الأقباط متحدون | التشكيك في عروبة شيعة العراق جـ1
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٥:٠٢ | الخميس ٢ ديسمبر ٢٠١٠ | ٢٣هاتور ١٧٢٧ ش | العدد ٢٢٢٤ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

التشكيك في عروبة شيعة العراق جـ1

الخميس ٢ ديسمبر ٢٠١٠ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

(الطائفية السياسية ومشكلة الحكم في العراق- 11
د. عبدالخالق حسين

أن تكون عربياً لا يعني أنك أفضل من الأجناس البشرية الأخرى، كذلك أن تعتز بانتمائك القومي، لا يجعلك فاشياً أو عنصرياً، ولكن من الفاشية إذا نظرت إلى العناصر البشرية الأخرى نظرة عداء ودونية لا لشيء إلا لأنهم ليسوا من قوميتك. ولذلك نقول أن حملة الطائفيين للتشكيك في الانتماء القومي للعرب الشيعة في العراق لا يقلل من إنسانيتهم ومكانتهم ووطنيتهم، فكلنا أبناء آدم وآدم من تراب. كما وبات معروفاً أن شعبنا العراقي يمتاز بتعددية مكوناته، مشكلاً فسيفساءً جميلاً متعدد الألوان، من العرب والكرد والتركمان والآثوريين والكلدان والفرس والأرمن وغيرهم كثيرون، وهو ما يدعو للفخر والاعتزاز، لا الطعن والغمز واللمز.

ولكن الاعتراض هنا هو على الدوافع من حملة الطعن والتشكيك بعروبة أبناء العشائر العربية الشيعية بالذات دون غيرهم التي بدأت منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921، فهي دوافع كيدية، الغرض منها التشكيك في ولائهم الوطني، ونعتهم بالطابور الخامس، وأحفاد العلقمي و"الفرس المجوس"، وبالتالي لتبرير التمييز ضدهم، وحجب المواطنة الكاملة عنهم، لمنعهم من المشاركة العادلة في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص في وطنهم. هذه المشكلة موجودة من وقت طويل، وتعاظمت منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921، وعلاجها لا يتم بإنكارها والمطالبة بالسكوت عنها، بل بتسليط الضوء عليها ومعالجتها.

"الشيعة عجم"، هذه المقولة ولدت مع ولادة الدولة العراقية الحديثة، حيث تبنت النخبة الحاكمة آنذاك، سياسة التمييز الطائفي في تعاملها مع العرب الشيعة وناصبتهم العداء وبالأخص لقادتهم السياسيين الذين قادوا ثورة العشرين وحتى يومنا هذا، والعمل على سلخ الشيعة العرب من انتمائهم القومي العربي، ووضعهم في خانة التبعية الإيرانية. يقول الأستاذ حسن العلوي في هذا الصدد: "إن كل شيعي هو إيراني" هذا القانون العام الذي استحدث لأول مرة على لسان السيد مزاحم الباججي، في خطابه الذي ودع فيه الكولونيل ولسن- وكيل المندوب السامي البريطاني- بعد ان أجهز عسكرياً على ثورة العشرين. يقول مزاحم الباججي في طعن ثورة العشرين والقائمين بها: "إن الحركة الحالية ليست حركة عربية خالصة، بل إنها اختلط بها عنصر أجنبي كان مع أسفي الشديد موفقاً في استخدام السمعة العربية والثورة العربية والدم العربي لمنفعته الخاصة بأمل إضعاف مركز بريطانيا العظمى". (راجع الخطاب في الثورة العراقية للكولونيل ويلسون، ترجمة جعفر الخياط).(1)

وقد تطرقنا في فصل سابق إلى محاولة أحد هؤلاء الطائفيين، عبدالرزاق الحصان، وبدعم عدد من رجال السلطة في العهد الملكي في الثلاثينات من القرن الماضي، بالطعن بشيعة العراق فنشر كتاباً بعنوان (العروبة في الميزان) وصف فيه الشيعة بأنهم شعوبيون بالإجماع، فرس بالإجماع، وهم من بقايا الساسانيين في العراق، ولا حق لهم في السلطة، أو أي تمثيل في السلطة!! لأن الأجنبي ليس من حقه المساواة مع ابن البلد.

أما الواقع عن عروبة شيعة العراق فهو كما عبر عنه عبد الواحد الحاج سكر، شيخ عشيرة آل فتلة، وأحد قادة ثورة العشرين من الفرات الأوسط، مخاطباً المندوب البريطاني بروح عربية وعفوية، ونوايا صادقة، دفاعاً عن العرب وعزتهم بقوله: "لقد جبلنا نحن العرب على العز، وأنتم مخطئون إذا كانت في نيتكم إذلالنا. إن الإستبداد البريطاني سحق مقدسات العرب، إن العرب لا يوافقون بالإحتلال، وسيرى الإنكليز إن شاء الله، عزة العرب وأنفتهم".(2)

المؤسف أنه بقيت تهمة التبعية الإيرانية سيفاً مسلطاً على رقاب الأغلبية العربية في نزع المواطنة العراقية عنهم، وتهجيرهم إلى إيران في أية لحظة ومتى ما شاءت السلطة، ابتداءً من حكومة عبد المحسن السعدون، التي نفت الشيخ مهدي الخالصي، أحد قادة حرب الجهاد وثورة العشرين ضد الاحتلال الإنكليزي، حيث نفته إلى إيران بتهمة التبعية الإيرانية على الرغم من أنه من عشيرة بني أسد العربية المعروفة. وهذا التهجير، وضع سابقة للحكومات اللاحقة ومنها حكومة صدام حسين في السبعينات والثمانينات الذي قام بحملة فاشية واسعة النطاق بتهجير مئات الألوف من العراقيين في الوسط والجنوب إلى إيران، ما هو إلا تكملة لذلك النهج الطائفي المتعسف.

ورغم اختلاف كاتب هذه السطور مع الموقف السياسي للشيخ مهدي الخالصي، ولكن هذا لا يمنع من القول أن ترحيل الخالصي إلى إيران لم يكن بسبب العجمة، وإنما لأنه كان شيعياً معارضاً للسلطة، ولأنه قاوم الإحتلال الإنكليزي، وكان مصراً على الإستقلال التام للعراق، وقيام حكومة دستورية برلمانية وديمقراطية، وكان ذلك من شروطه لمبايعة الأمير فيصل بن الحسين ملكاً على العراق.
وفي هذا الخصوص، يقول محمد مهدي كبة ما نصه: "زار الملك فيصل الإمام الخالصي في مدرسته- في الكاظمية - وكنت حاضراً الإجتماع وقد وجه المرحوم الخالصي إلى الملك فيصل بعض النصائح بوجوب رعاية مصالح الشعب والسير بالحكم على سنن الحق والعدل. ثم صافحه يداً بيد قائلاً إننا نبايعكم ملكاً دستورياً ونيابياً وان لا يتقيد العراق على عهدكم بأية قيود. فوعده الملك خيراً".(3)
إلا إن الإنكليز فرضوا ضغوطاً شديدة على فيصل لمعاقبة قادة ثورة العشرين من الشيعة، وخاصة المتشددين منهم ضد المعاهدة البريطانية- العراقية، والمطالبين بإخراج الإنكليز من العراق، وتحقيق استقلال كامل مثل الخالصي وغيره من علماء الدين الشيعة. وأخيراً أذعن الملك لضغوط الإنكليز بنفيهم، وعلى مضض.

ويقول حنا بطاطو في هذا الصدد: وبإذعانه للإنكليز، أبعد فيصل عنه الرأي العام الشعبي. ولم يحسِّن من موقعه في العام 1923 للعلماء الشيعة المعادين للمعاهدة، أو التبريرات التي أُعطيت لهذا الإجراء البالغ الخطورة الذي لم يكن قد وافق عليه إلا بعد تردد. وكان العلماء قد نجحوا في وقف عملية انتخاب جمعية تأسيسية كانت قد دُعيت للإجتماع أساساً للتصديق على المعاهدة، ولكن  نفيهم تم على أساس مرسوم أوكل إلى الحكومة سلطة إبعاد "الغرباء" الذين يرتكبون جرائم سياسية، مع إن رجال الدين المتورطين الرئيسيين كانوا عرباً لا فرساً. وردَّت المعارضة في إحتجاج موجّه إلى القناصل الأجانب في بغداد قائلة: "إذا كان الملك يزعم أن العلماء "أغراب" فإن هذا الوصف ينطبق أيضاً عليه لأنه حجازي أصلاً، ولأن رئيس وزرائه- عبد المحسن السعدون- حجازي هو الآخر رغم كونه من المنتفق… وإضافة إلى هذا فإن كل حاشية الملك كانت مؤلفة من الأغراب".(4)
وكما اتهم مزاحم الباججي، وعبد المحسن السعدون، وغيرهما الشيعة بالعجمة، وأن ثورتهم كانت بتدبير وتدخل الإيرانيين، كذلك أدعى صدام حسين فيما بعد، أن عرب الجنوب أستوردهم محمد القاسم مع الجواميس من الهند، واتهم انتفاضة آذار 1991 بأنها من صنع الإيرانيين. وهكذا فإن منطق السلطة المتمذهبة هو واحد في كل زمان ومكان.

إن محاولة التشكيك بعروبة شيعة العراق أضرت كثيراً بوحدة الشعب العراقي، وإلا كيف يمكن للقسم الشيعي من عشيرة ما تسكن في الوسط أو الجنوب من العراق أن يُدغموا بالعجمة، بينما القسم السني من نفس العشيرة تسكن في شمال العراق يوصفون بالأصالة العربية؟ إذ كما يشير بطاطو في هذا الصدد: "ومما يثير الاهتمام، مثلاً، أن عشيرة شمر جربة، الذين كانت ديرتهم (أي مواطنهم) في العهد الملكي في محافظة الموصل وفي الجزيرة بين الفرات ودجلة، وعشيرة شُمّر طوقة الذين كانت ديرتهم على دجلة جنوب بغداد، كلاهما فرعان من القبيلة الأم نفسها: شُمّر جبل شُمّر نجد، في شبه الجزيرة العربية. ومع ذلك واحدة سنية والأخرى شيعية. وبشكل مشابه، فإن آل فتلة، الذين شكلوا العمود الفقري للانتفاضة العراقية عام 1920م، هم فرع من الدليم، ولكنهم شيعة يعيشون على الفرات الأوسط. بينما تعيش الدليم نفسها على الفرات فوق بغداد، وهي سنية. وأيضاً، فإن أقسام الجبور التي تعيش على الحلة من الفرات هي شيعية، في حين أن أقسام الجبور التي تعيش في الشرقاط جنوب غرب الموصل هي سنية".(5)

هل هناك طائفية بين الناس العاديين؟
معظم اهتمامنا في الفصول السابقة من هذا الكتاب كان منصباً على الطائفية السياسية، وهي أن السياسيين المهيمنين على السلطة يستغلون المشاعر الدينية والمذهبية لأتباع مذهبهم، فيثيرون فيهم المخاوف من أتباع المذاهب الأخرى، والعداء ضدهم، بغية كسب دعم أبناء طائفتهم لاحتكار السلطة ولمصالحهم السياسية. ولكن السؤال هنا هو: هل هناك طائفية اجتماعية، أي كراهية بين الناس البسطاء أنفسهم بسبب الاختلاف المذهبي؟
الجواب مع الأسف الشديد هو: نعم. والسبب أن السلطة المتمذهبة عملت على نشر ثقافة العداء والكراهية والبغضاء بين أبناء الشعب الواحد لتفرق بينهم، ولمسنا آثار هذه الثقافة بعد سقوط نظام القمع. ويبدو أن السلطات المتمذهبة نجحت إلى حد ما في ترسيخ هكذا عداء لدى بعض شرائح المجتمع، إذ يشهد بذلك شاهد من أهلها، وهو الدكتور سعيد السامرائي الذي نشأ وتكوَّن وعيه في أسرة سنية، ثم تشيَّع في الثمانينات في أوج اضطهاد الشيعة، وهو في بغداد وليس في لندن، على حد قوله. ينقل لنا الدكتور السامرائي شواهد من تجاربه الشخصية عن طائفية الناس، فيقول عن والدته رغم أنها كانت إنسانة في منتهى الطيبة، ومؤمنة ومتدينة جداً، وتحب أهل البيت، وتقدم النذور لأئمتهم، وتزور مراقدهم في سامراء، والكاظمية، وكربلاء والنجف، ولكنها مع ذلك كانت تكره الشيعة، لأنها تعتقد أنهم عجم إيرانيون، وأنهم يكرهون العرب!! فيقول الدكتور السامرائي في هذا الخصوص ما نصه: "قالت والدتي في معرض اعتراضها على تشيّعي: "أنتم سادة عرب ما الذي يربطكم بالعجم!!؟" وهذا يعني أن والدتي ترى أن كل شيعي هو عجمي أي إيراني. وطالما كان كل إيراني عدواً كونه لا يحب العرب- كما يتعلمه جمهور السنة في العراق وغير العراق- (في حين الأتراك والفرنسيون والهنود والصينيون وكل ملل الأرض العرب طراً يعشقونهم!!!) فإن كل شيعي هو عدو."(6)
وقد ناقشت مضمون هذا الكلام مع عدد من أصدقاء عراقيين غير متعصبين ضد أية جهة، وغير ملتزمين دينياً، رغم أنهم ولدوا ونشؤوا في وسط عائلي سني، فأكدوا لي هذه الحقيقة بأنهم سمعوا شيئاً من هذا القبيل من آبائهم وأمهاتهم أيضاً !!
وإذا كان الأمر كذلك، فهل حقاً أن شعبنا متآخ ومتصالح مع نفسه؟ والسؤال الآخر الذي يطرح نفسه هو: إلى متى نترك هذه الأمور تستمر على إثارة الأحقاد بين أبناء الشعب الواحد؟ وهل من المفيد الاستمرار على سياسة النعامة؟
لذلك فأنا أصر على أن هذا المرض الطائفي السياسي والاجتماعي هو خطر كبير، وتجاهله أخطر، لذا فالمطلوب منا جميعاً العمل على تشخيصه وعلاجه بنشر ثقافة التسامح وقبول الاختلاف بدلاً من التستر عليه ومواصلة تشويه صورة الآخر وأبلسته وتبرير إبادته.

دور علماء الشيعة في حفظ اللغة العربية
في الوقت الذي فرضت الدولة العثمانية سياسة تتريك العرب والقضاء على لغتهم، كانت النجف تدرِّس في مدارسها ومعاهدها الدينية عشرات الآلاف من طلبة العالم علوم اللغة العربية، والفلسفة الإسلامية، وعلوم الدين باللغة العربية. وعند تخرجهم كانوا يعودون إلى بلدانهم، الهند، والسند، وأفغانستان، وإيران وهم يتكلمون اللغة العربية ويتفاخرون بها على مواطنيهم، في الوقت الذي كان أغلب أعضاء النخبة الحاكمة، ولحد تأسيس الدولة العراقية الحديثة في العشرينات من القرن العشرين، كانوا يجهلون اللغة العربية ويتكلمون اللغة التركية.

يقول الدكتور على الوردي عن مدينة النجف الأشرف ودورها في الحفاظ على اللغة العربية وتقدم الفكر الإسلامي: "إبتداءاً من عام 1821 استتب الصلح بين الحكومتين- الإيرانية والعثمانية- فأدى ذلك إلى كثرة الزوار إلى العراق وانهمرت الأموال معهم إلى العتبات المقدسة. وشهدت النجف أعظم عصور إزدهارها العلمي، فشيدت فيها المدارس الدينية الكبيرة. وصار كل طالب علم في إيران أو في غيرها من البلاد الشيعية يطمح أن يهاجر إلى النجف لكي يكمل دروسه العالية فيها. وقيل أن عدد الطلاب بلغ في تلك الآونة عشرة آلاف، فكان فيهم الإيراني والتركي والتيبتي والأفغاني والبحراني والعاملي والإحسائي علاوة على العراقي."(7)

تهمة الشعوبية
استخدم مصطلح "الشعوبية" بشكل واسع في الأدب السياسي العربي مع ولادة الدولة العراقية المتمذهبة. والجدير بالذكر أن أصل المفردة جاء في القرآن الكريم: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، أكرمكم عند الله أتقاكم" [الحجرات:13]. والمقصود بالقبائل العرب، والشعوب العجم (الفرس والروم آنذاك). وكما ذكرنا مراراً، أن الاعتزاز بالانتماء القومي لم يكن معيباً، وتعلق الإنسان بقوميته لا يشكل مخالفة للشرع أو الإنسانية. ولكن النظر إلى القوميات الأخرى بعداء واحتقار هو العيب الشنيع لأنه سلوك فاشي وضد الإنسانية، إذ كما قال الإمام جعفر الصادق في هذا الخصوص: "ليس من العصبية ان تحب قومك، ولكن من العصبية ان تجعل شرار قومك خيراً من خيار غيرهم". 

كذلك يجب التوكيد أن الانتماء لأية أمة أو قومية لا يعني الانتماء البايولوجي العرقي، لأن العناصر البشرية في تنقل دائم في هذا العالم، وإختلاط الدم بالتزاوج بين مختلف الأجناس البشرية يحصل باستمرار. والشعوب لا تنقرض بل تتغير لغاتها وثقافاتها وأديانها، وإلا ماذا حصل لشعوب بلدان شمال إفريقيا، وخاصة مصر وليبيا بعد الفتح الإسلامي لها، وماذا حصل لشعوب وادي الرافدين، السومريين، والأكديين، والبابليين، وغيرهم بعد الغزوات والفتوحات عبر التاريخ؟
على أي حال، الشعوبية في الأدب السياسي العربي، في زماننا هذا، تعني بشكل عام معاداة العرب والحط من قدرهم. ويذكر العلامة أحمد أمين في كتابه (ضحى الإسلام)، أن الجاحظ (159-255هـ) هو أول من صاغ تعبير (الشعوبية) بهذا المعنى في كتابه (البيان والتبيين، ج3). و المفارقة هنا أن هذا الاتجاه دشنه بنو أمية في عهد معاوية بن أبي سفيان، وهم من صميم قريش. فقد وضع عبدالسلام محمد هارون، محقق كتاب (البيان والتبيين للجاحظ)، شرحاً وافياً في تعريف مذهب الشعوبية وجذورها جاء فيه ما يلي:
"إن زياد بن أبيه حين استلحقه معاوية بأبيه وخشي ألا تقر العرب له بذلك، صنع كتاب "المثالب" وعدَّدَ نقائص العرب. كما أن النضر بن شميل الحميري، وخالد ابن سلمة المخزومي وضعا كتاباً في مثالب العرب ومناقبها، بأمر من هشام بن عبدالملك. وكان الهيثم بن عدي دعيّاً في نسبه، فصنع كتاباً طعن فيه على أشراف العرب. وأما أبو عبيدة، وقد كان أبوه يهودياً وكان يعيَّر بذلك، فصنع كتاباً في مثالب العرب امتاز بالسعة والاستقصاء. وجاء من بعدهم علان بن الحسن الشعوبي الوراق الزنديق، فألَّفَ لطاهر بن الحسين كتاباً في مثالب العرب، بدأ بمثالب بني هاشم، ثم بطون قريش ثم سائر العرب، ولم يعبأ في ذلك بالخروج عن أدب الدين، وقد أجازه طاهر عليه بثلاثين ألف درهم. وصنع بن غرسية رسالة في تفضيل العجم على العرب".(8)

كما وخصص الجاحظ نحو 20 صفحة من كتابه المذكور أعلاه، في ذكر أشعار في مثالب العرب، لشعراء معظمهم عرب في العصر الأموي، إلى جانب شعراء من أصول فارسية. ويقول أحمد أمين في كتابه ضحى الإسلام، ج1: إذا كان كل من انتقد العرب هو شعوبي فابن خلدون يعتبر شعوبياً لأنه قال: إذا حل الأعراب في بلد، نشروا فيه الخراب، وأن معظم علماء الإسلام هم من الفرس.
وفعلاً أعلن الدكتور سامي شوكت زعيم نادي المثنى، وأبرز مؤسسي الحركة القومية العربية في العراق، في إحدى محاضراته إسقاط الجنسية العربية عن ابن خلدون، وطالب بحرق كتبه، بعد أن دمغه بالشعوبية. (9)
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل راحوا يدمغون بالشعوبية كل مفكر وكاتب وشاعر شيعي في التراث العربي - الإسلامي. فالفرزدق وكُمَيل الأسدي، وأبي نؤاس، وبشار بن برد، وغيرهم من فحول الشعراء العرب وُصِموا بالشعوبية لا لشيء إلا لأنهم شعراء شيعة، أو مدحوا أهل البيت بقصيدة شعرية. كما وتعدوا الشعراء إلى فحول اللغة العربية وواضعي أسس نحوها وصرفها فشتموا سيبويه وخالويه ونفطويه إيغالاً في عمى وصمة الطائفية، مما اضطر الشيخ توفيق الفكيكي تأليف كتاب بهذا الخصوص للدفاع عن هؤلاء الشعراء العرب.(10)
والسؤال هو، إذا طعنتم بعروبة كل هؤلاء بمن فيهم ابن خلدون، فمن أبقيتم للعرب ليفتخروا بهم؟ ومن المستفيد من هذه الحملة، العرب أم أعداؤهم؟ ومن الذي يخسر بتجريد هؤلاء من عروبتهم، العرب أم إيران؟




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :