الأقباط متحدون | لا تصنعوا من طارق عزيز شهيداً
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٢٠:٥٣ | السبت ٢٠ نوفمبر ٢٠١٠ | ١١هاتور ١٧٢٧ ش | العدد ٢٢١٢ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

لا تصنعوا من طارق عزيز شهيداً

السبت ٢٠ نوفمبر ٢٠١٠ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: د.عبدالخالق حسين
بالتأكيد لم ينتم السيد طارق عزيز إلى حزب البعث العربي الاشتراكي إيماناً منه بأيديولوجية الحزب، وإنما لأسباب انتهازية، ومصالح شخصية، منها للتخلص من الاضطهاد القومي والديني الذي تعرضت له الأقليات في العراق في مختلف العهود. فحزب البعث كتنظيم مافيوي يؤمن بالعنف والقسوة والبلطجة ضد الخصوم، لذا كان المنتمي إليه من الأقليات، يكون قد ضمن لنفسه الحماية أولاً، والموقع والمنصب في حالة تسلم الحزب السلطة ثانياً. وهذه الأهداف حققها طارق عزيز لنفسه.

ونظراً لحدسه القوي، فقد عرف عزيز لأي جناح ينتمي عند حصول الانشقاقات داخل حزب البعث. وهكذا إنسان يتصرف عادة بجبروت وتكبر ورعونة مع من هم دونه، وبإذلال ومهانة مع من هم  فوقه في الموقع الحزبي والمنصب الحكومي. لذا وبعد أن اغتصب البعث السلطة للمرة الثانية في عام 1968 عرف من هو الأقوى في الحزب، ولمن يجب أن يتزلف ويتقرب، ويمنح ولاءه لكسب رضاه. لذلك نجح عزيز في تبوئ أعلى المناصب التي كان من الصعوبة جداً لأي مسيحي في العراق أن يتبوأها مثل منصب نائب رئيس الوزراء، ووزير الخارجية.

ومن الجانب الآخر، فقد استفاد النظام البعثي الصدامي من طارق عزيز كوجه مقبول لدى الدول الغربية المسيحية، ليثبت لهم أن البعث لا يميز بين مكونات الشعب، فها هو طارق عزيز، الكلداني المسيحي، صار وزيراً للخارجية. كما ولعب عزيز دوره باقتدار في الترويج للبعث في الغرب، وذلك لما كان يتمتع به من إمكانيات دبلوماسية، وتمكنه من اللغة الانكليزية، والتعامل مع الإعلام الغربي بشكل جيد . لذا قدم خدمة لا تقدر للنظام البعثي، وحقق لنفسه شهرة واسعة، وصار وجهاً مقبولاً لدى الغرب.
أما دوره في تنفيذ جرائم البعث، فهو ليس أكثر من مأمور وخادم مطيع، مع استعداد نفسي للتنفيذ، والترويج لسياسات البعث بدون أي اعتراض وفق شعار البعث: (نفذ ولا تناقش).

* وفي نهاية تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، قضت المحكمة الجنائية العراقية بإعدام طارق عزيز البالغ من العمر أربعة وسبعين عاماً شنقاً، بسبب دوره في ارتكاب جرائم النظام البعثي ضد أبناء الشعب العراقي.
كما ونشرت وكالات الأنباء قبل أيام خبراً مفاده: "أن الرئيس العراقي جلال طالباني أعرب إثناء زيارة رسمية إلى العاصمة الفرنسية باريس، عن معارضته تنفيذ حكم الإعدام بحق وزير الخارجية العراقي السابق طارق عزيز، مؤكداً عزمه عدم التوقيع على عقوبة الإعدام... وأعرب عن تعاطفه مع طارق عزيز باعتباره مسيحياً وطاعناً في السن لا يستحق مثل هذه العقوبة".

لا شك أن هناك اختلاف في وجهات النظر في الشارع العراقي حول هذه المسألة التي هي كأي مسألة عراقية، مثيرة للجدل. ومع تعاطفي مع ذوي ضحايا جرائم طارق عزيز، ومشاركتي لهم أحزانهم و مشاعرهم، إلا إني شخصياً أميل إلى موقف الرئيس العراقي وذلك للأسباب التالية:

أولاً، إن عقوبة الإعدام هي ليست أقسى عقوبة، لأن مدة تنفيذها لا تتجاوز لحظات قليلة، ثم ينتهي الأمر وكأن شيئاً لم يكن بالنسبة للمعدوم الذي يصبح كأنه لم يولد. إذ كما قال مارك توين: "أنا لا أخاف من الموت، إذ كنت ميتاً لمليارات من السنين قبل أن أولد، ولم أعاني من ذلك أبداً"

لذا ففي نظري ونظر الكثيرين، إن أقسى وأقصى عقوبة للمجرم هي مصادرة حريته مدى الحياة وذلك بإبقائه في السجن المؤبد، لأن عذاب السجن المؤبد أقسى من الإعدام، وحياة السجن لا ستحق أن تعاش، وبالأخص لشخص كان قد تذوَّق طعم السلطة والنفوذ لعشرات السنين. ففي الدول الغربية يقوم بعض السجناء بشنق أنفسهم مفضلين الموت على حياة السجن، فالإعدام هنا رحمة وليس عقوبة.

ثانياً، إن طارق عزيز طاعن في السن، ولا بد أنه يعاني الآن من عدة أمراض، وفترة بقائه على قيد الحياة قصيرة على الغالب، وبإعدامه يكسب عطف الناس في الغرب، وربما في العراق أيضاً، وسيقدم إعدامه خدمة لا تقدر لفلول البعث، والإعلام العربي المتعاطف مع البعث، والمعادي للعراق الجديد، وذلك باستغلال تنفيذ حكم الإعدام لإظهار الحكام الجدد بأنهم قساة لا يختلفون في القسوة عن حكومة صدام، وأن القصد من تنفيذ حكم الإعدام هو الانتقام وليس تحقيق العدالة.

ثالثاً، إن حكم الإعدام سيحيل طارق عزيز إلى شهيد ورمز لا يستقهما.
وهنا قد يعترض البعض سائلين، ولماذا لم تعترض على تنفيذ حكم الإعدام بحق المجرم الأكبر صدام حسين، وأعوانه المقربين من أمثال طه ياسين رمضان الجزراوي، وبارزان التكريتي، وعلي حسين المجيد (الكيمياوي) وعواد البندر؟ الجواب كالآتي:
لقد نجح صدام في غسل أدمغة البعثيين من أتباعه بأسطورة "القائد الضرورة الذي لا يُقهر، وأنه لا بد وأن يعود يوماً ليحكم العراق"، الأمر الذي حفز أتباعه الجهلة لمواصلة إرهابهم على أمل عودته. ولذلك كان إعدامه ضرورياً لتحطيم هذه الأسطورة. أما إعدام المقربين من أعوانه، فكان أيضاً ضرورياً لأن في إعدامهم، كما في إعدام سيدهم صدام، دلالات رمزية، ودرساً بليغاً للطغاة الظالمين، ونوع من الراحة النفسية لذوي الضحايا. كذلك كانت هناك مخاطر تهريبهم من السجن بإرشاء ذوي النفوس الضعيفة من حراس السجون، وإخراجهم إلى خارج العراق كما حصل للمجرمين: أيهم السامرائي، ومحمد الدايني وحازم الشعلان وغيرهم. لذلك كان إعدام صدام والحلقة القريبة منه ضرورياً لأنهم من عتاة المجرمين. أما طارق عزيز فهو لم يكن بمستوى هؤلاء الطغاة، إذ كان مجرد خادم مطيع للطاغية الأكبر، وإعدامه لا يقدم ولا يؤخر شيئاً، بل يكون بمثابة رصاصة الرحمة له.

ولكل هذه الأسباب، أرى من الأفضل عدم تنفيذ حكم الإعدام بحق طارق عزيز، والأفضل إبقائه يتعفن إلى أن يموت وهو في السجن.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :