اللسان القبطى لسان سلام (2)
بقلم: القس لوقا راضي
يظن كثير من الناس أن اللغة المصرية القديمة، سواء كانت الهيروغليفية أم القبطية، قد اندثرت تمامًا، وذهبت دون أن تترك لها أثرًا، ولكننا نقول لهولاء السادة: كلا ثم كلا.." "محرم كمال" (آثار حضارة الفراعنة فى حياتنا الحالية ص 49) مكتبة الأسرة سنة 1997.
وكنا فى المقالة الأولى، قد أثبتنا نسب اللغة القبطية للمصرية القديمة، وإنها لغة كانت وما زالت مستعملة. وأكملنا فى اللقاء الثاني عن أن هناك العديد من الأسماء للأفراد والأشخاص والبلدان أصولها قبطية. ومازالت الأدوات المستخدمة للآن أسمائها قبطية. وأيضًا كثير من الكلمات تصل لعدة آلاف للآن فى اللغة العامية، قبطية اللفظ والمعنى.
واليوم نختم الرد. وإن كنا لم نفى اللغة القبطية وأثرها حقه، لكنها دعوة للبحث والاستزادة من نهل لغتنا الحبيبة. ونستعرض في المقال الآتى الألفاظ الباقية لليوم فى لغتنا العامية:
الطفل عند ولادته يسمع لغته القديمة، فاذ هو جاع؛ قالت له أمه "مم"، وإذا عطش، قالت له "امبو"، وإذا تألم، سألته الأم قائلة فيك (واوا)، ومعنى الثلاثة "كل" "اشرب" و"وجع". وإذا أردات الأم نهر ابنها عن شئ، قالت له "كخ" أى "قذارة"، وإذا تعلَّم المشى، قالت له "تاتا تاتا" معناها "امشى"، وإن أرادات تخويفه قالت له: أجيبلك "البعبع" وده اسم عفريت. وإذا أكثر الطفل من البكاء، قالت الأم أنت تملى"تاوا" كده أى "تعاكس"، وإذا زاد، تقول له: هتسكت ولا أجيبلك "البِخ" ومعناها "العفريت أو الشيطان"، وإن الولد كبر ولعب بالشارع ووسخ ملابسه، تقول الأم: انت "سخمت" هدومك أى "نجست أو لوَّثت ملابسك". وفى الشارع ينادى البائع "حالوم" يا جبنة وحالوم جبنة بالقيطى. ونحن نقول دا شى"ياما" ومعناها "كثير". وإذا أُعجبنا بأحد قلنا: إنه راجل يغلب "العنتيل" أى القوى الشديد. وإذا تكلَّمت مع صعيدي يقولك: عايز "اش" بمعنى "ماذا". ولما ناكل نقول عن العيش إنه "باش" أى "لان" أو "طري" ومنها نقول "بشبش" الطوبة اللى تحت راسه أى لاينها، وإذا وصفنا معركة نقول ضربته لما "بك الدم" أى "نزل". ونسمع كثيرًا أن ... تعبى راح على "بوش" أو "بشوش" ومعناها "فراغ أو خواء أو عدم. وإن رأينا أحد كسلان نقول: قوم كده وانت قاعد زى "التليس" أى "الزكيبة". وإذا حصلت عاصفة نقول: إن شاء الله بكره هيطلع اليوم "طايب" أى به هواء عليل. ونسمع كثيرًا أن الراجل ده "كوش" على كل حاجة أى استولى. والعبارة المألوفة آه يا "كاسى" منك أى تعب ووجع. ولما نتكلم نقول: وبعدين قعد يقولى "كانى ومانى" أى "سمن وعسل". ولما نسأل عن أحد نقول: إنه "مهيص" أى "مملوء رغبة فى النط والقفز". ولما نتضايق نقول: جاك "اوا" أى "ويل". وإذا أكرمت عجوز، تقول لك: الله يخليك "ويراشيك" أى "يعتنى بك". وفى الحر نقول: الدنيا "صهد" أى "شديدة الحرارة اللافحة". ونقول: لما الدنيا "تطرى" أى "تلين وتطيب". ومن منا لا يقول: لما الفجر "يشاشا" أى "ينور". ونحن نسمع من أضناه الفقر يقول: أنا خلاص ما عنديش حاجة "حاتا باتا" على البلاطة أى بقيت "جلد على عظم"، ومنها جاءت "الحاتى".
وهل سمعت أحد يقول: روح البعيد جاته "طمسه" أى يندفن. وفى الأفراح والليالى الملاح يقولون: "يا ليلى يا عينى" ومعناها "انشراح وأفراح". ولما ننصح أحد نقوله "اتريس" أى "تيقظ وتعقل". وكم من مرة سمعنا أن صوته زى الوابور اللى "بيوش" فى ودانى أى يصرخ ويصوت ويصيح. والسادة الأغنياء يضعون غلالهم فى "الشونه" أى "مخزن الغلال". والمراكبية ينادون "ياللا هيهليصا" أى "سقطنا فى الوحل". وحين نصف أحد بعد الأكل نقول نزل "حتتك بتتك" أى اللحمة والعظم. ونلاحظ أن المشجعين الرياضيين يقولون "هيلا هوب" أى "نشتغل ونعمل". ومن يستغيث يقول "جاى يا اولاد جاى يا أولاد" أى "النجدة وطلب الانقاذ".
ومن هذا كله يتضح لنا كم من مئات الألفاظ والتعبيرات العامية التى تجرى على ألسنتنا كل يوم، وترجع إلى أصول مصرية وقبطية قديمة.. للاستزادة قراءة كتاب "آثار حضارة الفراعنة فى حياتنا اليومية" (محرم كمال طبعة الهيئة العامة للكتاب سنة 1997).
والآن سنكمل الحديث عن آثار اللغة القبطية على حياتنا اليومية فى النقاط الآتية: * أسماء الأشخاص * أسماء الشهور * أسماء المدن * أسماء الأدوات والأشياء.. ومراجعنا: "شخصية مصر" د. "نعمات أحمد فؤاد"، و"آثار حضارة الفراعنة فى حياتنا الحالية" لـ"محرم كمال".
تقول د. "نعمات" فى كتاب "شخصية مصر" طبعة الهيئة العامة للكتاب ص 230: إن كثيرًا من الألفاظ فى اللغة العامية المصرية وأسماء المدن ألفاظ قبطية". وفى (ص 321) تكمل: "وليس الألفاظ فحسب, بل أيضا طرائق التعبير والمصطلحات وتركيب الجمل؛ فالنفى والاستفهام فى العامية يجرى على أسلوب اللغة القبطية... ولازالت العامية المصرية التى هى لغة الشعب.. لغة الكثرة.. لغة الحياة اليومية فيها الكثير من اللغة المصرية القديمة واللغة القبطية التى عاصرت دخول العرب، وهى امتداد للهيروغليفية. وعامية مصر من أعذب العاميات".
الأسماء
ومن الأسماء الشائعة إلى اليوم، ومازال الأقباط يدعون أولادهم بها "أبانوب" ومعناه "أبو الذهب"، و"مينا" ومعناه "الثابت أو الراسخ" وهو اسم الملك "مينا موحد القطرين" أول الملوك الفراعنة، و"بشاى" وهو اسم والد السينارست الذى للأسف يهاجم القبطية، واسم والده معناه "عيد"، و"باخوم" ومعناه "النسر"، و"فخرى" ومعناه "الشفاء"، و"شنودة" ومعناه "ابن الله"، و"بيشوى" ومعناه "سامى"، و"موسى" معناه "المنتشل من الماء"، و"بيمن" معناه "راعى"، و"مكارى" معناه "الطوباوى"، و"ايرينى" معناه "السلام". ومازالت أسماء "رمسيس" و"سيتى" و"آمون" و"ونيس" و"تاييس" و"أباكير" و"قرياقوص" و"يوليطة" و"دولاجى"...الخ،
أسماء الشهور
يقول الأستاذ "محرم كمال" فى "آثار حضارة الفراعنة" ص 71: "للعامة منا أقوال تنساب بها ألسنتهم فتجرى مجرى الأمثال, وهى تنطوى أغلب الأحيان على حكمة مأثورة أو قول بليغ, فبمجرد أن تقول "بابه" (شهر قبطى) يكمل "ادخل واقفل الدرابة"، أما إن ذكرت "هاتور" فيقول: "هاتور أبو الدهب المنثور". وإن قلت "كيهك" سيقول "اللى صباحك مساك" دليل على قصر النهار. أما عن طوبة (شهر قبطى) فيقولون: "طوبة تخلى العجوزة كركوبة" نظرًا لشدة برودة الطقس. و"أمشير" (شهر قبطى)، فإنه أبو البرد والزعابير. و"برمهات" (شهر قبطى) اطلع الخلى وهات من كل الخيرات.
أسماء المدن
يكمل الأستاذ "محرم كمال" (ص72): "بولاق الدكرور اسم هيروغليفى قبطى ومعناه بلاق (جزيرة) ودكرور(ضفادع)، إذن معنى الاسم جزيرة الضفادع- سقارة اسم قديم نسبة إلى سكر (ص73).
"أبو صير معناها معبد اوزوريس- تل بسطة أو بو بسطة معناه معبد الإلهة بسطت- دمنهور أى مدينة الآلهة- حور بسيون ومعناها الحمام-والفيوم ومعناها البحر- طما أى معبد أتوم (ص74).
"أخميم أى مدينة مين قوص أى الجبانة، إسنا أى المدينة الثانية، أبوقير أصلها أباكير، منفلوط أى بلد الحمار الوحشى، قسقام أى مقبرة الحلف، أسيوط وتعنى الكوكب الأوحد، المنيا من منت أى مرضعة خوفو، شيرا أى الحقل أو الغيط، والأمثلة لا تحصى" (المرجع السابق).
أدوات تستعمل لليوم من أصول مصرية قديمة
يقول الأستاذ "محرم كمال" فى نفس المرجع (ص 80): "ليست أسماء الأشخاص ولا أسماء الأشهر القبطية، ولا أسماء كثير من المدن والعزب والكفور، هى التى لاتزال باقية بيننا إلى الآن فحسب، بل أن هناك مئات من الأشياء التى نستعملها كل يوم أسماؤها التى تعرف به مصرية قديمة، أمثلة "فوطة" أى "منشفة"، "البشكور" أداة تُستخدم فى الفرن البلدى، الماجور إناء لعجن الخبز، شرش، لبشة، زباطة، مشنة، ويبة، أردب، الطورية، الفاس، الشونة، الشنف.
أدوات الفلاح
ألفاظ مثل دميرة أى فيضان النيل، البكلة أى القلة، دبش ودقشوم؛ مازال البنا ينادى تابعه لليوم بأن يحضِّر له الدبش والدقشوم ومعناها الطوب الصغير، وإذا أراد البنا فيقول لتابعه: هات مونه يا واد قوام من الملطم، والملطم أى مكان العجن. وما زال هناك الكثير والكثير، ولكننا نكتفى بهذا القدر. الرب معكم.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :