الأقباط متحدون | ساعة احتضار عراقي
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠١:٣٥ | الاربعاء ١١ مايو ٢٠١١ | ٣ بشنس ١٧٢٧ ش | العدد ٢٣٩٠ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

ساعة احتضار عراقي

الاربعاء ١١ مايو ٢٠١١ - ٥٢: ١١ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: ماجدة الغضبان

إلى روح والدي الشيخ غضبان المشلب
يغيم السقف و ينحدر الضباب حتى الأرضية القابلة للاهتزاز....
الأصوات تتموج و تعلو و تصيب أذني بعطب ما......
الوجوه تشيخ و تعلوها سحنة خضراء...
قهقهة ما تنتصب وسط الفراغ.... و أنيني يخفت يدخل مغارة من زمن آخر.....
شخص يأتي لم أتبين جنسه ليس بامرأة أو رجل أنشغل بجهاز غريب أضاء الجدار أمامي.....
ظلي يحبو على الأرض و أنا أضحك بحبور...
نخلات ثلاث تنتصب بين الأرض المزروعة والسبخة الحمراء
من جديد ارتدت الأشياء ثوب سحابة....لا أذكر كم غفوت أو رحلت إلى عالم هلامي بين الشك واليقين...
ذاب صوت جدتي بحلاوة أتحسسها دون غيري على لساني....
_ بلى جدتي أنا هنا لم أبتعد....!!
ملابسي رثة و دشداشة قصيرة حقيرة تغطي جسدي النحيل و الجوع يمزق خواء معدتي....
الحمى تجعل جبيني يتصبب عرقا ....
زوجتي الهرمة تمسحه بخرقة ...
_ نحن نعد للجنازة أين وضعت ما وفرته من مال ليوم دفنك؟
المظاهرة تزحف على الجسر ودجلة رقراقة هادئة لا تعبأ بصراخنا ..
رفيق سالم يصرخ... يسقط الاحتلال الانجليزي... يسقط نوري سعيد...
طفلة صغيرة تقبل يدي......
_ أحبك جدو أريدك أن تأتي معي لترى لعبتي الجديدة............
رنة صوتها الرائعة...
الجدار يضيء..
عبود يجلدني بقوة وتنزف جروحي بشدة....
_ هنا ستجلس النساء وسيكون للرجال مكان كاف في الخارج ومن يأتي من القرية يبات في بيت (أبو جاسم )
_ الخرفان جاهزة للذبح....
نار تحت القدور أكاد أشم رائحة الرز وهو ينضج .......
_ سيدي أنهكنا هذا الشيوعي اغتصبناه أربع مرات وحشرنا في مؤخرته قوارير محطمة و أقعدناه فوقها و لم يكلف نفسه عناء الصراخ و ربطناه بالمروحة من رجليه ودارت بنا الأرض ولم ينبس ببنت شفة ...
_ جلدناه حتى اهترأ جلده لم يتبق سوى أن اخنقه بيدي ،لم أعد أطيق صبرا عليه إنه يصيبني بالجنون.............
امرأة تتشح بالسواد والدموع تختفي في تجاعيد وجهها
_ بعد أهلي كلهم يا أخوي....
تتناثر قبلاتها في كل مكان ..رائحتها تشبه مسك أمي حين تتهيأ للنوم و تضع العشاء أمام أبي بخشوع...
ظهر وجهه آلكريه على التلفاز و أستمر يخطب لساعتين ......
رجال بلباس عسكري أخضر يضعونني على الجدار و بنادقهم موجهة إلى صدري....
_ ابنك جبان خان الوطن و لم يقاتل أعداءنا الفرس...
_ هات ثمن أطلاقات إعدامه.....
سيل من الدموع على خرقة كتب عليها خائن ..
أمه تصر أن نفتح التابوت....
_ أبي فداك أنا.........
مطر عينيها يحرق وجهي وهي تلثمني بلهفة........
عينا ولدي مقلوعتان و وجهه متورم جسده ممزق بين أطلاقات وآثار تعذيب بالمثقاب و صدغاه حفرهما مسرى كهرباء الكرسي اللعين.
أمه تركض شبه عارية في الشارع و اثنان ممن يرتدون ملابس عسكرية خضراء يأخذونها و هي تسب وتلعن حتى تغيب في سيارة إسعاف لا نوافذ فيها.....
_ تم نصب الخيمة في الخارج، من سيذهب من النساء للدفن؟
غريب في لندن و لا أحب الصباح دون شمس...
أسير كالتائه .... وتدق ساعة بك بن
لم أحب النهر دون نخيل....ولا الجسر...
_ أبو أحمد أين وضعت كفنك؟
صوت آخر يأتي من العمق و تغيب الوجوه....
أخذوا الرفاق في الصباح وأعينهم تختفي تحت قماش أسود مشدود خلف رؤوسهم بشدة ولم يعودوا....
زينب حبيبتي إلى جانبي في حديقة يتورد خداها وأنا أتلو شعرا لأبي تمام....
قبلات دبقة و دموع....أصوات إنفجارات وطائرات تعبث في السماء .......ندخل في ملجأ اظلم وابنتي تتبول على نفسها....
نساء تزدحم حولي ورجال يطلبون منهن الكف عن البكاء........
الثكنة العسكرية ملطخة بدم الجندي محمد وأحشاؤه الى الخارج......
_ أبي هل تسمعني؟.......هل تسمعني؟....
بصيص الضوء يدخل في لجة الظلام....رجل يختفي.... و الحائط يسقط كورقة.....
_ لا طعام في البيت......أبو أحمد متى استلام الحصة التموينية؟
صوت إنفجار يصم أذني و الأطفال يهربون نحوي و يدفنون وجوههم في حجري....
امرأة تصرخ....
بيت (أبو علي) تحول إلى حفرة كبيرة في شارعنا و لم ينج احد....
صوت إطلاقات...إطلاقات...
لا أحب لندن... الحنين يقتلني...
زوجتي تكرر سؤالها :_ أين كفنك؟.......
النخلة تساقط رطبها و أنا أتسلق الجذع بمهارة.....
على جرف النهر أمضينا الوقت ونحن ندخن سجائرنا لأول مرة خائفين مندهشين........
_ إنهم يأخذون الرجال من بيوتهم سارع للاختباء في البساتين......
الجيش يتقدم و الطائرات تقصف كربلاء ومرقد الحسين
مرة أخرى أنا في الكويت...أفر أنا وبضعة جنود...
في الهور كان البعوض قاتلا...خنزير بين القصب...وأصوات غليظة تقترب و نحن نبتعد باتجاه إيران.....
_ أبي.......!!
صوتها كصوت أمي...
الرجال يلغطون و السقف يرتج كأنه سيتهاوى....
لا مال في جيبي و لا شيء يأكله أطفالي.....
شواربه ثخينة تقترب من وجهي و هو يربط أسلاك الكرسي الكهربائي على جانبي رأسي....
جدار آخر يتهاوى .....
ابتعدت كثيرا....كثيرا...
لم تتوقف الحرب....
أشعر بعطش شديد والحر لاهب.... و أنا أواصل السير باتجاه بغداد...
بغداد تختفي في العتمة....
يغيم السقف و ينحدر الضباب حتى الأرضية القابلة للاهتزاز....
الأصوات تتموج و تعلو وتصيب أذني بعطب ما....
تختفي الشمس خلف بيوت القصب...و يحل الظلام....
لا نجمة في السماء....




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :