يا داهية دُقي ... المجلس يُسلم القط مفتاح الكرار ...!
بقلم : نبيل المقدس
أتذكر عندما كنت أعيش صبايا في اسيوط ... كان وجود "حجرة كرار" هو مِنْ ضِمنْ أهم المواصفات التي تُميز شقة عن أخري ... وهي حجرة إما أن تكون ملحقة بالمطبخ وتطل علي إحدي المناور .. أو تكون أعلي المطبخ بطول سقف التواليت والحمام حيث يحتاج الوصول إليها إلي سلم خشبي متنقل ... وكنا نحن "الأسـايطة" نُطلق علي هذه الحجرة " بالصندرة" . وعلي ما افتكر عندما كنت أعلق يافطة " شقة للإيجار " وهذا وقتها كان يتكرر كثيرا .. كنا نكتب تحت اليافطة مساحة الكرار . كان الكرار بشكله ومقدار مساحته إحدي عناصر الجذب للسيدات في إختيار الشقة .. لأن ست البيت وقتها كانت تُخزن فيه تموين البيت شهر بشهر ..
بالإضافة إلي الأشياء غير المُستخدمة , وإستخراجها في الوقت المناسب .. وكان كل كرار له باب محصن من الخشب مُلحق بمفتاح تضعه أمي حول رقبتها ... وكأن حياتنا ومستقبلنا كانت تعتمد علي كرار كامل متكامل .. لذلك كانت والدتي تهتم به و تخصص يوم في الشهر لإخراج جميع محتوياته ويتم تنظيفه وإعادة ترتيبه من جديد . كان الكرار يضم جميع أطياف إحتياجاتنا من مواد غذائية , ومن ملابس , وفي بعض الأحيان " دولاب أو رف لكُتب لها قيمة " .. كان هذا الكرار مرجعا لنا لكثير من إحتياجتنا التي لم نستطع الحصول عليها من الأسواق في وقتها .. فقد كان الكرار هو العمود الفقري للبيت , وكانت أمي هي صاحبة الأمر بفتحه لأنها تعلم كل ما يحتويه وكانت تخشي أن أيا منا يدخله يعبث بمحتوياته .. وكانت لا تثق في أي أحد في دخولهِ فيما عدا أختي , فكانت عندما تخرج تترك لها مفتاح الكرار .. وكثيرا ما كنتُ اضحك عليها باساليب كثيرة لكي اأخذ منها المفتاح وأدخل حجرة الكرار لكي اتمتع بمحتوياته , أو لكي أبحث عن بعض الحلويات التي كانت تحتفظ بها امي بداخله . وكان الملاحظ أن كل عائلة تنتقل إلي شقة جديدة , كانت الأم تذهب أولا في تنظيم حجرة الكرار , وتحضر معها جميع محتويات التخزين أو الأشياء التي تُعتبر جزء هام في حياتنا اليومية .. وبعد أن تطمئن علي تكامل العمود الفقري للشقة ياتي زوجها وابنائها بباقي " العفش " ويتم فرش وترتيب باقي حجرات الشقة....!
تصورت أن حجرة الكرار هو بمثابة الدستور الذي نحاول حتي الآن إختراعه في مصر وكأنه شيء جديد علينا , مع أنه من أقدم الأمور السياسية التي تميزت به مصــر. فقوة الدستور وتكامله وإحتوائه من مواد يضعها جميع اطياف المجتمع هو بمثابة حجرة الكرار التي نجمع فيها أساسيات البيت ويكون مرجعا لأعضاء البيت عند إحتياج أي شيء ربما يكون قد ندر وجودها. وأهم ما في الدستور هم اعضاء اللجنة التي سوف يسنون موادها أن يكونوا من جميع مختلف الطوائف ... ومعلوم أنه ما يُقال أن مجلس الشعب هو المسئول عن تعيين أعضاء واضعي الدستور طبقا للدستور 71 الذي ما يزال نعتبره العامل الأساسي في حياة الإضطراب التي يخوضها الشعب المصري حتي يومنا هذا هو قانوني وصحيح . لكن أتصور أن المجلس العسكري يحاول وربما يكافح في تصحيح بعض الأخطاء التي إتخذها من قبل وهي إنتخابات المجالس النيابية قبل وضع الدستور والذي تُعتبر أول الأسباب التي هدمت وعد المشير طنطاوي بأنه لا يسمح بوجود خوميني آخر .. كما أنها أسقطت قول اللواء سامي عنان اركان حربه بأن مدنية الدولة هي خط أحمــر .. ! لكن وبالأسف الشديد وضح أن المشير طنطاوي أتي بنا بــ 300 خوميني .. أما سامي عنان فقد مسح الخط الأحمر وجعله خط اخضر مما سمح أن تتحول بلدنا من دولة مدنية كما كان ينشدها شباب ثورة 25 يناير , إلي دولة دينية .
كانت أول محاولة للمجلس العسكري في تصحيح الأوضاع , أو التكفير عن أخطائه هو انه وكَلَ الدكتور السلمي بإصدار وثيقة الدستور التي تحتوي علي الشروط العامة أو المسار اللازم اتخاذه أعضاء مجلسي النواب لعمل الدستور .. وهذا وضع طبيعي بأن يكون هناك شروط واجبة تحمل بصمات جميع طوائف الشعب ولكي يكون ملزما لواضعي بنوده وأن يكون ملزما ايضا بعد الإستفتاء عليه يسير علي نهجه رئيس الجمهورية الذي سيأتي بالإنتخاب بعد صدور هذا الدستور المنتظر. لكن واجهت هذه الوثيقة تيارا مضادا من الرفض المستميت من قبل المجموعات الدينية .. ولا أعرف باي قوة وباي مبرر يرضخ المجلس العسكري لهذا الضغط .. حتي ان هذا الرضوخ أصبح وصمة عار للمجلس العسكري .. وتم حفره في تاريخ المجلس العسكري . ولا أعرف حتي هذا اليوم ما هذه الفزاعة والخوف التي يعاني منها المجلس العسكري من المجموعات الدينية حتي وصل بهم أنهم تغاضوا عن كل الأخطاء التي ارتكبتها هذه الجماعات الدينية أثناء إجراءات الإنتخابات والتي يُقال عنها من أنزه الإنتخابات التي مرت بها البلاد في العصر الحديث.
توجه المجلس العسكري إلي فكرة أخري كحل أخير في تعديل أخطائه , وكون مجلسا أطلق عليه المجلس الإستشاري .. وبعد مجادلات وحوارات بين الأطياف السياسية , والتكتلات التي فرضت نفسها علي الساحة السياسية , غير الأشخاص الذين يظهرون بين الحين والحين في مختلف انواع الميديا مدعين الخبرة والمهارة في الأمور السياسية وهم ما أسميهم " سياسيين من صنع الميديا " يلقون بأفكارهم حول هذا المجلس الإستشاري , ويدلون بتصريحات لوغارتمية , لصالحه أو لصالح فصيل آخر .. وأخيرا تمخض اعضاء المجلس بتصريح " يُقال أنه مُلزم " أنهم سوف يقومون بوضع مواصفات خاصة للشخص الذي سوف يُختار من قِبل المجالس النيابية ليكون أحد مِنْ مَنْ يضعون الدستور ... فكرني هذا التصريح باللجنة الفنية الخاصة بالشركات التي تضع مواصفات خاصة لتوريد خامة أو ماكينة تحتاجها ويتم عمل مناقصة عامة لكل الموردين لقبول ما هو مطابق للمواصفات وما هو أرخص الأسعار.
لكن الفرق هنا أن العملية رَست فعلا علي أعضاء المجالس النيابية .. اي سوف تتحكم الأغلبية في إنتقاء أعضاء لجنة واضعي الدستور طبقا للمواصفات التي وضعتها اللجنة الإستشارية , و بالرغم أن إحدي شروط هؤلاء الأعضاء أن يكونوا من جميع فئات الشعب وطوائفها المختلفة , سوف نجدهم متوافرين جدا بين مريدي الجماعات الإسلامية .. أي أننا "سلمنا الجماعة مفتاح الكرار" فهم منتشرون انتشارا كاملا في جميع طوائف الشعب والنقابات الهندسية والطبية حتي وصلوا إلي وجودهم في النقابات الخاصة بمهنة الحلاقين وسياس السيارات وغيرها .. والمجالس المحلية وجيع المؤسسات الأخري حتي المؤسسات الدينية .. لدرجة أنني أعتقد أن لهم رجال في المؤسسات المسيحية .. اي ان 99 % من أعضاء لجنة واضعي الدستور سوف يكونون من الجماعة ويضعون الدستور علي ما هواهم .. وسوف نعيد نفس الأسلوب عندما إستفتينا من قبل بتغيير بعض بنود الدستور يوم 19 مارس 2011 .. وسوف نري ونسمع مرة أخري .. لو أردت دخول الجنة فعليك وضع علامة علي الحلقة الخضراء .. وإن أردت جهنم فعليك بالحلقة السوداء ...!!!!!!
وصدق اللي قال : دستووووووور ياجمـــــــــــاعة ....!!!
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :