- شهود عيان من قطار سمالوط يؤكدون :مندوب الشرطة قال " لا إله إلا الله قبيل إطلاق النار علينا".
- روبي: عمي اغتصبني فاعتنقت المسيحية
- وكيل دير الأنبا "أنطونيوس": أستطيع متابعة ما يدور داخل وخارج الدير بدقة من خلال كاميرات المراقبة
- مصر في المستشفى
- الأنبا أغاثون: لن نكف عن المطالبة بحقوقنا إن لم تحل أزمة بناء المطرانية
الأقباط وفترات من السلام (3)
بقلم: القس لوقا راضي
هنا سنعرج على فترة من الفترات الحديثة في التاريخ، وهي فترة الزعيم "عبد الناصر" التي اختلف واتفق الكثيرين حولها.؟ منهم من رآها نموذجًا للسلام، ومنهم من رآها نموذجًا للظلم..
وتعالوا نستعرض الأمرين معًا بحياد تام من خلال علاقة الرئيس "ناصر" بالأقباط وبالبابا "كيرلس السادس" بابا الكنيسة في ذلك الوقت.
لم تكن بداية العلاقة في سنة 1959م بين الرئيس "جمال عبد الناصر" والبابا "كيرلس السادس" مشجعة على الإطلاق، فقد أرسلت برقيات عديدة ضد أبونا "مينا المتوحد" عندما كان مرشحًا ليكون بطريركًا!! فاستدعى الرئيس "عبد الناصر" وزير التموين، وكان وقتها السيد الدكتور "كمال رمزي ستينو" وقال له: "شوف الموضوع ده.. فأنا لا أريد أن أدخل في صراعاتكم" أما موضوع الشكاوى فإن أبونا مينا رجل الصلاة، يعطي الناس قطنًا مبللاً بالزيت لأجل شفاء المرضى. (راجع كتاب جامعة الروح القدس - إصدار أبناء البابا كيرلس السادس).
بداية العلاقة بين البابا كيرلس وجمال عبد الناصر
طلب البابا كيرلس مقابلة جمال عبد الناصر أكثر من 10 مرات وهو يرفض، وكان يريد البابا أن يعرض عليه بعض مشكلات الأقباط والمضايقات التى تتعرض لها الكنيسة، ولم يجد البابا أي استجابه لرغبته في مقابلته. وحدث أن كان للبابا صديق عضو في مجلس الشعب وكان يحبه وكان دائم الزيارة له، وكان له ابن مريض، فطلب العضو أن يصلي البابا لأجل ابنه، وربنا شفاه بصلاته. وفي يوم زاره عضو مجلس الشعب (البرلمان فى ذلك الوقت) ووجد البابا متضايقًا وزعلان فسأله عن السبب ولما عرف قال: "أنا علاقتي جيدة ووطيدة مع عبد الناصر"، ورتب موعدًا مع جمال عبد الناصر، وحضر عضو مجلس الشعب قبل الميعاد واصطحب البابا في سيارته للقصر الجمهوري. وقابل جمال عبد الناصر البابا كيرلس بفتور شديد جدًا وابتدره قائلاً بحده: "إيه.. فيه إيه!! هما الأقباط عايزين حاجة.. مالهم الأقباط.. هما كويسين قوي كده.. أحسن من كده إيه... مطالب.. مطالب.. مطالب".
وكانت مقابلة عبد الناصر باينه من أولها ومع ذلك قال البابا كيرلس السادس مبتسمًا: "موش تسألني وتقول لي: فيه إيه..!!" فرد محتدًا قائلاً: "هو فيه وقت أقولك.. وتقول لي..ما هو مافيش حاجة.." ووجد البابا نفسه في موقف دقيق، فغضب وزعل جدًا وقال لعبد الناصر: "ده بدل ما تستقبلني وتحييني بفنجان قهوة، وتسمعني، وفي الآخر يا تعمل يا ما تعملش كده من الأول تحاول تعرفني إن مافيش وقت لعرض موضوعاتى!!" وخرج البابا زعلان قائلاً لعبد الناصر: "منك لله.. منك لله..." ورجع البابا للبطريركية مع عضو مجلس الشعب الذي راح يعتذر طول الطريق، فقال له البابا كيرلس: "إنت كتر خيرك، تمكنت من تحديد الموعد.. أما استقبال عبد الناصر لي بهذه الطريقة، أنت مالكش ذنب فيه!!".
وذهب البابا لصلاة العشية والتسبحة والصلاة ودخل لينام. وفي الساعة الثانية بعد منتصف الليل، حضر عضو مجلس الشعب وطرق الباب وفتحه بواب المقر البابوي، وقابل تلميذ البابا "سليمان"، وقال له: "عبد الناصر عاوز يقابل البابا دلوقت حالاً".. ولكن حاول سليمان الاعتذار بأن "البابا تعبان وده وقت متأخر يمكن يكون البابا نائم" غير أن عضو مجلس الشعب اقترح أن يطرق على باب البابا كيرلبس مرتين، فإذا لم يرد يذهب ويقول لجمال عبد الناصر أنه وجد البابا نائمًا، ولكنهم قبل أن يطرقوا على باب البابا فوجئوا أن البابا مرتديًا ملابسه ويفتح الباب ويقول له: "يالا يا خويا.. يالا..!!"، وكان جمال عبد الناصر له ابنه مريضة أحضر لها كبار الأطباء الذين قرروا أن مرضها ليس عضويًا، وعندما تكلم مع عضو مجلس الشعب ذكر له شفاء ابنه.. فدخل البابا مباشرة على حجرة ابنة جمال عبد الناصر المريضة وقال لها مبتسمًا: "إنتي ولا عيانة ولا حاجة" وأقترب منها قداسة البابا وصلى لها ربع ساعة، وصرف الروح النجس، وعادت الابنة إلى طبيعتها تمامًا. وهنا تحولت العلاقة التي كانت فاترة في يوم من الأيام إلى صداقة بينهما، ووصلت هذه العلاقة إلى أن قال الرئيس جمال عبد الناصر يومًا: "إنت من النهاردة ابويا.. أنا هاقولك يا والدي على طول، وزي ما بتصلي لأولادك المسيحيين صلي لأولادي.. ومن دلوقت ما تجنيش القصر الجمهوري، البيت ده بيتك، وتيجي في أي وقت انت عاوزه (كتاب البابا كيرلس السادس رجل فوق الكلمات - مجدى سلامة).
وعبر الكاتب الصحفي الشهير "محمد حسنين هيكل" عن العلاقة بين البابا كيرلس والرئيس جمال عبد الناصر فقال: "كانت العلاقات بين جمال عبد الناصر وكيرلس السادس علاقات ممتازة، وكان بينهما إعجاب متبادل، وكان معروفًا أن البطريرك يستطيع مقابلة عبد الناصر في أي وقت يشاء، وكان كيرلس حريصًا على تجنب المشاكل، وقد استفاد كثيرًا من علاقته الخاصة بعبد الناصر في حل مشاكل عديدة..".
وأيضًا "البابا كيرلس وعبد الناصر - محمود فوزي": وفي لقاء من اللقاءات العديدة التي تمت بين البابا والرئيس في سنة 1959م قال البابا: "إني بعون الرب سأعمل على تعليم أبنائي معرفة الرب وحب الوطن ومعنى الأخوة الحقة ليشب الوطن وحدة قوية لديها الإيمان بالرب والحب للوطن.." (القس رفائيل أفامينا حنا يوسف عطا: مذكراتي عن حياة البابا كيرلس السادس) فأثنى الرئيس جمال عبد الناصر على وطنية البابا كيرلس ومدى وعيه والتزامه بتربية أولاده على حب الرب والوطن.
ابنة الرئيس عبد الناصر تتعجب عن علاقة البابا كيرلس بأبيها
ويومًا سألت "منى عبد الناصر" المستشار "زكي شنودة" عندما كانت تعمل في دار المعارف قائلة: "البابا بتاعكم فيه إيه؟".. فرد المستشار مستفهمًا وقال: "يعني إيه فيه إيه؟ " فقالت منى: "بابا لما يجيله أي رئيس دولة يودعه حتى باب الصالون فقط، ولكنه لما يجي البابا بتاعكم يودعه حتى باب السيارة ويفضل واقف إلى أن تتحرك السيارة" ورد المستشار شارحًا: "لأنه راجل بسيط وليس له مطالب ولا مطامع ولا يخاف منه في شئ ولا عاوز حاجة، فأبوك كان شاعرًا بهذا ولذلك أحبه". راجع "ذكرياتى مع البابا كيرلس السادس - المستشار زكي شنودة".
وجاء هذا التحول من النقيض الى النقيض خاصة اذا استعرضنا الآتي..
المعاناة القبطية فيما بعد الثورة
الأضرار الاقتصادية أصابت الأقباط
لم يختف التعصب الديني في هذه الفترة، ولكنه قل وضعف نتيجة لتقوقع جماعة الإخوان المسلمين، والحد من نشاطها إذا قورن بعصور سبقت أو بعصور تلت، مثل عصر السادات مثلاً، ولكن من ناحية أخرى كانت معاناة الأقباط كبيرة بسبب سياسة التأميم الناصرية، والتي بدأت عندما قام جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس سنة 1956، كرد فعل ورد اعتبار لرفض الغرب تمويل بناء السد العالي، وكان عقد تشغيل قناة السويس سينتهي فعليًا عام 1968 أي أن قناة السويس كانت ستسلم إلى مصر بعد 12سنة بدون حرب، وحدث أن اجتمع مجلس الأمن لمناقشة قرار جمال بالتأميم، وفي مساء الأربعاء 3 أكتوبر 1956 عندها قرر الأقباط (غير عالمين بالنتائج) في مؤتمر قبطي شعبي عقد بالقاعة اليوسابية الكبرى بالقاهرة، التضامن مع الحكومة الناصرية في تأميم قناة السويس.
ما نتج عن ذلك كان له أوخم الآثار، فكان الأقباط أكثر الفئات تضررًا اقتصاديًا من الإجراءات الإشتراكية والتأميم والإصلاح الزراعي، التي فرضها عبد الناصر وثورته فيما بعد، ففي قطاع النقل كانت خسارة الأقباط 70% : 75 % بالنسبة لإجمالى التأميم فى هذا المجال حيث – أممت شركة إخوان مقار والأسيوطى – وأممت شركة حكيم مرجان لنقل الأقاليم وفى مجال الصناعة كانت نسبة الصناعات المؤممة للأقباط 44% من إجمالى التأميم فى هذا المجال. فأممت مصانع "فؤاد جرجس"، وأممت مصانع "عطية شنودة"، وأممت مصانع "كحلا"، وغيرهم، وفي مجال البنوك كانت النسبة 51 % من إجمالي التأميم في هذا المجال فقد كانت غالبية رأس المال المساهم في "بنك القاهرة" لـ"موريس موسى" وغيره من الأقباط، وكذلك في باقي البنوك الأخرى، وقد مات كثير من المسلمين والأقباط من الذين أممت أملاكهم، وضاعت أسهمهم ومصانعهم، والبعض أصيب بالشلل أو العجز الكامل، أما البعض الآخر فأصابه الجنون لدى سماعهم بأخبار التأميم.
كذلك 34 % من الأراضي الزراعية أي 15 % من الثروة إجمالي القومية (راجع سعد الدين إبراهيم – نتائج وملاحق وإحصائيات العنف المقتبسة من موسوعة الملل والنحل والأعراق ص4) وبهذا حرم جمال عبد الناصر الأقباط من أموالهم بما يتخطى نسبتهم العددية.
تأميم الأوقاف القبطية
وقد أمم عبد الناصر الأوقاف القبطية واستولى عليها جميعًا، وترك الكنيسة بدون عائد، إلا من صناديق التبرعات القليلة، لم تخل هذه الفترة من إبعادهم عن الوظائف ذات الثقل السياسي أو القيادي.
التحذيرات ووأد الحركة السياسية القبطية
ففي 1955 حذر المرحوم "علي باشا الشمس" من التضييق على الأقباط وإبعادهم عن الوظائف الرئيسية، وقال لهم أن الأقباط ملح وسماد الأرض المصرية، ولم يسمعوا كلامه، ونجحت الحكومة في ظلم الأقباط ولكنها لم تنتبه إلى يومنا هذا أنهم في نفس الوقت خربوا مصر، وأوصلوها الى الحضيض الأسفل "اللى إحنا فيه الآن" وكذلك -ولو إن هذا جاء متأخرًا- فإن الأمير "طلال بن عبد العزيز"، والسيد "خالد الفيصل" حذروا بشده من تفريغ الشرق الأوسط من المسحيين وتخريبه بهروب العقول منه Brain Drain، وقد شكلت المرحلة من يوليو حتى بناء الناصرية فترة تاريخية مثيرة ومتميزة، لأنها تكرست عبرها إشكالية مشاركة الأقباط في الحياة السياسية، فقد بدأت الثورة بالتصدي للصفوة السياسية القديمة، ومنها الأقباط المشاركين في السياسة، وتصفيتها اجتماعيًا وسياسياً سواء بالعزل السياسي عبر القانون أم من خلال التأميمات والمصادرات للمصارف والمصانع، وقوانين الإصلاح الزراعي (المرجع السابق لسعد الدين إبراهيم).
وكانت نتيجة السياسة السابقة أن هاجر ملاك الأراضي ورجال الصناعة من الأقباط إلى دول المهجر، أي "الولايات المتحدة الأمريكية"، و"كندا"، و"أستراليا"، و"أوربا"، وغيرها، حيث كانوا يتعاملون من قبل مع دول الخارج فى إدارة أعمالهم في مصر، أو أن بعضهم كان كثيرًا ما يذهب لقضاء رحلات سياحية هناك، وازدادت موجة الهجرة من الشباب في عقد الستينيات، وهكذا فقدت مصر خيرة رجالها، ولكن معها بدأ دور جديد لأقباط المهجر في النمو منذ ذاك الوقت؛ من الناحية السياسية كانت حركة الضباط الأحرار إسلامية في جوهرها، ولم يكن في تنظيمها السري سوى قبطيًا واحدًا ينتمي إلى الصف الثاني من الحركة، ومن ثم بقى الجيش يحمل في تكوينه العضوي أثرًا للتفرقة بين المسلمين والأقباط، وبخاصة الرتب العالية، فجاء تنظيم الضباط الأحرار على شاكلة المؤسسة (التنظيم السري للضباط الأحرار)، (المسلمون والأقباط – طارق البشري) التي انبثق منها.
ومع غياب الديمقراطية وإلغاء الأحزاب لم يعد للأقباط دورًا في الحياة السياسية الموجهة، كما لم يعد من الممكن لأي قبطي أن يرشح نفسه للإاتخابات أن ينجح لعدم وجود أحزاب، إلا أن الرئيس عبد الناصر تحايل على هذه المشكلة بابتكار أسلوب جديد لم يمارس من قبل قط، حتى يضمن تمثيل قبطي وتواجد مسيحي في مجلسه النيابي، فقرر إداريًا قفل عشر دوائر اختيرت بدقة حيث التواجد القبطى فيها محسوس وملحوظ، وذلك بأن قصر الترشيح على الأقباط وحدهم، وفشلت هذه التجربة أيضًا لعلاج أزمة المشاركة القبطية، وتضاءلت بعد ذلك نسبة التمثيل السياسى للأقباط في التشكيلات الحكومية المتعاقبة (ميلاد حنا – نعم أقباط ولكن مصريون – ص 86- 87)، وظل هذا المبدأ متبعًا من سنة 1964 حتى سنة 1979م، حيث فوجئ الأقباط بصدور مبدأ دستوري جديد، وهو منح رئيس الجمهورية سلطة تعيين عشرة أعضاء في المجلس النيابي، واتبعت عادة وتقليدًا جديدًا أن يكون المعينون أقباطًا في غالبيتهم أو كلهم (وطنية الكنيسة القبطية وتاريخها من بعد الآباء الرسل حتى عصر الرئيس الراحل السادات منذ عام 150 إلى عام 1981 إعداد الراهب القمص أنطونيوس الأنطوني – دار الطباعة القومية بالفجالة – رقم الإيداع 983695 ص 454).
وكان الاختيار يتم وفق معايير الولاء للنظام، وعبر التقارير الأمنية من عناصر غير معروف عنها المواقف النقدية.. تقول الدكتورة "منى مكرم عبيد" (ابنة القيادة القبطية التاريخية مكرم عبيد) (الحياة اللندنية 11-7-1997م) “كان في إمكان الثورة إعادة مسار سفينة الوحدة الوطنية إلى مجراها الطبيعي، خصوصًا في ضوء نجاحها في ضرب حركة الإخوان المسلمين عام 1954م وتمتع عبد الناصر بكاريزما سياسية، غير أن قيادة الثورة زايدت على الشعارات الدينية، ووظفت الدين لخدمة شرعيتها السياسية بدلاً من الاعتماد على الإنجاز كمصدر لهذه الشرعية. غير أن أخطر قرار أصدره عبد الناصر في مجرى صراعه مع الإخوان المسلمين كان تدريس الدين في مختلف مراحل التعليم، ورغم أن هذا القرار قد يكون عاديًّا ومشروعًا باعتباره يؤدى إلى دعم الجوانب الروحية لدى الطلاب، إلا أن ذلك كان يتحقق فقط في ظل وجود كوادر مدربة جيدًا لهذه المهمة، ولكن من قام بتدريس الدين أشخاص لا تتوافر فيهم المقومات الكافية من حيث الفهم الصحيح لجوهره؛ ولذلك كانت نتيجة هذا القرار تعميق أوجه التمايز بين أبناء الأمة المصرية، وتزامن ذلك مع تقلص النفوذ السياسي والاقتصادي للأقباط بسبب إجراءات التأميم التي طالت الكثيرين منهم، هذا فضلاً عن اعتماد النظام على أهل الثقة في تولي المناصب الرئيسية، مما أدى إلى هجرة عدد كبير منهم إلى الخارج وعزوف الموجودين بالداخل عن ممارسة حقوقهم السياسية أو الانخراط في العملية السياسية في ظل مناخ غير ديموقراطي.
وقد كانت النتيجة الطبيعية لذلك أنه في انتخابات عام 1957م لم يفز قبطي واحد، فلجأ جمال إلى أسلوب الدوائر المغلقة، حيث تم اختيار عشرة دوائر بدقة وقصرها على مرشحين أقباط، غير أن هذا الأسلوب لم ينجح… ولذلك ابتكر النظام فكرة التعيين حيث سمح الدستور لرئيس الدولة بتعيين عشرة نواب، روعي أن يكونوا كلهم أو معظمهم من الأقباط، مما تسبب في تولد الشعور لدى قطاعات كثيرة من الأقباط بأنهم أقلية، وبالتالي تكريس عزوفهم وسلبيتهم في المشاركة السياسية. كما كان تولي الأقباط وزارات هامشية انعكاسًا لتهميشهم سياسيًّا”.
أما الكاتب الصحفي "محمد حسنين هيكل" فيُرجع مشكلة انعزال القبطي السياسي إلى ثلاثة أسباب (انظر مجلة الكتب: وجهات نظر- مارس 2000م):
1 – أن مجلس قيادة الثورة لم يظهر في قائمة أعضائه قبطي. ومع أن هناك فارقًا بين التنظيمات السياسية العلنية وبين تشكيلات العمل السياسي السري، فإن ما آلت إليه الأحوال قبل الثورة جعل من عدم وجود ضابط قبطي في مجلس القيادة الجديد مسألة أكبر من حجمها.
2 – أنه بدا في أول الثورة وكأن نظامها الجديد وثيق الصلة بالإخوان المسلمين. وبالفعل فإن الإخوان حاولوا إعطاء الانطباع بأن لهم في الثورة أكبر مما هو باد على السطح، وزكَّى ذلك واقع أن بعض قيادات الثورة اقتربوا في مرحلة من مراحل حياتهم من جماعة الإخوان المسلمين مثل كمال الدين حسين وأنور السادات بل وجمال عبد الناصر نفسه.
3 – أنه في تلك اللحظة لم تكن الكنيسة القبطية في أحسن أحوالها؛ لأن بطركها "الأنبا يوساب" كان يواجه أزمة داخل كنيسته نشأت من صراع بين التقليد والتجديد. وكانت الكنيسة، بواقع ما طرأ خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها، قد أصبحت – بحكم الظروف – وحدها في الحياة القبطية ودون قيادة سياسية بارزة يعترف بها الكل؛ المسلمون قبل الأقباط، كما كان في زمن مكرم عبيد. ولم تكن الكنيسة في ذلك الوقت مؤهلة لهذا الدور، ومن سوء الحظ أن العائلات القبطية الكبيرة قصرت نشاطها على المجال الاقتصادي والمالي، وبالتالي فإن الدائرة القبطية كانت خالية سياسيًّا ليس لها نائب معتمد أو مرشح مقبول.
وبنظرة عامة على وضع التمثيل القبطي في برلمانات الثورة يتضح أنه لم ينجح بالانتخاب منذ 1952م وحتى 1962م سوى نائب قبطي واحد، وهو "فريد فايق فريد" في برلمان 1955م، وقد اعتقل عام 1958م في حملة الثورة على الشيوعيين. أما برلمان 1964 فقد انتخب له نائبًا واحدًا وتم تعيين ثمانية. وفي برلمان 1969م تم انتخاب نائبين وتعيين سبعة ولكن الحال تبدل من بعد لقاءات ناصر بالبابا كيرلس.
كيفية بناء الكاتدرائية
هل كانت زيارة البابا من أجل إقامة الكاتدرائية في أرض الأنبا رويس، وعرف جمال عبد الناصر فرفض قبلها؟ لا نعرف لأن الكنيسة لم تنشر شيئًا عن هذا الموضوع، ولكن حدث أنه صدر أمر ببناء مدرسة ثانوية للبنات حكومية على أرض الأنبا رويس، وكلف مقابل ابن عم "عبد اللطيف البغدادي" وهو من قيادة الثورة قبل سنة 1958م، وقد رأى الراهب "مكاريوس السرياني" أن المقاول وضع الحديد والخشب، والطوب وغيره من مواد البناء، على الأرض للبدء في تنفيذ المشروع، فكلف أحد الأشخاص بالاتصال بالمجلس الملي، ولكنه لم يستطع فأرسل تلغرافًا بما حدث، ولم يجد الراهب "مكاريوس السرياني" -الأنبا صموئيل الذي أصبح فيما بعد أسقف الخدمات- إلا الصلاة، ففي يوم 19-1-1958م أقام قداسًا في أرض الأنبا رويس، وكان يقوم معه بالصلاة أبونا "إبراهيم لوقا" كاهن كنيسة الأنبا رويس الأثرية والعذراء، وهما الكنيستان (كنيسة الأنبا رويس ما زالت موجودة، والثانية هدمت ليحل محلها سلالم الكاتدرائية، وأخذ حجاب كنيسة العذراء ووضع في إحدى كنائس الكاتدرائية) وطافوا في أرض الأنبا رويس يرشونها بالماء المصلى، ولم يمر اليوم الثالث إلا والمقاول أرسل سياراته وحمل الأدوات ومواد البناء إلى غير رجعة.
وكان أمل البابا كيرلس بناء كاتدرائية جديدة للقديس "مار مرقس" ومقر جديد للبطريركية في منطقة الأنبا رويس، ولكن كيف يحقق هذا الأمل؟.. وكيف يطلب من عبد الناصر؟ يقول الأستاذ حسنين هيكل: "وكان هناك مشكلة أخرى واجهت البطريرك كيرلس السادس، فقد كان تواقًا إلى بناء كاتدرائية جديدة تليق بمكانة الكنيسة القبطية، كان بناء كاتدرائية جديدة مشروعًا محببًا إلى قلب البطريرك، لكنه لم يكن يريد أن يلجأ إلى موارد من خارج مصر يبني بها الكاتدرائية الجديدة، وفي نفس الوقت فإن موارد التبرعات المحتملة من داخل مصر كانت قليلة، لأن القرارات الاشتراكية أثرت على أغنياء الأقباط، كما أثرت على أغنياء المسلمين، ممن كانوا في العادة قادرين على إعانة الكنيسة بتبرعاتهم، إلى جانب أن المهاجرين الأقباط الجدد لم يكونوا بعد في موقف يسمح لهم بمد يد المساعدة السخية، ثم أن أوقاف الأديرة القبطية أثرت فيها قوانين إلغاء الأوقاف، وهكذا وجد البطريرك نفسه فى مأزق، ولم ير مناسبًا أن يفاتح جمال عبد الناصر مباشرة في مسألة بناء الكاتدرائية، فلقد تصور في الموضوع أسبابًا للحرج، وهكذا فقد تلقيت شخصيًا دعوة من البطريرك لزيارته وذهبت فعلاً للقائه بصحبة الأنبا صموئيل الذي كان أسقفًا بدار البطريركية،، وفى هذا اللقاء حدثنى البطريرك عن المشكلة، وأظهر تحرجه من مفاتحة جمال عبد الناصر مباشرة فى الأمر حتى لا يكون سبباً فى إثارة أى حساسيات، ثم سألنى ما إذا كنت أستطيع مفاتحة الرئيس في الموضوع دون حرج للبطريرك ولا حرج على الرئيس نفسه.. وعندما تحدثت مع الرئيس عبد الناصر في هذا الموضوع، كان تفهمة كاملاً، كان يرى أهمية وحقوق اقباط مصر فى التركيب الإنسانى والإجتماعى لشعبها الواحد، ثم أنه كان يدرك المركز الممتاز للكنيسة القبطية ودورها الأساسي في التاريخ المصري، ثم أنه كان واعيًا بمحاولات الاستقطاب التي نشط لها مجلس الكنائس العالمي..
وهكذا فإنه قرر على الفور أن تساهم الدولة بنصف مليون جنيهًا فى بناء الكاتدرائية الجديدة، نصفها يدفع نقداً ونصفها الآخر يقدم عينًا بواسطة شركات المقاولات التابعة للقطاع العام، والتي يمكن أن يعهد إليها بعملية البناء. وطلب إلى الرئيس إبلاغ البطريرك بقراره، وكان الرجل شديد السعادة عندما قمت بإبلاغه إلى درجة أنه طلب إلى اثنين من الأساقفة، أحدهما الأنبا صموئيل، أن يقيما قداسًا في بيتي، وكان بالغ الرقة حين قال: "إن بركات الرب تشمل الكل، أقباطًا ومسلمين" وتم بناء الكاتدرائية وحضر "جمال عبد الناصر" احتفال افتتاحها" (كتاب خريف الغضب - للصحفى الشهير محمد حسنين هيكل).
وأكد البابا "شنودة الثالث" الموقف الرجولي الرائع الذي وقفه الرئيس "جمال عبد الناصر" تجاه بناء الكاتدرائية فقال: "لا ننسى أن الرئيس جمال عبد الناصر أعطى تصريحًا لبناء الكاتدرائية الكبرى، وحضر حفل وضع الأساس فيها ثم حضر حفل افتتاحها وألقى كلمة طيبة جدًا وتبرع بمبلغ 100 ألفًا".
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :