أقباط المهجر لا يرون تغييرًا بعد الثورة والكنيسة تريد المساواة
بعضهم يطالبون بقيام دولتهم المدنية في مصر بحكم ذاتي
لا يرى الأقباط المصريون في المهجر أن ثورة 25 يناير قد أحدثت تغييرًا فعليًا، ويطالب بعضهم بإعلان دولة دينية للأقباط في مصر أو ما يسمى بحكم ذاتي للأقباط. في حين ترى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في واشنطن أن "وحدة الوطن وحق المواطن في بلده هي الأهم، معتبرة أن "إعلان قيام دولة دينية قبطية، يسهم في تفتيت وحدة البلد وهذا مرفوض، فالأقباط هم من نسيج المجتمع المصري ومواطنون من الدرجة الأولى".
واشنطن: لا يتواني أقباط المهجر وخصوصًا في أميركا، في كل حادثة تثار بين الأقباط والمسلمين في مصر عن التذكير بقضية الإضطهاد الديني التي يعاني منها أقباط مصر منذ ثورة 1952. الثورة التي غيرت وضعهم السياسي، فأصبحوا بعدها مهمشين سياسيًا على مدى 50 عامًا، فحرموا من تولي المناصب القيادية في المجال السياسي والقضائي والأمني والإعلامي والعسكري، إلا في ما ندر. بعد أن كانوا يتمتعون بقدر جيد من المشاركة في الحياة السياسية والإجتماعية، وعلى قدر جيد من المساواة مع المسلمين في الحقوق والواجبات وشركاء في الوطن. وهو ما أدى إلى تنامي شعورهم بالإضهاد الديني، خصوصًا أن الثقافة الدينية التي عاشها المجتمع على مدى عقود طويلة أوجدت شرخًا بين المسلمين والمسيحين وعمقت الإحساس بالتفرقة على الأساس الديني، مما زاد من حدة التوتر الطائفي بين الطرفين، بل وكانت عود الكبريت الذي من شرارته تندلع أعتى الحوادث الطائفية في الصعيد والمحافظات.
كل ذلك أدى إلى هجرة الكثير من الأقباط المصريين إلى أميركا وإتخاذها وطنًا بديلاً لهم، لكنها لم تنسيهم وطنهم الأم وشعورهم بالمرارة تجاه ما يعانيه الأقباط في مصر على حد زعمهم. مما حذا بالكثير منهم لإنشاء منظمات حقوقية تنادي بحماية أقباط مصر وتنظيم تظاهرات عقب كل حادثة للتنديد بما يحدث للأقباط في مصر. بل أن بعضهم ذهب للمطالبة بإعلان دولة دينية للأقباط في مصر أو ما يسمى بحكم ذاتي للأقباط.
في ثورة 25 يناير التي عصفت بمصر إستطاعت وحدة الإنتماء الوطني توحيد صفوف الشعب المصري بكل أطيافه مسلمين وأقباط في مواجهة الأحداث متناسين خلافاتهم. وتوقع الجميع إنتهاء حدة التوتر الطائفي بين الطرفين مما أعطى الأمل للجميع بالتغيير. لكن يبدو أن التراكمات الفكرية القائمة على أساس ديني متعصب استطاعات التغلب مرة أخرى على وحدة الإنتماء الوطنى. فمع المشكلة الاجتماعية الأولى الي حدثت في إحدى قرى الصعيد تفجر الوضع بين الطرفين حتى وصل الأمر إلى حرق دور العبادة. وهو ما استنكره الجميع وما أثار حفيظة أقباط المهجر الذين يتمسكون بمطالبهم.
الأشخاص تغيروا والسلطة بقيت
التقت "إيلاف" موريس صادق رئيس الجمعية الوطنية القبطية للتغيير ومنظمة كميل الدولية من أجل يسوع وقناة الحقيقة المسيحية ومنظمة آستاند آب أميركا وقناة الطريق المسيحية بولاية نورث كارولينا، وكان حديث حول مفهوم الدولة القبطية التي يطالب بها أقباط المهجر كحل عادل لقضيتهم.
يؤكد صادق أن مفهوم الدولة القبطية التي ينادي بها أقباط المهجر أن تكون دولة مدنية ذات حكم ذاتي، فتكون هناك حكومة خاصة للأقباط تشكل من وزراء أقباط وحكومة مركزية ذات كيان سياسي للأقباط ويعيش الأقباط في كل أنحاء مصر تابعين لحكوتهم التي تدير شؤونهم، وتكون مكونة من قضاة وضباط وأقسام شرطة ومحاكم خاصة بقضايا الزواج لديهم وسلطة تشريعية تسن القوانين الخاصة بهم وسلطة تنفيذية لتنفيذ القوانين، وعندما يخطئ القبطي يحاكم أمام محاكم وقضاة أقباط وتطبق عليه القوانين المسيحية، وعند الزواج والطلاق تطبق القوانين المسيحية أمام المحاكم القبطية.
ولا يتوقع المستشار القانوني والعضو في نقابة المحامين الأميركية أن يتنازل أقباط المهجر عن مطلبهم في الإعلان عن دولتهم بعد قيام ثورة 25 يناير، وذلك أن شيئًا لم يتغير حتى الآن في ما يخص الأقباط في مصر. فلا يزال التمييز الديني تجاههم قائمًا، وما حدث لا يعدو عن كونه إنقلاب عسكري ذو صبغة إسلامية. مستدلاً على ذلك بما حدث قبل أسبوعين بين المسلمين والأقباط في إحدى قرى الصعيد وأدى إلى حرق كنيسة ومقتل أشخاص من الطرفين، لافتًا إلى تباطؤ الجيش في القبض على الفاعل، ثم ضرب المعتصمين المسيحين أمام ماسبيرو لفض اعتصامهم بالقوة. وأشار إلى أن المجلس العسكري الذي يحكم قبضته على البلاد كل ضباطه من المسلمين ولا يوجد بينهم مسيحي واحد، وحتى بعد الثورة لا يلعب المسيحيون أي دور في المجلس العسكري، ويقول: "الأشخاص هم من تغيروا بعد الثورة، وبقي شكل السلطة الحاكم والمجلس العسكري بالمفهوم السائد نفسهم. وحتى الآن لم نلمح التغيير والتطوير فيهما".
ويحمل صادق عهد جمال عبد الناصر ووصول الإخوان المسلمين إلى السلطة بعد ثورة 1952 أسباب بداية الإضطهاد الديني الذي عاشه الأقباط في مصر على مدى خمسين عامًا. حيث تمت تنحية أعداد كبيرة من الوزراء المسيحين من مراكزهم التي كانوا يشغلونها في عهد الملكية. لافتًا إلى أنه "في عهد الملك فاروق الذي كانت فيه مصر محتلة من الإنكليز عومل الأقباط بطريقة أفضل. فكانوا على درجة من المساواة مع إخوانهم المسلمين في مصر. فلم يكن هناك أي تربة للطائفية وكانت مقولة عاش الهلال مع الصليب غالبًا ما تردد" على حد تعبيره.
ويرى صادق أن إقرار التعليم الديني في المدارس بعد ثورة 1952 أحد أقوى الأسباب التي أدت إلى وضع بذرة التعصب الديني الذي يرى بأن المسيحيين كفار وجب قتلهم، وهو ما أوجد جوًّا من التمييز الديني، وساهم كثيرًا في تأجيج الإضطهاد الديني ضد الأقباط في مصر. لذا فقد اعتبر أن إلغاء مادة التربية الوطنية وإحلال مادة التربية الدينية الإسلامية والمسيحية كان من أسباب الكوارث الطائفية. فالمعروف أن التربية الوطنية كانت مقررة قبل ثورة 1952، ودورها تعميق الشعور بالإنتماء الوطني تجاه الوطن وحب الوطن دون التطرق إلى الدين، فكل له دينه وكل عليه دور تجاه الوطن وهو ما يحاسب عليه.
كما طالب صادق في الوقت ذاته بإلغاء المادة الثانية في الدستور المصري كونها تضر كثيرًا بالمواطن المسيحي في مصر، فهي تستند إلى أن تكون مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع. فهي من جهة لا تقبل شهادة المسيحي في المحاكم. ولا يمكن تعيينه في الوظائف العليا طبقًا للشريعة الإسلامية، داعيًا لإلغاء خانة الديانة من البطاقة التي على أساسها يتم التعامل في الدولة.
من جهتها، تقول نوال بخيت وهي مصرية مقيمة في واشنطن: "يجب سن قوانين في الدستور تحترم دور العبادة ورجال الدين وتحرم التطاول عليهم أيا كانت الديانة، فجميعها بيوت الله ومن يقترب منها يقدم للمحاكمة ويتم عقابه بمدة لا تقل 25 عامًا"، وكانت دور العبادة في مصر تتعرض أحيانًا للهجوم من قبل بعض المتشددين الذين غالبًا ما يكونون من أهل المنطقة عقب الحوادث الطائفية التي تحدث.
الدولة الدينية تسهم في تفتيت وحدة الوطن
في سياق متصل كان لا بد من التعرف على موقف الكنيسة القبطية في المهجر الأميركي من المطالب التي تنادي بها المنظمات القبطية المتعددة، فقال عادل المسيح المسؤول الإعلامي في كنيسة سانت مارك القبطية الأرثوذكسية في واشنطن أن الكنيسة تهمها وحدة الوطن وحق المواطن في بلده، معتبرًا أن "إعلان قيام دولة دينية قبطية، يسهم في تفتيت وحدة البلد وهذا مرفوض، فالأقباط من نسيج المجتمع المصري ومواطنين من الدرجة الأولى".
لذا اعتبر أن أهم مطالب الكنيسة هو البقاء على مصر موحدة مع الحفاظ على حقوق الأقباط، وأن يكون هنالك توزيع عادل للثروات والمناصب على المسملين والمسيحين على حد السواء، مع التساوي في الحقوق الإنسانية دون تمييز ديني في ظل دولة ديمقراطية مدنية علمانية لا تقوم على أساس ديني، فالدين لله والوطن للجميع. وأن يتم إعادة صياغة المادة الثانية في الدستور المصري بحيث يتم تطبيقها على المسملين فقط. وأن تطبق كل ديانة قانون الأحوال الشخصية الخاص بما يتناسب مع مرجعيتها الدينية، مع إصدار قانون ينص على احترام دور العبادة وعدم التعرض لها من الطرفين. مع السماح للأقباط بالمشاركة في الحياة السياسية ودخول سلك الجيش والشرطة كونهم جزء من نسيج المجتمع المصري وليسوا دخلاء عليه.
وغالبًا ما استعان أقباط المهجر بالغرب والأميركيين مما رسخ في وجدان المصريين بأنه نوع من الغطرسة والإستقواء بالغرب. وكثيرًا ما شكك في وطنيتهم تجاه بلدهم مصر، ويقول عادل المسيح "أقباط المهجر لا يقلون وطنية عن المصريين الذين يعيشون على أرض مصر. لكن من روج لهذا الإدعاء هو النظام السابق، للتشكيك بمصداقيتنا"، مضيفًا أن اقباط المهجر مارسوا حقهم الطبيعي كمواطنين أميركيين واتبعوا الطريق القانوني للمطالبة بحقوقهم ولهم الحق في استخدام من يمثلهم في الكونغرس الأميركي للمطالبة بتلك الحقوق.
وعلى الرغم من مطالب الأقباط المستمرة في إدخال التعديل على الدستور خصوصًا المادة الثانية منه، إلا أن الكنائس الأربعة طالبتهم بالمشاركة بـ"لا" للتعديلات الدستورية خلال الإستفتاء. وهو ما دعى إلى التساؤل ويقول عادل المسيح عن ذلك: "نحن نريد تغيرًا حقيقيًا جذريًا وليس ترقيعًا للدستور. التعديلات في الوقت الحالي كما نراها لن تسهم في التغيير بل ستبقي الدستور كما هو لكن بصياغة جديدة لبعض المواد الموجودة. ولن تعطي فرصة في بناء مجتمع مدني ديمقراطي قائم على تعددية الأحزاب. بل ستبقي على هيكلة النظام السابق وستعطي الرئيس القادم صلاحيات مطلقة ونائب رئيس ويتم تشكيل مجلس الشعب الذي قد لا يتوافق من قبل أطياف المجتمع المصر".
وفي هذا الإطار، تقول شيرين عز المقيمة في نيوجرسي: "مصر ليست حكرًا على أحد، إنما هي لكل المصريين مسلمين وأقباط لا أتخيل أن يكون هناك دولة أخرى مصرية للأقباط. لكن نريد أن نعيش بكرامة في بلدنا نتمتع بالحقوق الإنسانية كافة التي يتمتع بها إخواننا المسلمين. ونأمل أن يكون التعديل في الدستور لصالح قضيتنا مما سيعطينا الأمل بأن التغيير حدث."
ويتمنى عادل المسيح بأن تكون ثورة 25 يناير، ثورة حقيقية حققت أهم أهدافها وهو التغيير الذي قامت من أجله. فيتم الإصلاح السياسي والدستوري الشامل القائم على مبدأ ديمقراطي مدني وليس على أساس ديني. مما يعطي الجميع حق المواطنة على السواء دون النظر لخانة الدين ونشر ثقافة المحبة والتسامح بين الناس وتطوير البرامج التعليمية الدينية التي لا تربي ثقافة التفرقة على الأساس الديني، وأن يتم صياغة شمولية للدستور.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :