سلطة القانون وقانون السلطة
بقلم: عزمي إبراهيم
بعد كتابتي لهذا المقال اكتشفت أن هناك مقالا لكاتب آخر على الانترنت بعنوان مماثل ولكن معكوس وهو (قانون السلطة وسلطة القانون). محتويات المقالين مختلفان ولكنهما يناقشان قضية واحدة. وأؤكد للسيد الكاتب وللقراء أنه مجرد توارد خواطر في اختيار العنوان لا أكثر، حيث أن المقال يناقش أهم القضايا العامة والهامة الجارية في مصر في وقتنا الحاضر وهو الفرق بين "الدولة المدنية" و "الدولة الدينية" وهو ما قد يكون ركيزة التقدير والاختيار في الانتخابات التى على الأبواب.
القانون بتعريف مبسط هو مجموعة من القواعد تتبناها الدولة لكي تحدد واجبات وحقوق الأفراد وتنظم سلوكهم داخل المجتمع وتلزمهم باحترامها، وترفق بها جزاءات توقع على مخالفيها. فالحاجة للقانون وسلطة القانون هي أهم أساسيات التعايش في المجتمع، أي مجتمع. ولكن أهم من ذلك أن يكون القانون في حد ذاته قانوناً عادلا حيوياً مدنياً معاصراً لا يميز في نصوصه طائفة عن أخري ولا يهضم طائفة حقاً مباحاً لأخري. ولا يكفي أن يكون القانون وحده عادلاً، إذ لابد أيضاً أن تقوم السلطة الحاكمة بفروعها الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية من جانبها بتطبيقه بحزم، وبعدالة،.وبمساواة. هذه هي سلطة القانون.
وهناك فرق كبير بين (سلطة القانون) و (قانون السلطة). فسلطة القانون هي سلطة الدستور الحر المنزه العادل تجاه جميع المواطنين بغض النظر عن الدين والعقيدة والعرق والجنس واللون والطبقية والاقليمية.
أما قانون السلطة فهو (قانون الحاكم) والحاكم كما هو الحال في معظم الحكومات الفردية دكتاتوراً مستبداً لا يؤمن بالعدالة وإن ادَّعاها، أو (قانون الطائفة الحاكمة) والطائفة إما دينية أو عرقية أو طبقية، فيكون قانونا غير ملتزماً بالعدالة والمساواة بين المواطنين، فهو متحيز بطبيعته لطائفة بعينها وجائر ظالم لغيرها. كما في الحكومات الدينية (الاسلامية في إيران والسعودية واليمن وأفغانستان ...) أو في الحكومات العرقية (النازية في ألمانيا والوهابية في السعودية).أو في الحكومات الطبقية (الشيوعية في الاتحاد السوفيتي)
هناك إصرار دائم في الدول الاسلامية بالشرق الأوسط، ومحاولات مستمرة بالدول الحرة بأوروبا وأمريكا واستراليا والصين والهند، وغيرهم حيث يوجد مسلمون، نحو تغليب سلطة الدين على سلطة القانون أو حكومة الدين على حكومة القانون. هذا الصراع ضد القوانين المدنية الحضارية الديموقراطية المساوية بين مواطني الوطن الواحد. وهذا الصراع مدفوع برجال الدين ودعاة الدين ومدعي التدين والبسطاء لمصلحة واحدة فقط وهي تسلط طائفة واحدة عن طريق الدين على باقي طوائف المجتمع، حتى من نفس الدين (سني وشيعي وأحمدي وإباضي وخوارجي وكلابي ومرجئي ومعتزلي وموحدي، وما يتبهم من تفريعات عديدة...)، وكلٌّ لها مقدساتها وفتاويها وروابطها ومفهومها في الدين والحم، ناهيك عن تابعي الأديان الأخرى. وهنا يضيع بل يداس مبدأ العدالة والمساواة بين أبناء الوطن الواحد والعدالة ليست فقط أساس القانون بل وأساس وجوهر الإنسانية ذاتها. والعجيب أن العدالة أساس من أهم أساسيات الدين أيضاَ، أي دين أو أي ما يستحق أن يدعى دين. ولكن مما سبق لا يمكن أبداً أبداً أبداً أبداً لحكومة دينية أن تلتزم بالعدالة. وعلى ذلك فلا عدالة لحكومة دينية أو سلطة دينية أو سلطة الحاكم. فليس أعدل من سلطة القانون.
ومن زاوية أخرى إذا نظرنا إلى الدين فالدين له جناحان لا ثالث لهما:
الجناح الأول للدين هو "الدين للديـّان"، هو إيمان الإنسان بقوة عالية مقدسة، وهو علاقة شخصية بحتة بين الإنسان وخالقه، وليس لأحد أياً كان على الأرض سلطة التدخل بينهما. فلو تدخلت أي سلطة حكومية أو دينية لفرض أو إجبار أو تعديل أو تنظيم أو حتى تحسين هذه العلاقة لأصبحت علاقة مفتعلة مفروضة وليست مختارة بإرادة واقتناع الإنسان وبذلك تفقد قيمتها كإيمان، فالإيمان لا يُفرض ولا يُرغَم ولا يُجبَر عليه.
والجناح الثاني للدين هو "الدين المعاملة"، هو تعاليمه الراقية التي بها يهذب طباع الإنسان ويعلمه الأخلاق الطيبة ويبذر في نفسه عوامل الإنسانية وهي المودة والمحبة والرحمة والشفقة والتعاطف والتعايش والمواطنة والعدالة وحسن الجوار واحترام الغير ورأي الغير وعقيدة الغير. فإن خلا قلب الإنسان من هذه الصفات فهو حيوان أو أقل من حيوان.
وهنا تأتي مسئولية جهازين (وليس سلطتين) منفصلتين للرقابة على الإلتزام بهذه الصفات الراقية لضمان مجتمع راقي:
(1) سلطة القانون وهي السلطة الحكومية المؤسسة على قواعد قانونية مدنية علدلة حرة (لا دينية متحيزة لطائفة حاكمة) لإلزام المواطن على احترام التصرفات المدنية الموضوعة للجميع ومعاقبة من يخالفها. وهي السلطة الوحيدة التى تملك سلطان العقاب للمخلفين.
(2) المؤسسات الدينية (ولم أقل السلطات الدينية فهي مؤسسات لا سلطات) وظيفتها التوجيه والتوعية والوعظ والإرشاد (فقط) نحو تنمية الروحانيات والأخلاق الحسنة والتعامل بالحسنى بين الناس
فالخلاصة مما سبق هي أن الدين إيمان شخصي اختياري أساساً في القلوب ويمارس في المعابد ويعلمنا الخلق الحسن في حياتنا وكيفية تعاملنا جميعأ كمواطنين وجيران وزملاء بغض النظر عن عقيدة الآخرين، لكن لا مكان له في دواوين الحكومات. فمن الطبيعي والبديهي والمتوقع أنه لو حكم الدين (أي دين) بشريعته لأنصف طائفة على غيرها، وبذلك لن يكون هناك عدالة وهي أساس تعامل الحكومة مع مواطنيها... ولا يختلف في ذلك اثنان.
أما القانون فينص أيضاً على الأخلاق (مثله مثل الدين) ويحمي جميع المواطنين من مخالفيه حيث للقانون (وحده) سلطة العقاب. وهذه واحدة من وظائف القانون المدني الإنساني المتحضر. والقانون لا يلغي الأديان، فهو يضمن حرية العبادة لكل مواطن كيفما شاءت له عقيدته.
فمن ينادي بدولة مدنية لا يعني إطـــــــــــــــــــــلاقاً إلغاء الأديان أو تصغير دورها في المجتمع. وما هذا إلا ادعاء خبيث يلعب به دعاة الدين المغرضين والمتسلطين والمتسلقين إلى السياسة والمناصب حيث يضحكون به على البسطاء والأميين.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :