الأقباط متحدون | التحوّل الروحاني
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٦:٥٧ | الجمعة ١١ مارس ٢٠١١ | ٢ برمهات ١٧٢٧ ش | العدد ٢٣٢٩ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

التحوّل الروحاني

الجمعة ١١ مارس ٢٠١١ - ٢٥: ٠١ م +03:00 EEST
حجم الخط : - +
 

بقلم: رندا الحمامصي
السيكولوجية الروحانية ترمي إلى رفع مستوى الحالة عن كونها سيكولوجية عضوية حيوية "biopsychological" إلى خلْقٍ روحاني جديد في الإنسان، وبالتالي تأسيس مدنية روحانية. ومع أن الشخص الروحاني هو الذي يتسامى فوق المرتبة البيولوجية والسيكولوجية (الجسمانية والنفسية)، نجد أن السيكولوجية الروحانية لا تتجاهل هذه المرتبة الخاصة بجوانب الحياة ولا تقلل من قيمتها، بل إنها ترتفع بها وتسمو إلى عالم الروحانية، عالم التنوير والمعرفة والحقيقة، عالم المحبة والوحدة والتعاون والإرادة والمسؤولية والخدمة. فالتحوّل الروحاني من شأنه أن يفتح الآفاق أمام الإنسان حتى يعيش في إطار القيم المطلقة للصدق (الحقيقة) والوحدة والخدمة. ولذلك فإن كل واحد منا إذا أراد أن يكون نفساً متكاملةً عليه أن يبحث عن حقيقة ما حوله وما يتصل به، وأن يكون صادقاً أميناً جديراً بالثقة ولا يكذب على نفسه أو على الآخرين. فمقدرة الإنسان على خداع نفسه مقدرة هائلة، ولذلك فإن مجهوداتنا في اكتساب المعرفة الذاتية والبحث عن الحقيقة يجب أن تكون بنفس القدر من تلك القوة الهائلة أو تزيد.
  
  والحال نفسه ينسحب على الوحدة. وحيث إن الوحدة هي ثمار المحبة، والمحبة ضرورية للحفاظ على الحياة، فلا خيار أمامنا سوى أن نكون رسلاً للوحدة. ففي كل كلمة وكل عمل ومع كل هدف يجب أن نشير إلى شيء واحد لا غير وهو تأسيس مستويات أعلى من الوحدة بين جميع المخلوقات دون استثناء، وبدونها ستكتنف حياتنا، أفراداً وجماعات، صعوبات جمّة. وحتى نكون رسلاً أُمناء للوحدة علينا أن نتعلم كيف يكون ارتباطنا بالآخرين بأشكال لا تحيد عن العدل المطلوب، وهو ما يدعونا بالتالي إلى ضرورة السعي الجادّ في تحقيق المساواة في كلّ علاقاتنا.

    وأخيراً فإن عملية التحول الروحاني تتطلّب منا خدمة بعضنا البعض بكل سرور وإقبال، حتى أن علينا أن نكون على قدْر من النّضج يجعلنا نفضِّل الغير على أنفسنا، ليس من منطلق كونه عملاً جيداً أو أخلاقياً، بل من الإيقان بأن خير الفرد يكمن في خير الكل في سياق عالم موحّد. في وضع كهذا من العلاقات الإنسانية المتبادَلة لا مكان للمنافسة والتعصب والظلم. فالخدمة، بما تعنيه الكلمة من إحساس في أوسع مداه، ستتربّع على رأس كل شيء في حياتنا الفردية والجماعية على السواء.

    فالتحوّل الروحاني إنما هو عملية مستمرة من الموت وبعث الحياة من جديد، إذا جاز لنا التعبير، في مستويات أعلى من الوعي والإدراك والعمل. فهو يدعو إلى قتل جموح شهواتنا والترفُّع عن الشؤون المادية ونبذ الظنون والأوهام إلى مستوى أعلى لا يُفقِدنا الشعور بالسرور حتى في الأزمات الطارئة المفاجئة. فالموت، الذي يهابه الناس، إنما هو عنصر ملازم وحاضر دوماً في الحياة. ففي مستهلّ حياتنا نمر بميتاتٍ عدة، وعالم اليوم غافل عن حقيقة الموت ويتنكّر له، ولا نُدخِل عادة في حساباتنا تجارب نعتبرها أقل درجة من الموت في حياتنا اليومية. نرى الأطفال يكبرون ثم يغادروننا، والأصدقاء ينتقلون إلى أماكن بعيدة، نفقد عزيزاً علينا، أو ندخل في تجربة طلاق، نعاني من الفشل ونَبْذ الآخرين لنا، نقرأ في الصحف اليومية أخبار القتل، ونسمع بالآلاف الذين أُبيدوا بسبب حروب إقليمية لا تدخل في باب "المنطق" الإنساني. كل ذلك نماذج للموت تبرز في حياتنا ولا نأبه لها كثيراً، إلا أننا نعاني من تبِعاتها وتبِعات تجاهلنا لها، فنلجأ إلى إغلاق قلوبنا وعقولنا. هذه هي أقصى نتائج خوفنا من الموت وثمرة الإعتقاد بأن الحياة تنتهي في هذه الأرض. فبانغلاق عقولنا وقلوبنا لن يبقى مجال للمحبة أن تنمو أغصانها، ولا للحقيقة أن تُشرق أنوارها، أو للخدمة أن تأخذ طريقها. في تلك الظروف يتعاظم اللُّهاث وراء السلطة والنفوذ ويترعرع حكم الظلم والإستبداد.

    حين تقرأ هذه الكلمات قد تأخذك رهبة الموقف، وفي الوقت نفسه قد تعترض على التحوّل الروحاني بحجة أنه مطلب شاقٌّ جداً يصعب تحقيقه في واقع الحياة. نعم إنه مطلب صعب وشاق لأنه يتطلب قدراً كبيراً من الشجاعة والإنتظام والإنضباط وعدم الإنجراف وراء المشتهيات النفسية التي تشدّنا إليها مغريات الدنيا في كل وقت. فالشجاعة مطلوبة لأن الرحلة موحشة ومخيفة؛ في كل منعطف فيها نزوة مخفية تبرز فجأة وتشدك إليها بقوة؛ ورغبة تأتيك من اللاوعي وتدعوك للجنوح نحو المحرمات؛ وهناك صعوبات ومشاكل لا حلّ لها سوف تلازمك. في كل ذلك تلزمنا الشجاعة التي نكتسبها من إيماننا بالهدف وتشجيع الذين من حولنا. فبهذه الطريقة من العلاقة المتبادلة في توفُّر الشجاعة وعوامل الحفز والتشجيع يجب أن يكون الأمر ضمن نطاق الأسرة، وبين مجموعة الأصدقاء، والشركاء العاملين. فلو نظرنا إلى المعالجة النفسية ذاتها لوجدنا أن العلاقة المشجِّعة التي تنشأ وتنمو مع المعالِج هي التي تبعث فينا الشجاعة والإقدام. لقد تمّ التطرّق إلى الإنتظام والإنضباط ودوره في جميع إنجازاتنا، ويكفي أن نذكر هنا أن أي إنجاز بشري خلاّق لا يمكن تحقيقه إلا في ظل ضبط النفس والإنضباط.

   وأخيراً ضرورة الإنقطاع وعدم التعلُّق بالشؤون المادية، وهو ما يمكن أن يكون الأكثر أهمية. نميل في حياتنا إلى التركيز على نيل استحسان الآخرين. ففي مجتمع قائم على الزيف والتقليد وروح التنافس والجري وراء كل بِدعة قائمة مقبولة، سيشعر الذين يختارون طريق التحوّل الروحاني أنهم غرباء في مجتمعهم، عليهم في تلك الحالة ألا يلتفتوا إلى استحسان الآخرين أو تهكّمهم، ولا يجوز أن يدخل هذا في اعتبارهم. ولا يعني هذا انعزالهم عن المشاركة في النشاطات الحيوية في المجتمع، بل بالعكس فإن الإنقطاع عن الشؤون الدنيوية المادية يمنحهم الحرية الضرورية لأن يتصرفوا بطريقة تجعل أسلوب حياتهم مقنِعاً للغير، وأن يمنحوا الآخرين محبتهم غير المشروطة، ويخدموهم خدمة لا تنتهي بتوقُّع مكافأة أو انتظار مثلها.
   
وبالإختصار، فحتى نفوز بالتحول الروحاني فإننا بحاجة إلى التركيز على: كيف يمكن لنا أن نحقق حياة تتصف بفضائل الصدق والوحدة والخدمة. وحتى نضع أنفسنا في بداية الطريق علينا أن نُبقي أبواب قلوبنا وعقولنا مشرعة أمام المسائل الروحانية على الدوام. علينا أن نربي أطفالنا ونُنشِئهم في ظل فضائل الصدق والوحدة والخدمة. فكل الآباء يغرسون في نفوس أولادهم قِيَماً محددة، وفي صلب هذه القِيَم يجب أن يكون الصدق والوحدة والخدمة. فجيل ينشأ ويترعرع في ظل هذه الفضائل لا شك أنه سيؤسس عالماً يختلف عن عالمنا الذي أقمناه.
   
ومع ذلك فإن هذه القيم، مثل باقي القيم الإنسانية الأخرى، تحتاج إلى احتضان وتغذية ورعاية دائمة طيلة لحظات عمرنا. من هنا تكتسب العبادات الدينية الروحانية أهميتها الخاصة في هذا المجال، ومن بين أهمها الصلاة والدعاء والتأمل والتفكُّر ثم الصيام والإنضباط الذاتي والقيام على الخدمة والتضحية من أجل الآخرين.(من كتاب-سيكولوجية الروحانية)

ونتابع معاً أهمية الصلاة والدعاء والتأمل في المقال القادم............. تحياتي




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :