفي المقدم في هذه القنوات.
2. المستوى المعرفي: وهو مرتبط بالبعد السابق، فالإعلام السلفي أصبح مصدراً جديداً من مصادر إنتاج القيم، وتلقين المعارف (الأيديولوجيا) السلفية وتشكيل الوعي بالقضايا المختلفة، خصوصا قضايا العقيدة والمعرفة (الفقه)..
المستوى السلوكي: وهو أعمق هذه المستويات وسابق عليها. فالعديد من الفضائيات والمواقع والإذاعات السلفية، المنتشرة عبر مختلف وسائل الإعلام الحديثة، تحمل في مضامينها قيماً ومرجعيات فكرية وأيديولوجية مخالفة لنموذج التدين السائد في المجتمع، وتأثيرها يبرز بشكل كبير في تحول تلك القيم واستعارة النماذج السائدة في وسائل الإعلام السلفية، وهو ما يبرزه عدد من الوقائع والأحداث، أهمها التزام عدد من الشباب والشابات بمقتضيات الخطاب السلفي، مثل ارتداء البرقع أو إعفاء اللحية وتقصير الملابس على مستوى المظهر الخارجي.
ففي العالم العربي تنتشر حوالى عشر قنوات فضائية سلفية (قناة المجد الفضائية، قناة المجد للقرآن الكريم، قناة الفجر، قناة الهدى، قناة الناس، قناة العفاسي، قناة الحكمة، قناة الأمة، الرحمة، قناة الحافظ)، من أصل حوالي 19 قناة دينية عبر القمر الاصطناعي نايل سات. وهي نسبة تتجاوز 50% من مجموع القنوات الدينية المنتشرة في العالم العربي، كما تتوزع هذه القنوات السلفية عبر عدة دول عربية (مصر، الكويت، الأردن…). إلا أن الحضور المصري بارز بحيث تنطلق من مصر لوحدها خمس قنوات سلفية، وهي نسبة حوالي 50% من مجموع القنوات السلفية، بالإضافة إلى قناتين تنطلق في كل من الأردن والإمارات العربية المتحدة وقناة واحدة من الكويت.
تعتبر قناة “الناس” أشهر قناة سلفية في العالم العربي، تنطلق من القمر الاصطناعي نايل سات، بدأت عملها الإعلامي السنة 2006 باعتبارها قناة فنية احتضنت مجموعة من البرامج الموسيقية والتمثيلية؛ وتفسير الأحلام. ولكن “عندما فشلت هذه الصيغة في جذب عدد كبير من المشاهدين في سوق مزدحم، استدعى مالك القناة منصور بن قدصة ـ مستثمر سعودي ـ ثلاثة دعاة سلفيين مشهورين، محمد حسان، وأبو إسحاق الحويني، ومحمد يعقوب للانضمام إلى القناة، واختفت بعدها الموسيقى والنساء من القناة، وتحول شعار القناة من، قناة “الناس”: “لكل الناس”، إلى “قناة الناس: القناة التي تأخذك إلى الجنة”.
وتعد قناة “الحكمة” أقل شهرة من سابقتها، إلا أنها تهدف حسب المعطيات، التي توردها في موقعها الإلكتروني الذي يعرض لرؤيتها ومنهجها في العمل، “إلى عرض صحيح السنة النبوية المطهرة على مدار الساعة حتى يعم النفع جميع أفراد الأمة الإسلامية”. ويضيف الموقع نفسه إلى أن المشرفين على القناة يحاولون “توفير السبيل الإعلامي الإسلامي الصحيح لدعاة الأمة وعلمائها الربانيين لكي يخاطبوا الأمة ويبسطوا سنة الحبيب، صلى الله عليه وسلم.
المواقع الإلكترونية:
بالإضافة إلى القنوات الفضائية، يمثل الفضاء الافتراضي المتجسد في المواقع الإلكترونية، إحدى أهم الوسائل التي يتوجه إليها الفاعل السلفي، بالنظر إلى كونها أقل تكلفة وأقل مراقبة وأسهل استعمالا، وهي عوامل موضوعية ساعدت على انتشار الخطاب السلفي عبر الإنترنت. ويحصي موقع “سلطان” حوالى 162 موقعاً الكترونياً للدعاة السلفيين من مختلف المرجعيات السلفية، بالإضافة إلى 63 موقعاً علمياً، متخصصاً في الإفتاء والفقه والعلوم الشرعية، ذا مرجعية سلفية، إلا أن المثير هو بروز موقع “اليوتيوب” الإسلامي، الذي يشكل منافسا! أو بديلا لموقع “يوتيوب” العالمي المشهور في عرض الأشرطة ومقاطع الفيديو، يضم آلاف الأشرطة في مختلف المواضيع (التوبة، التحذير من المواقع الإباحية، حلقات دراسية).
إلا أنه يجب عدم الإفراط في تقدير تأثير الإعلام السلفي، بالنظر إلى كونه غير متطور بشكل كاف يسمح له بتبوّء الصدارة، ضمن وسائل الإعلام المفضلة من طرف قطاعات واسعة في المجتمعات، وذلك راجع إلى تحديات داخلية وخارجية يعاني منها هذا النوع من الإعلام ـ كما سبقت الإشارة إليه ـ مما يدفع إلى اعتبار هذا التأثير محدوداً بالنظر إلى وجود فاعلين آخرين يؤطرون الوعي، والممارسة الديني لدى قطاعات واسعة من المجتمعات العربية أهمها الأسرة والمسجد والمدرسة وجماعات الأقران
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :