الأقباط متحدون | هل "مصر" فرعونية أم عربية؟؟ (2)
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٨:٠٥ | الثلاثاء ١٩ اكتوبر ٢٠١٠ | ٩ بابة ١٧٢٧ ش | العدد ٢١٨٠ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

هل "مصر" فرعونية أم عربية؟؟ (2)

الثلاثاء ١٩ اكتوبر ٢٠١٠ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: لطيف شاكر
في الحقيقة أن العنوان: "هل مصر فرعونية أم عربية" خطأ"" والصحيح هو: "هل مصر مصرية أم عربية", ولكن التزمت بعنوان الحلقة التليفزيونية التي جاءت بهذا العنوان، وأنا شخصيـًا لا أحبذ أن ننسب "مصر" لـ"فرعون"؛ لأنه جرى العرف والعادة والاصطلاح في العصور الحديثة على إطلاق لقب "فرعون" على الحاكم في "مصر القديمة"، وذلك جريـًا على العادة في إطلاق الألقاب على ملوك العالم القديم.

فعلى سبيل المثال يـُطلق على كل من "ملك الفرس" لقب "كسرى"؛ برغم أن مَن تسمى بذلك هو ملك من ملوكهم، ثم جرت العادة بعد ذلك على تسمية كل ملك فارسي بـ"كسرى"، كما تسمى ملوك الروم بـ"قيصر"، وملوك الحبشة بـ"النجاشي"، وهكذا وجريـًا على العادة فإن الناس في العصور الحديثة اصطلحوا على تلقيب ملوك مصر القدماء بـ"الفراعنة"، وكان الحاكم في مصر القديمة الموحدة يلبس "تاج القطرين" -تاج أحمر يرمز إلى الشمال، وتاج أبيض يرمز إلى الجنوب؛ متحدين في تاج واحد دلالة على حكم القطرين وتسلطه عليهما- أي أنه يحكم "مصر العليا" و"مصر السفلى".

والخلاصة أن كلمة "فرعون" ربما قد أصبحت تـُستخدم استخدامـًا شائعـًا في العصور الحديثة؛ كلقب للحاكم في مصر القديمة, ويتوافق هذا الكلام أيضـًا مع لقب "المقوقس"؛ فهو ليس اسم علم ولكنه لقب يشير إلى الاحترام، وكلمة "مصر" هي أحلى كلمة كلحن جميل لا أفتر من سماعه.

بداية أود الرد على السيد "زكريا أبو الوفا" في تعليقه الساخرعلى  المقال السابق؛ حيث قال: "إن اللغة القبطية هي اللغة المصرية المتأخرة، كـُتبت بحروف يونانية؛ يعني أنكم تركتم لغتكم تـُكتب بحروف أجنبية؛ ولماذا هذا؟؟  تخيل أن تكتب كلمة شباك باللغة الإنجليزية هكذا "shoubk"؛ فلن يفهمها العربي الذي لا يعرف الحروف الإنجليزية، و لا الإنجليزي الذي لا يعرف الكلمات العربية".

وردي عليه.. ولكن  بجدية واحترام بالآتي: قام "كمال أتاتورك" -زعيم "تركيا"- في عام 1928 بالولوج ناحية الغرب وحضارته، ورمى وراء ظهره العرب بتخلفهم وجهلهم؛ فقام بتحويل حروف الكتابة التركية المكتوبة بالعربية إلى الحروف اللاتينية -بالتحديد "الجرمانية"- لكن ظل النطق التركي كما هو؛ فالكتابة جرمانية والنطق تركي.

وعلي سبيل المثال فكلمة "سكر"؛ كتبوها "Seker"، في حين أن النطق بالإنجليزية هو"Sugar" ، والأقباط سبقوا عصرهم باختيارهم  لغة الفلسفة والثقافة الهيلينية، والتي كانت منتشرة في كل أرجاء الإمبراطورية اليونانية, وإن كانت جذور القبطية هي الطور الأخير للمصرية القديمة واليونانية القديمة -الإغريقية- واحدة .

فقد قام الفينيقيون باستخدام الكتابة الأولى المصرية في صورها الهيروغليفية، وعن طريق الآرامية انتقلت إلى الإغريق، ثم عادت إلى ديارها "مصر" مكرمة معززة، ولإحاطة السيد "زكريا" فالكتابة يونانية والنطق قبطي مصري، والنطق لم يتغير منذ اللغة المصرية في أول طورها حتي تاريخه، ولكن القلم فقط هو الذي تغير ليتوافق مع كل عصر؛ مثل اللغة العربية تمامـًا، والتي تطورت من النبطية بلا تنقيط أو تشكيل حتى أصلح من شأنها "سيبويه"؛ فوضع لها أربعين حرفـًا، وتطورت إلى 29 حرفـًا الآن.

ولإحاطة السيد "زكريا" أيضـًا؛ فقد طلب الدكتور "طه حسين" في كتابة "مستقبل الثقافة في مصر" أن تـُكتب الحروف العربية باللاتينية، حتى نعيش الحضارة الغربية الراقية، وأيده في ذلك عمالقة الأدب مثل "تيمور"، و"سلامة موسى"، و"أحمد لطفي السيد"، وآخرين, كما ينادي بهذا حاليـًا أيضـًا "حزب مصر" بقيادة "سامي حرك"، والراحل "محسن لطفي السيد"، وللأسف؛ فهم قد كفـَّروا "طه حسين"، وسجنوا "سلامة موسى"، ولم يوافقوا على تأسيس "حزب مصر"؛ فما رأي صديقي "زكريا" في حضارتنا هذه؟!!

ونأتي الآن إلى تعريف الهوية؛ فالهوية يا سادة ليست اللغة، ولكنها الأرض التي نعيش عليها وفيها، وهذه "مصر"، وبالتالي فنحن مصريون حتى لو تحدثنا العربية الفصحى كما يظن البعض، و ليس معنى ذلك أننا عرب.

إذن فالهوية بالأرض، وإلا أصبحت كل دولة أفريقية تتحدث الفرنسية هي دولة فرنسية، كذلك ليست الهوية بالدين، وعلى سبيل المثال "تركيا" دولة إسلامية، ولكن الهوية تركية وليست عربية، وكذلك "إيران" ليست دولة عربية؛ فالهوية بالأرض!!

بالنسبة للّغة التي نتكلم بها هي اللغة المصرية الحديثة، أو العامية المصرية إن شئت، حيث يتحدثها كل الناس، الوزير والرجل العادي، وليست الفصحى حيث نفصح بها عن أنفسنا، أما المصرية العامية أو الحديثة فهي من السهل أن نأخذ من اللغات الأخرى؛ مثل كلمة "كمبيوتر"، و"تليفزيون"، و"راديو"، و"تليفون"..إلخ.

كذلك العامية مختصرة؛ فاسم الموصول في الفصحى متعدد، أما في الحديثة فيتساوى الرجل والمرأة والجمع بكلمة واحدة "اللي"، والمعرفة اللغوية المتقدمة تسعى إلى  الاختصار، ونجدها بوضوح بين الذي يجيد اللغة فيقول الجملة مختصرة، وذلك عكس المبتدئ الذي تكون الجملة لديه طويلة؛ لأنه يتخيل أن الجملة لا تُفهم إلا هكذا.

يقول الأستاذ "أحمد عبد المعطي حجازي" في جريدة "اليوم السابع"؛ بتاريخ 17/10/2008م، "إن اللغة الدارجة التي يتكلمها المصريون هي مزيج من عناصر عربية ومصرية، وعمارة المسجد متأثرة بعمارة الكنيسة، والخزف الفاطمي هو امتداد للخزف القبطي، والتصوف الإسلامي متأثر بالتصوف المسيحي المصري".

 حين ينكرون أن اللغة القبطية كانت لغة المصريين القومية في العصور التي سبقت انتشار لغة الفاتحين العرب، فهم لا يثبتون إلا جهلهم واستعدادهم لإنكار الحقائق الثابتة إذا تعارضت مع أهدافهم وخططهم، ولا شك في أن اللغة القبطية كانت لغة المصريين قبل أن تحل محلها اللغة العربية.

هذه الحقيقة لا ينكرها إلا جاهل أو مزور، وكما أننا لا نتنكر للغتنا الأصلية التي كانت ركنـًا أساسيـًا من أركان حضارتنا القديمة؛ لا نخجل ولا نتبرأ من لغة الغزاة الفاتحين التي أصبحت لغتنا حين نطقنا بها، وفكرنا، وكتبنا، وأبدعنا، وأضفنا للأدب العربي ما لم يكن فيه.

 لا نتنكر للغتنا القبطية كما لا يتنكر الأوروبيون للغات التي كانوا يتكلمونها قبل أن تنتشر في بلادهم لغة الرومان الفاتحين، والتي صارت على ألسنة الفرنسيين لغة فرنسية، وعلى ألسنة الإسبان لغة إسبانية، وكما لا يتنكر الأفارقة واليهود الأمريكيون للغاتهم الأصلية التي كانوا ينطقون بها قبل أن تنتشر في بلادهم الإنجليزية، والفرنسية، والإسبانية، والبرتغالية.

 أما اتهام اللغات القبطية بأنها خليط من لغات مختلفة فكلام فارغ لا يستند لعلم أو منطق، لأن اللغة نظام لا يمكن خلطه بنظام آخر، يمكن أن تستعين اللغة بمفردات لغة أخرى تخضعها لطريقتها في النطق، أما الأبنية الأساسية التي تقوم عليها اللغة فلا يمكن نقلها للغة أخرى، لا يمكن مثلاً أن تنشئ في الفرنسية أو في الإنجليزية جملة اسمية خالية من الفعل كما تفعل في العربية التي يمكن أن تتآلف فيها الجملة الاسمية من اسمين؛ مبتدأ أو خبر.

واللغة القبطية لم تكن لغة جديدة ولم تنشأ من فراغ، وإنما هى طور جديد من أطوار لغة عريقة تشكلت على مهل، وقامت عليها ثقافة باذخة، وظلت حية لآلاف السنين، وتقول عالمة المصريات الإنجليزية "بربارا واترسون" في كتابها "أقباط مصر": "إن اللغة القبطية التي كانت لهجة شعبية في القرون السابقة على الميلاد، تحولت إلى لغة أدبية لها قواعد في النحو والإملاء خاصة بها". وهناك مَن يظن أن اللغة القبطية اختفت من الوجود في أعقاب فتح العرب لـ"مصر"، والحقيقة ليست كذلك، فقد كان العرب الفاتحين يعدون بالآلاف، وكان المصريون يعدون بالملايين، وقد ظل معظمهم يتكلم لغة آبائه وأجداده قرونـًا عديدة بعد الفتح، وظلت القبطية لغة حية إلى آواخر القرن السادس عشر، فعندما دخل العثمانيون "مصر" كانت بعض القرى في الصعيد لا تزال تتكلم القبطية.

 واللغة القبطية لم تختفِ تمامـًا بعد ذلك، وإنما تقمصت لغة الفاتحين العرب وحلت فيها؛ فظهرت من اللغتين لغة ثالثة هي العامية المصرية التي تعتبر عربية من ناحية المفردات، ومصرية من ناحية التراكيب التي يعود جانب كبير منها لأصول قبطية.

عندما تقول "انت مين"؟ بدلاً من "مَن أنت"؟، وعندما تقول "ما اقدرش" بدلاً من "لا أقدر"، تُسمى الأشياء كما سماها العرب، وتفكر فيها كما فكر المصريون.

 واللغة ليست مجرد معجم نستعمله كما يستعمله غيرنا، وإنما هي إلى جانب ذلك تراكيب تعبر عن عقلية المتكلم وتعكس تصوره للعالم وإدراكه لما بين الأشياء والأفكار من علاقات، فإذا كانت العربية الفصحى لم تنشأ في "مصر"، وإنما دخلتها بعد أن استكملت قواعدها وأصبحت نظامـًا يفرض نفسه على مَن يتكلمها، فقواعد اللغة ليست قيودًا حديدية، وإلا تسببت في موت اللغة، وإنما هي حددود مفتوحة وقوانين مرنة تساعد اللغة على أن تتجدد وتلبي حاجات الذين يتكلمونها وتتطور معهم.

 ونحن نعرف أن العرب يؤثرون الجملة الفعلية على الجملة الاسمية، على عكس الأوروبيين الذين لا يعرفون إلا الجملة الاسمية، ويبدو لي أن المصريين أقرب إلى الأوروبيين في هذه المسألة، فالجملة الاسمية هي الأساس في العامية المصرية، وهي تتردد بكثرة في أعمال الكتـَّاب المصريين؛ وخاصة المعاصرين.

وأقول بعد ذلك: نعم! اللغة العربية الفصحى هي في الأصل لغة العرب الفاتحين، لكنها الآن لغتنا، وهي لغة نتعلمها ونتعلم بها، ونفكر بها ونعبر ونضيف إليها ما لم يكن فيها من قبل، وإذا كان من التعصب المقيت اعتبار القبطية لغة المسيحيين وحدهم، فأشد تعصبـًا وأشد مقتـًا أن تعتبر العربية لغة المسلمين!!

سؤال: بحثت عن اللغة القبطية فوجدت أنها آخر مراحل تطور اللغات المصرية, وبالتحديد هي آخر دور للهجة المصرية العامية في اللغة المصرية القديمة التي تكلم بها سكان "وادي النيل" منذ آلاف السنين، وقد تحولت هذه اللهجة إلى لغة دينية وعامية مستعملة في أوائل القرن الثالث الميلادي، وظلت كذلك حتى حلول القرن السابع عشر، واقتصرت على الكنائس في ظل انتشار اللغة العربية التي أصبحت لغة البلاد الرسمية.

القبطية إذن مجرد "لهجة" دارجة قائمة بذاتها، وتطورت تطورًا طبيعيـًا جرى عليها كما جرى على كل اللهجات المنبثقة من كل لغة من لغات العالم، فمثلاً الفرنسية كانت لهجة لاتينية ثم تطورت لتصبح لغة "فرنسا"، وكانت اللاتينية أيضًا لهجة تطورت من اللغات الهندية, والهندية تنتمي إلى مجموعة اللغات الآرية، وإن كانت اللهجات السبع الأولى للغة المصرية القديمة قد كُتبت بالحروف المصرية الهيروغليفية، واللهجة التاسعة بالهيروغليفية مع تغيير في أصوات العلامات، واللهجة العاشرة بالديموطيقية؛ فإن اللهجة القبطية خالفتهُ وكُتِبت بحروف اللغة اليونانية الإثنين والعشرين، مع استعارة 7 أحرف فقط من الخط المصري الديموطيقي. إذن.. "فالدور الأخير من اللغة المصرية وهي ما نسميها اللغة القبطية، قد كُتبت بحروف يونانية صِرْفة، واستعارت من المصرية سبعة أحرف ديموطيقية لم توجد في اليونانية."




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :