الأقباط متحدون | قاربوا بين المذاهب الإسلامية ، فديننا واحد
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٥:٣٢ | الأحد ١ يناير ٢٠١٢ | ٢٢كيهك ١٧٢٨ ش | العدد ٢٦٢٦ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

قاربوا بين المذاهب الإسلامية ، فديننا واحد

الأحد ١ يناير ٢٠١٢ - ٥٠: ٠٧ م +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم : أحمد صبح

إن معظم الكاتبين عن الفرق الإسلامية يتأثرون بروح التعصب الممقوت ، فكانت كتاباتهم مما تورث نيران العداوة والبغضاء بين أبناء الملة الواحدة ، وكان كل كاتب لا ينظر إلى من خالفه إلا من زاوية واحدة ، هي تسخيف رأيه وتسفيه عقيدته ، بأسلوب شرُّه أكثر من نفعه ؛ ولهذا كان من أراد الإنصاف لا يكوِّن رأيه عن فرقة من الفرق إلا من مصادرها الخاصة ليكون هذا أقرب إلى الصواب ، وأبعد عن الخطأ ، لأن الله سبحانه طلب من الأمة الإسلامية أن تتوحد كلمتها ، وألا تكون شيعاً وأحزاباً ، يضرب بعضها رقاب بعض " وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً " ، فكل عامِلٍ على لم شملها ، ساعٍ إلى تأليف قلوب أبنائها ، فهو مؤمن حقاً مجاهد في سبيل أنبل غاية عني بها الإسلام ، وهي تأليف القلوب وتوحيد الأهداف ، وأما أولئك الذين يورثون العداوات ، ويبعثون العصبيات ويفرقون بين الأخ وأخيه ، ويصطنعون العداوة والبغضاء فهؤلاء هم الذين يسعون في الأرض فساداً ، وواجب المسلمين المخلصين أن يقفوا لهم بالمرصاد وأن يبصروا الأمة بهم ، ويكشفوا لهم أهدافهم وسوء غاياتهم .

ولقد فهم المسلمون الأولون روح هذا الدين الحنيف ، واختلفوا في فهم نص من كتاب الله أو سنة رسول الله ولكنهم – مع هذا الخلاف – كانوا متحدين في المباديء والغايات ، ولم يكفّر بعضهم بعضاً ، بل كانوا يداً واحدة على من عاداهم ثم خلف من بعدهم خلف جعلوا الدين لأهوائهم ، فتفرقت الأمة إلى شيع وأحزاب ومذاهب وعصبيات ، واستباح بعضهم دماء بعض ، وكان بأسهم بينهم شديداً ، فطمع فيهم من كان لا يستطيع أن يدفع عن نفسه ، فذهبت ريحهم ، وتجرأ عليهم أعداؤهم ، وانتقصوا بلادهم من أطرافها ، كل هذا ودعاة الفتنة سائرون في غيهم ، ماضون في طريقهم ، لا يدفعهم إلى هذا الطريق الشائك إلا أحد أمرين : إما الجهل بمباديء الإسلام الصحيح أو الكيد لهذا الدين الحنيف ، ولقد لقي الإسلام على يد هؤلاء مالقي من نكبات ومصائب ، ولولا قوة تعاليمه وصفاء منبعه واتساق عقيدته مع الفطرة الإنسانية لحُرِمت الإنسانية من مزاياه وفضائله .

هذه الفرقة القاتلة ، وتلك الدماء المهراقة على مر القرون لم تفد الإسلام في شيء ، بل نخرت عظامه ، وأضعفت مقاومته لتيارات الغدر والاستعمار ، وإن هذه الخلافات من الخطورة بحيث أن كل مسلم صحيح الإسلام غيور على دينه ووطنه لابد وأن يتحمل جانباً من تلك المسئولية ، سواء أكان من السلف أو المسلمين المعاصرين ، فلم يندك خنجر الفرقة في صدر الإسلام بأيدي المسلمين ، ولكن بأيدي قوم ادعوا الإسلام ليصلوا إلى هذه الغاية ، ولم يدخل الإسلام يوماً إلى قلوبهم ، حتى أنهم مكنوا لبعض الخونة أن يتصدروا المشهد في فترات من التاريخ ، وحتى لم يجد بعضهم غضاضة في أن يستعين على خصومه من المسلمين بأعداء الإسلام الذين اغتصبوا ديار الإسلام والعرب في بعض الأزمان ! .


ولا زال أعداء الإسلام يستفيدون من تفرق المسلمين في مذاهبهم ، وهم من أجل ذلك يوسعون شقة الخلاف بين المسلمين من أبناء الوطن الواحد ، ففرقوا بين السني والشيعي في العراق ولبنان ، وبين السني والإباضي في تونس والجزائر ، وساروا على نفس الطريقة في بقية بلاد المسلمين ، والفرقة دائماً تؤدي إلى الضعف ، وضعف المسلمين يمكن الاستعمار من أن يثبت أقدامه في أرض المسلمين ، وأرض المسلمين اليوم هي أغنى بلاد العالم بالمواد الخام التي تحتاج إليها الصناعات الضخمة المعاصرة ، ولاسبيل أمام المستعمر للوصول إلى هذه الثروات الضخمة إلا عن طريق تمزيق الشمل وتفريق الكلمة ، وتأليب المسلم على أخيه المسلم ثم تقريب بعض ضعاف النفوس من أبناء الفرق الإسلامية وتشجيعهم والإغداق عليهم ، وبناء آمال لهم كذاب ، وبذلك يخرجون من وطنيتهم ويتخذون منهم معاول هدم وأدوات تدمير .
ولقد تنبه المصلحون من المسلمين إلى الأضرار التي تحيق بدينهم وبلادهم من جراء هذه الفرقة ، فقاموا ينادون بوجوب وحدة الصف الإسلامي ، وإطراح أسباب النفرة بين أبناء الديانة الواحدة والقِبْلَة الواحدة والعقيدة الواحدة .
ولقد اتخذت هذه الدعوة طريقها على يد بعض الأفراد الذين باعوا أنفسهم لله ، فكانت دعوة فردية في أول أمرها على يد جمال الدين الأفغاني ، ومحمد عبده وغيرهما ، ثم بعد ذلك أخذت شكلاً جماعياً ، فكانت جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية التي جمعت نخبة من فضلاء الأمة الغيورين على وحدتها الحريصين على رأب الصدع بين صفوفها ، وكان من أثر ذلك أن قررت مشيخة الأزهر أن تتوسع في دراسة الفقه المقارن في كلية الشريعة الإسلامية الأزهرية ، بحيث تتناول دراسة المذاهب المختلفة ، ومعرفة وجهة نظرهم في الأمور الفرعية وهذه خطوة مباركة أؤيدها لأنها تسعى نحو الغاية النبيلة التي يهدف إليها الإسلام ، وهو أن يكون معتنقوه أمة واحدة قد تختلف في أفهامه ولكنها لاتختلف في أسسها وغايتها .
ليست الدعوة إلى تقريب المذاهب الإسلامية التي أؤيدها دعوة إلى تقريب مذهب على حساب مذهب ، ولكنها دعوة إلى تنقية المذاهب من الشوائب التي أثارتها العصبيات والنعرات الطائفية وأذكتها العقلية الشعوبية .


وإن السبيل الوحيد إلى إعادة الصف الإسلامي إلى وحدته وقوته أن لا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله ، وأن نطرح وراء ظهورنا تلكم التأويلات البعيدة للنصوص الشرعية من كتاب الله والسنة الصحيحة ، وأن نفهمها كما فهمها المعاصرون للتنزيل ، وأن نجعل أهواءنا تبعاً لديننا ، ولا نجعل ديننا تبعاً لأهوائنا ، وأن نحارب احتكار فرد أو أفراد تعاليم الدين ، فما كان الإسلام دين أسرار وأحاجي لايعرفها إلا طائفة خاصة تطلع عليها من تشاء ، وتمنعها عمن تشاء ، فما انتقل النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى حتى بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ، وطلب من أتباعه وأصحابه أن يبلغوا ماعلموه ، وأخذ عليهم العهد والميثاق في أكرم موضع ، وأكرم يوم ، وأكرم جمع ، أن يبلغوا ماعلموا ، فرُبّ مبلَّغ أوعى من سامع .
والمسلمون جميعاً مسئولون عن أداء رسالة الإسلام ، ولايتفاوتون فيما بينهم إلا بقدر فهمهم لكتاب الله وسنة رسوله ، وليس لأحدهم – بالغاً مابلغ – أن يحرم ما أحل الله ، أو يحل ماحرم الله " وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ لاَيُفْلِحُونَ " .
وإن الانحراف عن جادة الصواب والطريق المستقيم لايجد استجابة إلا في بيئة جاهلة بأحكام دينها ، فعندئذ نجد المستجيبين لصَيْحة كل ناعق ، وكلما انتشر العلم ، ودق النظر ، قلت فرص النجاح أمام دعاوى العصبية الحمقاء ، والانحراف الشديد ، وإذا أمعنا النظر جيداً ، وطرحنا الأفكار البالية الجامدة خلف ظهورنا ، فإننا لن نجد كبير خلاف بين السنة وبين الإباضية ، فالإمام أبو حنيفة السني كان تلميذاً للإمام "زيد ابن على" الذي ينتسب إليه المذهب الزيدي ، أخذ عنه الفقه وأصول العقائد ، والإمام زيد تلميذ لواصل بن عطاء أحد رؤوس المعتزلة ، وكان ملازماً له ، وقد لاموه في ذلك ، ولكن زيداً صاحب الأفق الواسع والمدارك السمحة ضرب بكل ذلك عرض الحائط وظل مخلصاً لتعاليم واصل بن عطاء وأخذ عنه ، ولذلك فإننا نرى الكثير من سمات الاعتزال طافية واضحة على صفحة المذهب الزيدي ، وبذلك نرى الإمام أبا حنيفة السني أخذ عن الإمام زيد الشيعي عن واصل بن عطاء المعتزلي ، وليس ذلك فحسب ، بل إن إماماً سنياً آخر يأخذ عن إمام شيعي آخر وذلك هو مالك بن أنس الذي كان تلميذاً للإمام جعفر الصادق رأس الشيعة الإمامية أو الجعفرية ، وكان إماماً فاضلاً ورعاً له من الإيمان والثقة الدينية الشيء الكثير والقدر الكبير ، ولذلك فإن فقهه الذي لم يتعرض للتشويه ونظراته محل احترام جميع أهل السنة ، ومن هنا لايبدو الأمر غريباً أن يتَفَقّه الإمام مالك السني على الإمام جعفر الشيعي ، ويأخذ عنه هو وغيره من الأئمة الذين عرفوا فيما بعد باسم السنة ، وإذا فليس ثمة خلاف واسع بين السنة والشيعة الزيدية ، طالما أن أئمة هذه المذاهب قد ارتبط بعضهم ببعض في ثقافته وعقيدته وأفكاره على النهج الذي ذكرنا .


على أن الأمر لم يقف في علاقات المذاهب بعضها ببعض عند هذا الحد ، بل إن الإمام البخاري حافظ السنة كان يجلس بين يدي عمران بن حطان الخارجي يتلقي عنه الحديث ويدونه ، فتكون هذه صلة جديدة بين الخوارج والسنة ، بل إن واصل بن عطاء وعمرو بين عبيد رئيسي المعتزلة أخذا علمهما من الحسن البصري الذي يعتبره الشيخ محمد عبده شيخ السنة من التابعين ، حتى أن الحسن البصري يسأل عن عمرو بن عبيد رأس المعتزلة فيجيب سائله قائلاً " لقد سألت عن رجل كأن الملائكة أدبته وكأن الأنبياء ربته ، إن قام بأمر قعد به ، وإن قعد بأمر قام به ، وإن أمر بشيء كان ألزم الناس له ، وإن نهى عن شيء كان أترك الناس له ، مارأيت ظاهراً أشبه بباطن منه ، ولاباطناً أشبه بظاهر منه "
إن عالماً جليلاً مثل الحسن البصري لايمكن أن يصف عمرو بن عبيد بهذه الأوصاف لو كان فيه قيد شعرة من انحراف في مذهبه واعتقاده ، وإنما الانحراف في الاعتزال الذي جاء فيما بعد وعلى يد خلفائه ممن تأثروا بالفلسفة اليونانية ، فالاعتزال في أصله وروحه ليس بعيداً عن السنة ذلك البعد الذي ظهر فيما بعد .
وهكذا نجد تلك الروابط الأكيدة التي تجمع بين السنة والإمامية في شخصي مالك وجعفر ، وبين السنة والزيدية في شخصي أبي حنيفة وزيد ، وبين السنة والمعتزلة في أشخاص الحسن البصري وعمرو بن عبيد وواصل بن عطاء ، وبين الزيدية والإمامية في شخصي الأخوين زيد ومحمد الباقر ، وبين السنة والخوارج في شخصي البخاري وعمران بن حطان الذي أملى الحديث على البخاري ، بل الخوارج والإباضية – بصفة خاصة – هم أول من جمع الحديث الذي يعتبر المصدر الثاني لفقه السنة وعقائدها .


إذن توجد روابط أكيدة متينة لها وزنها وقداستها تلك التي جمعت بين المذاهب الإسلامية والتي يعتنقها عدد كبير من المسلمين .
وأنا اعتقد مخلصاً أنه لو حسنت النوايا ، وألقيت رواسب الماضي البعيد جانباً لخرجنا صفاً واحداً لايفرق جماعة من جماعة إلا كما يحدث من خلاف بين أئمة المذهب الواحد ، فإن لب العقيدة واحد ، ومصدرها واحد ، وإلههاواحد ، ورسولها واحد !
ألا فليتق الله في الناس وليرع الوطن في المواطنين كلُّ داعٍ إلى الفرقة ، بدلاً من أن يزرع سوءاً فيجني الناس فساداً أحمد صبح




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تقييم الموضوع :