التحرّش والاغتصاب.. الجرائم الأكثر انتشاراً ضدّ نساء مصر
كشف تقرير حقوقي حديث عن تعرّض المرأة المصرية لـ 1306 جريمة، خلال العام 2010، غالبيتها تتعلق بالتحرّش والاغتصاب. يأتي ذلك بالتزامن مع إطلاق تحالف حقوقيّ يهدف للضغط على الحكومة لإقرار تشريع يكفل الحماية للمرأة في الشارع والعمل والمنزل.
تشهد مصر انتفاضة جديدة للمنظمات النسائية لمكافحة تفشي العنف ضد المرأة في المجتمع.
واجتمعت 23 منظمة في تحالف أطلق عليه اسم "قوة العمل الخاصة بمناهضة العنف الجنسي"، وقررت بدء حملة جديدة للضغط على الحكومة لإقرار تشريع يكفل الحماية للمرأة في الشارع والعمل، بل والمنزل أيضاً.
وجاء إطلاق الحملة متزامناً مع عرض الفيلم السينمائي "678" بطولة بشري وباسم السمرة، الذي يناقش ظاهرة التحرش الجنسي، فيما كشف تقرير حقوقي صدر حديثاً إن المرأة المصرية تعرضت لـ 1306 جريمة، خلال العام 2010، ومثلت جريمتا التحرش والاغتصاب الجانب الأخطر والأكثر انتشاراً.
وأشار التقرير إلي أن طالبات المدارس هن الأكثر معاناة من جريمة التحرش، وتأتي طالبات الجامعات في المرتبة الثانية، حيث بلغ إجمالي جرائم العنف ضد المرأة المعلن عنها، 1306 جريمة، جاءت جرائم التحرش الجنسي في مقدمة هذه الجرائم بـ 933 جريمة بنسبة 71.4%.
وجاءت جرائم العنف الأسري في المرتبة الثانية بعدد140 جريمة بنسبة 10.7%، واحتلت جرائم الاغتصاب المرتبة الثالثة بـ 98 جريمة بنسبة بلغت 7.5%، ثم جرائم الشرف بـ 84 جريمة بنسبة 6.4%، ثم العنف من طرف أمني 29 جريمة بنسبة 2.2%، وشكل العنف النفسي 22 حالة بنسبة 1.6%.
التحرش
ووفقاً للتقرير السنوي للمركز المصري للدفاع عن حقوق المرأة فإن جريمة التحرش الجنسي تصدرت مظاهر العنف المجتمعي، والتي تطوّرت في العديد من الأحيان إلى تحرش جماعي، لاسيما في الأعياد والتجمعات الاحتفالية، مشيراً إلي أن دراسة سابقة للمركز قدرت نسبة من تعرضن للتحرش في مصر، ب 83 % من المصريات و 92 % من الأجنبيات.
وجاءت الملامسات غير اللائقة للجسد على قمة أشكال التحرش بنسبة تجاوزت 40% بخلاف التتبع والملاحقة والمعاكسات الكلامية، وأن 62 % من الرجال مارسوا التحرش.
ونوه التقرير بأن مسحاً ميدانياً أجراه مركز مستشاري الاجتماع والتخطيط والتحليل والإدارة «سباك"، كشف أن 72% من المتزوجات، و94% من الفتيات تعرضهن للتحرش اللفظي في الشوارع، فيما بلغت نسبة من تعرضن للتحرش بملامسة الجسد17% من المتزوجات, و22% من الفتيات.
ولفت التقرير إلي أن 2500 حالة أبلغن المركز عن تعرضهن للتحرش الجنسي، لكن 2% فقط منهن حررنا بلاغات في أقسام الشرطة.
عنف الأزواج
و يشير التقرير إلي أن العنف الزوجي يحتل المرتبة الثانية من جرائم العنف ضد المرأة، حيث أفادت 33% من النساء أنهن تعرضن في وقت من الأوقات للضرب، أو الصفع، أو الركل، أو أي شكل من أشكال العنف الجسدي على يد الزوج.
فيما أكد 61% من المتزوجات تعرضهن لشكل من أشكال العنف المعنوي أو اللفظي من قبل الزوج، و أقر أربعة من كل خمسة رجال بأنهم وجهوا شكلا ما من أشكال العنف النفسي إلى زوجاتهم.
وقالت 17% من المتزوجات بأن أزواجهن أجبرنهن على ممارسة الجنس، فيما اعترف 0,4% من الرجال فقط بارتكاب ذلك الفعل.
الإغتصاب
وفيما يخص جرائم الإغتصاب، قال التقرير إن هناك طفرة فيها، ويحتل المرتبة الثالثة من جرائم العنف ضد المرأة، حيث بلغ أجمالي ما تم الإعلان عنه 98 جريمة بنسبة7.5% من الجرائم ضد المرأة، مشيراً إلي أن ما يتم رصده إحصائيا بصورة رسمية لا يمثل سوي نسبة 5 % من الحوادث، وأن الحالات الأخرى لا يتم التوصل إليها، إما لعدم الإبلاغ أو أن الجريمة وقعت من احد أقارب المجني عليها، أو أن المجني عليها طفلة، فيتم التكتم عليها خوف الوصمة والعار، الذي قد يلحق بكافة أفراد الأسرة.
وتترواح أعمار المغتصبين ما بين 25 سنة إلى 40 سنة، 70 % منهم لم يسبق لهم الزواج، و 52 % يعملون في أعمال حرفية، ونسبة الأمية بين الجناة تصل إلى 42 %.
وبلغت نسبة الاغتصاب الجماعي 43 % وهم مجموعة من الأشخاص يختطفون امرأة ويغتصبونها، ويؤكد 74 % من الجناة أن انعدام التواجد الأمني في العديد من المناطق هو ما يشجعهم علي ارتكاب الجرائم.
جرائم الشرف
وتحتل جرائم الشرف المرتبة الرابعة من بين الجرائم المعلنة بنسبة 6.4% من عدد جرائم العنف ضد المرأة، 70% من تلك الجرائم لم يتم ضبط الضحية في حالة تلبس، وإنما اعتمد الجاني سواء كان الزوج أو الأب أو الأخ علي الشائعات وهمسات الجيران والأصدقاء حول سلوك المجني عليها.
فيما تؤكد تحريات الشرطة أن 60% من الضحايا فوق مستوى الشبهات، و أن الجناة ارتكبوها بسبب سوء الظن.
وتقدر مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ضحايا جرائم الشرف 5 آلاف امرأة سنوياً.
عنف الشرطة
وحسبما ورد في التقرير فإن جرائم العنف الأمني المعلنة ضد المرأة، بلغت هذا العام 29 جريمة بنسبة 2.2% من الجرائم ضد المرأة، وقدم أمثلة على ذلك منها: اعتداء أحد الضباط بقسم شرطة ادكو على فتاة تعرضت للاغتصاب، لإجبارها علي الاعتراف بأنها تزوجت عرفيا من الجاني.
ختان الإناث
رغم تأكد الأضرار الصحية والنفسية والاجتماعية لممارسة عادة ختان الإناث، ورغم تجريم هذه العادة قانونيا، إلا أن التقرير كشفت عن ارتفاع ممارسة الأطباء لختان الإناث إلي 77%، حيث كانت النسبة لا تتجاوز 55% في عام 1995، رغم أنه لا يجري تدريس إجراء هذه العملية في كلية الطب، وعدد الأطباء الذين يجرون هذه العملية هو 2000 طبيب، ولفت إلي أن 64% من الذكور في مصر يرون ختان الإناث شيئا ضروريا.
الاتجار بالنساء
وحذر التقرير كذلك من انتشار العديد من أشكال الاتجار بالفتيات والنساء في مصر، فمازال الزواج الصيفي والمؤقت من القضايا المؤرقة في المجتمع ، كما أن تصدير العمالة المنزلية بلا ضمانات حقيقية يشكل أحد أشكاله، فضلا على عدم تأمين ظروف عمل آمنة للعمالة المنزلية الداخلية، مما يعرض العاملات لعلاقات عمل أقرب للعبودية، حيث تتعرض الخادمات لانتهاكات منها: الحبس القسرى في مكان العمل، ومنع الطعام والرعاية الصحية عنهن، والعمل لساعات طويلة وبدون أيام راحة، إضافة إلى عدم دفع الرواتب.
ويصل الأمر إلى حد الاعتداءات الجسدية والجنسية أو القتل في بعض الأحيان. ورغم اقرار قانون مكافحة الاتجار بالبشر، وتجريم زواج القاصرات، إلا أن خط المشورة الأسرية تلقي 242 بلاغاً في الفترة من 13 أغسطس 2009 حتي يونيو 2010 عن زواج أطفال تتراوح أعمارهن ما بين 12و18سنة، وأغلبهن في المرحلة الإعدادية أو حاصلات علي الشهادة الإعدادية.
انتقادات للتجاهل الرسمي للظاهرة
ومن جانبها، قالت نهاد أبو القمصان رئيس المركز المصري للدفاع عن حقوق المرأة، إن ما أسفرت عن نتائج التقرير لا تمثل إلا نحو 5% من الكارثة الأخلاقية التي يعاني المجتمع منها، وأوضحت أن هناك عدة أسباب تدفع الضحايا وأسرهم إلي التكتم على الجريمة، منها أن هذا النوع من الجرائم يقع في دائرة الشرف بالنسبة للأسرة، وتلتصق بالمرأة حتى و لو كانت مجنيا عليها، فضلاً على صعوبة إثباتها الجريمة في ظل وجود ثغرات قانونية. وتعرض المرأة للكثير من الآلام النفسية أثناء مراحل التحقيق، فهي تمثل الضحية تحمل في جسدها الدليل في الوقت نفسه، حيث يجري فحصها من قبل أشخاص غير مدربين على التعامل مع مثل تلك القضايا عادة، إضافة إلي أن طول فترة التقاضي، مما يعرض الضحية لضغوط من قبل الجناة وأسرهم. وفي النهاية غالباً ما يحصل الجاني على حكم مخفف.
وأضافت: "ظاهرة العنف ضد المرأة وأكثرها خطورة التحرش والاغتصاب والعنف الزوجي، صارت تنتشر بصورة مرعبة، ولم تعد تفيد حملات التوعية التي تقوم بها منظمات المجتمع المدني، بل تحتاج إلي تشريع يغلظ العقوبة على مرتكبيها، بما يحفظ للشارع أمنه، و تستطيع المرأة أن تسير فيه وهي آمنة على نفسها".
وأبدت أبو القمصان اندهاشها من تجاهل الحكومة مشروع القانون الذي تقدمت به المنظمات النسائية، والعديد من أعضاء مجلس الشعب. معلنة أن تلك المنظمات لن يعرف اليأس طريقاً إليها حتى يتم إقرار القانون و تطبيقه بجدية.
وأشارت منال عبد العظيم عضو "رابطة محاميات للدفاع عن ضحايا التحرش الجنسي" المشاركة ضمن 23 منظمة وجمعية أهلية في إطلاق حملة جديدة لمكافحة العنف ضد المرأة، إلى أن هناك العديد من الثغرات في قانون العقوبات، مما يؤدي إلي إفلات الجاني من العقوبة أو الحصول على حكم مخفف في حالة إرتكاب جريمة عنف ضد المرأة بدء بالتحرش اللفظي وانتهاء بالاغتصاب.
وقالت إن قانون العقوبات لا يعترف مثلاً بالعنف الموجه من الزوج إلي زوجته، إلا في حالات نادرة، كما أنه لا يتضمن تعريفاً لجريمتي التحرش الجنسي و الإعتداء الجنسي، ويتعامل مع جريمة إغتصاب الأطفال على أنها جريمة هتك عرض، ويحصل الجاني على حكم قد لا يزيد على الحبس لمدة سنة أو ستة أشهر، كما أن القانون لا يواكب التطور التكنولوجي الذي شهده العامل خلال الأعوام القليلة الماضية، والتي ساهمت في تفشي هذا الأنواع من الجرائم في المجتمع بشدة مثل الموبايل، والإنترنت، بالإضافة إلي أنه يمنح القاضي سلطة تحفيف الأحكام بدون ضوابط سوى ضميره.
وأضافت أن الدراسات والإحصائيات الرسمية تؤكد تفشي العنف ضد المرأة، واعترفت بأن له تأثيرا سلبيا على الاقتصاد، حيث تضطر بعض النساء إلي ترك العمل بسبب التعرض للتحرش في مقر عملها، وفي وسائل المواصلات وفي الشارع، لذلك تنتشر مقوله في المجتمع مفادها أن "الشغل بهدلة للمرأة"، فضلاً على أن العنف الموجه ضد المرأة طال أيضاً غير المصريات مثل السائحات، ولعل تحذيرات وزارة الخارجية الأمريكية لرعاياها من النساء خير دليل، مما يؤكد أنه يؤثر على سوق السياحة في مصر.
وأشادت عبد العظيم بفيلم "678" المعروض حالياً بالسينما، والذي يتناول ظاهرة التحرش الجنسي.
ودعت وسائل الإعلام وصناع السينما والدراما إلي تبني قضايا العنف ضد المرأة وتسليط الأضواء علي كافة أشكاله، لإرغام المجتمع الذكوري على إصدار تشريعات تكفل الحياة الآمنة للمرأة.
ونوهت بأن رابطة محاميات للدفاع عن ضحايا التحرش الجنسي، تحاول التصدي للظاهرة بشكل عملي، من خلال تطوع محامية في متابعة أي شكوي تتلقاها الرابطة، وتنظيم دورات تدريبية للفتيات والنساء على كيفية مواجهة المتحرش، والدفاع عن نفسها في حالة تعرضها لمحاولة إغتصاب.
النائب السابق في مجلس الشعب، جورجيت قليني، ممّن تصدوا لظاهرة العنف ضد المرأة، وقدمت مشروع قانون لتغليظ العقوبة ضد الجاني خلال الدورة الماضية، لكنه لم ير النور، قالت إن الأمر لم يعد يحتمل السكوت، وصار من الضروري مواجهته بتشريع، خاصة أن الإحصائيات تشير إلي تفاقم العنف ضد المرأة بكافة أشكاله، ولاسيما التحرش والإغتصاب، ودعت مجلس الشعب إلي ضرورة أقرار هذا القانون سريعاً.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :