الأقباط متحدون | ذكريات.. العمر اللي فات ـ 22
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٣:٠٥ | الأحد ٢٦ سبتمبر ٢٠١٠ | ١٦ توت ١٧٢٧ ش | العدد ٢١٥٧ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

ذكريات.. العمر اللي فات ـ 22

الأحد ٢٦ سبتمبر ٢٠١٠ - ٠٠: ١٢ ص +03:00 EEST
حجم الخط : - +
 

بقلم: أنطوني ولسن/أستراليا
ثانيا: في أوستراليا..8
ذكريات.. العمر اللي فات، هي محطة استراحة فكرية، أنزل فيها من قطار الحاضر محاولا الاسترخاء والتجوال في شوارع وحدائق حياتي. اثناء تجوالي أحكي للقارئ حكاية من هنا او من هناك.. اربطها بحكاية اخرى او حكايات. وإن اقتضي الأمر العودة الى قطار الحاضر.. سأفعل ذلك لإستمرارية التفاعل مع الحاضر الذي سيصبح يوما.. ذكريات العمر اللي فات..
دعونا الآن نكمل الحكاية..
تتلخص خطتي التي وضعتها للدراسة في أن ما أتعلمه في ( المدرسة ) أنقله إلى المنزل وأتدرب عليه. بدأت بالمجموعات الـ 13 الخاصة بشوارع قلب مدينة سدني و5 ضواحي تحيطها ساعدني ذلك على خفض المدة المحددة للتدريب من 3 أيام إلى يوم ونصف اليوم ونجحت بالفعل.
بدأت بعد ذلك في التدريب في المنزل على فرز خطابات الخاصة بصناديق البريد المؤجرة والمقسمة الى 52 قسم والتي قسمت الى مجموعات تتدرب عليها ثم نمتحن في كل قسم على حدة وايضاً 3 أيام لكل قسم، وبنفس الطريقة نجحت وأنهيت التدريب وكنت أول المجموعة في (المدرسة) الذي أنهي امتحانات ما درسناه ولم يبق غير الامتحان النهائي في كل ما درسناه وهو فرز 500 خطاب  بعناوين وأسماء أصحاب الصناديق والمرسلة الى عناوين شوارع وحارات قلب مدينة سيدني والـ 5 ضواحي المحيطة بها.
لم اوفق ورسبت 3 مرات على فترات مختلفة..حاول المدرس المسؤول وكان اسمه تريفور ان يحثني على التدريب على امتحان السرعة ولا أهتم بالامتحان العام لثقته انني سأنجح وبسهولة. وكان ردي دائماً أنني اريد ان انجح اولا وبذلك اضمن تعيني واستلامي العمل. اما امتحان السرعة فاستطيع أن أوديه في أ يَ وقت آخر.
في الامتحان للمرة الرابعة لم يكن تريفور موجوداً وحل محله آخر. أديت الامتحان ونجحت. وعندما جاء تريفور في اليوم التالي ورأى انني نجحت.. نادى علي وقال لي:
- نجحت .. ايه.. ألم اقل لك تدرب على امتحان السرعة.. على العموم خد هذا الصندوق وسأجري لك امتحانا آخر..
تعجبت.. لكني قمت بفرز الخطابات وبسرعة أنهيت فرز 500 خطاب في نصف المدة المقررة. وكان الصندوق من أصعب صناديق الامتحانات.. مما دعاه أن يأتي الي مصافحاً ومهنئاً، ومع ذلك جعلني انتظرحتى ينهي طالب آخر الامتحان العام لنقوم باجراء امتحان السرعة سويا أمام احد مندوبي المصلحة الذي يأتي  خصيصاً لذلك.
انتظرت اسبوعاً كاملاً حتى انهى أسترالي اسمه جاري هولمز إمتحانه والعجيب اننا أنهينا امتحان السرعة في وقت واحد وأخطاء تقريباً واحدة. وبدأنا العمل قبل المجموعة كلها.. وكانت منافسة حامية وتحد سافر. والمدرس تريفور كان له وزنه في المصلحة.. واستطعت ان اتدرج الى ان وصلت زميلا له مع فارق انني كنت اقوم بالعمل بالنيابة.. أي عند غياب احد رؤساء الاقسام أحل محله.
كانت المنافسة فيها الكثير من المعاناة والصبر والتحمل.. ليس مع الزميل الذي أشرت اليه.. لكن مع كثيرين غيره لأنني بعد فترة بدأت أدخل عرين الأسود وأزار في وجوههم، واحياناً كثيرة كان زئيري يعلو على زئيرهم. لم ابال بلسعات دبابير الموظفين القدامى بنفس روح التحدي والاصرار على اثبات الوجود ومبدئي الذي كنت أعمل به في مصروقناعتي ان العمل رئيسي لا الانسان. الانسان للتنظيم والاشراف. اما العمل فهو الذي يدفعك الى التفكير في افضل الطرق للقيام به.
وقد واجهتني صعوبات كثيرة وأعتقد انها واجهت الكثيرين من المهاجرين في كافة انحاء العالم والوظائف والاعمال، بل وفي المدراس.
واجه ابني في مدرسة ناروي الابتدائية الحكومية صعوبات من تلميذ كان دائماً يطارده وكنا نسكن في ذلك الوقت بالمساكن الحكومية في حي ريفروود . عودت اولادي على ان يكون بيني وبين كل واحد منهم وقتاً على انفراد والحديث في كل شيء وفي اي شيء مهم كان او غير مهم. في احد الأيام اخبرني بان طالباً في المدرسة اكبر منه دائم على مشاكسته واخذ «سندويشاته».. واخبرني انه يسكن في نفس المساكن التي كانت في تلك الفترة حكراً للأسترال.. طلبت من ابني رؤية الطالب من بعيد.. انتظرته في اليوم التالي وهو عائد من المدرسة.. خرجت اليه وامسكت به وكنا بالقرب من شجرة قريبة حاول ان يتبجح فشددت على معصم يده وقلت له:
- إسمع إن لم تكف عن مشاكسة ابني سيكون لي معك تصرفاً آخراً.. لن اذهب  الى المدرسة ولن اذهب الى امك ولا حتى الى البوليس بل سيكون تصرفي معك مباشرة.. هل فهمت؟
إرتعب الولد وبعد ان تركته لحاله جرى مسرعاً ولم يقترب من ابني مرة اخرى حتى انتقلنا الى حي كينجزجروف  وشراءنا اول منزل لنا في أستراليا.
كنت اعمل بالبريد الذي سأعود الى الحديث عنه فيما بعد.. لكن على الرغم من ان ايجار الشقة في المساكن الحكومية كان حوالي 30 دولاراً في الاسبوع.. وعلى الرغم من اننا غيرنا سجاد الشقة واعدنا دهانها واشترينا عفشاً جديداً.. إلا ان زوجتي لم تكن مرتاحة.. بدأ  الخوف على البنات يسيطر عليها.. المنطقة كلها استرالية ونحن فقط نعتبر غرباء وسطهم.. لهم عادات وتقاليد لا شك مختلفة ولم نكن تأقلمنا بالحياة الأسترالية.. او على الأقل كل في حاله.. بدأت بنتان من سكان العمارة التقرب والاختلاط بأبنتي الكبرى.. بدأنا نلحظ كل بنت منهما لها صديق.. لا غرابة اذا رأينا الواحدة منهما مع البوي فريند يقبلان بعضهما البعض في داخل العمارة او على السلالم وطبيعي في الشارع. أعرف ان في مصر مثل هذه الأشياء قد تحدث.. لكن ليس علناً وفوق «سلالم» المنزل.. لكن تحت السلم.. مثلا.. ازداد التقرب إلى ابنتنا الكبرى.. واحمد الله ان ما اتبعته مع اولادي من ناحية وما اتبعته امهم معهم من ناحية اخرى. وعلى الرغم من الثقة في اولادنا.. لكن..
بدأت اشدد في مجيء اي من البنتين ايام الدراسة.. وان لزم الأمر لدقائق احددها.. وسارت الأمور هادئة والحمدلله.
ذات يوم في حديثي المعتاد مع الأولاد كل على حدة.. سألتني ابنتي الكبرى إن كنت أسمح لها بالخروج مع شاب تعرفه إحدى البنتان.. ضحكت ووافقت على شرط ان يأتي لزيارتنا ويطلب مني الخروج معكي.. فرحت ووافقت.
جاء المحروس.. يكبرها بعدة سنوات.. جلسنا نحتسي الشاي.. أشعل سيجارة.. اخذنا نناقش مسائل لا معنى لها.. ابنتي في الخارج (خارج غرفة الصالون) تنتظر ان افي بوعدي لها وأسمح لها بالخروج.
بعد أن انهى كوب الشاي.. نهض شاكراً لي كرم الضيافة مستأذناً للخروج مع ابنتي.. وقفت ومددت يدي له مصافحا شاكرا له قبوله الدعوة والمجيء.. لكن ابنتي غير مسموح لها الخروج لا معك ولا مع غيرك..
امتعض متعجباً من تصرفي.. غادر المنزل وطبيعي ابنتي كانت في انتظار معرفة عدم موافقتي لها على الخروج.
اخذتها الى غرفة الصالون وأخبرتها برأي في هذا الدنجوان.. انه لا يصلح لا ان يكون صديق ولا حتى معرفته.. شاب تافه لا ثقافة عنده ولا تعليم.. والبنات عنده تسلية يمشي مع دي ويسبها ويروح للثانية ويسبها.. الميزة الجميلة في ابنتي الكبرى انها تثق  فيما اقوله لها.. وعدتها ان الأيام ستثبت لها بالفعل صدق كلامي.
اشكر الله على انه بالفعل كشف لأبنتي الحقيقة بعد أيام قليلة من زيارة الدنجوان.. خرجنا في المساء ابنتي وانا لشراء «بيتزا» مررنا على مطعم بالحي  ورأينا المحروس مع محروسة وآخر غرام.. نظرت إلى ابنتي.. ابتسمت وأمسكت بيدي وأومأت برأسها بالذهاب الى محل البيتزا.
حدث ذات مرة كنا ذاهبين الى فرح استرالي.. لم نجد مكان للسيارة فأضطررت لدخول الشوارع الجانبية.. وصلنا الى نهاية الشارع ولم نجد مكاناً، فكان علي ان اعود ادراجي لابحث عن مكان آخر، ما ان سقط نور السيارة على الـ yard Front  حتى فوجئنا بشاب وشابة في وضع بالنسبة لنا غير لائق.. نهض الاثنان والمفاجئة كانت انها احدى الاختين. وكان ذلك المنظر القشة التي قسمت ظهر البعير.. أصرت زوجتي على ترك الحي وكان كما ألمحت اننا اشترينا اول منزل لنا في حي كينجز جروف كما أشرت.
شراء منزل ليس بالشيء الصعب.. ليس لاننا خلال سنوات بسيطة صرنا من الأغنياء.. وإللا ما تقدمنا بطلب للسكن في احد بيوت الحكومة المخصصة لذوي الدخل المحدود. لكن اتصلت بمحامي صديق ارمني مصري واخبرته برغبتي فطمأنني علي ان ابحث عن منزل واتصل به وسوف يتحدث الى مدير بنك للحصول علىسلفة لدفع مقدم المنزل. طيب وماذا عن ثمن المنزل؟
نصحني في الذهاب الى احد البنوك بعد ان أجد المنزل وأعرف ثمنه وتخبرهم بما تحتاج.. حاولت لكن لم اوفق، اضطررت للذهاب الى احدى شركات تسليف الأموال غير البنوك وعرضت عليهم الأمر وكنا قد وجدنا المنزل الذي نريد شراءه.
ذهب مندوب من عندهم ليثمن المنزل وتمت الموافقة على دفع المبلغ المطلوب بضمان المنزل، وكان سعره في ذلك الوقت 3 غرف نوم ومطبخ وارض يرمح فيها خيال بـ 30 الف دولار فقط. لكن التسديد كان 300 دولار كل شهر ولمدة 20 سنة.. يعني من اجل عيون البيت لازم نشقى ونتعب ونفضل ندفع دم قلبنا طول عمرنا.. في المقابل ان البيت سيصير ملكنا وربنا المعين.
انتقلت ابنتنا الكبرى الى المدرسة الثانوية بحي بيفرلي هيلز للبنات.. ذات يوم وجدتها في حالة متوترة.. اخذتها الى غرفتها وسألتها ما بها.. قالت لي والدموع تترقرق من عينيها:
- بابا.. النهارده في المدرسة حصلت حاجة مع احدى البنات مضيقاني شوية..
- خير احكيلي..
- بنت وإحنا في فترة الغداء نادت علي قائلة لي إنت يا موميا مصرية 
- سألتها ان كانت تعنيني.. فأجابت بالإيجاب وأهانتني.. لم اتكلم ولم أعلق بل تركتها تكمل حديثها.
فما كان مني بعد ذلك إلا ان نهضت وأمسكتها من شعر رأسها ثم اوقعت بها على الأرض ووضعت قدمي فوق صدرها وأنا أصرخ فيها آلا تشاهدين المسلسل الأميركي " جذور " .
سألتها:
- ماذا تعنين بذلك؟
- قالت اعني ان المسلسل يعارض التعصب وكره الآخر المخالف له في الجنس او اللون.
(لم تكن فكرة الاختلاف في الدين سببا للتعصب والكره في تلك الأيام)
- وماذا حدث بعد ذلك؟
- تركتها ومشيت.. وإذ بها تسرع إلي معتذرة شارحة لي أن ما كانت تقصده هو المزاح معي.
- طبعاً لم تقبلي العذر!
- لا يا بابا ان التسامح هو جزء من ايماننا المسيحي.
- بعد الأهانة!
- لم اقبل الاهانة كما قلت لحضرتك.. لكن انا لم اكن ارغب في التصرف كما تصرفت..
ربت على كتفها واحتضنتها وقلت لها:
- ميرفت ان التسامح شيء جميل أما ان نسكت على الإهانة فهذا شيء مهين.. لكن كان يمكن ان تتحكمي في نفسك دون استخدام العنف.
- معك حق يا بابا.. ودا اللي موترني..
- انا متأكد إن العلاقة بينكما ستكون علاقة متينة.
من شاهد ذلك المسلسل (الجذور) لا شك تعاطف مع السود في أميركا. ومن يرى السود احدهم الأن رئيس البلاد يتعجب.. ثلاثةعقود تقريباً مرت على مشاهدة المسلسل.. فأين السود من البيض الآن؟ الحرية لا تمنح.. لكنها تكتسب.. وإكتسابها يحتاج الى عمل وجهد ومثابرة.
لم يقبل السود استمرار العبودية.. لأنهم لم يكونوا في بلادهم عبيدا.. بل تم اختطافهم وبيعهم كعبيد.. السلاسل قد تقيد جسد الانسان اما الحرية لا يقيدها غير خنوع الانسان وخوفه وإستكانته وانتظاره لمحرر دون بذل مجهود مضني لإثبات حقوقه وحريته. وهذا ما فعله السود الأفارقة الذين يطلق عليهم الأن الأفارقة الأمريكان.
اين أصحاب الحق في أرض اجدادهم الذين يعيشون غرباء في بلادهم ويطلق عليهم إسم الأقليات.. ومع الأسف لن نجد هذا اليوم إلا في بلاد العرب.
فهل العيب في الحكام؟.. أم في الشعوب التي قبلت الهوان؟ والله المستعان..
وإلى اللقاء و.. وذكريات العمر اللي فات.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :