الأقباط متحدون | المسيحي القبطي والزنجي الأمريكي
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٨:٣٦ | الخميس ٢ ديسمبر ٢٠١٠ | ٢٣هاتور ١٧٢٧ ش | العدد ٢٢٢٤ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار
طباعة الصفحة
فهرس مع رئيس التحرير
Email This Share to Facebook Share to Twitter Delicious
Digg MySpace Google More...

تقييم الموضوع : *****
٣٩ أصوات مشاركة فى التقييم
جديد الموقع

المسيحي القبطي والزنجي الأمريكي

الخميس ٢ ديسمبر ٢٠١٠ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم : عزت بولس
تحدثنا في مقالنا السابق"ترويض الوحش الإعلامي" عن أهمية وحجم الدور الذي يقوم به" الإعلام" بكافة وسائله في تنمية توجهات بعينها داخل المتلقي، إضافة لدوره التقليدي في إيصال المعلومات وتحليلها عن الأحداث الجارية الكبرى منها والصغرى.
اليوم سأتطرق عبر سطوري القادمة لنقاط جديدة عن قضيتنا أو وحشنا الذي يمكن أن يلتهم كل شيء، ويمكن أيضًا ترويضه لبناء أشياء كثيرة-الإعلام- والذي من الممكن جدًا أن يكون وسيلة جيدة لتحقيق التقارب أو القبول بين أبناء الطوائف المختلفة بكافة أنواعها فكرية كانت أو مذهبية أو دينية أو حتى عرقية.
النموذج الأمريكي- النهج الإعلامي- كان أحد أهم العوامل المساعدة برأيي في تذويب فواصل الرفض والكراهية المقيتة بين" الزنوج" والمواطنين من ذو البشرة البيضاء بالقارة الأمريكية،وقبل الاستفاضة في طبيعة وحجم ذلك الدور-الإعلامي- من المهم الحديث أولاً عن شكل العلاقة بين "البيض والزنوج"  كيف كانت؟ لنتمكن بعدها عن علم من قياس حجم تأثير "الإعلام الأمريكي" في صناعة التغيير الإيجابي البناء.
بداية لابد من التأكيد على أن لفظه" زنجي" مصطلح يحمل كل المعاني العنصرية التي تعود لعصر العبيد،واستخدامها بالمقال ليس لسب ذو البشرة السمراء، إنما فقط لإيضاح كيف أن التطور وتغيير النظرة للأخر المختلف عرقيًا بأمريكا شمل كل شيء حتى المصطلحات، فالقانون الأمريكي يعتبر التفوه بكلمة"نيجرو" جريمة سب تستحق العقاب.
 مظاهر العنصرية ضد الأخر العرقي بأمريكا أخذت أشكال كثيرة كان أبرزها من خلال جماعة" الكوكلوكس كلان" التي تبنت نظريات شديدة العنصرية منها أن البيض أكثر تفوقًا على كل الأعراق المغايرة، وأمتدادًا لذلك الاستعلاء المريض والعنصرية البغيضة ظن مؤسسي تلك الجماعة أن أصحاب البشرة السمراء ليسوا "ببني آدميين" من الأساس، ولهذا استباحوا دمائهم عبر عمليات اصطياد لهم يعقبها قتل بأكثر الوسائل بشاعة وألمًا.

العجيب أن تلك الجماعة العنصرية الدموية كانت تتخذ من "الصليب الملتهب" شعارًا لها، ويرتدون وهم القتلة الآثمين ملابس وقبعات بيضاء- كأنهم ملائكة- لا تُظهر غير عيونهم،ويتسلل إلى مخيلتي الآن عندما أذكر تلك الجماعة مجموعة أخري مصرية مشابهة بالأهداف، وإن اختلفت قليلاً بنمط الأداء ألا وهم جماعة" الإخوان المسلمين" الملتحفين بشعارات وعلامات دينية،ولعل شكل ملابس العرض الإخواني الشهير بحرم جامعة الأزهر يدلل على ذات الشبه.

على المستوى الشعبي الأمريكي كانت معاملة البيض للسود كما السيد والعبد،حيث لايسمح –للسود- بالمشاركة في أي مناسبة رسمية أو نشاط اجتماعي كان أو سياسي أو غيره،إضافة لهذا كان يتم عزل كل ما هو أسود البشرة داخل أنشطة تجارية بعينها بل أمتد الأمر لأن يكون لهم وسائل مواصلات خاصة بهم....كل ذلك التمييز والإقصاء من قبل الأبيض للزنجي أو أسود البشرة، كان دافعه الأول سيطرة فكرة أن الأسود لم يرتقي بعد ليُصبح إنسان من منظور عقلية الأبيض.
أنتفض بعض الأمريكيين بستينات القرن الماضي وتحديدًا عام 1963  لمواجهة العنصرية التي بدأت تضرب بقوة مجتمعهم،ومن ثم تؤثر سلبًا على نموه وتحقيق السلام والتعايش بين أبنائه، فقاموا بمظاهرة كبيرة جدًا بالنسبة لذلك الوقت، أشترك بها نحو مائتان وخمسون ألف مواطن أمريكي، منهم نحو ستون ألف من البيض بقيادة القس مارتن لوثر كينج، وبعد تلك الانتفاضة الأمريكية إن جاز التعبير أدركت الإدارة الأمريكية سياسيًا آنذاك حجم ووطأة العنصرية ضد ذوو البشرة السمراء،وبدأت بانتهاج خطوات فعلية للتغيير منها إصدار قانون الحقوق المدنية عام 1964 والذي أكد ببنوده على المساواة الكاملة بين جميع المواطنين الأمريكيين،ليعقب ذلك القانون تحرك ذكي عبر "الإعلام"للتواصل مع جموع الأمريكيين وتمهيد عقولهم لقبول المساواة القانونية المُشار لها بالأعلى، فالقوانين دون دعم جماهيري تظل حبيسة الأدراج، ما لم تدعم بإعلام ذكي يستخدم التقنيات الحديثة في الاستمالة والتأثير والإقناع.

انتشرت أجهزة التلفزة بالمجتمع الأمريكي مع بدايات الخمسينات ولكن حتى أوائل الستينات كان غالبية مقدمي البرامج الجماهيرية وغير الجماهيرية بذلك الجهاز الخطير من ذو البشرة البيضاء، في إهمال واضح وصريح لمن هم ذو بشرة سمراء ويشكلون نحو أثنى عشر بالمئة من الشعب الأمريكي...وكان بغالبية الأحيان يظهر هؤلاء "السود" بالأعلام بوصفهم جزء من جريمة ما حدثت،أي أن الإعلام أعطى صورة جمعية للمتلقين بأن "الأسود" ليس إلا مجرم مما كان يثير حفيظة المجتمع أكثر أكثر تجاه شريحة عرقية تعيش بداخله.
مع مطلع الستينات تبدل الأمر وأصبح "الأسود" وجه إعلامي وليس ضيفًا ببرنامج لكونه"مجرم" ونجح ذلك النهج الانفتاحي الأمريكي بالإعلام، في وصول إعلاميين أمريكيين ذو بشرة سمراء للنجاح الساحق والكبير خارج إطار القارة الأمريكية وأبرزهم مثل أوبرا وينفرى Oprah Winfrey ذات البشرة السمراء، ونجم التلفزيون سامى ديفيز Sammy Davis.
بقطاع السينما الأمريكية الذي تابعته على مدار سنوات طويلة بشغف كبير، أتذكر فلمين ساهما برأيي في إبلاغ رسائل مهمة للمواطن الأمريكي،أحدهم- عفوًا لعدم تذكر أسم الفيلم ذاته- للممثل "جيمس ستيوارت" حيث لعب من خلاله دور موظف كبير بالأمم المتحدة، ينادى طوال الوقت بضرورة المساواة بين البيض والسود ولهذا لا يتواني في الوقوف بجانب أيًا منهم بأية مشكلة تواجهه،لإيمانه بأن مطالب هؤلاء عادلة وتقع بإطار تحقيق" المواطنة" بمعناها الشامل داخل المجتمع،ويظل الرجل يؤدى دوره الحقوقي هذا بقناعة كاملة بأهمية دوره،إلى حين يحدث بحياته اختبار حقيقي لمبادئه حيث تأتي له أبنته الوحيدة بصديقها "الأسود" معلنة رغبتها في الزواج منه،ليجد الأب ذاته في مأزق كبير،فكيف له تخيل أبنته الوحيدة زوجة لرجل أسود البشرة؟ ليبدأ صراع داخلي داخل الأب يُحسم بالبحث عن أدوات جديدة لاختلاق أسباب بعيدة عن كون- زوج ابنته- أسود لرفض الزواج بشكل لايظهر للمجتمع أو لأبنته صراعه الداخلي هذا وأسباب رفضه الحقيقي للزواج،لكن كل تلك المحاولات ذهبت سدى عندما أكتشف أن المرشح لأن يكون زوج ابنته ذو تاريخ ناصع البياض، ولديه الكثير من العلاقات المميزة بزملائه بالعمل، إضافة لكونه من حملة أعلى المؤهلات من أكبر الجامعات الأمريكية.
الجميل بذلك الفيلم أنه أثناء رحلة اكتشاف الأب لزوج ابنته المرتقب هذا يتقرب جمهور المشاهدين إلى ذلك الشاب الأسود البشرة، ويبدءوا في التعاطف معه على الشاشة ليعكسوا ذلك بحياتهم،خاصة وأن نهاية الفيلم كانت لصالح قبول ذلك الأخر حيث تزوج الشاب الأسود من الابنة البيضاء بمباركة الجميع.
هناك فيلم أمريكي أخر – لا أتذكر أسمه أيضًا- للممثل العبقري الأسود "سدنى بواتيه" حيث لعب من خلاله دور "مدرس" بإحدى المدارس الأمريكية المختلطة وتعرض من خلال عمله هذا للعديد من سلوكيات السخرية من الطلبة والطالبات إضافة للمكائد التي كانوا يصنعونها ضده لإثارة غضبه، وبتتابع الأحداث ومن خلال معالجة سينمائية ذكية ومبدعه، يتضح للمشاهد أن ذلك الأسود إنسان أولاً ينبغي تقييمه وفق ذلك الإطار وليس وفق لون بشرته،وعندما تعامل معه طلاب مدرسته وفق ذلك التقييم تفاعلوا معه وتقبلوه كأخر مغاير يدافعون من أجل بقاءه.
ذلك التلامس الإنساني بين المدرس الأسود وتلاميذه بعد عداء عنصري بغيض، نجحت كل مجموعة العمل خلف ذلك الفيلم في توصيله  بسلاسة غير معتادة للمتفرجين....أفلام تتابعها فيتغير فكرك وليس كغالبية أفلامنا التي نتابعها لنصفر ونسخر دون أن تُضاف إلينا قيمة حقيقة بناءه.
إذا عكسنا الصورة وتحدثنا عن الفن السينمائي المصري وكيف يتناول الأخر الديني،فحدث ولا حرج عن كم السطحية في التناول تلك السطحية التي تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك عدم احترام القائمين على صناعة ذلك الفن لعقلية الموجة لهم المُنتج السينمائي،فجرجس وبطرس يظهرون بالسينما المصرية وهم يتضرعون أمام صورة القديسين طلبًا للعون أو ليتبادلوا فيما بينهم بشكل غير مبرر ودون هدف آيات كتابية مقدسة،لتكون النتيجة صورة كاريكاتورية عن الأخر الديني، وأحيانًا صورة مستفزة عن تسامح ذلك "الأخر الديني" حيث الزواج المختلط بين المسيحيات والمسلمين وكأن ذلك الوضع مقبول بالأساس داخل مجتمع تحكم قوانين الزواج به المؤسسات الدينية.
هؤلاء السينمائيين المصريين الغير واعيين، عندما يقدمون الأخر الديني بتلك الصور المشوهة، في ظل الاحتقان الطائفي المتنامي بالمجتمع إنما يزيدوا الأجواء اشتعالا ويعمقوا من فجوة الجهل بالأخر إلى حد أكثر عمقًا مما هو الحال عليه الآن.
 اذكر هنا لتقريب الفكرة السالفة الذكر مشهد من فيلم "هندي" الذي قام قام ببطولته أحمد ادم مع صلاح عبد الله الذي أدى من خلال الفيلم دور المسيحي الطيب الساذج جدًا عكس صديقه المسلم الأكثر دراية وتفاعلاً مع المجتمع والأحداث...ليستمر الهزل حتى يتخلى المسلم عن شقته لصديقه المسيحي "المغلوب على أمره" من خطيبته سليطة اللسان...ليخرج المشاهد العادي البسيط الفكر من ذلك الهزل السينمائي ولديه قناعة بأن القبطي مواطن ليس بطبيعي ساذج...ضعيف...خائب أو بلغة أهل الشارع والغناء حديثًا"خرنج".
الزعيم عادل إمام تناول المسيحي بالمجتمع المصري من خلال فيلمه" حسن ومرقص" وبالفعل نجح الفيلم في عرض بعض الأسباب التي تقف خلف الفتن الطائفية كوقود لها،ولكن ورغم ذلك الجزء الإيجابي يمكنني القول أن الفيلم أنزلق إلى مايمكن تسميته بـ"الفكر الحكومي" أو "فكر التوازنات" في عرض أزمة إشكالية العلاقة بين المسيحي والمسلم وبهذا لم يقدم المخرج وكاتب السيناريو جديدًا عبر ذلك الفيلم،عكس نفس نقاط المجادلات التليفزيونية العقيمة التي تتناول ذات الشأن بالنقاش.
أتشوق إلى إعلام مصري واعي يسير بمنهجية علمية...إعلام زكي لا يخشي مناقشة أية قضية من خلال رؤى مختلفة...إعلام يبرز الأخر ويسمح له بالحديث لعرض أفكاره وأزماته ومعاناته...إعلام بعيد عن العبارات الطناطة التي عفي عليها الزمن.
كفي استخدام عبارات نحن نسيج واحد وقماشه واحده وووو،فالتكرار لمثل تلك العبارات أفقدها المصداقية وأصبح يدعو للسخرية،نحن الآن نحتاج الفعل والتحرك عبر الواقع وليس عبر أثير الكلمات.
الأخر بمجتمعنا المصري لم يتم استيراده من الخارج، فالجميع مصريون يحملون نفس الصفات الوراثية ويختلفون بالعقيدة الدينية،ومن ثم تذويب الاختلافات وتحقيق الاندماج الكامل والتعايش الحقيقي أكثر سهولة من الشعوب المختلفة الأعراق.
 لقد استطاعت الأمة الأمريكية خلال خمسون عام التغلب على النزعة العنصرية،وأصبح للزنوج المواطنة الكاملة كما للبيض تمامًا،ووصول سيدة من أصول أفريقية لمنصب وزيرة خارجية، ورجل لمنصب وزير دفاع وأخيرًا  أوباما لكرسي الرئاسة لهي دلائل كبري لتحقق "المواطنة" بمعناها الكبير والحقيقي داخل أمريكا.
لقد أستطاع الإعلام الأمريكي عبور مستنقع العرقية، فمتى يستطيع إعلامنا المصري عبور مستنقع الطائفية؟




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تقييم الموضوع :