الأقباط متحدون | من أين تبدأ الديمقراطية؟
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٤:٠٠ | الخميس ٥ مايو ٢٠١١ | ٢٧ برمودة ١٧٢٧ ش | العدد ٢٣٨٤ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

من أين تبدأ الديمقراطية؟

الخميس ٥ مايو ٢٠١١ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: أشرف عبد القادر
الديمقراطية التي نريدها لن تأتي بقرار رئاسي، أو بتدخل خارجي، الديمقراطية سلوك يجب أن ينغرس في وعينا منذ نعومة أظفارنا، الديمقراطية يجب أن تقوم على لغة"الحوار" ووضع النفس موضع الآخر، هذا الحوار غائب عن محيط الأسرة العربية والإسلامية، فالأسرة، كما نعلم، هي نواة المجتمع، وهي أول مؤسسة تشكل وعي الطفل، فالأب"العربي" هو الآمر الناهي لكل كبيرة وصغيرة تخص أي فرد من أفراد الأسرة، باعتبار أنه من أتى بهم إلى هذه الحياة، أنت ومالك لأبيك، فهم ملكية خاصة به يفعل بهم ما يشاء. حتى الأم، مجرد تابع له، والأسلوب المتبع، غالبًا، في الأسرة العربية، في التربية هو الضرب لمن يرتكب خطأ كبيرًا كان أو صغيرًا، ومن منا لا يخطئ؟ هذا الأسلوب في التربية يفقد الطفل ثقته بنفسه، ويجعله عاجزًا عن اتخاذ أي قرار في المستقبل، مهما كان شخصيًا دون العودة لأبيه. ناهيك عن التفرقة في المعاملة بين الأولاد ذكورًا وإناثًا، فالذكر مفضل على الأنثى في المعاملة وله حق ضربها، هذا التمييز يستبطنه كل من الذكر والأنثى، فيشعر الولد أنه أفضل من البنت، وله سلطة عليها بما فيه ضربها، وتشعر البنت منذ الصغر بالضعف والمهانة وأنها أقل من أخيها الولد فتستبطن عقدة النقص التي ستلازمها طوال حياتها. أذكر على سبيل المثال أن بنت أخي الصغيرة قامت بضرب أخيها لأنه ضربها، فما كان من أمي، أطال الله في عمرها، إلا أن انهالت على البنت ضربًا صارخة في وجهها: "تضربين أخوك الولد؟ ها تفجري ولا ايه، دي قلة أدب"؟!.
قليلًا، بل نادرًا، ما نجد أسرة عربية يجلس جميع أفرادها يتناقشون بحرية وهدوء كاملين؛ فيما يتعلق بأمور حياتهم العائلية، ونادرًا ما نجد الأب يشرك الأم والأولاد في أخذ أي قرار يخص الأسرة، بل إنه يعمل على تهميش دور زوجته، كان أبي، رحمة الله عليه، يقول "شورة المرأة لو صحت تخرب البيت سنة، ولو خابت تخرب البيت العمر كله"، لأن مجتمعاتنا مازالت قبلية بطريقية، فإذا نجح الأولاد فبفضل تربية الأب ورعايته لهم، وإذا فشل الأولاد فلتقصير من جانب الأم. هذا إلى جانب السلطة التي أعطاها الدين للأب بضرب زوجته ضربًا غير مبرحًا إذا عصته، ومن منا يتمالك نفسه ساعة غضبه حتى لا يكون الضرب غير مبرح.. أذكر أن أبي كان ينهال ضربًا على أمي، ويترك علامات زرقاء وحمراء وكل الألوان على جسدها الضعيف.
من هنا تأتي الديكتاتورية والتفرقة بين الذكر والأنثى مبكرًا، إذ كيف تنشأ شخصية أطفالنا ذكورًا وإناثًا سوية و قد تربوا على محو شخصيتهم وبألا يؤخذ رأيهم في شيء؟ كيف سيكون لديهم القدرة على اتخاذ قرار، أي قرار، وهم لم يُستشاروا في أخص خصوصيات حياتهم، أذكر أن أخي الكبير، بعد أن أنهى تعليمه وحصل على بكالوريوس التجارة وعمل محاسبًا بمجلس المدينة، ذهب واشترى حذاءً جديدًا، وكانت الموضة أيامها هي الحذاء المدبب من الأمام، وما أن رآه أبي حتى صاح غاضبًا: ما هذا؟ هذا حذاء للنساء. فقال له أخي: إنه حذاء رجالي وهي الموضة. فما كان من أبي إلا أن حلف بأغلظ الأيمان ان يعود هذا الحذاء للبائع وأن لا يلبسه أخي. طبعًا كانت مشكلة كبيرة أمام أخي لرد الحذاء لأنه لبسه ومشى به.
إذا كنا فعلًا نريد الديمقراطية، فعلينا بالبدء بها في محيط الأسرة، بأن تكون قيادة الأسرة للأب والأم معًا دون تفرقة، بأن يجلس الأب مع أبنائه لأخذ رأيهم في كل كبيرة وصغيرة تخص الأسرة، وأن يترك لكل فرد فيها حرية حل مشاكله الشخصية بنفسه، وأن يأخذ قراراته الشخصية بنفسه ليتحمل نتائجها، وإذا ما احتاج مساعدة أو نصيحة يمكنه أن يذهب لأخذ رأيهما (أحدهما أو كلاهما) في المشكلة دون أن يكون ملزمًا بالأخذ برأيهما، حيث أن رأيهما استشاريًا وليس إجباريًا.
أن تعامل البنت مثل معاملة الولد دون أي تفريق في المعاملة حتى لا تشعر البنت بعقدة النقص منذ صغرها، وأن يلغى أسلوب الضرب القمعي نهائيًا من محيط الأسرة.
أعتقد اننا لو بدأنا بتنفيذ هذه الخطوات العملية في كل أسرة سنؤسس للديمقراطية، وسيتشربها أطفالنا منذ نعومة أظفارهم، وستصبح سلوكًا مغروسًا في سلوكياتهم طوال حياتهم لأنه كما قال الشاعر:
وينشأ ناشئ الفتيان منا / على ما كان عوده أبوه
ولا ننسى أن فاقد الشيء لا يعطيه، فالبنت التي تربت على القهر وتحمل الظلم باعتبارها "ناقصة عقل ودين"وأنها أقل من أخوها الذكر، ستكون فاقدة الثقة في نفسها وفي قدرتها على تحمل المسؤولية، وستخرج لنا أجيالًا مهتزة باعتبارها أم المستقبل، وكذلك الطفل الذي تربي بأسلوب القمع لا بأسلوب الحوار، سيكون عاجزًا في المستقبل على أخذ القرار الصحيح في الوقت الصحيح لأن أباه كان ينوب عنه في أخذ قراراته، ولله ما أروع الإمام "علي"، كرم الله وجهه، حينما قال: "ربوا أولادكم على غير شاكلتكم لأنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم".
هذا هو أول درس من دروس الديمقراطية "الحوار العائلي" وقيادة الأم للأسرة جنبًا إلى جنب مع الأب حيث أنها مسئولية مشتركة بينهما، واعتبار الأطفال أفراد مستقلين، لا أفراد تابعين للأبوين.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :