ذكريات.. العمر اللي فات - الأخيرة بقلم: أنطوني ولسن2- 2
بقلم: أنطوني ولسن
تجربة النادي كانت تجربة قاسية ومؤلمة ومقرفة في الوقت نفسه. استطعنا الحصول على ادارته دون دفع سنتا واحدا كأجر.. وفشلنا في الحفاظ على ما حصلنا عليه كما فشلنا في عام 1976/1977 في الحفاظ على ما منحته لنا الحكومة الأسترالية من ادارة البرنامج العربي من اذاعة EA2 الجديدة التي أنشاتها الحكومة لخدمة الجاليات الاثنية عند بدء تطبيق التعددية الحضارية والثقافية.
ُسحب النادي منا لكثرة الخلافات والخناقات والضجيج الذي افزع الجيران.. ويمكنني ان اكتب صفحات وصفحات وصفحات عن النادي ومجلس ادارة النادي.. لكن ارى خسارة المداد الذي اكتب به عن النادي وامور كثيرة عن الجالية المصرية في سيدني.
نأتي الى ختام المسك في ذكريات العمر اللي فات والجزء الثاني منها ذكريات أستراليا.
كنت قد وعدت القراء بالحديث عن زيارة معينة لقداسة البابا شنودة لنا وأهميتها بالنسبة لي شخصياً.. وهذا لا يعني ان زياراته لنا منذ اول زيارة حتى زيارته عام 2002 لم تكن لها اهمية بالنسبة لي!!.. لا على النقيض من ذلك، فمثلاً في زيارته الأولى وقبل ان اتشرف بلقاءه حدث في منامي انني توجهت الى مبنى كأوتل كبير.. صعدت الدرج.. لكني توقفت بعد صعودي عدة درجات ونظرت خلفي فإذ بقداسة البابا شنودة والمطارنة وقوفا عند (الرسبشن) وما ان التقت عينانا حتى اشار لي بيده ان اهبط الدرج واذهب اليه.. بالفعل هبطت الدرج وذهبت اليه فمد يده الى جيب قميصي واخرج قلمي (الباركر) وكتب اسمي في دفتر كبير ثم اعاد القلم الى مكانه قائلاً لي بالحرف الواحد (بلالش غلبه).. استيقظت ولم انم..
قمت بتغطية جميع زياراته لنا صحفيا بالحضور المستمر للمؤتمر الصحفي الذي يعقده عند وصوله سواء في غرفة كبار الزوار بالمطار او في الكاتدرائية المرقسية بارنكليف او في القنصلية المصرية بسيدني عند الاحتفال بقدومه المبارك لسيدني.
في زيارته المقدسة لنافي فبراير عام 1991 استقبلنا قداسته في غرفة كبار الزوار كالعادة وتابعت تحركاته ومنها زيارته قبل عودته المباركة الى مصر، لبرلمان ولاية نيو سوث ويلز للقاء مع رئيس وزاء الولاية في ذلك الوقت السيد نيك جرينر.. تم اللقاء وتبادلت الهدايا بل لقد وزع علينا قداسته هدايا.. سعدت بالحصول على هدية منه.. لكن مع الأسف لم يحصل البعض الآخر ومنهم الأخ جوزيف خوري صاحب ورئيس تحرير جريدة (البيرق) في ذلك الوقت و(الستقبل) حالياً، والذي كان يحرص دائماً على التواجد في جميع زيارات قداسته للتبرك. اعطيت هديتي له لأنني اعرف مدى حبه لقداسة البابا.
بعد الانتهاء من المقابلة خرجنا وكان على قداسته الذهاب الى القنصلية المصرية في سيدني للاحتفال بقداسته وتوديعه لسفره عائدا الى مصر في اليوم التالي ، مع دعوة لرجال السياسة الاسترال والعرب ورجال الدين.
وقفنا خارج البرلمان ملتفين حول قداسته.. التفت الينا وقال:
- معادنا مع سعادة السفير لسه بدري عليه.. لكن ايه رأيكم لما نروح ونفاجئه.. ما هو إبننا مصري زينا.
بالفعل توجهنا جميعاً الى يت سعادة السفير يحي روزباي حيث استقبلنا الرجل وعائلته ودخلنا الى غرفة الجلوس.. وحدث ما لم يكن في الحسبان وما لا أعرف كيف حدث ذلك ،ان وجدت الجميع يفسحون لي الطريق للجلوس الى جوار قداسته دونا عن اي من الحاضرين من الاساقفة والمطارنة والقساوسة.. بل من رجال الكنيسة ذوي المراكز المرموقة.
دارت حوارات متعددة بين قداسته والحضور وكنت من وقت لآخر اتحاور معه فيما بيننا عن المرأة ومكانتها الاجتماعية وحقوقها.. والخ. فكان يرد علي ثم يحول الحديث بسؤاله عن صحتي.
تعجبت لذلك فأنا اتحرك واصعد الدرج وأمشي عادي جدا ولا احد يمكنه ان يقول او يلحظ انني مريض.. لكن لم املك غير ان اخبرته بموضوع قلبي وما حدث لي عام 1985.
جاء وقت الأحتفال الرسمي فخرجنا جميعا الى الصالة الكبرى حيث الحضور الذين استقبلوه استقبالا يليق بقداسته.. بدأت تبادل الكلمات وقدم المتنيح مثلث الرحمات المطران الرملاوي هدية لقداسته واتذكر جيدا رد قداسته على المطران..
- أشكركم على هديتكم وكلمتكم.. ليس عندي الآن ما اقدمه لنيافتكم..
صمت فترة وجيزة ثم مد يده الى عنقه واخرج صليبا كان يضعه على صدره قائلا لنيافة المطران:
- هذا الصليب ارتديه على صدري منذ اكثر من 25 سنة، أقدمه لكم بكل حب..
قبّلَ نيافة المطران يد قداسته وشكره على البركة العظيمة التي نالها بهذه الهدية المباركة.
كان موعد سفر قداسة البابا صباح اليوم التالي.. ذهبت الى المطار مبكرا عن الموعد. وكان من الطبيعي ان اتوجه الى غرفة كبار الزوار لتوديعه. فوجئت بالأخ المسؤول يمنعني لأن اسمي غيرمدرج بكشف الزوار. تعجبت واخبرته بوجودي في نفس المكان وقت وصول قداسته ضمن من كانوا.. ومساء أمس كنت مع قداسته في برلمان نيو ساوث ويلز وعند سعادة السفير القنصل العام لمصر في سيدني وكنت معنا.. زد على ذلك كما تعرف انني صحفي وهذا هو الكارت الخاص بي.
تأسف عن عدم السماح لي بالانتظار بالداخل.
عادة في مثل تلك المواقف وإذا كنت مقتنعا بأن هذا حقي اثور غضبا وأصر على حقي مهما كان المتحدث معي ان كان ذلك في مصر او أستراليا او تعاملي مع أصحاب الياقات البيضاء والأنوف المستعلية من المصريين الذين دائماً وابدا اطلق عليهم مقولتي التي يعرفه الكثيرين من ابناء الجالية المصرية والتي اقول فيها «الحافي لبس جزمه ، واللي كان بجزمه ، ركب لها حديدة علشان لما يضرب بيها يجرح».
لكن ربكم والحق لا اعرف كيف اصبت بذلك الهدوء وخرجت وإذ بي أفاجأ بالقرب من (الكوريدور) المؤدي الى غرفة كبار الزوار بوجود كرسي فاضي لا يجلس عليه احد وسط هذا الزحام الكبير من الشمامسة والشعب القبطي الذي جاء لتوديع قداسته.
بعد فترة سمعت (الزغاريد) والتصفيق، فنهضت واتجهت ناحية مجيء قداسته.. وهنا حدث ما لم أكن اتوقعه او يخطر على بالي.
نظر قداسته فرأني متجها اليه.. شق طريقه متجها نحوي مباشرة.. إقترب مني مادا قبضة يده ضاربا صدري ناحية اليسار قائلاً لي:
- عامل ايه معاك دا.. عامل ايه معاك دا.. عامل ايه معاك دا.. وفي كل مرة يردد فيها قوله المقدس كان يضرب صدري بقبضة يده الطاهرة..
والغريب انني كنت أبتسم واقول لقداسته:
- بركة صلواتك قلبي حيكون حديد
حدث هذا في شهر فبراير عام 1991..
وفي عام 2002 عندما زارنا في ذلك العام.. ذهبنا الى المطار حيث سنلتقي به عندما يعقد المؤتمر الصحفي وكان الاستاذ جوزيف خوري موجود بأسم الجريدة»المستقبل» كصاحبها ورئيس تحريرها.. إنتهى المؤتمر وبدأ الضيوف يسلمون عليه..بقيت حتى لم يبق في الغرفة غيري.. توجهت الى قداسته وضعت شفتاي فوق يده الطاهرة أقبلها وإنتابني هاجس غريب.. هاجس يخبرني باننا لن يرى احدنا الآخر فظللت منحنيا مقبلا يده لأكثر من عشرة دقائق دون تململ منه.. ومن ناحيتي غير عابيء لوقوف الدكتور مدحت جرجس في انتظار سيدنا.
بعد ذلك توجهنا الاستاذ جوزيف وأنا الى الكاتدرائية المرقسية لنكون في استقباله هناك.. لكني لم اكن في حالة نفسية تسمح لي بالانتظار.. طلبت منه ان يوصلني الى المنزل ويعود هو الى الكنيسة.
فعل ذلك مشكورا..
ولا أعرف حتى اليوم واللحظة سبب ذلك الشعور الغريب الذي انتابني في ذلك اليوم.. ولم اتابع قداسته في زيارته للتغطية الصحيفية.
وها انا اختم ذكريات العمر اللي فات في أستراليا بهذه الذكريات العطرة . وأعتذر عن عدم الكتابة عن الأعلام العربي والمصري في أستراليا ، لأتخاذي قرار كنت قد إتفقت عليه من بداية هذا العام مع قلمي على الخلود للراحة والأستجمام بعيدا عن هم الصحافة والكتابة .
شكرا لكل قاريء قرأ لي ، وأعتذر لمن أساء فهم ما أكتب .. وشكرا لكل من نشر لي حرفا من كلمة في جملة لمقال أو قصة أو رواية أو قصيدة ، أو تغطية صحفية لما يدور من مناسبات وأحداث للجالية العربية والمصرية ، بل والشئون الأسترالية ، وأخص بالذكر أيضا كل من أتاح لي الفرصة بتقديم برامج إذاعية في المحطات العربية حكومية أوخاصة ، ومن شجعني على إصدار الكتب وسلسلة كتاب " المغترب " .
تحياتي لكم بعيد ميلاد مجيد ، وعام جديد سعيد .
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :