الأقباط متحدون | الحياة بلا خريف.. قصة قصيرة
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٤:٠٤ | الجمعة ٩ سبتمبر ٢٠١١ | ٤ نسئ ١٧٢٧ ش | العدد ٢٥١١ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

الحياة بلا خريف.. قصة قصيرة

بقلم: ميلاد منير | الجمعة ٩ سبتمبر ٢٠١١ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: ميلاد منير
صاحت بصوتها الممزوج بمرارة الألم والمرض: "يا ابني"، على الرغم من أني كنت لا أُحب سماع هذه الكلمة منها.. تحركت ناحية حجرتها، كانت ملقاه على سريرها في نفس حجرة أمي رحمها الله.

الحجرة لازلت تحمل نفس التفاصيل التي تركتها أمي؛ الأثاث البسيط، والصور المعلَّقة على الجدران، أعلى سريرها عُلقت صورة لأمي.

كنتُ أحاول التماسك أمام زوجة أبي المريضة.. كم أشعر بذنب تجاه هذه المرأة؟ وكم أسفت على معاملتي القاسية لها في الماضي؟ ربما لأنها الآن ترقد بلا حركة أو نشاط سوى عيناها المعلَّقة على شاشة التلفاز تتجوَّل في القنوات دون اكتراث أو مبالاة.. ساعات الزمن توقَّفت معها، لا فرق بين ليل ونهار.

وقفتُ أمام صورة أمي المعلَّقة على الجدران والدموع بدأت تفور بين جفوني، أمي كانت تمثل كل شئ لي، هي آخر من وقفت أمامها وأنا أحاول أن أخفي دموعي عنها، بينما كانت تجلس على كرسيها المتحرك تنظر إليَّ بقلق وترقُّب وشفقة أو رجاء، وهي تضم أختي الصغيرة.

آه.. إن الحياة بالنسبة للجميع مراحل إلا أنا.. أنا المخلوق الوحيد الذي لا يشعر بتعاقب الزمن منذ أن رحلت أمي وتزوَّج أبي بتلك المرأة طريحة الفراش..

تركت أمي كل حلمها معلَّقًا على كتفي، وترك الزمن لي صورتها المعلَّقة على الجدران لأُناجيها، وهي تبدو حزينة لأني لم أكن عند حسن ظنها.

"كن رحيمًا بإخوتك، أرجوك قف بجوار أختك، هي أكثر من تحتاج إليك أنت وأخيك".. تلك عبارات أمي ووصياها دائمًا.. مسكينة، لو كانت تعيش لهذا اليوم لماتت قهرًا وهي ترى كل أحلامها تتبخَّر أمام عيونها، وهي عاجزة عن التصرف. ليتني كنت أستطيع تحقيق حلمها، أن نكون شجرة مثمرة عند مجرى مياه عذب، أحلامُ وردية وناعمة، حياة ربيع دائم لا يزورها الخريف أبدًا. ماتت تحلم أن يعتني كل منا بالآخر.. هه!

يوم ماتت أمي كان أول من أخذته في حضني هي "أختي" كوسيلة دفاعية من نفسي لأُقنعها بأن أمي لن تموت.. لازلت أنظر لأختي على أنها الامتداد الطبيعي لحنان أمي المفقود..

لقد افتقدت " أختى " كثيرًا وهي في بلاد العالم المتقدِّم، لا أسمع صوتها ولا أرى صورتها إلا عبر تلك الوسائل الجافة العقيمة التي لا تنقل إلا بقايا ضجيج مشاعرنا، وبشكل بارد وكسول.. ولكن هذا المتاح والأفضل.. فكم أرتاح إلى سماع صوتها على أي حال.

تجاذبنا أطراف الحديث، نتجوَّل من حكاية إلى أخرى، وعن أخبار العائلة. وأخي الأكبر، إذ جاء إلى زيارة الريف زيارة عاجلة ليحصل على باقي مستحقاته من ميراث "أبي"، وكأنه جاء في مهمة "بيزنيس" عاجلة عاد بعد أن قُضيت! وتنازلت عن بعض حقوقي له حتى لا يتتطور الخلاف، فقد تعلمت من هذه الدنيا حكمة أن لا أخسر أخي مقابل ملاليم! وأيضًا لأنفذ بعض من حلم أمي..

على كل حال، أحمد الله أني لازلتُ أعذب حتى الآن. فأنا ألتمس العذر لأخي، فهو لم يكن عليه بوادر الجشع أو حب المال.. يبدو أن متطلبات الحياة في "القاهرة" هي ما دفعته لهذه التصرُّف معنا.

ياه يا أمي، هل رأيت كيف صارت الأمور عكس أمنياتك، غير أننا صرنا يا أمي أبناء صالحين في مراكز مرموقة، ونعمل باجتهاد، لدرجة أن الحياة دهست مشاعرنا ودغدغتها، وأخذتنا المشاغل من بعضنا، وأهملنا كل الوصايا بلم الشمل "لم يكن هذا حلمك يا ست الكل".. تفكَّكت الأسرة، وتناثرت أوراق الشجرة في ثلاثة أماكن بينهما مسافات أقربها عشرة ساعات بالقطار.

حرصتُ يا أمي على الاعتناء بأختي كما أوصيتيني، فقد تزوَّجت وسافرت مع زوجها، وأخي مع زوجته وأولاده، وبقيت أنا وحدي "أعذب"، وقد تخطيت عتبة الثلاثين من عمري مع هذه المريضة التعيسة.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تقييم الموضوع :