بقلم: صبحى فؤاد

توجهت يوم امس الى المتحف الرئيس بمدينة ملبورن Melbourne Museum لزيارة معرض " توت عنخ امون" الذى حل ضيفا علينا منذ شهر ابريل الماضى وينوى البقاء معنا حتى شهر نوفمبر القادم ثم يعود الى ارض الوطن الام مرة ثانية. رحت اتجول بين اثارنا المصرية باعجاب وانبهار شديد ببراعة وعظمة جدودنا القدماء ثم توقفت امام تمثال لفرعون مصرى وضع على منصة عالية يبلغ من العمر اكثر من 3000عاما.. واذا بى اكتشف انه لاخناتون والد " توت عنخ امون " الذى جاء بفكرة عبادة الاله الواحد لاول مرة فى تاريخ مصر . اقتربت فوجئت بة يسألنى قائلا: مصرى ..اكيد ؟

قلت : نعم ولكن كيف عرفت انى مصرى ؟

قال : كل شىء فيك بيقول انك مصرى ..شكلك ..ملامحك ..عيونك ..

قلت : مرحب بك اخناتون فى ملبورن

رد فرعون : اشكرك يا ابنى ولكن قل لى ماذا تفعل هنا فى استراليا؟؟

قلت : شأنى شأن غيرى من ملايين المصريين الذين هاجروا الى الخارج بحثا عن فرصة فى حياة افضل

فرعون : وهل انعدمت الفرص فى بلدك الاصلى حتى تتركها انت وملاين غيرك من المصريين ؟

قلت : جربت حظى وحاولت بقدر جهدى وسعيت بكل الطرق الشريفة ولكنى لم ارى هناك املا فى الخروج من دائرة الفقر والمعاناة التى كان يعيشها ابى الموظف الصغير بوزارة الصحة ولذلك هاجرت الى استراليا .

فرعون : وهل حققت احلامك فى غربتك بعيدا عن ارض اجدادك ؟؟ هل وجدت الفرصة التى كنت تحلم بها والتى من اجلها تغربت فى استراليا طيلة السنوات الماضية ؟؟

قلت : حققت بعضها وفشلت فى تحقيق البعض الاخر..

فرعون : وهل ما حققتة كان يساوى ثمن غربتك؟؟

فرعون : ثمن غربتنا لا تعوضة كنوز الدنيا وكل اموالها.. ثمن غربتنا لا يساوية شيئا فى الوجود سوى العودة مرة ثانية الى احضان وارض الوطن.

فرعون : العودة الى احضان الوطن ؟؟ تفتكر وطنك الام سوف يرحب بعودة واحد مثلك ليس من اصحاب الملايين او كبار العلماء او المشاهير او من المنافقين او الدجالين المتاجرين بالدين؟؟ واحد مثلك لا هم لة سوى كتابة المقالات التى تندد وتتهجم على النظام الحاكم فى مصر وتطالب بديمقراطية حقيقية !!

صمت فرعون للحظات ثم قال بصوت شجى حزين : مصر يا ابنى التى تكلمنى عن احضانها الدافئة جعلتنى بعد ما يقرب من 3347 سنة غريبا فى ارض اللة.. جعلتنى مغتربا مثلك مرة فى امريكا .. ومرة فى اوروبا ..ومرة فى استراليا ولكن الفرق بينى وبينك اننى لم يكن عندى اختيارا بل كنت مجبرا .

قلت: انا سعيد وفخور بوجودك فى هذا المتحف الاسترالى العظيم.. ولولا وجودك هنا لما كنت كلفت خاطرى مشقة الحضور.

فرعون : ولكنى لست سعيدا بوجودى هنا.. ولست فخورا بكم ايها المصريون ايضا لانكم خيبتم امل اجدادكم الفراعنة.

قلت مندهشا: ماذا تقصد؟؟

فرعون : تركنا لكم اعظم الحضارات التى عرفتها البشرية منذ بداية الخليقة.. أين هى الان ؟؟ لقد جعلتم من مصر التى كانت فى عهدنا غنية وقوية ومتحضرة وسيدة العالم دولة فقيرة ضعيفة متخلفة تتسول المعونات والمساعدات من الدول الاخرى..

قلت : مصر الفرعونية القوية انتهت منذ زمن بعيد عندما غزاها ملك الفرس قمبيز فى عهد بسماتيك الثالث.. وزاد من تخلفها وتدهور احوالها العرب غزو العرب لها منذ الف واربعمائة عام لنشر الاسلام ونهب ثرواتها وخيراتها .. مصر لم تضعف اليوم او امس وليس جيلنا وحده هو المسئولعن هذا الخراب والتدهور الذى حدث لمصرنا .

فرعون : ولماذا لم تقاوموا الغزاة من فرس ويونانيين ورومانيين وعرب واتراك وفرنسيين وانجليزوغيرهم؟؟ لماذا تجد الدول الاخرى سهولة عجيبة فى احتلال اراضيكم وسرقة ونهب خيرات بلادكم واذلالكم؟؟

قلت : انت تعرف تماما طبيعة المصريين المسالمة التى لاتحب العنف والثورة وسفك الدماء .. المصريون ربنا خلقهم بطبيعة مختلفة تماما عن بقية الشعوب الاخرى ..

فرعون : انتم شعب يهوى الذل والخضوع للمحتلين..شعب يهوى الارتماء فى احضان الغزاة.. شعب يبدل هويتة بل وديانتة ايضا ارضاءا او خوفا من كل محتل جديد.. لا يوجد عندكم غاليا او عزيزا او اعتدادا بالنفس او الوطن... لو كنا نعرف انكم سوف تجلبون العار علينا لما كنا انجبناكم ابدا.. لا اصدق ما وصلتم الية من تخلف وتردى وضعف وهوان..لا اصدق ان كل امجادنا وحضارتنا تبددت على اياديكم وصارت مصر العظمى بفضل تخاذلكم وخنوعكم دولة من الدرجة العاشرة تعيش على الشعارات الكاذبة ومساعدات وهبات الدول الاخرى.

قلت : اننا لم نغير دياناتنا مع حلول كل محتل جديد بديل ان شعب مصر لم يعتنق الديانة اليهودية حتى الان.

فرعون : ولماذا تخلت غالبيتكم عن الديانة المسيحية ودخلتم الاسلام ؟

قلت : فرض الغزاة العرب الاسلام على المصريين بحد السيف ومن لم يسلم فرضوا عليه الجزية .

فرعون : لا استبعد ابدا ان تتركوا المسيحية والاسلام وتدخلوا اليهودية بالملايين او اى ديانة جديدة ياتى بها نبيا جديدا.. لديكم قدرة عجيبة على التغير والتكيف تحسدون عليها

قلت : لنترك الحديث عن الاديان جانبا ودعنى اسألك هل ترغب فى العودة الى مصر ؟؟

فرعون : احلم بالعودة ثانية الى مصر سريعا ولكن اخاف من هؤلاء الذين يحرمون التماثيل ويفتون بتدميرها . اخاف ان اواجه نفس مصير تمثال بوذا فى افغانستان على يد الطالبان ..عموما مصر لديها ملايين التماثيل ولن يغير وجودى او عدمة شيئا هناك...

قلت بفرح : كلامك يعنى لايوجد مانعا عنك لكى تبقى معنا ؟

رد فرعون قائلا : ليس بيدى ..ولكنى افضل الرجوع لوطنى وارضى التى ولدت وعشت ومت على ارضها .

وبعد دقائق قليلة من الصمت نظر الى اخناتون الفرعون وقال :

امثالك من المحبين لمصر والمخلصين لها يجب ان يعودوا الى وطنهم الام كى يشاركوا فى اعادة بناءها وتعميرها من جديد ..ياريت بدل ما تقلى اقعد هنا فى ملبورن ياريت نسافر معا الى مصر ونشارك مع بقية المخلصين من ابناء شعبها فى اعادة تاريخها وامجاها العظيمة ..

افقت من شرودى وسرحانى عندما وجدت الحارس يقترب منى ويسألنى بادب شديد عما اذا كنت اريد مساعدة او الاستفسار عن شىء ما فاجبتة قائلا وانا انظر لتمثال الفرعون اخناتون : اريد ان اعرف كيف اجعل مصر اعظم دولة على وجة الارض كما كانت فى القديم .. .

كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها

تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :