الأقباط متحدون | مصر وستون عامًا فى منزلق الدولة الدينية
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٤:٤٨ | الاربعاء ١٤ ديسمبر ٢٠١١ | ٤ كيهك ١٧٢٨ ش | العدد ٢٦٠٨ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

مصر وستون عامًا فى منزلق الدولة الدينية

الاربعاء ١٤ ديسمبر ٢٠١١ - ٠٣: ٠٩ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: منير بشاى
اليوم نرى التيارالإسلامي السياسى أقرب ما يكون لتحقيق أهدافه فى حكم مصر. وهذا لم يتم بين يوم وليلة بل استغرق فى مجمله أكثر من ثمانين عامًا منذ إنشاء جماعة الإخوان سنة 1928 وعلى وجه التحديد خلال العقود الستة الأخيرة منذ قيام ثورة يوليو 1952 .
وقد ساعد هذا التوجه للالتجاء إلى الدين وجود مشاكل معيشية تمر فيها مصر ساعدت على قيام ثورة 1952 والتى حاولت بدورها أن تحل هذه المشكلات عن طريق تطبيق المبادىء الاشتراكية مثل تحديد الملكية الزراعية وتوزيع الأراضى على صغار الفلاحين وتأميم المصانع والشركات وإعطاء العمال دورًا في إدارتها ونصيبًا من أرباحها.


ولكن فى غياب المالك الأصلى الذى تهمه ممتلكاته الخاصة، وضياع خبرته التى كونها على مدى السنين، كان لابد لهذه التجربة أن تفشل ليعانى الفلاح والعامل وأيضًا الموظف أكثر مما مضى من ارتفاع الأسعار، رغم الدعم الحكومى، مع محدودية الدخل ومعها اختفاء الكثير من السلع كنتيجة للحصار الاقتصادي الذي فرضه الغرب على مصر كنتيجة لتأميم قناة السويس والاستيلاء عليها قبل الموعد المحدد، ومواقف مصر السياسية المعادية للغرب.
من الناحية الدينية كان عبد الناصر متعاطفًا مع جماعة الإخوان المسلمين وكانوا مؤيدين له فى البداية اعتقادًا منهم أنه قام لينفذ أجندتهم ويحكم البلاد طبقًا لمبادئهم. ولما رأوه يتباطأ فى هذا وشكوا في إخلاصه حاولوا اغتياله فى حادث المنشية الشهير لينجو عبد الناصر من الموت ثم ينقلب ضدهم وينكل بهم ويضع قياداتهم فى السجون.


استلم الحكم من بعده الرئيس أنور السادات وكانت المشاكل في مصر قد تفاقمت بسبب المغامرات العسكرية التي مرت بها البلاد والتى كلفتها أكثر مما تستطيع ماليًا، وانتهت بالهزيمة واحتلال العدو لجزء كبير من الأراضي المصرية بالإضافة إلى أراضي عربية أخرى.
وقد رأىَ السادات أن الحل لوقف نزيف الدماء ووضع حد لتكاليف الحرب الباهظة واسترداد الأرض المصرية التى فقدتها هو فى خيار السلام، ولذلك قرر أن يخرج على الإجماع العربى ويعقد صلحًا منفردًا مع إسرائيل، ثم قرر أن ينبذ الاشتراكية ويتبنى النظام الرأسمالي حتى يستطيع أن يوقف الحصار الاقتصادي الغربى ويحصل على بعض الدعم ليحسن به الأحوال الاقتصادية المتردية.
ولكن يؤخذ على الرئيس السادات أنه هو الذى أخرج الاسلاميين من السجون وأطلق لهم العنان فى البلاد حتى يتمكنوا من السيطرة على الشارع المصرى كوسيلة منه لتمكين حكمه ضد نفوذ الناصريين والشيوعيين.
ولقد أثبتت الأيام أن السادات كان بهذا قصير النظر إذ إنه بذلك كان قد بذر بذرة التطرف الدينى فى مصر والتى استمرت مصر تحصد نتائجها إلى يومنا هذا. ومن ناحية أخرى حاول أن يغازلهم بعمل تغييرات فى الدستور مضيفًا ((الف لام)) إلى البند الثانى بحيث تصبح مبادىء الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع (وليس مصدر).


ولكن من سخريات القدر أن يصبح السادات هو أول ضحاياهم عندما اغتالوه احتجاجًا على توقيعه معاهدة كامب دافيد للصلح مع إسرائيل فى سنة 1981.
ولكن لا شك إن فترة حكم الرئس مبارك خلال الثلاثة عقود الأخيرة هى التى أدت إلى تأمين الحكم لصالح الدولة الدينية فى مصر.
وكان الرئيس مبارك قد رأى بعينيه الرئيس السادات يسقط صريعًا برصاص الجماعات الإسلامية، وهذا أنتج لديه مشاعر الخوف منهم وتقدير خطرهم وفى نفس الوقت الحرص على تفادى القيام بمواجهة ضدهم -إذا استطاع-.
ولذلك اتبع سياسة الموازنات والقرارات التى تبنى على الحسابات الدقيقة، فكان يضع لهم الخطوط الحمراء التى يطالبهم بعدم تخطيها، وهى أولاً احترام هيبة الدولة فلم يتساهل معهم إذا اعتدوا على أي مسئول فى الدولة مهما كانت درجته وأيضًا فرض عليهم ضرورة عدم الإضرار بالاقتصاد القومى والذى كان يعنى وقف العنف ضد السياح الأحانب.


وفى مقابل هذا كان النظام يترك للإسلاميين حرية الحركة والعمل الجماهيرى وخاصة بين أكثر المواطنين إمكانية للتأثير والتشكيل وهم الأميين الذين يمثلون نحو 40% من تعداد مصرومعظمهم من المعدمين.
وقد استطاع الإسلاميين الوصول إلى عقول وقلوب هؤلاء عن طريق تقديم الاحتياجات المادية لهم التى كانت الدولة عاجزة عن توفيرها.
مع تقدم الرئيس مبارك فى السن، وتركه للمحيطين به، التصرف فى مقدرات البلاد. ونتيجة لذلك ازداد الفساد فى البلاد وظهرت طبقة جديدة تتمتع بالثراء الفاحش نتيجة قدرتها على نهب المال العام واستغلال القانون، وبالتالى ازدادت نسبة الفقر واتسعت الفجوة بين المعدمين وأصحاب المليارات، ووصلت مرافق الدولة إلى حالة يرثى لها سواء كان فى مجال التعليم أو الإسكان أو الصحة أو المواصلات أو غيرها.


أضف إلى ذلك تداعيات ادارة البلاد بقانون الطوارىء منذ استلامه الحُكم وإطلاق يد الأمن ليحكم البلاد بنظام الدولة البوليسية التى لا تحترم آدمية المواطن ولا تصون كرامته داخل أقسام الشرطة. وأصبح التعذيب وسيلة النظام فى الحصول على اعترافات غير صحيحة وتم إهدار قيم العدالة والأمن.
وعندما هبت ثورات التغيير فى المنطقة فيما عرف بالربيع العربى كانت مصر هدفًا مثاليًا لها. ونتيجة استخدام آليات التواصل الاجتماعي الحديثة مثل الفيسبوك وتويتر تم تعبئة الشباب حول مبادىء الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
فى 25 يناير 2011 خرج الشباب إلى ميدان التحرير للمطالبة بهذه المبادىء، وكانت المظاهرات فى البداية تعلن عن استيائها من أوضاع البلاد وتطلب تغيير هذه الأوضاع. وكانت حركتهم مصرية خالصة تضم كل المصريين بغض النظر عن انتمائاتهم الدينية وكان يظهر هذا فى هتافاتهم التى كانت تنادى "مسلم قبطى يد واحدة".


وفى البداية وقف الإسلاميون من هذه المظاهرات موقف المتفرج المحايد حتى أدركوا مدى قوتها وفاعليتها فقرروا الانضمام لها فى 28 يناير 2011. ومن تلك النقطة فصاعدًا تحول المسار فى هذه المظاهرات لتصطبغ بصبعة الدين. وازدادت المظاهرات عنفًا إلى أن أدت بتنحى الرئيس مبارك وتسليمه الحكم إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى 11 فبراير 2011.
كان واضحًا من البداية استمرار المجلس العسكرى على سياسة النظام السابق فى تعامله مع الإسلاميين. وكان مراضاة الإسلاميين يحظى بتأييد الإدارة الأمريكية التى كانت تعتقد أن صعود الإسلاميين للحكم يصب فى صالح أمريكا لأن الإسلاميين فى ظنهم أسهل فى التعامل لأن أجندتهم واضحة.
وظهر حرص المجلس العسكرى على مراضاة التيار المتأسلم فى اختيار أحدهم وهو المستشار طارق البشرى رئيسًا للجنة تعديل الدستور. واستغل الإسلاميون النعرة الدينية فى الاستفتاء الذى أجُريَّ، مصورين للبسطاء إن التصويت بـ نعم بوضع علامة على الرمز المطبوع باللون الأخضر يمثل قبول اختيار الله وفى المقابل كان التصويت بـ لا ووضع علامة على الرمز الأسود يمثل قبول اختيار الشيطان.


ونجحت المؤامرة وتم قبول 77% للتعديلات ورفضها مجرد 23% فيما أطلق عليه الإسلاميون غزوة الصناديق. ووقف أحد السلفيين ليعلن النصر مقترحًا إن من لا تعجبه هذه النتائج أمامه الباب مفتوحًا ليغادر البلاد.
ولم يمارس المجلس العسكرى سياسة الحسم فى مواجهة الخارجين على القانون من المسلمين المتشددين فلم نسمع عن عقوبات رادعة ضد من ارتكبوا اعتداءات ضد الأقباط مثل حرق كنائسهم وبيوتهم ومحلاتهم وقتل وجرح المسيحيين.
عوضًا عن ذلك كانت الحكومة تستجدى مساعدة قيادة السلفيين ليقنعوا المتطرفيين بوقف العنف والصلح العرفى دون مساءلة لمن بدأوا أعمال العنف وارتكبوا جرائم ضد الأقباط مما أدى إلى استمرار العنف الذى بلغ 15 حادثًا إرهابيًا رئيسيًا في حوالي ثمانية أشهر.
وظهر مدى التعصب والكراهية ضد الأقباط فى حادث ماسبيرو حيث قامت قوات الأمن مع الشرطة العسكرية بدهس المتظاهرين الأقباط المسالمين بالمدرعات وقتل وجرح المئات بالذخيرة الحية.
والخطير أن يتم هذا بتحريض من التلفزيون المصرى الرسمى الذى أطلق النداءات للمواطنين المسلمين أن ينطلقوا إلى موقع الحدث ليحموا الجيش (المسكين) ضد الأقباط (المعتدين) ثم يوجه التلفزيون التوبيخ ضد الأقباط أن يتقوا الله فى هذا الوطن! هذا فى الوقت الذى كانت عجلات المدرعات تقوم بفرم أجساد الشباب القبطى الأعزل.


وعندما لاحظت قيادة الإخوان تباطؤ المجلس العسكرى فى تحديد مواعيد انتخابات المجالس النيابية وصياغة الدستور وتحديد انتخابات الرئاسة وتسليم السلطة، وخشى الإخوان احتمال استمرار العسكريين فى الحكم، أصدروا إنذارهم أنهم سيحولوا مصر إلى بركة من الدماء. وأمام الضغوط المتزايدة اضطر المجلس أن يعلن عدم نيته الاستمرار فى الحكم ووضع تواريخ لا تتجاوز آخر يونيو 2012 لانتهاء كل العمليات الانتخابية وإنتخاب رئيس الجمهورية الجديد وتسليم الحكم للمدنيين.


سارت انتخابات مجلس الشعب فى الاتجاه الذى أرادته الاحزاب الدينية والتى تنبىء بفوز الأخوان والسلفيين بنصيب الأسد. ولكن الغريب أن جماعات تتكلم باسم الدين، وتنادى بإصلاح المجتمع طبقًا لما يرونه صحيح الدين، لا يرون مانعًا طبقًا لِما نُشِر من ارتكاب مخالفات أخلاقية وقانونية لتأكييد نجاحهم. ومن هذه شراء الأصوات بالمال أو نظير تقديم الطعام. والاستمرار فى الدعاية الانتخابية خلال الفترة المحظورة والمحددة بـ 48 ساعة قبل الانتخاب. وأحيانًا الدخول مع الناخبين لجنة الانتخاب لإرشادهم كيف يدلون بصوتهم لصالحهم. بل وصل الأمر للتخلص من صناديق بأكملها واستبدال صناديق بأخرى.
والغريب إن نفس هذه الجماعات التى وظفت الدين بأقصى ما عندها من قوة لتصل إلى ما تريد، فإنها فى نفس الوقت تتهم المسيحيين بعمل نفس الشىء، ثم تطالب المسلمين بمقاطعة المسيحيين، والمسلمين المعتدلين الذين يؤيدونهم. لقد استخدموا منابر المساجد للدعاية الانتخابية، ثم أطلقوا شائعة تدعى إن الكنيسة أصدرت قوائم بمن تزكيهم فى الانتخابات وهو ما أنكرته الكنيسة. بل وصل بهم الأمر إلى إدعاء أن الكتلة المصرية هى حزب الكنيسة لأن قوائمها اشتملت على بعض الآسماء المسيحية مع أن هذه الأسماء لا تزيد عن 5% بينما بقية القائمة من المسلمين.
سواء بحق أم بغير حق يبدوا إن التيار الاسلامي فى طريقه لحكم مصر. وسنرى كيف يمكنهم أن يحلوا مشاكل مصر. وسنرى أيضًا كيف سيتعاملون مع الأقليات الدينية والعرقية.


أمر آخر خطير استطاع التيار الإسلامي المتشدد أن يحصلوا على تنازلات بخصوصه من المجلس الأعلى هو اقرار من سيشكل اللجنة التى ستصيغ الدستور. وكان المجلس العسكرى ينوي إعطاء هذه المهمة الى مجلس استشارى.
ولكن الإسلاميين أصروا على أن يكون مجلس النواب الجديد (الذى يمثلون غالبيته) هو من يشكل اللجنة. والمعروف إن الدستور لا يتم صياغته عن طريق البرلمان، حتى يتم حماية الأقلية من بطش الغالبية، فالدستور يصاغ من لجنة من القانونيين تضم جميع أطياف المجتمع حتى تعبر عن اهتمامات وهموم جميع المواطنين وتضمن حقوقهم وأتوجس مقدمًا من دستور يصوغه من نظم جمعة قندهار.
ومع ذلك لا أتوقع شخصيًا أن يكشف الإسلاميون كل أوراقهم من البداية وربما يتخذوا أسلوبًا معتدلاً متسامحًا لطمأنة الجميع. ولكن لا أظن أنهم سيستمروا على هذا النهج على المدى الطويل. فالجماعة التى تحلف يمين الولاء على المصحف والمسدس، والتى قامت على الاغتيالات السياسية لتصفية معارضيهم، والتى أعلنت عن عزمها فرض الجزية على غير المسلمين، والتى طالبت بحرمان المسيحيين من الانضمام للجيش، والتى قال قادتهم أنهم يفضلون أن يحكم مصر ماليزى مسلم عن قبطى مسيحى، والتى قال مرشدهم "طظ فى مصر واللى جابوا مصر...".إن الجماعة التى تؤمن بهذه المبادىء لا أستأمنها على حكم مصر، مهما غيروا من كلامهم، فالمبادىء الحقيقية لابد أن تطفو على السطح فى يوم من الأيام. وحتى اذا فرط طرف فيها تكتيكيا، فان الاطراف الأخرى سيعارضونه وينتهى الأمر بشجار بينهم.


ولكن مهما كان الجو ملبدًا بالغيوم، فلست متشائمًا، لأن الشمس ما تزال تسطع خلف الغيوم. لن يكون صعود التيارات الإسلامية آخر فصل يكتب فى تاريخ مصر. لقد قام الشباب بثورة 25 يناير ثم قفز عليها الأخوان فى 28 يناير، ثم قام الكل باسقاط النظام فى 11 فبراير، ثم انفرد الأخوان والسلفيين بالثورة، وفى نوفمبر قام شباب الثورة بطرد القياديين الاخوانيين من ميدان التحرير، وفى ديسمبر استحوذ المتأسلمون على مجلس الشعب. وأراهن على إن الشباب المستنير الذى قام بالثورة سيعود الى الميدان ليصحح مسارها إذا لزم الأمر.
ِوثقتى العظمى تعتمد على وجود الله أولاً وأخيرًا.

Mounir.bishay@sbcglobal.net




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :