الأقباط متحدون | د. محمد يسري سلامة يكتب: حتى لا ينخدع الإخوان
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٩:٣٨ | الاربعاء ٢٩ فبراير ٢٠١٢ | ٢١ أمشير ١٧٢٨ ش | العدد ٢٦٨٥ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

د. محمد يسري سلامة يكتب: حتى لا ينخدع الإخوان

الدستور | الاربعاء ٢٩ فبراير ٢٠١٢ - ٢٢: ٠٣ م +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

 سألتُ إخوانيًّا: ماذا ستفعلون إذا وجدتم النظام الحاكم يقف سدًّا منيعًا أمام رغباتكم وطموحاتكم التي سأعتبرها مشروعة؟ فأجابني الإجابة المعهودة: ميادين التحرير موجودة! فقلت له: كيف يكون ذلك وقد جعلتم الناس يكرهون الثورة التي شوهتموها وسميتموها قطعًا للطرق وتعطيلاً للمصالح وزعزعةً للاستقرار؟ وكيف وأنتم تنعزلون عن باقى القوى الوطنية والإسلامية أكثر فأكثر يومًا بعد يوم؟ وهل تظنون حقًّا أن أحدًا سيساندكم ويدعمكم حينها سوى الإخوان (التنظيميين)، وهم ليسوا بكثرةٍ غالبةٍ قادرةٍ على فعل شيء بمفردها؟

أخشى أن تكون النتائج الممتازة التي حققها الإخوان في انتخابات مجلسي الشعب والشورى قد أعطت الإخوان مؤشرًا كاذبًا عن حقيقة ما يجري وما سوف يكون، وليس هذا افتئاتًا ولا تجنيًا على الإخوان الذين هم أكثر الفصائل السياسية تنظيمًا وحضورًا وتأثيرًا بالفعل، ولا ينبغي لنا أن نلوم الإخوان على كونهم كذلك، بينما تبدو الفصائل الأخرى غارقةً في التشرذم والانقسام والتفتت الفكري والأيديولوجي، وليس لنا أن نبخس قدرتهم على الفعل ونمجِّد عجزَنا بحالٍ من الأحوال، ومع ذلك فعلى الإخوان كذلك ألا ينخدعوا بواقعٍ قد لا تكون حقيقته كمظهره، وقد لا يستمر طويلاً، وذلك لأسباب:

أولاً: لأننا في حالةٍ نادرة الحدوث من غياب التنظيم السياسي المدني الرسمي، الذي كان مدة ستين عامًا بمنزلة الواسطة بين السلطة الحاكمة في البلاد بالفعل (أعني المؤسسة العسكرية والأمنية) وبين الشعب والشارع ومؤسسات الدولة (المدنية) الأخرى، ابتداءً بهيئة التحرير ومرورًا بالاتحاد الاشتراكي وحزب مصر، وانتهاء بالحزب الوطني. ثم بعد حلِّ هذا الأخير وُجد هذا الفراغ الذي تمكن الإخوان من استغلاله أحسن استغلال، وهو وضعٌ لن يستمر طويلاً.

ثانيًا: ولأن الإخوان لا يصلحون لملء هذا الفراغ السلطوي، فالنظام بصدد إعادة تكوين وهيكلة لهذا التنظيم السياسي الرسمي. وهم لا يصلحون لذلك لأن العادة قد جرت في بلادنا بأن يكون حزب الدولة الرسمي سبيلاً لأصحاب الثروة والعصبيات والنفوذ لتحقيق طموحاتهم والوصول إلى طبقات الدولة العليا، والإخوان بالنسبة إلى هؤلاء بمثابة قناة مغلقة أو شارع (سد)، لأنها جماعة تقوم على فكرٍ معين والتزام بهذا الفكر، فإن فتحت ذراعيها للراغبين في الترقي والوصول ذابت وفقدت خصوصيتها، وهو ما لا يسعها القبول به وإلا تلاشت وانهارت، وإن اقتصرت على الإخوان أنفسهم كما هو الحال الآن أثارت استياء الطامحين ودفعتهم بعيدًا عنها، وعندها سيكون التنظيم السياسي الرسمي الجديد طوقَ إنقاذٍ لهؤلاء وملاذًا لهم، وسيولد قويًّا لهذا السبب.

ثالثًا: النتائج الانتخابية الحالية لا تصلح مؤشرًا وحيدًا للقوة الحقيقية، لوجود هذا الفراغ الذي تحدثنا عنه، ولأن كثيرًا من الناخبين أو معظمهم اختار الإخوان إما هربًا من بقايا الوطني ورغبةً في كسر سطوتهم، أو لأنهم رأوا في الإخوان خيارًا معتدلاً تخوفًا من السلفيين وجموحهم (ولذلك رأينا كثيرًا من الأقباط يدعمون مرشحي الإخوان في دوائرهم)، أو لمجرد أنهم لم يعرفوا من المرشحين أصحاب الخبرة السياسية والبرلمانية سواهم، أو لأن بعضنا اعتاد تشجيع (الكسبان) والالتفاف حوله على الدوام، وقد رأى أن الزمان زمانهم نظرًا لعلاقتهم الجيدة والمتعقلة بالسلطة فمالَ إليهم. وكل هذا ليس خطيئة الإخوان أيضًا حتى نلومهم عليه، ولكنه واقع الحال، لكنه واقع لن يدوم طويلاً أيضًا.

رابعًا: يتحدث البعض عن صفقةٍ حدثت بين الأمريكان والإخوان، يتم بموجبها تسليم السلطة إليهم لا في مصر وحده بل في غيرها من الدول العربية كذلك، وأنهم يعملون وفقًا لهذه الصفقة المزعومة. وهو أمرٌ لا يعدو كونه ضربًا من الخيال، لأن الأمريكان ومنذ غرقهم في المستنقع العراقي لا يعقدون صفقات، لكنهم يعقدون تفاهمات، أو بلفظٍ آخر فإنه لا يعنيهم ما يجري في الداخل طالما لم تتصادم النتائج مع مصالحهم ولم تسبب مشاكلَ تتعلق بأمنهم القومي بأبعاده المختلفة.

فالأمريكان على استعدادٍ لتحمل الإخوان والتواصل معهم والتفاهم، هذا صحيح، ولكن الائتلاف الذي يحكم مصر منذ سنين طوال لن يتحملهم ولن يقبل بتسليم البلد لقمةً سائغةً إليهم، لأن السيطرة لا تقبل القسمة على اثنين. والمؤسسات العسكرية والمخابراتية والأمنية في صدارة هذا الائتلاف وقمته، ومعها الجهاز الإداري الأساسي للدولة ورجال المال والأعمال والإعلام والقضاء وغير ذلك. وهناك شواهد عديدة على ذلك، منها رفض تشكيل حكومةٍ يتزعمها الإخوان، ورفض استبعاد ضباط الشرطة الذين طلب الإخوان استبعادهم، بل رفض تغيير الكوادر القانونية والإدارية في البرلمان، التي تعود إلى عهد النظام شبه البائد (وهي مؤثرة للغاية)، والاستقبال  الرسمي لمحمود عباس وليس إسماعيل هنية، وانعقاد المؤتمر الداعم للثورة السورية (برعاية الإخوان) في تونس وليس في القاهرة، وعدم عودة بعض صقور الإخوان إلى مصر (كوجدي غنيم على سبيل المثال)، وأشياء أخرى بعضها معلنٌ وبعضها خفي.

إنني ما زلت أرجو أن يستمع الإخوان إلى صوت العقل قبل صوت الضمير، وأن يعلموا أن القوة الدافعة لهم في الفترة الأخيرة كانت هي الثورة ولا شيء غير الثورة، وأنه بضعفها سيضعفون هم قبل أي أحدٍ آخر، وأن يدركوا أنهم إذا اختاروا البناء على أساسٍ فاسدٍ وغير سليم فسينهار هذا البناء حتمًا ولابد.  

 




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تقييم الموضوع :