- وفاة الدكتور نبيه نسيم عبد الملك عالم الرياضيات
- بيتهوفن الموسيقار الذي غلب الصمم بالألحان
- الحرب على اليمن.. خبراء: مصر تتورط.. عسكريين: القادم عاصف.. نجل المشير: السيسي مش هيكرر أخطاء الماضي.. ومفكرين: الحرب الإسلامية قادمة
- "دي ستيفانو.. ثالث أعظم هداف أسباني"
- "أم الغلابة".. عندما تفوح رائحة المسيح في الإنسان
وعلى جماهيرها جنت القيادات السنية
د. عبدالخالق حسين
السلطة أشبه بالمخدرات، تدمن الفرد الحاكم، وتدمن الحزب الحاكم، وكذلك تدمن المكون الواحد من شعب يتألف من عدة مكونات إذا ما انفرد هذا المكون بالحكم لعدة أجيال. وللاحتفاظ بحكمهم، يستخدم هؤلاء الحكام سياسة (فرق تسد) بأبشع صورها، لخدع أبناء مكون السلطة بأن مصيرهم مرتبط بتمسكهم بالسلطة. فلمدة 80 سنة راحوا يبثون روح التفرقة بأبشع أنواعها الطائفية والعنصرية والمناطقية، بين مكونات الشعب، وخاصة ضد الشيعة ونعتهم بأحط الصفات الدونية للنيل من كرامتهم، والطعن بوطنيتهم، والتشكيك بقوميتهم ودينهم ومذهبهم. وبلغت هذه الحملة الظالمه ذروتها في عهد حكم الانحطاط والدمار، حكم البعث الفاشي العنصري الطائفي البغيض. ولكن للتاريخ منطقه العادل، إذ أسفر البعث عن وجهه الكالح، وظهر على حقيقته فتحول إلى (داعش)، يعني وكما يقول العراقيون (مستقبل التنكة كحف).
وقد حاول المخلصون في العراق الجديد منذ 2003، طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة، وتأسيس النظام الديمقراطي التعددي، يشارك في حكمه جميع مكونات الشعب بلا استثناء، وحسب ما تفرزه صناديق الاقتراع. ولكن رفضه المدمنون على احتكار الحكم، فلجأوا إلى الإرهاب، وجلبوا شذاذ الآفاق من الإرهابيين المغسولة أدمغتهم بفتاوى مشايخ الوهابية، وبدعم البترودولار الخليجي، وخدع السياسيون السنة جماهيرهم بأن الشيعة صفويون وروافض، وصار العراق مستعمرة إيرانية...إلى آخر الاسطوانة المملة.
و كما نشرت صحيفة نرويجية، ذهب طارق الهاشمي إلى واشنطن، وقابل جورج دبليو بوش هامساً في أذنه أنه إذا ما أعاد الحكم لهم كما كان قبل 2003، فسيدعمون المصالح الأمريكية في المنطقة، ويعملون على حل الصراع الإسرائيلي – العربي كما تريده أمريكا، فرد عليه بوش أن عهد حكم المكون الواحد في العراق قد انتهى، وعليكم أن تقبلوا بالديمقراطية ومشاركة الجميع.
لذلك لجأوا إلى الإرهاب، واخترعوا تنظيم (داعش) الذي هو نتيجة تلاقح البعث والقاعدة، وبدعم من دول كبرى وإقليمية، والذي خرج من سيطرتهم فيما بعد، إذ جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن. صحيح أن معظم ضحايا التفجيرات البعثية الإرهابية من الشيعة، إلا إن ما حصل في الآونة الأخيرة وعلى أيدي الدواعش، كان وبالاً على العرب السنة، حيث كان نصيبهم القتل والدمار الشامل، والمقابر الجماعية لكل من لا يبايع خليفتهم (القره قوزي - البغدادي)، إضافة إلى تشرد الملايين... وقائمة الكوارث تطول.
وأخيراً، وبعد خراب الموصل وغيرها من المحافظات ذات الأغلبية السنية التي سلموها إلى داعش في مسرحية أحيكت بمنتهى المكر والخبث والدهاء والحقارة والخيانة الوطنية، وما لحق بالعراق عموماً من خسائر بشرية ومادية، وإصرار المكونات الأخرى على مواصلة دعم الديمقراطية ومهما حاول المغرضون تشويه صورتها ونشر الافتراءات وحملات التشويه الظالمة ضدها، وبعدما انتبهت الجماهير والعقلاء الشرفاء من أهل السنة أن قادتهم السياسيون خدعوهم وجلبوا لهم الكوارث، بينما القادة أثروا ثراءً فاحشاً من هبات دول الخليج الذين ضحكوا عليهم ودفعوهم إلى تمزيق وطنهم وقتل أبناء جلدتهم.
مناسبة هذه المقدمة أن نُشر في الأسبوع الماضي على مواقع الانترنت تقرير تضمن تصريحات نُسبت إلى السيد أسامة النجيفي رئيس البرلمان سابقاً، والقيادي في اتحاد القوى العراقية، ونائب رئيس الجمهورية حالياً، بعنوان: "النجيفي: سنة العراق وقعوا ضحية مؤامرة لدول الخليج مع امريكا"، جاء فيه: (... قال أسامة النجيفي في اجتماع ضم قيادات اتحاد القوى العراقية عقد في منزل رئيس البرلمان سليم الجبوري ببغداد " أن سنة العراق وقعوا ضحية لمؤامرة خليجية امريكية حاولت تغير الموازين في العملية السياسية العراقية بعد 2003، لكنها فشلت فشلاً ذريعاً، مبينا ان من دفع الثمن هم سنة العراق، وذلك نتيجة لسياسات وقرارات خاطئة اتخذتها القيادات المتصدية للعملية السياسية آنذاك"، وأضاف: "ان رفض التعامل مع الوضع السياسي الجديد بعد 2003، وعدم الاعتراف بحقوق الإخوة الشيعة كواقع حال، والاندماج والتعايش معهم كلفنا الكثير ولم نحصد اي فائدة تذكر من هذا العناد"(1).
هذه التصريحات رغم خطورتها، لم تتلق أية ردود أفعال من قبل السياسيين من مختلف الكتل السياسية والاتجاهات عدا تعليقات من عدد من الكتاب المتابعين للقضية العراقية. وفي هذه الحالة، فهناك احتمالان، إما هذه التصريحات مفبركة أو حقيقية. فلو كانت مفبركة لقام السيد النجيفي بنفيها. ولكن رغم مرور عدة أيام على نشرها، فلم يصدر أي نفي. ولذلك نعتبر هذه التصريحات حقيقية.
وفي هذه الحالة هناك أيضاً احتمالان: إما أن أصدرها السيد النجفي بحسن نية بعد أن حصلت لديه قناعة أنهم (السنة العرب) تم خدعهم والضحك عليهم من قبل الخليجيين وأمريكا، أو مجرد بالون اختبار لجس نبض الشارع السني من هذه التصريحات بعد أن أكتشفت الجماهير السنية العربية أن قادتهم خدعوهم وقادوهم إلى التهلكة، فكان للقياديين الثراء الفاحش (رشوات من الخليجيين)، والسفرات المكوكية لدول الخليح وأمريكا، والظهور على وسائل الإعلام العربية المحرضة، بينما نصيب الجماهير القتل والدمار، وتشريد الملايين وهتك الأعراض.
لذلك أدرك أسامة النجفي أن القادة السنة الذين أوصلوا مجتمعاتهم إلى هذه النهاية المأساوية أنهم على وشك أن تنبذهم جماهيرهم وتستبدلهم بمن يشاركونهم آلامهم، وحريصون على الوحدة الوطنية العراقية، التي هي الضمانة الوحيدة لمستقبل زاهر للجميع. لذلك حاول النجيفي أن يطلق هذه التصريحات قبل فوات الأوان ليقفز من السفينة الخليجية الغارقة إلى السفينة العراقية الناجية التي الحقت الهزيمة بداعش وكل من يقف وراءه بفضل قواته العسكرية المسلحة المدعومة من الحشد الشعبي ورجال العشائر السنية.
كذلك نشرت وسائل الإعلام تصريحات لرئيس مجلس النواب الأسبق والعضو الحالي فيه الدكتور محمود المشهداني، أنه حمّل العرب السنة مسؤولية ما يحصل لهم من دمار. قائلاً:" لماذا نلوم إيران وهي التي تدافع عن مصالحها ونترك لوم أنفسنا ومحاسبتها على تشتتها الى 22 دويلة هزيلة و49 دولة تسمي نفسها إسلامية سنية وهي كل يوم تسئ الى سنيتها ولا أستثني أحدا منا ولا منهم…"(2)
والسؤال الملح هنا: هل كان على الشعب العراقي بكل مكوناته أن يدفع كل هذا الثمن الباهظ من أرواح مئات الألوف من أبنائه، ومئات الألوف من المعوقين والأرامل واليتامى، وتدمير ما قيمته مئات المليارات الدولارات من ممتلكاته ومؤسساته الاقتصادية، وضياع 12 سنة من عمره في الإرهاب والدمار بدلاً من الإعمار، ليتوصل هؤلاء السادة (أسامة النجيفي، ومحمود المشهداني وغيرهما من القيادات السنية)، إلى قناعة أنهم كانوا على خطأ، وأن " سنة العراق وقعوا ضحية مؤامرة لدول الخليج مع امريكا،... وأن لا يلوموا إلا أنفسهم"؟؟
نحن نتمنى أن تكون تصريحات هؤلاء السادة صحيحة، وعن قناعة، وبنوايا صادقة وليس مجرد تكتيكات مرحلية للضحك على الذقون. فالعراق بتعددية مكوناته، وبعد كل هذا الدمار الذي لحق به نتيجة دكتاتورية المكون الواحد لعشرات السنين، لا يصلح له إلا النظام الديمقراطي، تتعايش بظله مكوناته بسلام، مع احترام حقوق الأقليات، وتتخذ من صناديق الاقتراع وسيلة للتبادل السلمي للسلطة، وبدون ذلك لا يحصدون سوى الدمار والدماء والدموع. فمن يزرع الشوك لا يحصد إلا الشوك.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :