الحماية الدولية حق يفهم به باطل
بقلم منير بشاى- لوس أنجلوس
رغم كل المعاناة التى جاز فيها الاقباط خلال تاريخهم الطويل فانهم كانوا دائما يحرصون على التمسك بركيزتين هامتين هما الولاء للوطن والولاء لله. ولم نرى الاقباط يفرطون يوما فى واحدة منها حتى اذا كان المقابل احتمال رفع المعاناة عنهم أو جزء منها. والتراث القبطى حافل بالقصص الحقيقية التى تبرهن على هذا. منها القصة المشهورة لرفض البابا بطرس الجولي حماية قيصر روسيا للاقباط الذى ارسل له مندوباً يعرض عليه هذه الحماية فكان رد البابا "هل قيصر روسيا يموت ام لا يموت؟" فأجابه المندوب انه طبعا يموت، فرد عليه البابا بقولته الشهيرة "نحن في حماية الله الذي لا يموت".
حدث هذا فى وقت كان الارتباط الذى يحكم الشعوب هو صلتها بالمكان الذى يعيشون فيه. وكان الحاكم يعتبر مالكا لرعاياه وكان تدخل اى قوة خارجية فى شئون دولة أخرى يعتبر تعديا علي سيادتها وكان كل من يشتبه انه يتعامل مع هذه القوة الخارجية بعتبر مرتكبا لجريمة الخيانة العظمى التى قد تعاقب بالاعدام.
هذا المفهوم قد تغير فى العصر الحديث بعد تكوين المنظمات العالمية مثل منظمة الأمم المتحدة وصياغة المواثيق الدولية مثل الاعلان العالمى لحقوق الانسان. واصبح نتيجة لذلك من حق الافراد والجماعات فى أى مكان على الارض حقوقا انسانية يضمنها لهم المجتمع الدولى ولا يستطيع الحاكم فى أى دولة ان ينكرها عليهم بحجة انها شأن داخلى لا يحق للغير التدخل فيه.
وأمام ازدياد معاناة الشعب الفبطى خاصة بعد النصف الثانى من القرن العشرين ومع قيام ثورة 23 يوليو 1952 عندما بدأ التركيز على القومية العربية ومحو هوية مصر الفرعونية وازدياد الجرعة الدينية، نتج عنه اعتبار الاقباط مواطنون من الدرجة الثانية تغبن حقوقهم فى المساواة فى شغل الوظائف والترقى الى المناصب العليا ويتعرضون للقتل والنهب وتخطف بناتهم وتحرق كنائسهم ويتعرضون لعراقيل جمة قبل ان يسمح لهم ببناء الكنائس أو حتى ترميمها.
هذه الممارسات تضاعفت بعد قيام ثورة 25 يناير 2011 وتزامنت مع هذا عدم اهتمام الدولة بما يحدث للاقباط . أو على أحسن الفروض عجزها عن مساعدتهم وفرض الشرعية على المتطرفين واجبارهم على وقف العمليات الارهابية التى يقومون بها ضد الاقباط بالاشتراك مع البلطجية والمجرمين وبتمويل من دول البترودولار فى محاولة للقضاء على الوجود القبطى المسيحى وخلق مجتمع اسلامى شامل فى مصر.
وبعد ان فقد الاقباط ثقتهم فى اضطلاع الحكومة المصرية بواجبها فى انصافهم لم يكن هناك ملجأ لهم سوى أن يطرقوا باب المجتمع الدولى ويطالبوا بتنفيذ المواثيق التى وقعت عليها مصر والتزمت بتطبيقها. ومن ثم جاءت فكرة المطالبة بما يسمى بالحماية الدولية لاقباط مصر. ولكن منذ البدء فى هذا المشروع ظهرت اشكاليات كادت ان تجهضه حتى قبل بدايته ويتحتم علينا توضيحها هنا:
الاشكال الأول: توضيح معنى اصطلاح "حماية دولية"
كلمة حماية قد توحى لبعض الناس أنها المطالبة بتدخل عسكرى دولى بمعنى ان نجد جيوش الامم المتحدة تغذو مصر بغرض حماية الاقباط. هذا المعنى بعيد تماما عن الحقيقة فلا يوجد مصرى مخلص يقبل ان تدخل جيوش غريبة لتحتل بلده ناهيك ان يكون هو الذى يطلبها.
وقد تكون المشكلة ناتجة عن الصعوبة اللغوية فى ترجمة المصطلحات ففى كل لغة تكون للكلمات معانى تتغير عند نقلها الى لغة أخرى. فمثلا كلمة Protection فى اللغة الانجليزية ترجمتها الحرفية فى اللغة العربية هى "حماية". ولكن كلمة حماية فى اللغة العربية توحى بالتدخل العسكرى وخوض المعارك واستعمال السلاح. ولكن الكلمة فى اللغة الانجليزية لها معانى أخرى كثيرة لا صلة لها بالعنف. فمثلا تستعمل الكلمة عند عمل بوليسة تأمين للحياة أو ضد الحوادث..الخ. فالذى تحصل عليه من التأمين هو حماية ولكنها حماية بمعنى ضمان لتعويضك اذا تعرضت الى خسارة ما. ولذلك فان معنى الكلمة Protection فى هذه الحالة هو ضمان. ولذلك بدلا من القول " الحماية الدولية للأقباط"الذى وهو اصطلاح مفزع أتمنى استخدام اصطلاح "الضمان الدولى لحقوق القباط".
الاشكال الثانى: تحديد من صاحب الحق فى المطالبة بالحماية
عادة من يطالب بالحماية هم المعنيون بالحماية وهم الاقباط داخل مصر. ولكن لظروف نعلمها جميعا قد يتردد الكثيرون منهم الافصاح عن اعلان حاجتهم لهذه الحماية. وهنا يأتى دور أقباط المهجر وهم مع انهم ليس من حقهم ان يفرضوا أنفسهم أوصياء على أقباط الداخل ولكنهم لهم مصلحة فيما يحدث داخل مصر، لأن أقباط الداخل هم أقاربهم وأصدقائهم وبنى جلدتهم. كما أن نفس هذه الظروف هى التى أثرت عليهم فى يوم من الايام وتسببت فى تركهم لوطنهم والتغرب بعيدا عنه.
الاشكال الثالث: توصيل المعنى الصحيح للجماهير
المقصود اذا ليس التدخل العسكرى ولكن ضمان الحقوق الانسانية لأقباط مصر. ولا أظن أن هذا يجب أن يضايق أحدا. وعلى أى حال فان هذا التدخل كله يمكن ان يتوقف بمجرد حدوث شىء بسيط للغاية وهو قيام الحكومة بدراسة مشاكل الاقباط وعمل برنامج محدد لتفعيل حقوقهم كمواطنين أصلاء. أما اذا كانت هناك نية مبيتة على ظلم الاقباط فان التدخل الدولى لا مفر منه وسيتم سواء قدمت الشكوى أو حتى ان لم تقدم. وعلى أى حال الامر سيأخذ مراحل قبل ان يؤدى الى تدخل فى شئون مصر الداخلية. فقد يكون ناك فى البداية محاولة لمساعدة مصر لتحسين أدائها. واذا لم يفلح هذا ربما يصدر لفت نظر أو ادانة. ثم قد يتصاعد هذا الى فرض عقوبات اقتصادية. وفى حالة التأكد من وجود مخطط لابادة عرقية شاملة فهذا قد يكون مبرر للتدخل العسكرى.
خلاصة القول أن الاقباط يحبوا بلدهم مصر ولا يستطيع أحد أن يزايد على وطنيتهم. ولكن هذا ليس معناه بالضرورة قبول الظلم. فلا أعتقد أن مصر ستستفيد عندما يظلم مواطنوها. هذا بالاضافة الى أن رفع الظلم عن المواطنين هو أكبر خدمة يمكن ان تفيد الوطن لأن هذا من شأنه أن يزيح عن كاهل المواطنين الاحمال التى تعوق مساهمتهم الفعالة فى ازدهار الوطن. كما ان خلق مجتمع يتمتع فيه المواطنون بالعدل سوف يلمع صورة الوطن ويرفع من شأنه فى المجتع الدولى.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :