الأقباط متحدون | المخ البشري والروح الإنساني .. ديناميكية (حركة) الترقي الروحاني (2)
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٨:٠٣ | الأحد ١٦ يناير ٢٠١١ | ٨ طوبة ١٧٢٧ ش | العدد ٢٢٧٨ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

المخ البشري والروح الإنساني .. ديناميكية (حركة) الترقي الروحاني (2)

الأحد ١٦ يناير ٢٠١١ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: راندا الحمامصي

التطوّر البيولوجي

إن كافة المخلوقات تخضع في تطورها للقوانين العامة التي تقول ضمن ما تقوله بأن هناك أصل واحد يجمع بين الأشياء التي لا تتوقف عن التغيير، تغيير نحو الأرقى في التنظيم والتكيُّف، وأن تلك العملية تدعمها أحداث غير متوقعة - تغيُّرات أَحيائية – "Mutation" من شأنها أن تمنح قُدرة أكبر لأحد أفراد مجموعة ما أو بعض أفرادها من أجل تطويرهم فتساعد بذلك عملية "الإنتقاء الطبيعي" التي ستؤدي في النهاية إلى ظهور كائنات أكثر تعقيداً وأعظم قدرة.
إن أعمال تشارلز روبرت داروين وأبحاثه (1809–1882م) تقدم لنا أفضل معرفة بمفهوم التطور. ففي كتابه الذي نشره عام 1859 بعنوان "The Origin of Species" وضع النظرية التي تقول بأن كل المخلوقات الحية، بما فيها الإنسان، قد انحدرت من نفس الأبوين. إنها نظرية ولّدت مشاحنات هائلة بين أتباع الديانات المختلفة من جهة والعلماء الذين ناصروا نظرية داروين في التطور من ناحية أخرى وخلق بينهم جدلاً لا يزال محتدماً حتى الآن. فبالتأمل فيما مضى ذكره، نجد أنفسنا نمتلك ذخيرة علمية كافية لأن نرى أن التطور البيولوجي قد تمّ حقاً، وأن النوع الإنساني لم يظهر فجأة على وجه الأرض بعد أن أُبعد عن الجنة. لقد أظهرت الدراسة عن التطور أن التطور البيولوجي ما هو إلا نوع واحد من ثلاثة على الأقل: ففي رأي جوناس سالْك "Jonas Salk" أن هناك تطور مرّ به العالم في ثلاث مراحل: ما قبل البيولوجي – الأَحيائي – "Prebiological"، ثم الحالة البيولوجية "Biological"، ثم ما بعد الحالة البيولوجية "Metabiological". فما عناه سالْك بما قبل البيولوجي إنما هي فترة ما بين بدء خلق كوكبنا إلى ظهور بشائر الحياة ومسبباتها الأولية على سطح الأرض. والحالة البيولوجية أو التطور الدارويني بدأت حين ظهرت "الوحدات الأولية للحياة" "units of life" واستمرت حتى ظهور الإنسان على شكل حيوان. وتبدأ حالة ما بعد البيولوجية بتطور مخ الإنسان وقدرته على خلق أنماط جديدة لا سابق لها. ويسوق سالْك أمثلة على ذلك ظهور صناعة البناء ثم القدرة على وضع المخططات والتصاميم واختراع أجهزة الحاسوب والراديو والتلفزيزن والطائرات والأسلحة النووية وبروز علم الفيزياء والكيمياء والأحياء والفلسفة، ويقول بأن "العقل البشري قد رفع من معدل سرعة التطور بطريقة مذهلة." إن تطور ما قبل الحالة البيولوجية تدعى أيضاً بمرحلة التطور المادي "physical evolution"، فنرى أن سيريل بونامبيروما "Cyril Ponnamperuma" الرئيس السابق لقسم التطور الكيميائي لفرع الدراسات الخارجة عن الأحياء "Exobiology Division" التابع لوكالة الفضاء الأمريكية القومية "NASA"، وأستاذ الكيمياء ومدير معامل التطور الكيميائي في جامعة مريلاند (الولايات المتحدة)، نراه يشير إلى أن التطور الكيميائي هو أحد أوجه تطور الحالة ما قبل البيولوجية فيقول:
إن التطور الكيميائي قائم على نظرية أن لبِنات بناء الحياة "building blocks" قد صُنعت قبل بدء الحياة... فالأرض عمرها أربعة بلايين ونصف البليون سنة تقريباً، وفي اعتقادنا أن أقدم نوع من الحياة قد ظهر على الأرض قبل ثلاثة بلايين وثمانمائة ألف سنة. وقد توصلنا إلى هذا الإستنتاج لأن أحافير "fossils" الجزيئات الحية "living molecules" التي وُجدت داخل الترسّبات الحجرية في إسْوَا "Isua" بغرينلاند قد حُسِب عمرها بثلاثة بلايين وثمانمائة ألف سنة، وهي من أقدم الحجارة المعروفة على سطح الأرض.
الحياة والوعي
كيف ظهرت الحياة على الأرض هذا ما زال حقيقة مجهولة. بذل العلماء عدة محاولات في معاملهم وأبحاثهم لخلق ما يطابق ظروف ظهور الحياة على الأرض وركّزوا في ذلك على تشكيل المواد الكيميائية العضوية الأساسية بما فيها الأحماض الأمينية، وهي لَبِنات بناء البروتينات الضرورية لإيجاد الحياة. من المعتقد الآن "أن هناك حساءً بدائياً تملؤه جزيئات عضوية كان موجوداً في الأرض في غابر الزمان" ويحاول علماء اليوم إظهار أن هذه الجزيئات العضوية الأساسية من الجائز أنها تجمّعت مكوِّنةً جزيئات أكبر قادرة على التكاثر مؤلّفةٍ من البروتين والحمض الأميني، وهي اللبنات البنّاءة للجينات "genes". فيأمل العلماء أن يكون باستطاعتهم خلق مثل هذه الجزيئات وبذلك يكون بمقدورهم وضع الخريطة الجينية "genetic code" ثم خلق الحياة بذاتها.
إن الأمر ليس بهذه البساطة كما يتراءى لنا. ففي العصور الغابرة كان هناك مفهوم "المبدأ الحيوي" "vitalism" القائل بأن طاقة الحياة كائنة فوق قوانين الطبيعة والكيمياء، وهي التي تعمل داخل الكائن الحي. ومع ذلك فإن العديد من علماء عصرنا يعتقدون بأن جميع مظاهر الحياة يمكن تفسيرها بتحليل مكوِّناتها الطبيعية والكيميائية وتفاعلاتها مع بعضها البعض. وهم بذلك يُنَحُّون جانباً فكرة المبدأ الحيوي. وبما أن العلماء لم يعثروا على "طاقة الحياة" "life force" في تجاربهم، فقد خَلُصُوا إلى أنها غير موجودة. إلا أنهم عادوا مؤخراً وأخذوا يبحثون في موضوع "طاقة الحياة".
أما روجر سبيري "Roger Sperry"، الباحث البارز في المخ الذي شارك في جائزة نوبل في الطب الباطني والفسيولوجي على دراساته في انفلاق المخ "split-brain"، فقد بيّن في مشاهداته لهؤلاء العلماء أنه "كلما أطالوا وتعمقوا في أبحاثهم ورؤاهم بكل جهد جهيد كلما ازدادوا يقيناً بأنه لا وجود لمثل تلك الأشياء، ولذلك خلصوا إلى الإستنتاج بأن الكائنات الحيّة ما هي إلا تفاعلات فيزيوكيميائية "physiochemical" بأشكال مختلفة ودرجات متفاوتة من التعقيد." ويذهب سبيري إلى القول: "نحن دارسي الأحياء "Biologists" كان بحثنا يدور في الأماكن الخطأ. فأنت لا تبحث عن القوى الحيوية داخل الذرات والجزيئات "atoms and molecules"، بل يجب البحث عنها في الأشياء الحية... إن الطاقات الحيوية الخاصة التي تميّز الكائنات الحية عن غيرها هي ظهور خاصّياتها الكليّة وليست صفات مكوِّناتها الفيزيوكيميائية، ولا يمكن لنا أيضاً أن نجد لها تفسيراً من عملها الميكانيكي الآلي. يبدو أن هذا يلخّص لنا الحيرة التي يقع فيها علماء المادية. إن ظاهرة الحياة الخاصة بالوعي، كما سنلاحظه لاحقاً، لا يمكن تفسيرها بالكامل بدراسة المكوِّنات الفيزيوكيميائية للأعضاء الحية لوحدها، ولا يمكن تفسيرها أيضاً من منطَلَق آليّ، بل لا بدّ من إضافة مكوِّنٍ جديد حتى نستطيع تفسير الحياة، ويمكن حصول ذلك إذا أخذنا في الإعتبار موضوع التطور ما بعد الحالة البيولوجية "metabiological". فالقوانين الرئيسة للتطور ينسحب تطبيقها على جميع الكائنات الحية بما فيها الإنسان إلى أن نجد أنفسنا وجهاً لوجه أمام موضوع الوعي الإنساني.
في هذا الوضع نجد أن قوانين التطور لا تأتي متفقةً مع الحقائق. فما هو الوعي الإنساني ومن أين يأتي؟ هل يُنتجه المخ، وإذا كان كذلك فكيف؟ وكيف لعضو مثل المخ أن يوجِد ما يمكنه أن يتحكم بعمله ووظائفه؟   
سُئل كارل بريبرام "Karl Pribram"، الباحث الشهير في المخ، عن علاقة العقل بالمخ تحديداً، وذلك في مقابلة مع صحفي يُعْنَى بالشؤون العلمية: "أين هي بالضبط نقطة الوصل بين العقل، غير المادي أو الروح، والعضو المادي؟" فأجاب بأنها حقاً مشكلة قد جابهت العلماء وتحدّتْهم مدة طويلة. إنها مشكلة "تأثير المسبِّب على الأدنى"downward causation"، وكان يعني بهذا أن العقل والوعي يغيّران من أنماط الخلايا العصبية مما يؤثر على المخ عادة في تكوينه الكيميائي. أما كيف يمكن حدوث ذلك؟ يشير روجر سبيري إلى أنه:
"طبقاً لآرائنا الحديثة في الوعي (الإدراك) فإن القيم السلوكية والأخلاقية أصبحت جزءاً مشروعاً ومنطقياً جداً في العلوم الخاصة بالمخ، ولم تعد تُعتَبر عاملاً يحدّ من وظائفه ويعيقها، بل أصبحنا نرى بدل ذلك أن هذه القيم نفسها لها تأثير قوي على أداء المخ وعلى السلوكيات إذ هي تشكّل العوامل الحاسمة للإنسان في صنع جميع قراراته، وهي في الواقع تلك القوة الأعظم في المسبِّبات التي تتحكم في تشكيل الأحداث التي تأخذ مجراها في عالم اليوم.
إنها ملحوظة في غاية الأهمية لعالِم بارز يؤمن بأن أهمّ تحدٍّ تواجهه الإنسانية العمل على تطوير مجموعة جديدة من القيم العامة. يدرك سبيري أن الرؤى الحديثة للعلاقة بين العقل والمخ قد جاءت تقريباً نتيجة الحكم بأن "المستويات العليا في نشاط المخ تتحكم بالسفلى، والخاصيات المميزة العليا للعقل والوعي هي الآمر، فتُحَدِّد المطلوب وتمارس تحكمها بالمستوى الأدنى في اتجاه مسيرة الدفقة العصبية "nerve-impulse".على ضوء هذه المشاهدات والمكتشفات يتحدث سبيري عن نموذج جديد من "العقلانية" "mentalism" مقابل المادّية. فدعا إلى العلم العقلاني ليأخذ مكان العلم المادي الذي يرفض حقيقة العقل والوعي وأداءهما وقواهما.
ويعبّر بريبرام عن آراء مشابهة في قوله:
"للمرة الأولى، خلال ثلاثمائة عام، يُدخِل العلمُ القِيَمَ الروحيةَ ضمن دراساته. إنها مسألة فائقة الأهمية. فلو أنكرتَ الجانب الروحي في طبيعة الإنسان سينتهي الأمر بك إلى القنابل الذرية وإدارة اجتماعية تِقنية بحتةٍ مجرّدة من الإنسانية.
يشترك في هذا الرأي ألبرت هوفمان "Albert Hofmann" مكتشف عقار الهلوسة (LSD-25) فيقول: "لو شاهدتَ عجائب الخلق لبدت استحالة تكوينه مصادفة. فلا بد أن يكون وراءه شيء روحي سامٍ هو ما نسميه الله." تطرح هذه الملاحظات بشكل أساسي نفس التساؤلات عن الوعي وعن الحياة. فما هو أصل الوعي، ولماذا طوّر إنسان ما قبل التاريخ فجأة، وقبل مائتين وخمسين ألف سنة، مخّاً لم يستعمل إلا جزءاً منه؟ وكما لا حظنا سابقاً فإن هذا التغيير كان فريداً من نوعه وخاصاً بالمخلوقات البشرية وضد القوانين المعروفة للتطور البيولوجي التي تقول بأن عملية التطور تأخذ مجراها خطوة بعد أخرى فوق الطاقات الجديدة المكتسبة التي يمكن للكائن الحي أن يستعملها. فمخ الإنسان الذي ازداد حجمه باطّراد منذ مائتين وخمسين ألف سنة يبدو أنه حتى اليوم لم يُستفَدْ منه إلا جزئياً. وبالمثل فإن تطور عقلنا ووعينا لا يزال متخلّفاً وراء تطوّرنا البيولوجي. فظهور مخ الإنسان وذكائه الفريديْن هو بداية المرحلة الثالثة من التطور العام الذي شرحه سالْك.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :