ثقافة الحياة والموت بين الشرق والغرب (1)
بقلم: د. ماجد عزت إسرائيل
تقوم الحياة بصفة عامة على الجهد البشري، والبشر طوال تاريخهم على سطح الأرض، حاولوا أن يتكيفوا مع بيئتهم، عن طريق البحث عن الموارد الطبيعية المتاحة فى بيئتهم، ومحاولة استغلالها فى أشباع حاجاتهم من أجل البقاء والاستمرار لأجسادهم ولأسرهم. وخلال الزمن حاولوا أن ينتقلوا من مرحلة إلى مرحلة آخرى، مثل الانتقال من المرحلة البدائية لجمع الغذاء إلى بيئة التخصص فى جمع الغذاء والصيد، وظهرت هنا جماعات النبات، وجماعات الصيد، ثم سرعان ما انتقلوا إلى بيئة الزراعة العشائرية، والبيئة الريفية والحضرية، ثم بيئة مدن الغرب، فبيئة الثورة الصناعية والديموجرافية الأوربية، حتى وصل الإنسان إلى يومنا هذا, والتى تعرف بيئته بمجتمع المعرفة الكثيفة.
على أية حال، نستطيع أن نستنج عبر التاريخ، أن هذه الجماعات البشرية خلال مرورها بالمراحل المختلفة، استطاعت أن تنتقل تدريجيًا من مرحلة إلى مرحلة أخرى من خلال الحفاظ على كيانها الإجتماعي وربما السياسى، حتى أصبحوا قادرين على تأسيس مجتمعات قادرة على الحفاظ على ذاتها واستدامتها من خلال الارتباط والتوجهات الثقافية المشتركة.
تلك المجتمعات المختلفة، استطاعت من خلال تعدُّد أنماطها، الاستمرار من خلال إعادة إنتاج (توالد) البشر. وعملية التوالد تقف نقيضًا لعملية الانحلال (الموت)؛ ولذا نجد أن القدماء المصريين، اهتموا بالموت مع كراهيتهم له، وتعلقوا بالأمل في البعث بعد الموت، فقد كتبوا عنه "الموت أمر بغيض يجلب الدموع والأحزان، ويخطف الرجل من بيته ويلقي به على كثيب رملي في الصحراء لن نعــود إلى الأرض أو نرى الشــــمس".
وكــانوا يعتقدون في الحياة الآخرة، ويرجع ذلك إلى طبيعة البيئة المصرية القديمة، والفترات الطويلة من التأمل في الظواهر الطبيعية، خاصةً في شروق الشمس وكأنها تولد، وفي غروبها وكأنها تموت, ثم بزوغها من جديد في اليوم التالي، وهكـــذا رأوا أن الموت امتداد للحياة، وأن الحياة امتداد للموت.
والموت في الثقافة هو نهاية الحياة لأى نظام اجتماعي حي، مثل الأجساد والجماعات والمجتمعات. الموت ينهي الفعل الإجتماعي والممارسات الإجتماعية، ولذلك نُظر إلى الموت فى ثقافتنا الشرقية، بإنه شر وقدر محتوم، ولكنه استمرار للحياة بشكل أو بآخر.. كذلك يمكن أن يساهم جسد المتوفي رمزيًا فى إعادة ميلاد الحياة.
وهناك علاقة بين الأحياء والأموات من خلال الممارسات الإجتماعية من ممارسة استكمال طقوس الدفن، والرغبة القوية لدى الأحياء كى يظلوا على اتصال بالآخرين الأعزاء الذين رحلوا عنهم، بزيارتهم كى تظل علاقاتهم موصولة. وهذه العلاقات تصوِّرها لنا أغاني الموت الحزينة التى تعبِّر عن الألم والحزن، والتي لا تخف حدتها خلال فترة الحداد (غالبًا أربعين يومًا)، ويؤدي هذا النوع من الغناء إلى خلق شعور بالمواساة والسلوى لدى الأحياء غير القادرين على تقبل الموت، كما تسهم فى إحداث تحوُّل من الشعور بعدم قبول الموت، إلى قبوله فى النهاية عن طريق تأكيد استحالة عودة المتوفي.
على أية حال، سار التفكير الفلسفي على خطين فيما يتعلق بالموت والحياة، أحدهما يدرس الحياة من حدها، ويرى أن الموت هو الذى يعطي الحياة معنى بالنسبة لنا نحن الكائنات المتناهية الفانية. فمن فكرة "أفلاطون" عن "التدريب على الموت"، إلى التحليل الوجودي لـ"هايدجر"، والذي كشف عن "الوجود نحو الموت"، كان التيار الرئيسي للفلسفة الغربية مخلصًا دائمًا لهذا الخط.
وهناك جانب آخر من الفلاسفة، وهم قلة فى واقع الأمر، ساروا على نهج "أبيقور" القائلة بأن: "الموت هو لا شىء"، فإذا كان الموت مجرد "لا شىء"، ولا معنى له بالنسبة للحياة، فلن نستطيع أن ندرس الحياة من حدها، بل على العكس يجب أن ندرسها لذاتها، وحينها سيتضح معنى الحياة من داخلها.
وهذا الخط من فلسفة الحياة والموت، عبَّر عنه الفيلسوف الهولندى "سبينوزا" الذى عاش فى القرن السابع عشر الميلادي، وقال: "الموت هو آخر ما يفكِّر فيه الرجل الحر".
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :