بن لادن أمام العدالة الإلهية
بقلم: منير بشاي- لوس أنجلوس
انتهى "مسلسل الهارب" الحقيقي بنفس الطريقة الدراماتيكية التي اتسمت بها حلقاته. بعد طول انتظار انتهت حياة "بن لادن"، أشهر إنسان مطارد في عصرنا الحديث. كان هو الرجل الذي دوخ العالم وعلى رأسه أمريكا، أكبر قوة عسكرية في العالم والتي تمتلك أعظم جهاز تجسس على وجه الأرض. وكان هو الرجل الذي تسبب في قيام حروب وغزو دول وسقوط أنظمة. وضعت أمريكا 25 مليون دولار ثمنًا لرأسه، ومع ذلك لم ينجح هذا في إغراء أحد بتسليمه إما إيمانًا به أو خوفًا منه، أو لأن الرجل نجح في مراوغة كل البشر، والإفلات من كل الفخاخ.
كان ذلك حتى يوم الأحد أول مايو 2011. وبعدها طوى التاريخ صفحة مريعة من صفحاته. إن الرجل الذي كان يبحث عنه العالم وقع أخيرًا في المصيدة. لم بجدوه في المناطق الجبلية النائية التي تفصل أفغانستان عن باكستان، والتي لا يعرف أحد من تتبع أو من يحكمها. ولكن وجدوه في قلب المدينة في "ابوت اباد" على بعد نحو 50 كلم شمال غرب العاصمة إسلام أباد. وقيل أن المكان كان على بعد أقل من 700 مترًا من قاعدة أمريكية عسكرية.
كان اسم بن لادن على كل لسان. كان مكروهًا من كثيرين، ولكنه كان أيضًا بطلًا في أعين كثيرين آخرين. يوم أن قام بأكبر عملية إرهابية في تاريخ أمريكا، حاز وقتها على لقب أكبر إرهابي بلا منازع. كثيرون ممن يحملون نفس الاسم أصبحوا يخجلون من اسمهم، والبعض حاول تغييره، أو على الأقل استعمال اسم كنية مثل "سام" بدلا من أسامة. بينما قيل أن في الشرق العربي كان الاسم "أسامة" هو الأكثر استعمالًا للمولودين الذكور.
في 11 سبتمبر 2011 ذاع صيت بن لادن وتنظيمه المسمى بالقاعدة، بعد عمليته الجريئة الشهيرة، في تلك العملية استخدم الإرهابيون طائرات ركاب كصواريخ موجهة نحو أهداف خاصة. انطلقت اثنتان نحو برجي التجارة العالمي رمز القوة الاقتصادية، واصطدمت بالجزء العلوي لتسبب حرارة شديدة، أدت إلى انصهار التسليح الذي يرتكز عليه المبنيان، ويأتي بهما إلى الأرض. وقتل في هذه الحادثة حوالي ثلاثة آلاف شخصًا. وكانت طائرة أخرى قد اتجهت ناحية وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون"، رمز القوة العسكرية الأمريكية، واصطدمت بالمبنى وتسببت فى تحطيم جزءً منه، وقتل 184 شخصًا. وكانت هناك طائرة رابعة وهي التابعة لشركة يونايتد 93، والتي يبدو أنهم كانوا يحاولون توجيهها ناحية واشنطن، ربما إلى البيت الأبيض. ولكن الركاب بعد أن عرفوا ما حدث للطائرات السابقة، قرروا ألا يستسلموا لنفس المصير، فقامت بينهم وبين الإرهابيين معركة، أدت إلى إسقاطها في منطقة شانكسفيل في بنسلفانيا، وقتل جميع من فيها وكان عدد القتلى 36 شخصًا.
ولم تكن هذه أول مرة تقوم القاعدة بعملية إرهابية ضد الولايات المتحدة أو مصالحها.. ففي 12 اكتوبر 2000 أطلق إرهابيون تابعين للقاعدة صاروخًا موجهًا إلى البارجة البحرية "يو إس إس كول"، التي كانت يتم تمويلها فى ميناء عدن، دمرت جزءً منها وقتلت 17 بحارًا وجرحت 39 آخرين. وفي 15 أغسطس 1988 قامت القاعدة بهجوم مزدوج على سفارتي الولايات المتحدة في تنزانيا وكينيا أدى إلى قتل 200 على الأقل وجرح اكثر من ألف. وفي سنة 1996 أعلن بن لادن مسئوليته عن تفجير مجمع الثكنات العسكرية للقوات الأمريكية في خوبر بالسعودية أدى إلى مقتل 19 وجرح المئات. وفي 26 فبراير 1993 قامت القاعدة بالتفجير الأول لمبنى التجارة العالمي حيث قتل 6 أشخاص وجرح أكثر من 1000. وفي هذا التفجير تمت إدانة الشيخ عمر عبد الرحمن وتسعة من أتباعه في عمليات إرهابية واسعة النطاق، يبدو أن القاعدة كانت ضليعة فيها.
وعمليات بن لادن والقاعدة والجماعات المرتبطة بها لم تكن مقصورة على أمريكا وحدها، بل تعدتها إلى دول أخرى كثيرة حول العالم، بما في ذلك الدول الإسلامية، وشملت مسلمين ومسيحيين ويهود وشيوعيين ولا دينيين. لم تفرق بين الرجل أو الطفل أو المرأة أو الشيخ. والقائمة طويلة، ولكن كمجرد عينة تم الاعتداء على المصلين في كنيسة سيدة النجاة في بغداد فى 31 اكتوبر 2010، وحدث اعتداء على إسلام أباد بباكستان في 20 سبتمبر 2008، وعمان بالأردن في 9 نوفمبر 2005، وبالي بأندونيسيا في 9 سبتمبر 2005، وشرم الشيخ بمصر 23 يوليو 2005، ولندن بانجلترا 7 يوليو 2005، ومدريد بأسبانيا 11 مارس 2004، وبسلان في الشيشان بروسيا في 1 سبتمبر 2004، وممباسا في كينيا في 28 نوفمبر 2002، وبالي في اندونيسيا في 14 أكتوبر 2002.
اليوم مات بن لادن، توقف عقله عن تدبير عملياته الإرهابية، وتوقفت يده عن ارتكاب أعمال العنف، وتوقف صوته عن إصدار الأوامر لأتباعه بالقتل والدمار. تمت تصفية جسده بنفس الطريقة التي أرادها لآلاف الناس الأبرياء.
واستطاع الكوماندوز الذين قاموا بالعملية الحصول على الكثير من المعلومات عن هذه الجماعة الإرهابية، التي نرجو أن تؤدي إلى كسر ظهرها. ولكن تأثير موت بن لادن على مستقبل نشاطهم الإرهابي ليس مؤكدًا. والاحتياطات مستمرة، والتي تضع في الاعتبار احتمال ازدياد عملياتهم عنفًا كنوع من رد الفعل، وإثبات أنهم مازالوا قادرون على تنفيذ المزيد.
ولكن أهم إنجازات هذه العملية، أنها أتت بالعدالة إلى هذا الرجل جزاء على جرائمه الكثيرة، وأعطت المتضررين من جرائمه نوعًا من الإحساس بالراحة بأنهم حصلوا على شيء من العدالة، إزاء ما نابهم من ظلم. وهم كثيرون سواء كانوا أبناء تيتموا بعد وفاة والديهم. أو آباء فقدوا فلذات أكبادهم أو أزواج فقدوا شركاء حياتهم.
ولكن فوق ذلك كله، فإن الرجل ماثل الآن بين يدي الله العادل، وسجل أعماله مفتوح وأنه سيحصل من الله على العدالة التي حرم الكثيرين منها.
الغريب أن بن لادن ارتكب كل هذا الإرهاب اعتقادًا منه أنه يرضي به الله، ويكسب عن طريقه مكانًا في الجنة. وليس مكاني أن أخمن أين سيكون مصير بن لادن. ولكني أعلم شيئًا واحدًا أنه حيث يكون لا أريد أن أكون قريبًا منه.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :