مصر تحصد نتيجة انتهاكاتها للحريات الدينية
بقلم: منير بشاى
صدر يوم الخميس 28 ابريل 2011 التقرير الامريكى السنوى للحريات الدينية ويغطى الفترة من ابريل 2010 الى مارس 2011 ويوصى لاول مرة بوضع مصر على قائمة الدول الأكثر انتهاكا للحريات الدينية فى العالم والتى تشتمل على السعودية وباكستان وايران والعراق ونيجريا والسودان وتركمستان واوزبكستان واريتيريا وكوريا الشمالية وفيتنام وبورما والصين.
ولجنة الحريات الدينية التى تشرف على اصدار هذا التقرير تم انشائها سنة 1998 عند اقرار قانون الحريات الدينية. ويقوم الرئيس الأمريكى مع الكونجرس باختيار اعضائها. ومسئولية اللجنة تقصى انتهاكات الحريات الدينية حول العالم وادراجها معا فى تقرير يشتمل على توصيات لكيفية التعامل معها ويرسل التقرير الى الرئيس الأمريكى ووزارة الخارجية والكونجرس.
ومن واجبات اللجنة أيضا تقييم أداء الحكومة فى مجال الحريات الدينية. وقد انتقد التقرير الأخير الرئيس أوباما لأنه حتى الآن قد اعتمد على القوائم التى أقرها الرؤساء الامريكيون السابقون ولم يضيف هو لها شيئا. وطالبه التقرير أن يقوم باجراءات واضحة يظهر بها تصميم امريكا الذى لا يتزحزح على ارساء مبادىء حرية المعتقد الدينى فى العالم.
ويناقش التقرير حوادث مخالفات الحريات الدينية فى مصر قبل وبعد 11 فبراير 2011 التاريخ الذى تنحى فيه الرئيس مبارك عن السلطة. ويخلص التقرير الى ان قمع الحريات الدينية ضد الاقليات الدينية فى مصر مستمر حتى بعد تغيير النظام.
والتقرير يتكلم عن حالة الاقليات الدينية فى مصر بصفة عامة مثل البهائية والطوائف الاسلامية الأخرى كالصوفية والشيعية ولكنه يركز بالذات على حوادث العنف ضد الاقباط ويؤكد ان مصر قد فشلت فى ايقاف التحيز والقمع الموجه ضد الاقباط. وأن هذا الفشل قد خلق مناخا عاما يساعد على استمرار هذه الاعتداءات.
ويرصد التقرير ردود الفعل عند الحكومة المصرية ازاء المذابح التى استهدفت الاقلية القبطية وقال ان رد الفعل عادة لا يتعدى مجرد عمل جلسات صلح عرفية لفض النزاع بين المسلمين والمسيحيين. وحذر التقرير ان هذا العلاج للمشاكل يدعو للقلق ويساعد على المزيد من المشاكل. وذكر التقرير ان نفس التحذير تضمنه تقرير وزارة الخارجية عن العام السابق 2009 حيث ذكر ان جلسات الصلح هذه قد منعت النيابة من التحقيق مع مرتكبى الجرائم ضد الاقباط وبالتالى شجعت على ارتكاب المزيد منها.
ويعطى التقرير مثالا على ذلك بحادثة تفجير كنيسة القديسين بالاسكندرية ليلة راس السنة. الذى دعا الرئيس اوباما الى المطالبة بالقبض على المعتدين ومحاكمتهم على ما وصفه بالاعتداء الاثم البربرى، وهذا أيضا ما طالب به تقرير لجنة الحريات الدينية. وقد استجابت الحكومة لهذا النداء وظهر هذا فى عدم حدوث اعتداءات فى لبلة عيد الميلاد 7 يناير 2011.
ويشير التقرير الى ان الحكومة المصرية لم تاخذ الاحتياطات اللازمة فى العام الذى سبقه حيث تم قتل ستة من المسيحيين ومسلم واحد بعد خروج المصليين من قداس عيد الميلاد فى نجع حمادى. وفى الوقت الذى يمتدح التقرير الحكم الحازم الصادر ضد أحد المتهمين فى هذه القضية لكنه يشير الى أن عشرات الاعتداءات على الاقباط منذ 1908 لم تقابل بنفس الحزم.
ويعتقد التقرير ان كل هذه الاعتداءات لم تحدث من فراغ. فالسبب هو ان الحكومة لا تعطى هذه الاعتداءات أولوية خاصة. وما يساعد على تكرار هذه الحوادث ان الاعلام المصري الذى يخضع لاشراف الدولة والمساجد التى تمولها وتشرف عليها الحكومة كانوا طرفا مساعدا على اثارة الجماهير ودفعهم الى ارتكاب حوادث العنف ضد الاقباط.
وكانت مصر منذ 2002 ضمن قائمة الدول تحت المراقبة. ومع ازدياد مخالفات الحريات الدينية فى مصر وفشل الحكومة المتكرر فى وضع الخطة التى تؤدى الى معالجة الاوضاع قد أدى الى أن توصى اللجنة بوضع مصر فى القائمة التى تعتبرها الحكومة الامريكية أسوأ الدول انتهاكا للحريات الدينية.
واذا قبلت الادارة الامريكية هذه التوصية واضيفت مصر الى هذه القائمة فان هذا سيكون له عواقبه الوخيمة على مصر. معنى هذا ان رئيس الولايات المتحدة سيكون ملزما طبقا للقانون الامريكى ان يتخذ اجراء ضد مصر. قد يكون هذا الاجراء فرض عقوبات اقتصادية على مصر أو عمل تغييرات فى القواعد التى تحكم المعونات الامريكية لمصر كتخفيض بعض بنودها أو تحويل جزءا منها الى ميزانية محاربة انتهاكات الحريات الدينية.
واعتقادى أن وراء هذه الازمة التى تواجهها مصرالآن أيام حكم الرئيس مبارك، وحتى بعد تركه للسلطة كانت مصر تنظر الى الحريات الدينية من زاوية مصلحتها الخاصة وتتعامل معها بالطريقة التى تعتقد انها تسبب لها أقل المشاكل وتضمن تمكينها من الاستمرار فى الحكم.
كانت سياسة الرئيس مبارك تعتمد على فرض خطوطا حمراء لجماعات التطرف الاسلامى لا يتعدوها. وترتكز هذه على احترام هيبة الدولة وعدم التعرض لاقتصاد البلد. كان الحرص على هيبة الدولة يجعل الحكومة تتصرف بحزم عندما يحدث اعتداء على مسئول حكومى سواء كان وزيرا أو حتى مجرد شرطيا. وحماية الاقتصاد كان يلزم الدولة ان تتحرك ضد المتطرفين اذا تم الاعتداء على السياح. وفى نفس الوقت كانت الحكومة لا تهتم كثيرا اذا تم الاعتداء على الأقباط. وقد رأينا عشرات الاعتداءات ضد الاقباط وكنائسهم دون محاولات جادة للقبض على المعتدين وتقديمهم للعدالة وفى الحالات النادرة التى وصلت للقضاء كانت عادة تنتهى بالبراءة او الحكم المخفف بل ان كثير من الاعتداءات كانت تنتهى بالصلح الاجبارى وضياع حقوق الاقباط. وكانت الدولة تعتقد ان هذه السياسة كفيلة بحفظ التوازنات من أجل تحقيق السلام فى المجتع.
أما فى المرحلة الانتقالية بعد سقوط النظام فالملاحظ ان الحكومة تتعامل مع المتطرفين برخاوة تاركة لهم الحبل على الغارب. وبالتالى أصبحوا هم الذين يتحكموا فى مقدرات هذا الوطن. وفى معظم الاحوال تضطر الدولة الى التفاوض معهم عن طريق مشايخهم والاستجابة الى مطالبهم.
وهذا التقرير الذى يهدد مصر بفرض عقوبات اقتصادية هو مبتدأ الأوجاع فما هو آت ينذر ان يكون أصعب إلا اذا غيرت مصر سياستها الرخوة والتزمت بالمعاهدات الدولية التى وقعت عليها واتخذت مواقفا حازمة تضمن الحريات الدينية لأقلياتها.
تمنياتى أن تضطلع مصر بمسئوليتها وتصحح مسارها حتى تأخذ مكانها اللائق بها ضمن الدول المتحضرة التى تحترم حقوق أقلياتها خاصة بعد قيام ثورة الشباب التى حازت اعجاب العالم.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :