الأقباط متحدون | الأقباط صنـَّاع سلام
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٩:٠٢ | الخميس ١٤ اكتوبر ٢٠١٠ | ٤ بابه ش ١٧٢٧ | العدد ٢١٧٥ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

الأقباط صنـَّاع سلام

الخميس ١٤ اكتوبر ٢٠١٠ - ٣٠: ٠٥ م +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

مواقف نبيلة (1)

بقلم: القس لوقا راضي

في معرض حديثنا عن صناعة السلام التي هي من سمات أبناء الله، نتوقف في تلك الحلقات عند المواقف النبيلة، وسآخذ على مدار مقالات عددًا من المواقف، ونستعرض مواقف "البابا بطرس" السابع؛ البابا 109، و"البابا ميخائيل" الأول؛ البابا 68، وموقف "سعيد بن كاتب الفرغاني" من "أحمد بن طولون".

أولاً: "البابا بطرس" السابع؛ البابا 109: أهم الأحداث في عهده:
  حدث أن اشتكى إليه أقباط بلدته "الجاولي" من قسوة بعض العائلات المسلمة معهم في التعامل، ولكي يحل هذه المشكلة في محبة، استدعى إليه أكابرهم وكلفهم بانتقاء مائتي فدان من أفضل أراضيهم، وأهداها لـ"شريف باشا"، وكان يرمي من وراء ذلك أن يعين لها الباشا -متى دخلت حوزته- مندوبـًا من قِبله ليرعاها ويشرف أيضـًا على شئون البلدة، وبذلك يحسم هذا الحاكم الموقف بين الطرفين مع إعطاء الأقباط حقوقهم.

 وكان أن أشار البابا على "شريف باشا" بتعيين هذا المندوب، وهو قبطي اسمه "المعلم بشاي" من محافظة "أسيوط"، فوافق "شريف باشا" على ذلك وأعطى "المعلم بشاي" 36 فدانـًا ليعيش فيها من هذه الأرض مقابل عمله. .

 وفي عهده أجرى الله على يديه كثيرًا من المعجزات بين الناس وبين الحكام، منها أن قل فيضان النيل في سنة 1525ش، وجعل كل المصريين يصلون من مسلمين ويهود وأقباط، إلا أنه أقام قداسـًا وألقى بمياه غسل الآواني المقدسة في النيل؛ فارتفعت مياهه.

البابا والعلاقات الخارجية:
 لما كان "محمد علي" موفقـًا في فتوحاته شرقـًا وغربـًا، خشيت الدول الأجنبية من هذا، ومنها "روسيا" التي قدَّرت سوء الموقف لو استمر في فتوحاته، ففكرت أن تستعين بالأمة القبطية في الوصول إلى أهدافها ضد "محمد علي"، باعتبار مسيحيها رعايا لها، فأرسلت أميرًا روسِيـًا يعرض على البطريرك قبول حماية قيصر الروس لشعبه، فذهب هذا المندوب الروسي إلى الدار البطريركية ظنـًا منه أنه سيرى رئيس أكبر أمة مسيحية في أفريقيا بحالة تدل على عظمة.

 وكانت أخبار هذه الزيارة قد وردت إلى البابا من قبل ولكنه لم يأبه، ولما وصله المندوب الروسي رأى إنسانـًا بسيطـًا يحمل الكتاب المقدس بين يديه، يقرأ فيه وهو يرتدي زعبوطـًا خشنـًا جالسـًا على دكة خشبية وحوله مقاعد مبعثرة، ولم يبال به فسأله في شكٍ: "هل أنت البطريرك"؟! فلما عرف منه طلب إليه أن يجلس بجواره، فجعل المندوب يتفرس فيه وهو لا يصدق أنه يجالس البطريرك، وبدأ المندوب يسأله لماذا يعيش بهذه البساطه ولا يهتم بمركزه في العالم المسيحي، فأجابه البابا: "ليس الخادم أفضل من سيده، فأنا عبد يسوع المسيح الذي أتى إلى العالم وعاش مع الفقراء ولأجلهم، وكان يجالس الخطاة، ولم يكن له اين يسند رأسه، أما أنا فلي مكان أقيم فيه واحتمي فيه من حر الصيف وبرد الشتاء، لم يكن للمسيح أرض، ولو أن ملك السماء والأرض ولم يكن له مخزن فيه مؤن، وها أنا آكل وأتمتع، فهل هناك أفضل من هذا"؟

 فبعد تعجب من المندوب، بدأ يعرض على البابا في بساطة، فسأله البابا: وهل ملككم يحيا إلى الأبد؟ قال له: لا يا سيدي البابا، بل هو إنسان يموت كما يموت سائر البشر، فأجابه: "إذن أنتم تعيشون تحت ملك يموت، وأما نحن تحت رعاية ملك لا يموت؛ وهو الله".

 حينئذ لم يسع المندوب الروسي إلا أن ينطرح تحت قدميه وأخذ يقبلها، وتركه وهو يشعر بعظمة هذا الرجل البسيط وقال: " لم تدهشني عظمة الأهرام ولا ارتفاع المسلات، ولم يهزني كل ما في هذا القطر من العجائب بقدر ما هزني ما رأيته في هذا البطريرك القبطي.

 ولما وصل نبأ هذه المقابلة إلى مسامع "محمد علي" سُرَّ جدًا وذهب إليه ليهنئه على موقفه وما أبداه من الوطنية الحقة، فقال له له البابا: (لا تشكر مَن قام بواجب عليه نحو بلاده)؛ فقال له "محمد علي" والدموع في عينيه: (لقد رفعت اليوم شأنك وشأن بلادك؛ فليكن لك مقام "محمد علي" في "مصر"، ولتكن مركبة معدة لركبك كمركبته، فكان الأقباط وما يزالون محبون لبلادهم منتمون لترابها.

 ثانيـًا: "الأنبا ميخائيل" الأول؛ البابا 68:
 على الرغم من الأحداث المختلفة في حياته، لكن كان له دورًا هامـًا في صنع السلام ، ومن أخبار الكنيسة في أيامه أن قام "البابا ميخائيل" بخدمة جليلة لـ"مصر"، إذ حدث أن النيل أخذ في الانخفاض عامـًا بعد عام نتيجة إنشاء ملك الحبشة سدًا في بلاده، يمنع المياه الكثيرة من الوصول إلى "مصر"، فطلب "الخليفة المستنصر" منه أن يذهب إلى ملك الحبشة، وبما له من مكانة روحية لديه يستطيع أن يجد حلاً في هذه المياه، وفعلاً سافر "البابا ميخائيل" إلى "الحبشة" وقابله ملكها بالترحاب، فعرض عليه المشكلة، فأمر الملك -بعد أن أخذ هدية كان قد أرسلها معه "المستنصر"- بفتح السد؛ فوصلت المياه إلى "مصر"، وعادت الحياة إلى الزرع والضرع وهبط الغلاء وعمَّ السرور، وكانت هذه أول زيارة لبطريرك "مصر" لـ"الحبشة" منذ خضوعها دينيـًا لـ"كنيسة الإسكندرية".

ثالثـًا: "سعيد بن كاتب الفرغاني:
 لن نتوقف عن البطاركة أو الموقف الكنسي، بل سنأخذ أيضـًا من أبناء الشعب القبطي موقفـًا،  وهو موقف المهندس "سعيد بن كاتب الفرغاني" إبان حكم "أحمد بن طولون"؛ مهندس نابغة قبطي ظهر اسمه في عهد الطولونيين، وغالبـًا ما يُنسَب إلى ناحية "فرغان" بـ"مركز ديرب نجم" بـ"محافظة الشرقية"، أو إلى "مدينة الفراجون" التي اندثرت وحل محلها اليوم "مدينة سيدي سالم" بـ"محافظة كفر الشيخ".

 أول ما نسمعه عنه أنه تولى عمارة مقياس النيل في "جزيرة الروضة" سنة 864م، بعد أن أمر بعمارته الخليفة العباسي "المتوكل"، ولما تولى "أحمد بن طولون" حكم "مصر" عهد إليه ببناء أهم منشآته، فبنى له أولاً قناطرًا وبئرًا عند "بركة حبش" لتوصيل الماء إلى "مدينة القطائع" بين عامي 872 و873م.

 وحدث لما ذهب "إبن طولون" لمعاينة العمل بعد انتهائه أن غاصت رِجل فَرَسِه في موضع كان ما يزال رطبـًا، فكبا الفرس بـ"إبن طولون"، ولسوء ظنه قدَّر أن ذلك لمكروه أراده به النصراني، فأمر بشق ثيابه وجلده خمسمائة سوطـًا وألقاه في السجن، وكان المسكين يتوقع بدلاً من ذلك جائزة، بعد ذلك فكر "إبن طولون" في بناء جامع يكون أعظم ما بُنِي من المساجد، ويقيمه على ثلاثمائة عمود من الرخام، فقيل له أنه لن يجد مثل ذلك العدد إلا إذا مضى إلى الكنائس في الأرياف والضياع ويحملها من هناك.

 وبلغ الأمر "الفرغاني" وهو في السجن، فكتب لـ"إابن طولون" يقول له إنه يستطيع أن يبنيه بلا أعمدة إلا عمودي القبلة، وصوّره له على الجلود فأعجبه واستحسنه وأطلق سراحه، وأطلق له النفقة حتى يقوم بالبناء، وبعد الانتهاء أمَّنه "إبن طولون" على نفسه وأمر له بجائزة عشرة آلاف دينار، ويشهد جامع "إبن طولون" بعبقرية هذا المهندس القبطي، إذ ترى العقود المدببة في الجامع قبل أن يُعرَف استخدامها في "إنجلترا" بقرنين على لأقل.

 فيما يختص بما انتهى إليه أمر هذا المهندس القبطي، فإن بعض المصادر تروي أن "إبن طولون" عرض عليه اعتناق الإسلام؛ فأبى وتمسك بإيمانه المسيحي، فقُطِعت رأسه ومات شهيدًا، ويذكر "أبو المكارم" في كتابه المنسوب خطأ لـ"أبي صالح الأرمني"، ذكر في "دلال الأعياد"، أنه في اليوم السابع من كيهك قُطِعت رأس "إبن كاتب الفرغاني"، وجسده محفوظ في كنيسة "القديس قلتة" .

 كانت تلك مواقف لصناعة السلام سنتبعها بمواقف متتالية تحفظ لنا تاريخـًا مجيدًا من صنع السلام، وأود من كل الأحباء الذين توجد لديهم أمثال تلك المواقف؛ سواء المسجلة في كتب التاريخ أو غير المعروفة؛ القديمة أو الحديثة، أن نتواصل معـًا لتسجيلها.
 الرب معكم...




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :