2- قانون الحياة ( الزرع والحصاد)
بقلم : مرثا فرنسيس
ما إن وضعت السيدة ( سميرة) سماعة التليفون حتى تنفسّت الصعداء ،كان المتحدث هو ابنها ( نادر ) يزف لها خبر استلامه العمل في شركة تجارية ، والآن وبعد وفاة والده بأكثر من عشر سنوات لم يبق لها إلا ان تساعده في ترتيبات الزواج وتكون بذلك قد اتمت رسالتها من نحوه ، كانت السيدة سميرة قد تفرّغت لتربيته هو واخته بعد وفاة والدهما ،فكانت لهما الأم والأب، تربي وتتابع في الدراسة وتعد الطعام وتقوم بكل مسئولياتها لخدمتهما ورعايتهما .وساعد ها في تحمّل نفقات المعيشة وتربية ابنائها ميراثها الصغير من أبويها والذي كان يدرّ عليها دخلا متوسطا بالإضافة لراتب زوجها الذي رحل فجأة .تزوجت ابنتها وهاجرت الى الخارج مع زوجها و الآن أوشكت سميرة أن تتذوّق ثمرة تعبها وتعرف معنى الراحة والتعويض
اتفق نادر وخطيبته أن يتزوجا ويعيشا مع الأم ،فالمنزل كبير والأم ترحّب خاصة بعد أن أصبح الحصول على شقة حلم صعب المنال لمن بدأ للتوّ رحلة العمل . وبالفعل بدأ الخطيبان في اعداد المنزل ولم تبخل الأم بكل ما يحتاج له ابنها وعروسه ولسان حالها يقول : انها لن تحتاج للكثير من المال في المستقبل القريب وهي تعيش مع ابنها وزوجته التي لاتقل في قيمتها ومقامها عن ابنتها المهاجرة .
تمّ الزواج وكان الإبن وزوجته يقدران مافعلته الأم من أجل اتمام زواجهما بأحسن شكل واجمل ترتيب ، كان الإبن يُقبِّل يد أمه معترفا بالجميل الذي صنعته معه وكذلك الزوجة . مرت الشهور الأولى في هدوء ولكنه لم يدم طويلا ، لسوء الحظ انزلقت رجل الأم اثناء اعدادها الطعام لإبنها وزوجته قبل عودتهما من العمل، ووقعت وهي تشعر بالآم رهيبة في مفصل رجلها ولم تستطع السير عليها وهي تبكي من الوجع ومن صعوبة الموقف فهي بمفردها ولن يصل ابنها او زوجته قبل ساعتين ، ظلت في مكانها حتى عاد الزوجان ونُقلت الأم للمستشفى وأُجريت لها الأشعات والفحوص اللازمة وكان التشخيص المبدئيّ : كسر في المفصل وكان لابدّ من العملية رغم كبر السن وضعف الصحة العامة ، اجريت لها العملية وبعد ايام تم نقلها للبيت ، استطاعت الأم ان تجد خادمة غير مقيمة تخدمها وتقوم برعايتها الشخصية فقط لعدد من الساعات صباحا . وهذا لايشمل كل اعمال البيت وتجهيز الطعام لكل الأسرة.وبدأت المشاكل فقد كان على زوجة نادر ان تلبّي كل احتياجات الأسرة بعد رجوعهم من العمل وهذا كانت تقوم به الأم بدلا عنها قدر استطاعتها ،والآن اصبحت تحتاج لمن يهتم بها في الفترة المسائية ، ازداد تذمر الزوجة وبدأت الصياح والشكوى واتهام الأم بأنها لاتحس بتعبهم ولاتهتم إلا بطلباتها الشخصية ، وازداد توتر الإبن من فض الشجار واجراءات المصالحة اكثر من مرة كل مساء ، كان الأمر يزداد سوءا يوما بعد يوم ولم تعد الزوجة تحتمل الأم ،واستخدمت كل الأساليب المشروعة وغير المشروعة في محاولة تجميل فكرة الحاق الأم بدار للمسنين حيث تجد من يرعاها ومن يهتم بها وانهم متخصصون في ذلك وان هذا سيؤول لصالح الأم وايضا راحتهما وسعادتهما ، وفي هذه الفترة من الجدال وحيرة الإبن بين الرفض والقبول ،شعرت الزوجة بالآم الولادة وتم نقلها للمستشفى وأصرت الأم ان تتحمل مصاريف الولادة والمستشفى وكل احتياجات الزوجة نظرا للظروف الاقتصادية السيئة التي يتعرض لها الجميع من جراء الأزمة الإقتصادية . عادت الزوجة وطفلها الى البيت واصبحت لاتطيق وجود حماتها في نفس البيت ، كانت قسوة القلب تمزق قلب الأم وهي تخفي دموعها عن ابنها حتى لا تضايقه والزوجة تزيد من اشعال النيران في قلب زوجها حتى يقبل خروج الأم من البيت ، وفاتح الإبن أمه في فكرة بيت المسنين حيث تجد من يرعاها ويخدمها ويعتني بها أكثر منهم،واعدا اياها بأنه حلٌّ مؤقت حتى تشفى وتكون زوجته قد استعادت صحتها بعد تعب الولادة ولم يستطع أن يرفع عينيه من الأرض والنظر لها اثناء الحديث
وافقت الأم وهي تعلم مالذي يعتمل بداخله في هذه اللحظة وأوصته الا يتأخر عن زيارتها وان يدعها ترى حفيدها من حين لآخر . بحث الإبن عن دار مناسبة بسعر متوسط على الرغم من تولي الأم الإنفاق على نفسها ،واودع امه هناك وبالمعنى الأدقّ ودّعها وعلى الرغم من ذلك لم تتحقق له السعادة او الهدوء مع زوجته .
بدأت الأم في التحسن ولكن بشكل بطئ وأما التأثير النفسي لما فعله بها ابنها وزوجته فلم يكن من الممكن ان يمحى مدى حياتها !وما إن بدأت تتماثل للشفاء إلا وقامت تسأل عن الأمهات المسنّات الأخريات في الحجرات المجاورة ، تحكي معهن وتحاول مساعدتهن قدر استطاعتها في الأمور البسيطة التي تقدر عليها ،مرت الأيام وقارب الشهر الثاني على الأنقضاء ولم يأت الأبن الحبيب لزيارة أمه الا مرة واحدة وبمفرده ولم يخرج كلامه معها عن الشكوى من الهم وضيق ذات اليد والمشاكل المشتعلة بينه وبين زوجته .اقترحت الأم أن تقف بجانبه ماديا بشكل منتظم حتى تنتهي أزمته المالية . فأوجدت له سببا مقنعا لزيارتها ولو مرة شهريا بانتظام .تحولت ايام هذه الأم الرائعة في الدار الى سيمفونية من الحب فكانت زميلاتها والعاملات في المكان يلتفون حولها يسمعونها ويسألونها ويتعلمون من خبراتها ، في التعامل مع الآخرين وفي العطاء وفي احتواء ضعف الأبناء او الزوج وغيرها من الموضوعات ، وكانت سميرة شاكرة لله لأنها وبعد كل هذه السنين اصبحت تستفيد من كل ماقراته وماتعلمته طوال سنين عمرها ، وانها رغم حالها قادرة على مساعدة الآخرين وكانت تخفي مشاعرها المجروحة من ابنها وزوجته وسط دفء هؤلاء الصديقات . تعود ابنها على زيارتها فقط في نهاية الشهر ليطلب منها المال ولا يكلِّف نفسه سؤالها عن احوالها واحاسيسها وصحتها فأصيبت بجلطة شديدة في القلب وكانت السبب في إنهاء حياتها .
اما الإبن فلم يتوقع موت أمه بهذه السرعة، و شعر أنه أصبح وحيدا في هذا العالم بعد ان فقد القلب المحبّ المعطي الذي أحبه بصدق دون ان ينتظر منه أي مقابل ، مرت الأيام وكبر أولاده وتزوجوا وبدأ كل منهم حياته المستقلة مع زوجته ولم يبق بالمنزل الا الأب والأم التي اصيبت بانزلاق غضروفيّ جعل كل مايختص بالحركة هو العذاب بعينه ،واصبح امر الحصول على خادمة أصعب من العثور على ابرة في كوم من القشّ نظرا للإقبال عليهن وارتفاع اجورهن .
تسببت العلاقات السيئة لزوجة نادر مع زوجتي ابنيها ومع جيرانها في انعدام رصيدها من الحب او الرحمة لدى أي منهم ولم تجد من يعطيها كوب ماء فقط
لم يحتمل ولداهم كثرة ازعاجهم لهم بالإتصال اليومي وكثرة الطلبات والشكوى والحاحهم ان يأتوا للسؤال عن الأب المسن والأم العاجزة ،ضاقا ذرعا بهذه النغمة المكررة ، بحثا لهما عن مكانين في دار للمسنين غير القادرين على خدمة انفسهم
والذي يستقبل التبرعات لدفع ثمنا لإقامة لمن لا أهل لهم .
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :