الأقباط متحدون | بعد"مبارك"
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٠:١٩ | الاثنين ٧ فبراير ٢٠١١ | ٣٠ طوبة ١٧٢٧ ش | العدد ٢٢٩٧ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

بعد"مبارك"

الاثنين ٧ فبراير ٢٠١١ - ٤٩: ٠٢ م +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: منير بشاي
 بات مؤكدًا أن نظام الرئيس"مبارك"الذي ظل يحكم"مصر"بقبضة من حديد خلال الثلاثة عقود الماضية، أوشك على الانهيار. لم يكن أحد يتصور أن يحدث هذا بهذه السرعة العظيمة. فمنذ بضعة أسابيع كان السيناريو لمستقبل الحكم يتركز غالبًا على إما أن يورث الرئيس"مبارك" الحكم إلى ابنه"جمال"أو أن يرشح نفسه لولاية سادسة. ولم يتصور أحد أن رياح الثورة العاتية التي اجتاحت"تونس"وأطاحت برئيسها ستصل إلى"مصر"بنفس القوة لتعمل نفس الشيء.

 وفى الخامس والعشرين من يناير قامت ثورة الشباب مستعينة بالتقنيات الحديثة ليجمعوا عشرات الآلاف من نظرائهم في مظاهرة قوية في ميدان التحرير. ونجح هؤلاء الشباب في جعل النظام العنيد ينصت لهم بل ويقوم بتغييرات كثيرة كان يقاوم عملها على مدى طويل. فظهر الرئيس"مبارك" ليقدم تنازلات جوهرية مثل تعيين نائب رئيس له، وإقالة الحكومة، وإعلان أنه لن يرشح نفسه لفترة رئاسية سادسة أو يورث الحكم لابنه.
 
 كل ما طلبه الرئيس"مبارك"أن يُترك حتى تنتهي ولايته الحالية وحتى تنتقل السلطة إلى الحكومة المقبلة بكيفية سلمية سلسة. ولكن الجماهير رفضت حتى هذا المطلب الصغير غير مطمئنين لما قد يحدث لهم أن تركوا المكان وعادوا إلى بيوتهم. بل أن البعض ازداد تشددًا وطالب بتنحيته الفورية والبعض الآخر طالب حتى بمحاكمته. وبدا واضحًا أن هذه الجماهير قد استعذبت النصر المبدئي وازدادت شهيتهم للمزيد من المطالب.
 ولكن الرئيس"مبارك"ومعه أعوانه المخلصين له يقاومون مطلب الرحيل الفوري ويعز عليهم أن ينهى الرئيس"مبارك"تاريخه الحافل بهذه الطريقة المزرية، وهو الذي خدم بلاده على مدى 60 عامًا  كضابط متميز في الجيش، وكقائد للقوات الجوية التي قامت بالضربة الجوية الأولى التي كان لها فضل النصر في حرب أكتوبر.  كما لا يقبلون أن يتنحى الرئيس"مبارك"عن منصبه في رئاسة الجمهورية ليصبح مطرودًا ومطاردًا.  هذا ويصرون على الرأي أن انتقال السلطة بطريقة دستورية سلمية سلسة تضمن عدم قفز المغرضين يتطلب إجراءات ويستغرق وقتًا ولذا يصرون على أن يبقى الرئيس"مبارك"في موقعه حتى ينتهي من هذا كله.

 على أي حال نحن نشاهد الآن مرحلة فاصلة من تاريخ"مصر". وما يحدث الآن في ميدان التحرير وفى شوارع العديد من المدن المصرية سيكون له تأثيره الكبير على حياة ومستقبل المصريين جميعًا، بما فيهم أقباط "مصر".
 ليس واضحًا ما يمكن أن تنتهي إليه الأمور فالمتغيرات كثيرة ويمكن أن تؤدى إلى نتائج غير متوقعة. جانب من المشكلة يتعلق بجماهير المتظاهرين ذاتهم الذين لا يمثلون جماعة متجانسة لها قيادتها ومبادئها المعروفة ومطالبها المحددة. وقد عرفت من أصدقاء في"مصر"أن المتظاهرين بلغ عددهم 2 مليون وهم أيضا يمثلون 2 مليون رأى. وعدد المتظاهرين لا يمثل المصريين جميعًا فهناك نحو 80 مليون من الغالبية الصامتة، التي لم يستطلع أحد رأيهم، ومن المؤكد أنه لهم أيضًا آرائهم التي تختلف جذريًا بين الواحد والآخر. فهل هذا في ذاته مؤشر على أن الصراع بين هذه الآراء المختلفة قد يؤدى إلى ظهور قائد قوى يستطيع أن يفرض رأيًا واحدًا بطريقة ديكتاتورية على الجميع؟

 وعندما يدخل العامل الإخواني على المشهد يحدث خلل في المعادلة. هذه الجماعة محظورة قانونيًا من أيام الرئيس الأسبق"عبد الناصر"ولكن لقوتهم ونفوذهم كانت الدولة تضطر أحيانًا للتعامل معهم، وإعطائهم شيئًا من الشرعية. وأحيانًا أخرى كانت تقبض عليهم وتضعهم في السجون. وفى الأيام الماضية قررت الدولة الحوار معهم كجزء من المعارضة. تاريخ هذه الجماعة الدموي وتمسكهم بالحكم بناء على الشريعة الإسلامية يزعج الكثيرين وبالذات الأقباط. ولكن هذه الجماعة معروفة بالدهاء السياسي وحتى تعطى طمأنة للناس عن نواياها أعلنت أنها لا تهدف إلى الوصول إلى كرسي الحكم. هذا الكلام إذا افترضنا أنه صادقًا لا يمنعهم من أن يحاولوا السيطرة على مجلس الشعب، وبذلك يمكنهم التحكم في سن القوانين وأيضًا سيصبحوا بذلك الممسكين بخيوط السلطة، والحاكم سيكون في يديهم كالدمية يحركونها كما يريدون.

 وهناك عامل آخر هام وهو إشكالية الفكر الإسلامي المتشدد الذي تغلغل في المجتمع المصري نتيجة انتشار الأفكار الأصولية السلفية الوهابية الدخيلة على المجتمع المصري. هذا الفكر الذي ساعد على انتخاب"8"عضوًا في مجلس الشعب الأسبق أخشى أن يكون له تأثيره على مجريات الأمور في النظام المقبل. ولكن المطمئن أن الشباب الذي قام بالثورة والكثير من الشعب المصري الأصيل ما يزالوا يميلون إلى التسامح الديني الذي فطروا عليه، وكان هذا واضحًا في وقت الانفلات الأمني وكيف أنه لم يحدث اعتداء واحد على كنيسة. وفى ميدان التحرير وقف المسلمون يصلون يوم الجمعة بينما كان المسيحيون يحيطون بهم ويحمونهم. وفى يوم الأحد مارس المسيحيون الصلاة على أرواح الشهداء بينما كان المسلمون يشاركونهم الهتاف :"يد واحدة.. مسلم..قبطي.. مش مهم".
 وسالت من عيني دمعة وأنا أسمع الجماهير يرنمون:"بارك بلادي  بارك بلادي  يا سامع الصلاة في قلوب كل البشر"، واختلطت أصوات الترنيم مع هتاف الجماهير :"الله أكبر  الله أكبر".
 أضف إلى ما سبق العوامل الخارجية التي يهمها ما يحدث في"مصر" سواء بطريقة أو أخرى وتتمثل في مواقف الدول الخارجية مثل"إيران"التي تريد تصدير أيديولوجيتها الإسلامية إلى النظام القادم، و"إسرائيل"التي تخشى على مستقبل معاهدة"كامب ديفيد"، و"الولايات المتحدة"التي لا تريد أن تفقد مصر كدولة صديقة تحصل على قدرا كبيرا من الإعانات وترعى مصالحها في الشرق الأوسط . هذه كلها مع وجود الفضائيات التي لها أجندتها الخاصة بالنسبة لما يحدث في"مصر" مثل الجزيرة والعربية والتي لها تأثيرها في عملية الشد والجذب ومحاولة تغيير مسار الثورة إلى اتجاهات غير محسوبة.

 كل هذه العوامل ستدخل البوتقة معا لتنصهر في فرن الأحداث القادمة، وليس واضحًا كيف ستكون المكونات الغالبة على السبيكة النهائية. ولكن المؤكد أن النار ستمتحن كل شيء وتخرج لنا بنتاج جديد يختلف عن ما عاهدناه في الماضي.
 ولذلك على أقباط"مصر"أن يحرصوا على أن يكون جزءًا من العملية التي ستشكل مستقبل"مصر"حتى يضمنوا  مصالحهم ولا يخرجوا من هذه المرحلة خاسرين.
 وفى النهاية، ورغم كل شيء، هناك رب في السماء بيده أمرنا. وربنا يستر..




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :