الأقباط متحدون | (1)التطور التاريخى للاعتداءات على الأديرة(وادي النطرون نموذجاً)
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٢٣:٥٩ | الخميس ٣ نوفمبر ٢٠١١ | ٢٢ بابه ١٧٢٨ ش | العدد ٢٥٦٧ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

(1)التطور التاريخى للاعتداءات على الأديرة(وادي النطرون نموذجاً)

الخميس ٣ نوفمبر ٢٠١١ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم:  د.ماجد عزت إسرائيل
تعتبر مشكـلة اعتداءات العربان على أديـــرة وادي النطرون من المشكلات القديمة التي يعود تاريخها إلى أوائل الــــقرن الخامس الميلادي، ويرجع ذلك إلى الطبيعة الصحراوية القاسية، وحياة البداوة وعدم الاستقرار والترحال والتجول للبحث عن قوت يومهم؛ لأنهم لم يكن لديهم مصدر ثابت للعيش، مما جعلهم في حالة حرب مستمرة لقيامـــهم بأعمال السلب والنهب والتخريب ومنذ ذلك القرن وحتى أواخر القرن التاسع عشر، لم يكفوا عن غاراتهم المفاجئة لأديرة الوادي ورهبانه، فأنزلوا بهم الكثير من الظلم نتيجة للعنف الذي كانوا يستعملونه معهم حتى إن بعض الرهبان كانوا يفرون إلى المغارات والشقوق عند اقترابهم تاركين وراءهم كل شيء، مما ترتب عليه خراب كثير من الأديرة التي كانت منتشرة بالوادي.
وقد تعرضت أديره وادي النطرون لسلسلة من الغارات، كان أشدها ما بين عامي (407-1069م)، وكــــــان يصاحب هذه الاعتداءات عمليات سلب ونهب وقتل وأسر للرهبان لمدة تطول أو تقصر، ولكن عقب كل غارة كان الرهبان يعودون فيتجمعون في البرية من جديد، ليعيدوا بناء ما قد تخرب، وجمع شتات تلاميذ الرهبنة.


وقد تناقصت أعداد أديرة وادي النطرون نتيجة لاعتداءات العربان، فبعد أن كانت نحو خمسين ديرًا منذ القرن الخامس الميلادي أصبحت نحو عشرة أديرة عند مجيء الفرنسيين إلى مصر سنة 1798م واندثرت منها ستة أديرة، ولم يبق سوى أربعة أديرة عامرة – على نحو ما رأينا – خلال فترة الدراسة.
على أية حال لم تسلم هذه الأديرة من أيدي العربان المغيرين، ومن ذلك تعرُّض دير البراموس في أوائل القرن التاسع عشر لهجمات العربان، فأعملوا السلب والنهب والقتل بين نساكه وحل الخراب كالمعتاد فهرب أغلب الرهبان وتشتتوا في جميع أنحاء البرية، ولم يتبق إلا راهب واحد يدعى "عوض الإبراهيمي" وبعد فترة ليست بقصيرة عاود العربان الاعتداء على نفس الدير مرة ثانية ولكن باءت محاولتهم بالفشل؛ لأن الدير كان محصنًا جيدًا من قبل الراهب الكفيف.


وكـــان هجوم العربان على أديرة وادي النطرون لا ينقطع، خاصةً إذا ما ترامي إلى علمهم انتعاش الأديرة وازدهـــــــارها فكانوا يعيدون الكرة والانقضاض على الأديرة ورهبانها وسلب ونهب ما بها، مثلما تعرض دير الأنبا بشوي لهجوم من جانب مجموعة من العربان انتهى باستيلائهم على ما يمتلكه الدير من أدوات ومؤن غذائية. وكذلك تعرض دير الأنبا "مقـــار" لاعتداءات من عربان الواحــــــات والفيوم، فنهبوا ما فيه من متاع وزاد وجردوا من فيه مما عليهم بالقوة.


وزادت اعتــــــــــداءات العربان على أديرة الوادي في موسم اقتلاع النطرون، حيث كانوا يجتمعون ويسكنون حول بحيرات النطرون، وتعددت قبائلهم، فكان منهم الجميعات والجوابيص والحرابي وغيرهم، فأتاحت لهم الفرصة الإقامة إلى جوار الرهبان، مما أدى هذه العلاقة إلى اعتداءاتهم على أديرتهم من أجل أعمال السلب والنهب.
ولجأ بعض العربان خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر إلى الاعتداء على القوافل والمترددين على الأديرة والعاملين عليها، فعلى سبيل المثال قام بعض العربان بالاعتداء على قافلة متجهة إلى دير السريان قادمة من عزبة الدير بأتريس بالجيزة وسلبوا ونهبوا ما بها من بلاطة لفرن الدير ومؤن غذائية للرهبان، كما اعتدى آخرون من العربان على مجموعة من المترددين على الأديرة وقاموا بتجريدهم من أموالهم وملابسهم، وقام بعضهم بالاعتداء على صراف عزبة دير السريان ونهبوا ما معه من أموال.
وخلاصة القول أنه في النصف الثاني من القرن التاسع عشر قلت الاعتداءات على أديرة وادي النطرون، وما حدث منها فهي حالات تكاد أن تكون فردية، فربما يرجع ذلك إلى سياسة محمد على التي اتبعها خلال النصف من القرن التاسع عشر نحو نشر الأمن وتوطين البدو بالبلاد مما حدَّ من هذه الاعتداءات، وقد استمرت هذه الحال حتى نهاية القرن التاسع عشر.


أما فيما يتعلق بموقف رهبان أديرة وادي النطرون من اعتداءات العربان، فقد عملوا على تحصين الدير أمامهم، بتعليته وترميم أسواره، ومراقبتها من غرفة الرقوابة (غرفة المراقبة) ، أو ضرب الناقوس ضربًا مختلفًا كإشارات دالة على أن هناك خطرًا من غارات للعربان أو قطاع الطرق واللصوص الفرادى وعابري السبيل فكان الناقوس لغة مفهومة من طرف واحد وهو الرهبان.
كما لجأ رهبان وادي النطرون إلى العربان أنفسهم لحراستهم في مقابل تقديم واجب الضيافة؛ لأن العربان كانوا يتنقلون من مكان إلى ليلاً، ويمرون بالأديرة أثناء جولاتهم ويتوقفون ليتناولوا طعامهم ولكي يستريحوا ويريحوا خيولهم، وكانوا يقدمون إليهم واجب الضيافة من وراء الجدران، إلا لا يفتحون الأبواب ليلاً، وقد اضطروا لذلك حتى لا يتعرضوا لاعتداءات العربان خارج الأديرة نهبًا أو سلبًا أو قتلاً على أيدي هؤلاء.
كذلك اعتمد رهبان أديرة وادي النطرون على بعض العربان في تأدية بعض الخدمات التي قد تعرضهم للاعتداء عليهم بالسلب أو النهب من أقرانهم، وكان من ذلك لجوء رهبان دير الأنبا بشوي إلى على صالح والحوفي الحجاوي لرعي مواشي الدير بالوادي، كذلك اعتمد دير السريان على منصور عامر، وعامر شريعة في صحبة قوافل المؤن ما بين عزبة الدير باتريس والدير الذي بالوادي.


ومما تجدر الإشارة إليه أن تلك الاعتداءات كان يتخللها بعض العلاقات الحميمة بين الرهبان والعربان، فعلى سبيل المثال حدث صراع بين اثنين من العلمانيين ممن هم تحت الاختبار للرهبنة بديوي السرياني والأنبا بشوي، وصل خبره إلى حاكم الطرانة، فتدخل أحد العربان لديه ووعده بإنهاء النزاع والصلح فيما بينهما فحكم على كليهما بغرامة خمسة قروش تدفع لدى الحاكم ووافق الطرفان على حكم الأعرابي، وعندما وشى أحد الرهبان للبابا كيرلس الخامس باستيلاء القمص يوحنا على أموال الدير، قام عربان وادي النطرون بكتابة شهادة موقعة من مجموعة منهم تشهد بحسن سير وسلوك والتزام هذا لإزالة شك البطريرك.
كما اعتمدت أديرة وادي النطرون على العربان في عملية النقل مثل نقل بعض مواد البناء، والمؤن من عزب الأديرة بأتربيس بالجيزة وكفر الدوار بالحيرة، ونقل الرهبان والزائرين بواسطة الإبل ودواب الحمل من الأديرة إلى الطرانة لوجود مرسى للنيل بها حتى يتسنى لهم الانتقال إلى القاهرة أو الإسكندرية أو رشيد، كذلك إمدادهم بالعمالة في بعض الاشغال المؤقتة بالدير أو الدائمة بعزب الأديرة، كل ذلك كان لا يتم إلا في جو تسوده العلاقات الحميمة بين الرهبان والعربان.


ونخلص مما سبق إلى أن أديرة وادي النطرون خلال القرن التاسع عشر كانت مركزًا للرهبنة الديرية، وجامعة لتعليم الراغبين في الرهبنة من جميع أنحاء العالم مبادئها وطقوسها وقوانينها.
كذلك اتضح من خلال الحياة الديرية بوادي النطرون اندثار مجموعة من الأديرة، ويرجع ذلك إلى الظروف الطبيعية أو البشرية كاعتداءات العربان عليها ومن ثم تخريبها واندثارها، وبالرغم من ذلك قاوم بعضها ولم يبقَّ منها سوى أربعة عامرة حتى يومنا هذا.
وقد خضعت الأديرة لتنظيمات إدارية، تمثلت في مجموعة الوظائف التي كان شاغلها يكلف بمهام وكان عليها اتباع اللوائح والقوانين المنظمة لإدارتها، كما أن مصادر تمويلها تعددت، منها من عائد أعمال الرهبان والعشور والنذور الأوقاف وهبات الحكام، وبواسطتها أمكن لها أن توازن إيراداتها مع نفقاتها التي تمثلت في ترميم الأديرة وإنشاء القلالي وكسوة ومصروفات الرهبان وما يرسل للبطريركية القبطية، وما ينفق على الفقراء والمحتاجين وتعليم أقباط الوادي.
وهكذا تعرضت الأديرة لبعض المشكلات منها اعتداءات العربان، فاتضح دور الدولة في مساندتها في حل مشكلاتها التي واجهتها خلال ذلك القرن.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :