الأقباط متحدون | الهاشمي في دور حصان طروادة
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٧:١٨ | السبت ٤ فبراير ٢٠١٢ | ٢٦طوبة ١٧٢٨ ش | العدد ٢٦٦٠ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

الهاشمي في دور حصان طروادة

السبت ٤ فبراير ٢٠١٢ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: د.عبد الخالق حسين

أجاد فلاسفة الإغريق والرومان القدماء في تأليف الأساطير الجميلة الحافلة بالحِكَمْ والدروس والعبر، والتي تشكل ركناً مهماً في الأدب الأوربي والعالمي. ومن هذه الأساطير، أسطورة حصان طروادة Trojan Horse، التي تذكر باستمرار في التحليلات السياسية عندما ينجح العدو باختراق معسكر الخصم، ويعمل على تدميره من الداخل. تروي الأسطورة «أن حصار الإغريق لطروادة دام عشر سنوات، فابتدع الإغريق حيلة جديدة، حصانا خشبيا ضخما أجوفا بناه إبيوس، وملئ بالمحاربين الإغريق بقيادة أوديسيوس، أما بقية الجيش فظهر كأنه رحل بينما في الواقع كان يختبئ في مكان قريب، وقبل الطرواديون الحصان على أنه عرض سلام. وقام جاسوس إغريقي، اسمه سينون، بإقناع الطرواديين بأن الحصان هدية، بالرغم من تحذيرات لاكون وكاساندرا، حتى أن هيلين وديفوبوس فحصا الحصان فأمر الملك بإدخاله إلى المدينة في احتفال كبير. احتفل الطرواديون برفع الحصار وابتهجوا، وعندما خرج الإغريق من الحصان داخل المدينة في الليل، كان السكان في حالة سكر، ففتح المحاربون الإغريق بوابات المدينة للسماح لبقية الجيش بدخولها، فنهبت المدينة بلا رحمة، وقتل كل الرجال، وأخذ كل النساء والأطفال كعبيد.» (من موسوعة ويكيبيديا).
 

هذه الأسطورة تتكرر كحوادث حقيقية على مختلف مراحل التاريخ وإلى يومنا هذا، ويكاد لم يسلم منها شعب إلا وتعرض إلى مكيدة من هذا القبيل. وأشهر مثال على ذلك في عصرنا الحالي هو قصة إيلي كوهين (كامل أمين ثابت)، الجاسوس الإسرائيلي المعروف الذي جندته الموساد بعد تدريبه على أدق الأمور الجاسوسية، ونجح في اختراق النظام السوري في عام 1962، وتسلق سلَّم المناصب الحزبية حتى صار قياديا في حزب البعث الحاكم، وكان يبعث المعلومات الخطيرة عن الجيش وأسلحته، وتحصينات الجولان إلى إسرائيل، واستمر على هذا المنوال إلى أن تم اكتشافه بالصدفة واعدم في 18 مايو 1965، وكان له دور في هزيمة العرب في حرب حزيران 1967.

لقد أجاد طارق الهاشمي في القيام بدور حصان طروادة بواجهة المصالحة الوطنية، وعفا الله عما سلف، ونسيان الماضي، فدخل الحكومة من بوابة واسعة، لتخريب العراق بصفته مشارك في العملية السياسية، وهو ليس إغريقيا، ولا يهودياً، ولا إسرائيلياً، بل هو عراقي وعربي مسلم، ويدعي الانتساب إلى سلالة النبي محمد (ص) فتلقب بـ(الهاشمي) بعد أن كان لقبه (المشهداني)، وكان زعيماً للحزب الإسلامي العراقي (الأخوان المسلمون)، ولا أعرف كيف سمح له ضميره، ودينه الإسلامي الذي ترأس حزباً باسمه لسنوات، وبسببه صار نائباً لرئيس الجمهورية باعتباره ممثلاً لمكونة العرب السنة، أن يرتكب الإرهاب في قتل أبناء وطنه بلا رحمة؟

لقد جاء في مقال بعنوان (ما قضية الهاشمي .. والى اين تنتهي؟ / بقلم قارىء) (الرابط في الهامش)، لكاتب يبدو أنه مقرب من قيادة كتلة "العراقية"، تغلب عليه ولاءه للعراق على ولائه لكتلته بعدما افتضح أمرها، إذ قال: «قليلون من العراقيين كانوا يعرفون منذ وقت مبكر أن الهاشمي قد نظم نشاطاته اليومية على وجبتين، نهارية وتشمل العمل الحكومي الرسمي، وليلية لإدارة شبكة ضيقة، بعض أفرادها من حمايته، ويقودها مقرب منه، لاغتيال العديد من رجال الأمن ولتفجير سيارات مفخخة كان آخرها قبل أسابيع، حيث ألقت قوات الأمن، مصادفة، القبض على من حاول وضعها على طريق الزائرين لكربلاء بهدف تفجيرها وسطهم. وبعد التحقيق مع سائقها تبين انه من الفوج الثاني (حرس جمهوري)، وهذا الفوج مكلف بحماية الهاشمي، ولم تكن من مهامه قتل المواطنين العراقيين على الطرقات. ولعلها مفاجأة أن تعرض القناة التلفزيونية العراقية اعترافات ثلاثة من القتلة، ولعلها قد صدمت العراقيين حين قال كبير هؤلاء بأنه نفذ أوامر الهاشمي وتلقى أجر (أتعابه) منه شخصياً!». ويضيف الكاتب في مكان آخر من المقال، أن قيادة "العراقية" طلبت حضور ديفيد بترايوس لاجتماع عقدته في بيت رافع العيساوي في بغداد بعد أيام من صدور قرار المحكمة العليا بإلقاء القبض على الهاشمي، وفاجأ بترايوس قيادة العراقية «بأن لديه معلومات منذ سنوات عن (نشاطات) باتجاه القيام بأعمال تفجيرات واغتيالات كان يرعاها الهاشمي، ولكنه سكت عليها وقتذاك لان الظروف لم تكن مناسبة لإثارتها!». وعلى أثر هذه المعلومات، تخلى العشرات من نواب وكوادر "العراقية" عنها، لأنهم شعروا أن قيادتهم خذلتهم وقادتهم إلى هذا الموقف الخياني ضد الشعب والوطن.
 

فقد أثبت الهاشمي أنه، كغيره ضمن شريحة من العراقيين، تغلبت عنده نزعة الطائفية على ولائه للعراق ولشعبه، فتقوقع في شرنقة الطائفية التي أعمت بصيرته، ووظف كل إمكانياته، ليحتل موقعاً متميزاً في مجلس الرئاسة كنائب لرئيس الجمهورية، ويحصل على امتيازات كبيرة، منها: تمتعه بفوج من الحماية، وصلاحيات واسعة، مثل حق النقض (الفيتو) على أي قرار يصدره البرلمان المنتخب، إضافة إلى رواتب ضخمة، ومخصصات خيالية تصل نحو مليون دولار شهرياً، وراح يتنقل بين العواصم العربية والعالمية كرجل دولة، ويلتقي بالرؤساء والملوك، ويعقد المؤتمرات الصحفية في السفارات العراقية، لا لدعم الدولة العراقية الديمقراطية الوليدة كمشارك فيها، بل كمعارض ليؤلب عليها وعلى كتلة سياسية من طائفة معينة، والإدعاء بقيام الحكومة "التي تهيمن عليها الشيعة" بتهميش وإبادة السنة وإفراغ العراق منهم. كما وانتقى الهاشمي عناصر حمايته من غلاة البعثيين الطائفيين، وجعلهم يتمتعون بحمل بطاقات الدخول إلى أخطر الأماكن الحساسة في الدولة دون عائق، وامتلاك أخطر وسائل القتل والتدمير من المتفجرات وكاتم الصوت، فمن اعترافات العديد من عناصر حمايته، استمر الهاشمي بهذه الجرائم لسنوات، وبذلك فلا غرابة أن استطاع الإرهابيون الوصول إلى أبنية الوزارات، وأخطر الأماكن الأخرى في المنطقة الخضراء المحصنة لتنفيذ تفجيرات وقتل الألوف من العراقيين من بينهم مسؤولين كبار بكاتم الصوت.
وبذلك استخدم الهاشمي صلاحياته في قتل العراقيين، وبالأخص شن حرب الإبادة ضد الشيعة، كما واستخدم حق النقض في تعطيل الكثير من القوانين التي أصدرها البرلمان، وغرضه هو شل عمل الحكومة، وبالأخص تلك القوانين المتعلقة باجتثاث البعث الفاشي، إضافة إلى مطالبته المستمرة بإطلاق صراح المعتقلين بتهمة الإرهاب.

ولتعقيدات الوضع العراقي، والمنافسة الشرسة على المناصب والثروة والنفوذ، انبرى العديد من السياسيين والإعلاميين بالدفاع عن الهاشمي وجيشه الإرهابي، فراحوا يثيرون الشكوك حول التهمة، ويدَّعون أن الاعترافات التي أدلى بها عناصر حماية الهاشمي لا قيمة لها، ويشبهونها بما كان يحصل خلال حكم البعث الساقط. لا نستغرب إذا جاء الدفاع عن الهاشمي من فلول البعث، وكتلة "العراقية" التي تضم البعثيين السابقين المتعاطفين مع فلول البعث الإرهابيين، ولكن الغرابة أن نرى من بين هؤلاء المشككين والمدافعين عن الهاشمي كتاباً وسياسيين كانوا قياديين لأحزاب عريقة، ولكن عداءهم لرئيس الوزراء، السيد نوري المالكي، ولأسباب أيديوولوجية، جعلهم يقفون اليوم إلى جانب الإرهاب، غير مبالين بما يجلب موقفهم الخاطئ هذا من دمار على الشعب العراقي، وهو موقف ألحق الدمار بالشعب في الماضي، وباسم الوطنية والتقدمية.

ورداً على المشككين، أضيف أربعة قضاة آخرين إلى المجموعة الأولى المؤلفة من خمسة قضاة، التي وجهت التهمة، وبعد التدقيق في الملفات، وجدت اللجنة الموسعة من القضاة التسعة، أن جميع ملفات التهمة صحيحة وقانونية. كذلك تشكلت لجنة برلمانية مؤلفة من ممثلين لجميع الكتل السياسية، وزاروا المعتقلين من حماية الهاشمي، وفحصوهم ولم يعثروا على أي أثر للتعذيب، أو أخذ الاعترافات منهم بالقسر. ومن كل هذا نعرف أن ملفات الاتهام للهاشمي وحمايته بالإرهاب صحيحة، ولا يمكن الطعن فيها، ويجب تقديمهم للقضاء.

وعلى أثر صدور قرار إلقاء القبض على طارق الهاشمي وعناصر من حمايته بتهمة الإرهاب، أصدرت كتلة "العراقية" قراراً بتعليق مشاركتها في الحكومة، ومقاطعة نوابها لجلسات مجلس النواب. وهذه ليست المرة الأولى التي تأخذ قيادة "العراقية" مثل هذا القرار المعوِّق، إذ اتخذته في حكومة المالكي الأولى بغية إسقاطها، فشعار الكتلة ليس (لو ألعب لو أخرب الملعب) كما كنا نعتقد، وإنما غرضهم تخريب الملعب في جميع الأحوال، سواءً كانوا في الحكومة أو خارجها، ما لم تتشكل الحكومة بقيادة رئيس الكتلة، أياد علاوي. وهذا هو ديدن حزب البعث الذي غرضه قتل العراقيين وتخريب ممتلكاتهم وإفقارهم، سواءً كانوا في السلطة أو خارجها. ونتذكر الدور التخريبي الذي لعبته "العراقية" في الجلسة الأولى للبرلمان الحالي في تشرين الثاني 2011، فما أن تم انتخاب أحد قياديهم (أسامة النجيفي)، رئيساً للبرلمان، حتى وانسحب معظم نواب الكتلة بغية عرقلة تنفيذ ما تبقى من جدول أعمال الجلسة، ومنها انتخاب الرئيس جلال طالباني للدورة الثانية، وليقوم بدوره بترشيح السيد نوري المالكي، بصفته رئيس أكبر كتلة نيابية (التحالف الوطني) لتشكيل الحكومة، ولكن خاب أمل قيادة "العراقية" إذ من تبقى من النواب كان قد حقق النصاب، وذلك بفضل شعور أكثر من ثلاثين نائباً من كتلة "العراقية" الذين عصوا أوامر رئيسهم، حرصاً منهم على المصلحة الوطنية، فشاركوا في الاجتماع والتصويت، وتم تنفيذ بقية مواد الجلسة بدون كتلة "العراقية". وبذا رُدَّت سهام قيادة "العراقية" إلى نحورهم، وباءت محاولات أياد علاوي وجوقته بالفشل الذريع. كذلك حاول علاوي من قبل إسقاط حكومة نوري الالملكي الأولى عندما أمر بسحب وزراء الكتلة فلم يستجب له سوى وزيرين أو ثلاثة ونجح المالكي وفشل علاوي. ولكن علاوي لم يتعلم من تجاربه الفاشلة، فهو يتصرف ليس كقائد سياسي، بل كرئيس عصابة مافيوية، كنتيجة حتمية لتربيته البعثية.

والآن، قام علاوي بلعبة مقاطعة الحكومة والبرلمان مجدداً على أمل شل عملهما، ففشل، حيث أعلن المالكي أنه في هذه الحالة يريد تشكيل حكومة الأغلبية بدون مشاركة "العراقية". ولما عرفت قيادة الكتلة أنهم فشلوا هذه المرة أيضاً، وعلى وشك أن يخسروا مقاعدهم في الحكومة، رفعوا عقيرتهم بالصراخ، واستقووا ببعض الحكومات العربية، صارخين بأن المالكي يعمل على تهميش العرب السنة، وحرمانهم من المشاركة في الحكومة. بينما الحقيقة أن قيادة العراقية هي التي قاطعت الحكومة، ففي هذه الحالة ما عسى المالكي أن يعمل معهم؟
 

الخلاصة والاستنتاج:
أولاً، أثبت أياد علاوي، رئيس قائمة "العراقية"، أنه بلطجي بامتياز، وليس سياسياً، منذ أن كان طالباً في كلية الطب يفرض الإضرابات على الطلبة والأساتذة بقوة السلاح، وإلى الآن، لأن السياسة تحتاج إلى القدرة على الإقناع، بينما البعثي لا يجيد هذا الأسلوب، فهو يفضل عليه أسلوب البلطجة والإرهاب.
ثانياً، بعد أن تأكدت كتلة "العراقية" أن الديمقراطية لا تحقق حلمها وطموحاتها في إعادة الوضع إلى ما قبل 2003، عمدت إلى دعم الإرهاب، والانسحاب من الحكومة والبرلمان لشل عملهما، وكما نرى، فشلت الكتلة في هذه الألاعيب، وكانت النتيجة وبالاً عليهم، مما اضطروا إلى التخلي عن قرار المقاطعة. وحفاظاً على ماء الوجه، قالوا أنهم اتخذوا قرار العودة استجابة لطلب نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن!!، وهو عذر أقبح من الفعل، لأنهم أثبتوا في هذه الحالة أنهم لا يأخذون قراراتهم بإرادتهم وبدوافع وطنية، بل بأوامر من خارج الحدود.


وثالثاً، لقد أثبتت الأحداث الأخيرة أن طارق الهاشمي متورط بالإرهاب ضد الشعب العراقي، والحل الوحيد هو حضوره أمام القضاء في بغداد، وليس في أي مكان آخر، للدفاع عن نفسه، وأية محاولة أخرى لتجنب المثول أمام القضاء دليل أكيد على ضلوعه بالإرهاب.
رابعاً، إن افتضاح قيام الهاشمي بدور حصان طروادة، وإلقاء القبض على البعض من أفراد حمايته لا يعني أن اللعبة قد انتهت، بل هناك العشرات من أمثاله اخترقوا الحكومة للقيام بهذا الدور القذر. وعليه يجب أن لا نستغرب من استمرار الإرهاب وبالأخص في الأماكن الحساسة.
خامساً وأخيراً، نتمنى على حكومة إقليم كردستان أن لا تجعل من الإقليم ملاذاً آمناً للمتهمين بالإرهاب، من أمثال الهاشمي، فالإرهابي أو المتهم بالإرهاب يجب أن لا يلقى الحماية من أية جهة تريد الخير للعراق، فما يضر بالعراق يضر بكردستان، إذ كما أكد النائب عن التحالف الكردستاني الدكتور محمود عثمان، أن إقليم كردستان سيخسر إذا لم يتعاون مع القضاء في قضية الهاشمي. وأن «قضية الهاشمي أصبحت قضية قضائية 100 بالمائة ولا مجال للتسييس فيها أو دخول أجندات سياسية».
Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :