المصريون متحدون
بقلم :د.حمدي الحناوي
أعتقد أننا يجب نتوجه إلى المستقبل، ولا نعيش على الماضى، فلا يعيش على الماضى إلا من لا مستقبل له. وأزعم أننا وطن له مستقبل. الكلام قد يبدو غريبا فى بلد تكاد تمزقه الفتنة والنزاعات. وهى ليست نزاعات دينية وليست أيضا طائفية، وسأقول بمنطق المتشددين المراوغ، أنها نزاعات مدنية ذات مرجع دينى. والحديث عن المستقبل مع وجود تلك النزاعات قد يراه البعض سذاجة مفرطة أو تفاؤلا مفرطا، لكننى أرى غير ذلك.
نبدأ بالنظر لهذا الموقع، فماذا نرى؟ فى العنوان: الأقباط متحدون، لكنه يقبل بل ويبحث عن كتاب مسلمين، يكتبون له. وهكذا أكتب الآن، ودون أن يحدد لى أحد ماذا أكتب، ولن أخجل إن اعتبرنى بعض القراء المسلمين للوهلة الأولى واحدا من الأقباط المتحدين. وقد سبق أن فعلت ما هو أكثر، فقد دعتنى الكنيسة يوما لأحاضر فى مؤتمر بمقر البابوية فى دير الأنبا بيشوى. ويومها رحبت بالدعوة، وحين وصلت إلى الدير، وجدت صديقا مسيحيا سبق أن تعاونت معه فى بعض الأعمال، وقد أعد لى مكانا معه فى حجرته. وكانت سعيدا لأننى لم أضيع وقتا أبحث فيه عن أصدقاء.
مع بدء أعمال المؤتمر لم أشعر بالاختلاف العقائدى، فبالقرب منهم وجدتهم يعبدون الله. صحيح أنهم يرونه من زاوية تختلف عن زاوية رؤيتى، لكنه الله. ولا أنكر أننى حين تعاملت مع الآباء الكهنة والرهبان هناك، انتقلت لى منهم مشاعر روحانية لم يسبق أن شعرت بها. وحين انتهت محاضرتى وكان يجب أن أغادر استأذنتهم أن أبقى معهم بقية المؤتمر، فرحبوا. واستأذنت أن أزور أديرة أخرى قريبة فرتبوا لى الزيارة، وحضرت معهم إحدى الصلوات فلم أشعر أنى غريب. لم أشعر أننى بعيد عن الله، أو أننى أصلى لغيره، فواصلت صلاتى، وقلت لنفسى لا بد أن الله يعرف ما فى قلبى. وإذا كنت أؤمن بوحدانيته فما أفعله هو قمة التوحيد، فهو إله البشر جميعا مهما اختلفت زوايا نظرتهم إليه.
الآن وعلى مدى عشرين عاما تقريبا منذ تلك الزيارة، لم يطلب منى أحد أن أنتقل إلى المسيحية وشعرت دائما بالأخوة والمحبة. وإذ أكتب اليوم فى هذا الموقع ويكتب فيه آخرون من المسلمين، أكتب تحت عنوان "الأقباط متحدون"، لكننى أشعر تلقائيا بأن الموقع يكتسب ضمنيا عنوانا آخر، هو "المصريون متحدون". أؤمن بهذا فى قرارة نفسى، ولا يتأتى لى هذا الإيمان من فراغ، فلماذا يقبل الأقباط بل يطلبون من مسلمين أن يكتبوا فى موقعهم؟ هنا هدف واضح هو وحدة الوطن، أصدقهم حين يتحدثون عنه، ولا شئ يدعو لتصديقهم أكثر من كون فعلهم مطابقا لقولهم. سألونى فيم ستكتب فقلت اتركونى أفكر، واتفقنا على أن لى هذا العمود أكتبه أسبوعيا حسب اختيارى للموضوع والعنوان.
اخترت العنوان "رؤية"، وهذه هى افتتاحيتى. لا أصنع بهذا عالما وهميا أعيش فيه، بل أرى صورة المستقبل. ستحل المشكلات العالقة، وسيعود المصريون متحدين. لن يتحدوا فى الدين فهذا غير مطلوب، والمتحدون فى الدين قد يختلفون فى الملة. أؤمن يقينا بأن الكتلة الأساسية من المصريين متحدة، وأن التعصب ليس سمة مصرية، بل علة واردة أو مصنوعة. سنكون متحدين فى الأهداف، على أرض وطن واحد يجمعنا كلنا، ونشرب فيه من نيل واحد، وإذا ألمت به أزمة أو عصفت به فستعصف بكل من فيه، مسلمين ومسيحيين سواء بسواء. لهذا أنظر إلى المستقبل، وأتطلع إلى تعاون الجميع لننهى نزاعات الماضى، وأكرر أنه لا يعيش على الماضى سوى من لا مستقبل له.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :