منارة مضيئة (الأب متي المسكين)
بقلم: نشأت عدلي
تمر السنين وتجري بنا.. يختفي منها أشخاص ويظهر أشخاص آخرون، ولكن تظل هناك أقوال وكتابات كمنارة مضيئة تظلل على كل هؤلاء.. يستضيئون بها وينهلوا من مبادئها.. ربما يحيد البعض عنها أو يحوّر من معانيها لصالحه، أو حتى يشكك في صدقها.. ولكن تظل دائمًا المبادئ الأصيلة كما هي مهما مرّ عليها الزمن.. وفي زمن نحار فيه من كثرة التخبطات والإفتائات، نجد أنفسنا تلقائيًا نرجع إليها ونستشهد بها بدون مكابرة..
لسنا هنا بصدد مدح أو نقد أشخاص.. ولكننا ننظر إلى المستقبل باستلهام الماضي المنير، خاصةً إذا كانت هناك مبادئ ثابتة لا تتغيَّر في منهجها. ولكننا دائمًا نحاول أو نغيِّر في أسلوبها ونمحورها بحسب أهوائنا لتتناسب مع أشياء كثيرة من وجهة نظر الذين ينتهجونها.. ومن الملفت للنظر أن كتابات هذا القديس لازالت منهجًا سخيًا لكل قارئ ولكل باحث في جميع المجالات، وإلى هذه اللحظة هناك الكثير الذي لم ينته من أبحاثه ودراساته عن هذا الرجل برغم مرور خمس سنوات على انتقاله.
كانت كتاباته تحمل رؤية مستقبلية، وكأنه يكتب بعيون مفتوحة يري المستقبل واضحًا.. بل وأكثر من ذلك، أن ترتيبه للأحداث هي هي ما تحدث الآن!!.. وكأن صورة المستقبل واضحة أمامه من الأحداث اليومية، ومن رؤيته وتحليله للمواقف والأفكار التي يقارنها بدستور المسيحية الثابت..
وهذا شئ طبيعي.. فالثابت يُقيّم المتحرِّك.. ومن المعروف لعامة الشعب أن هناك حراك كنسي كبير قد حدث.. وبمقارنة هذا الحراك بقوانين الكنيسة الثابتة، نجد أن هناك الكثير من الحيد عن هذه القوانين.. ويترجم البعض هذه الحيدة بأنه يجب علي الدين مجارة العصر الذي يعيش فيه.. وهذا تبرير خاطئ جدًا.. لأن الله هو هو لا يتغير، وبالتالي مبادئه وقوانينه.
الأب "متى المسكين" التصق بالله وبرهبنته بشدة.. ولم يقبل أي منصب سوى وكيل البطرك في "الإسكندرية"، ولم يستطع أن يبعد عن الدير كثيرًا، فتركها إلي الدير عائدًا لشوقه ولهفته على الوحدة التي عشقها كثيرًا. لأن الرهبنة بالنسبة له لم تكن وسيلة بل هدف يسعى إليه دائمًا.. وكان الإنجيل دستور حياته.. ومن عشقه للإنجيل ترك العالم، وغاص مع كل شخصية من شخصيات الكتاب المقدس، وعاش معها، وأخرج لنا الكثير من المعاني التي كانت غائبة عنا.. وفي كتاباته عن كل شخصية في الكتاب، تشعر أن هذه الشخصية هي التي تتكلَّم عن نفسها وعن تجربتها.. تشعر أن روحك تسمو مع كل كلمة من كلماته، وتنقلك إلى عالم أسمى من الألفاظ والكلمات.. تدخل إلي داخل قلبك وتوخز ضميرك وتستولي على كل مشاعرك، وتغيِّر كل ما بداخلك..
الأب "متى المسكين" أقرّ بأنه لم يقرأ أية كتب في الأدب، ولم يكن أديبًا ليكتب لنا كل هذه الكتب القيمة.. ولكن كل كلمة مكتوبة فى جميع كتبة هي عبارة عن مجموعة خبرات روحية عميقة، ومن هذه الخبرة الروحية كانت تخرج لنا الرؤية المستقبلية عن كل الأحداث، برغم قدم كتابتها، وكأنه كان يكتب وهو مفتوح العينين.. وهذا هو الفكر الروحاني..
هذا الفكر المستنير، قد أخرج لنا أجيالًا من الرهبان متأثرة كثيرًا به وبتعاليمه، وتتلمذوا على هذا الفكر. وبرغم أن البعض لا يصرِّح بهذا، ولكننا نجد أن كل إرشاداتهم ووعظاتهم مملؤة كثيرًا من هذا الفكر الروحاني العميق.
قصة الأب "متى المسكين" مع الرهبنة تدل على مدى وضوح الهدف أمامه.
جميلٌ الكلام عن هذا الرجل.. ولن ينتهي الكلام عنه أبدًا.. فهكذا كل الأنقياء..
لقد عاش طيلة حياتة راهبًا، وقد تنيَّح وهو راهب وبأسلوب راهب.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :