الأقباط متحدون | شعور بالعار.. واعتذار للأقباط
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٩:٢٦ | الثلاثاء ١٩ ابريل ٢٠١١ | ١١ برمودة ١٧٢٧ ش | العدد ٢٣٦٨ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

شعور بالعار.. واعتذار للأقباط

الثلاثاء ١٩ ابريل ٢٠١١ - ٣٥: ٠٩ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: نبيل شرف الدين
في مدينة قنا أقصى جنوب مصر يحشد السلفيون والمتأسلمون آلاف البسطاء للاحتجاج على تعيين محافظ جديد للإقليم، لسبب وحيد وهو أنه مسيحي، وقطعوا طريق الصعيد السريع، وعطلوا حركة القطارات المؤدية والقادمة من أسوان، ثم حاصروا مبنى المحافظة وأصابوا الحياة هناك بالشلل التام.. ويحاصرني سؤال موجع هل كان المصريون يثورون على مظالم عهد مبارك ليختطف المتطرفون حلم الثورة النبيل، لتدشين "إمارات طالبانية" في ربوع البلاد؟ كم حذَّرنا من هذا ولم يستمع لنا أحد، بل اتهمونا باستخدام الفزاعات.

ويبدو أن أقباط مصر الذين يعيشون "أسبوع الآلام" هذه الأيام، أصبحوا يضعون أياديهم على قلوبهم كلما اقتربت أعيادهم، ففي عيد الميلاد الماضي وقعت مجزرة كنيسة القديسين، وفي أعياد سابقة وقعت مذابح واعتداءات طائفية لا حصر لها، وها هم يستقبلون عيد القيامة بمذبحة معنوية، حين يشعر المسيحي بالغربة في وطنه، وأنه منبوذ ـ ليس فقط من السلطة ـ بل من المتأسلمين أيضًا، ولسان حالهم يقول المثل الشعبي الشهير: "بيت أبونا والأغراب يطردونا".
ومع احترامي للمجلس العسكري الذي يحكم مصر بنظرية "على قديمه"، فإنه يقف الآن عاجزًا عن اتخاذ موقف حاسم لتمكين محافظ أقسم اليمين أمام المشير طنطاوي، فيقيم المحافظ الجديد في الأقصر، بينما تتواصل لليوم الخامس على التوالي اعتصامات أمام مبنى المحافطة يردد فيها السلفيون والقطبيون والإخوان شعارات دينية فجة، تندد بقرار تعيين اللواء عماد ميخائيل محافظًا مطالبين بتعيين محافظ مسلم، كما يهدِّد المتظاهرون بمنع المحافظ الجديد من دخول المحافظة والحيلولة دون تمكينه من القيام بمهام عمله.


لم يحدث شيء كهذا في مصر طيلة تاريخها المعاصر، أن يعترض الناس على مسؤول بسبب دينه، ودعونا من قصة أنه ضابط شرطة سابق، فهناك عشرات من ضباط الشرطة عينوا محافظين في أقاليم أخرى، وهذه ذريعة أو أكذوبة يرددها أبواق السلفيين، الذين هم صنيعة جهاز أمن الدولة المنحل، وهذا أمر يعرفه القاصي والداني، أن جهاز الأمن أفسح لهم المجال ليضرب بهم الإخوان، لكن كما يحدث كل مرة أن من يخرج "العفريت" من القمقم لا يستطيع صرفه، لينقض عليه وعلى الجميع، كأن التاريخ يعيد نفسه، وكأننا أمة لا تتعلم من أخطائها منذ استعان السادات بالإخوان فقتلوه، واستعان مبارك بالسلفيين فانقضوا على نظامه وأهانوه كما لم يحدث لأي حاكم في مصر منذ عهد المماليك.
صدقوني لأول مرة في حياتي أشعر بالعار أن يحدث هذا السلوك المتعصب العنصري من أبناء جلدتي المصريين المسلمين، وأن يكون تقييم المسؤولين على هويتهم الدينية، وليس على أساس الكفاءة والنزاهة.


فعلى صعيد الكفاءة والنزاهة فالمحافظ الجديد اللواء عماد خليل ميخائيل ضابط شرطة له تاريخ مهني مشرف، إذ لم يثبت بحقه مجرد اتهام واحد بإساءة معاملة الناس، ولم يتورَّط في قضية فساد، ومن لديه دليل على تهمة للرجل فليقدمه الآن، أتحداهم فقد سألت عنه ضباطًا كبارًا سابقين وحاليين وجميعهم قالوا في حقه شعرًا، ووصفوه بدماثة الخلق وسعة الصدر ونزاهة السلوك، والمثير في الأمر أنه أحد أبناء قنا، وعمل في عدة أقسام بالقاهرة منذ تخرجه في كلية الشرطة حتى أصبح مأمورًا لقسم الهرم وعندما رقي إلى رتبة العميد عمل مساعدًا لمدير أمن الجيزة ثم مديرًا لأمن الجيزة لقطاع الغرب والتي تضم مناطق 6 أكتوبر والهرم والعمرانية وكرداسة.
كل هذا التاريخ المهني الذي لا تشوبه تهمة واحدة بالفساد أو استعمال القسوة ضد أي مواطن لأكثر من ثلاثة عقود، لم تشفع له عند المتأسلمين "خوارج هذا الزمان"، الذين تحوَّلوا من مداهنة نظام مبارك إلى دعاة خروج على الحكم والحكام، وكما حذرنا مرارًا أن بين السلفية المدرسية "المدجَّنة"، والسلفية الجهادية الداعية للعنف مجرد شعرة، انقطعت مع حالة الانفلات الأمني الذي تشهدها مصر الآن، وبعد أن كنا بين خيارين كلاهما مر، فإما أن نقبل فساد حزب مبارك ونجله "الوطني" الحاكم سابقًا، أو نقبل حكم الإخوان المسلمين، أصبحنا بحمد الله تعالى ـ الذي لا يُحمد على مكروه سواه ـ مخيّرين بين حكم الإخوان والسلفيين والجهاديين الذين تلطّخت أياديهم بدماء الأبرياء.


إلى أين يمضي بنا هؤلاء الأشرار المتحولون؟ سألت نفسي وجميع من أتوسَّم فيهم الحكمة والإخلاص لوحدة الوطن، لتكون الإجابة واحدة مفادها أننا بصدد حمامات دم، واقتتال طائفي، وقتل على الهويَّة، تمهِّد لحرب أهلية تنتهي بتقسيم أوصال مصر، ليس فقط بين مسلمين ومسيحيين، بل بين متصوِّفة وسلفيين، ونوبيين وعرب، وإخوان وليبراليين.. بينما حائط الصدِّ الأخير ـ قواتنا المسلحة ، في مأزق حقيقي، لم يعد بوسعهم سوى تطبيق نظرية "ما يطلبه المحتجون"، فلن يكون غريبًا أن يحتج البعض على تعيين سيدة مديرة لشركة أو هيئة حكومية، لأنه برأيهم "لا ولاية لامرأة"، بل ستتدحرج الأمور لتكوين ميليشيات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبالمناسبة هذا يحدث في بعض الأحياء العشوائية بالقاهرة، وفي بعض مدن وأقاليم مصر، بينما يتعاظم نفوذ هذا التيار الفاشي على نحو متبجِّح، ويتحدث مشايخهم عن "غزوات الصناديق"، ويقطع غلمانهم أذن مسيحي، ويأخذ العوام والدهماء الناس بالشبهات، في وقت تغيب فيه السلطة العامة، فيفشل وزير الداخلية منصور العيسوي في إقناع أبناء بلده "قنا" بقبول المحافظ الجديد!
مرة أخرى.. لا أدري إن كان ينبغي أن أهنئ أهلي الأقباط المسيحيين بالعيد، أو أعزيهم في كرامتهم ودمائهم التي سالت وتسيل ولن تتوقَّف كرة النار التي راحت تتدحرج في كل مكان على أرض مصر.


المؤسف في الأمر أن تعيين محافظ قبطي يكون عادة عبئًا على الأقباط، لأن هذا المحافظ يريد طيلة الوقت أن يثبت للسلطة والشارع أنه ليس طائفيًّا، وبالتالي لا ينتصر لأي مظلمة تخص المسيحيين، بل ربما يزايد على المتأسلمين فيمعن في ظلمهم، وتجاهل مشاكلهم حتى يرضى عنه هؤلاء المتعصبون الطائفيون، الذين لا سبيل للتعامل معهم إلا على طريقة "المهلب ابن أبي صفرة"، ويمكنكم أن تبحثوا في محرك البحث عن تاريخه في قمع الخوارج، ويبدو أننا في مصر صرنا في أمس الحاجة لشخص كالمهلب ليوقف الخوارج الجدد عند حدهم، ويلقنهم درسًا في احترام الآخرين بسيف القوة، فهؤلاء لا يحترمون سوى الأقوياء، وأن الدول لا تقوم وتنهض على طريقة "ما يطلبه المستمعون"، وإلا فالشقاق بين أبناء الأمة سيتسع، ويصل الأمر للاقتتال الأهلي، الذي يؤدي لتقسيم البلاد، لنعود إلى عصر ما قبل مينا (موحد القطرين)، وحينها لا تستبعد أن تنتهز قوى إقليمية الأمر لاحتلال سيناء، أو تحويلها لوطن بديل للفلسطينيين، كما سربت هذا السيناريو بعض دوائر اليمين الإسرائيلي هذا الأمر منذ سنوات، وها هي الفرصة باتت سانحة بفعل حماقة المتنطعين، الأخسرين أعمالاً، ممن ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا.


بكل خجل.. أشعر بالعار مما يجري على أرض مصر من بعض أبنائها المسكونين بالطائفية والعنصرية والتطرُّف، ولن أهنئ أهلنا الأقباط بالأعياد، ولن أواسيهم، بل أعتذر لهم عما فعله ويفعله السفهاء منا.. وليس من أمل في الأمر إلا وجه رب كريم عادل، لن يرضيه بالتأكيد أن يمكن للمتاجرين بالدين من أقدار البلاد والعباد.
فصبر جميل.. والله المستعان على ما يصفون.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :