المتحف القبطي يحتفل بمئويته
كتبت: ميرفت عياد
بدأت الرحلة إلى المتحف القبطي عندما استقليت مترو الأنفاق، وعند وصولي لمحطة "مارجرجس"، ونزولي من على درج المحطة، وجدتُ نفسي في عصر آخر غير العصر الذي نعيش فيه. عصر يفيح منه عبق التاريخ وحضارته وأمجاده التى نلمسها في كل مكان في منطقة "حصن بابليون"، ذلك الحصن الأثري الذى تركه لنا الرومان، والذى يحتوى على ست كنائس أثرية أشهرها الكنيسة المعلَّقة، المبنية على برجين من أبراج الحصن القديمة، والتي يرجع تاريخ إنشائها إلى القرن الخامس الميلادي، وكانت مقر الكرسي البطريركي فى القرن الحادى عشر الميلادي. هذا بالإضافة إلى كنيسة "أبي سرجة" التي تم بناءها فوق الكهف الذى لجأت إليه العائلة المقدَّسة أثناء هروبها إلى أرض "مصر". وبعد نظرة سريعة على تلك الآثار التي يُعوزنا الوقت للحديث عنها، قرَّرت أن أبدأ جولتي في المتحف القبطي.
اجراءات للحفاظ على المتحف
وكم تمنَّيت أن يكون حاضرًا معي مئوية هذا المتحف الجميل، "مرقس باشا سميكة".. ذلك القبطي الذى قام بإنشائه عام 1908 وافتتحه عام 1910 بهدف جمع الكنوز الأثرية القبطية التي تعج بها الأديرة والكنائس القديمة والقصور الفخمة، لحفظها من الضياع والاندثار، ولوضع لبنة متحف عريق يجمع بداخله العديد من القطع الأثرية القبطية النادرة والفائقة الجمال. ومن المؤكَّد أن "مرقس باشا سميكة" لو كان حاضرًا بيننا، لكان سعيدًا وهو يرى الأجيال المتعاقبة تحافظ على هذا المبنى القديم المكوَّن من تسع قاعات عرض، وقد تم إضافة مبنى جديد إليه مكوَّن من (17) قاعة عرض أخرى، وعمل كوبرى بالداخل للربط ما بين المباني فى انسجام يسهِّل معه تنقل الزائرين. كما لم يتم الاكتفاء بهذا، بل تم ترميم المبنى القديم، وتأمين المتحف، وتطوير نظم الإضاءة. ولم يبخل المجلس الأعلى للآثار على المتحف بأعمال التطوير والترميم، إلى الدرجة التى جعلته يتكلَّف من أجل ذلك (30) مليون جنيه، لاتمام كافة اجراءات التطوير والتحديث اللازمة لحماية (20) ألف قطعة أثرية يضمها المتحف.
النافورات والأعمدة الرخامية
وجاءت لحظة دخولي إلى أبواب بهو المتحف وقاعاته الداخلية، وهنا لاحظت الأسقف التى تفيض بالجمال والرونق والرقي والعراقة.. ولما لا، وهى مأخوذة من قصور الأقباط؟ كما لفت نظري العديد من النافورات والأعمدة الرخامية، خاصة النافورة الموضوعة فى مدخل المتحف، والتي تُشعرك وأنت تخطو أولى خطواتك إلى الداخل، بأنك مقبل إلى أحد قصور العصور الغابرة، خاصةً وأنت ترى أربعة أسود رابضين على باب المتحف يقومون باستقبال الزوار بحفاوة بالغة. ومع كثرة التجوال داخل المتحف، لاحظت أن قاعات العرض مقسَّمة طبقًا للأماكن التى تم العثور على القطع الأثرية بها، فهناك قاعات عرض لآثار منطقة "سقارة"، وخاصةً الآثار التي عُثر عليها فى دير الأنبا "أرميا"، كما توجد قاعة عرض لآثار منطقة "إهناسيا" الواقعة بالقرب من "بني سويف"، وهي عبارة عن قبور حجرية منحوت عليها العديد من الأساطير. وهناك قاعة عرض أخرى لآثار دير الأنبا "أبوللو" الموجود بمنطقة "باويط" الواقعة بالقرب من مدينة "أسيوط". وعندما قمت بالانتهاء من جولتي فى الدور الأول، قرَّرت أن أصعد إلى الدور الثانى بالدرج الموجود فى نهاية الدور الأول، وهنا استقبلتني العديد من القاعات الأخرى المخصَّصة للعرض النوعي للآثار، لتجد مجموعة من القاعات منها: قاعة لملابس الكهنوت، وأخرى للكتاب المقدس، وأخرى للبرديات، وأخرى للأخشاب، وأخرى للأدوات الكتابية.
لوحات جدارية وأيقونات
ومن أجمل الآثار التي لفتت انتباهي في قاعات العرض المختلفة، اللوحات الجدارية التي تمثِّل إحداها السيد المسيح داخل أكليل من الزهور، وأخرى تمثِّل "إبراهيم" أبو الآباء يقدِّم ابنه ذبيحة، وأخرى توضِّح منظر نصفي للسيد المسيح رافعًا يده اليمنى لمنح البركة واليسرى ممسكة بالانجيل، ولوحة جدارية أخرى مرسومة بالألوان للقديس "أبا نفر" السائح بلحيته الطويلة، والتى تصل إلى أخمص قدميه، وبجواره يقف القديس "مكاريوس" والقديس "أبوللو"، وخلفهم صليبان مثبتان على حامل. أما عن الأيقونات، فهناك اثنين في غاية الجمال، إحداها تمثِّل هروب العائلة المقدسة إلى "مصر" حيث تصوِّر السيد المسيح طفلًا تحمله العذراء في حضنها، والثانية توضِّح زيارة الأنبا "أنطونيوس" أبو الرهبان إلى الأنبا "بولا" وخلفهما الغراب ممسكًا برغيف من الخبز. هذا إلى جانب وجود عدة أناجيل تضم البشائر الأربعة، مكتوبة بالألوان على الكتان. وأيضا كتاب المزامير ذات الأغلفة الخشبية. هذا بالإضافة إلى العديد من المشغولات المعدنية النادرة مثل السُرج والأقراط والعقود والصلبان والخواتم والمكاحل، وغيرها من المقتنيات المعدنية المصنوع معظمها من الفضة أو النحاس.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :