أقباط القرن العشرين.. كتاب لحساب الحقيقة
عرض: مادلين نادر
تاريخ الأقباط غير مرصود في مناهجنا التعليمية، وغير متواجد في أجهزتنا الإعلامية، فهناك طمس للحقائق وللتاريخ القبطي، ولقد قدم الأستاذ ملاك لوقا الكاتب الصحفي، كتابًا جديدًا يعد بمثابة تأريخ للأقباط في القرن العشرين، حيث يأتي كتاب " أقباط القرن العشرين" كتابًا لحساب الحقيقة، وليس على حسابها، كما وصفه كاتبه، وهو بالفعل كذلك، فهو يرصد واقع الأقباط في مصر في القرن العشرين في كافة المراحل الزمنية، وعلى كافة المستويات أيضًا، فيؤرخ الكاتب القرن الماضي بكل تفاصيله في مصر من خلال دور الأقباط وقضياهم.
بداية.. يذكر الكاتب دور الأقباط السياسي الذي برز مع الحزب الوطني بزعامة الزعيم مصطفى كامل، مرورًا بالفترة التي كان بها سعد زغلول، ودور الأقباط الحاسم والفعال خاصة تجاه الاحتلال الانجليزى.. وكذلك تولي الأقباط لمناصب عليا في الدولة، خاصة في وزارة المالية وهيئه البريد والسكك الحديدية والبنوك، بالإضافة إلى المجالات الخاصة.
يبدأ الفصل الأول برصد لأثرياء الأقباط بداية من ويصا بقطر ويصا، والبطارسة، وعائلة عبيد، وخليل بك ابراهيم، انتهاءًا بعائلة ساويرس، وأيوب، وغبور، وباسيلي، وآل سامي سعد، وغالي، وعائلة أيوب، وعائلة جبرة، وعائلة فلتس، وأخيرًا بشاي للصلب.. ثم تطرق الكاتب لرصد الوزراء الأقباط في مصر منذ عام 1893، حيث كان بطرس باشا غالي هو أول وزير قبطي في وزارة حسين فخري باشا، مرورًا بباقي الوزراء، حتى تعيين ماجد جورج وزير الدولة لشئون البيئة بوزارة الدكتور أحمد نظيف في عام 2004.
ثم يأخذنا الكاتب معه في رحلة لمعرفة دور الأقباط السياسي بداية من المؤتمر القبطي الأول في أوائل القرن العشرين، مرورًا بدور الأقباط في حزب الوفد ومطالبتهم بحقهم في العضوية به إلى أن تحقق لهم ذلك، حيث كانت القيادة الوطنية واعية منذ البداية بأهمية الوحدة الوطنية، وقد تجلت مظاهر الوحدة الوطنية في ثورة 1919 في الحركة المشتركة للمسلمسن والأقباط في مناطق المنيا وأسيوط، حيث كانت توجد تجمعات فعالة من المسيحين، الأمر الذي أدهش وفاجأ الانجليز، إذ اضطرتهم الثورة الشعبية في هذه المنطقة إلى إرسال طائرتين حربيتين ألقيتا القنابل على مدينة أسيوط وديروط يومي 23 و24 أبريل 1919، وبذلك يلمس أي شخص محايد أن أحداث ثورة 1919 المتتالية وسريعه النبض قد أكدت أن الوحدة الوطنية المصرية قد أدركت بوعي أن وحدة الحركة الوطنية من الأركان الرئيسية لدرء الثغرات التي ينفذ منها الاستعمار عادة، فيتمكن من شرخ الحركة الشعبية وتحويل الصراع السياسي إلى صراع جانبي وطائفي.
ويشير الكاتب عند حديثه عن ثورة يوليو 1952 إلى أن رجال السلطة في عالمنا الثالث دائمًا ما يحاولون أن يتخذوا قراراتهم تحت مظلة الدين، فالرئيس جمال عبد الناصر نفسه حينما قام بالتأميم أعلن أن قراراته لم تستلهم من الماركسية، ولكنه أعلن أن الرسول هو أول من نادى بأسلوب التأميم وأنه أبو أول اشتراكية!.. ويذكر الكاتب مفارقة لا يعرفها الكثيرون وهي أن عبد الناصر نفسه كان عضوًا في الإخوان المسلمين تحت اسم حركي هو "عبد القادر زغلول" وأنه أقسم على الطبنجة والمصحف أن يطيع شرع الله حين يصل إلى الحكم.
ثم ألقى الكاتب الضوء على الفترة التالية لحكم الرئيس جمال عبد الناصر، وتولي السادات الرئاسة، وقال إن تعبير الفتنة الطائفية لم يدخل القاموس اللغوي المصري إلا في الحقبة الساداتية، هذا بالرغم من أنه رفع شعار الأمن والأمان، إلا أن هذا الشعار لم يترجم على أرض الواقع، وفي عصره برزت تيارات التطرف عندما بدأ يلعب بورقة الدين.
ويرصد الكاتب أيضًا ما يمكن أن نطلق عليه "الحركات السياسية القبطية"، وكان اسمها "جماعة الأمة القبطية"، والتي تأسست في 11 سبتمبر 1952، وفي العام الأول لها، انضم إليها أكثر من تسعين ألف قبطي، وكان لها عدة مواقف منها اختلافها مع ثورة يوليو، وطالبت بأن يكون الدستور وطنيًا لا دينيًا مصريًا، لا عربيًا، ونددت الجماعة بدستور 1923 لأنه كان ينص على أن الإسلام دين الدولة، وأن رئيس الدولة يجب أن يكون مسلمًا فهذه النصوص – عند الجماعة – مصدر كل ما حاق بالأقباط من تمييز واضطهاد.. وهذه الجماعة التي برزت بضعة أعوام فقط حامت حولها الغيوم فيما بعد، ربما كان ذلك بسبب اعتزال قادتها العمل السياسي والجماهيرى، إضافة للنظرة التربصية للجهات الأمنية طوال الحقبة الناصرية مما حد من تكرار ظهورها مرة أخرى.
وفي عدة فصول متتالية، يتناول الكاتب تاريخ الكلية الإكليركية ومدارس الأحد والجمعيات القبطية ودورها، بالإضافة إلى المجلس الملي العام.. ثم تحدث الكاتب عن المجلات والصحف القبطية التي ظهرت في القرن العشرين وتطورها ودورها.
ولأن باب الاستشهاد بالنسبة للأقباط لم يغلق بعد، فقد رصد الكاتب شهداء القرن العشرين من الأقباط في مصر، وهم شهداء مجنى عليهم وليسوا جناة، بداية من القمص غبريال عبد المتجلي في سمالوط بالمنيا، وصولا ًإلى شهداء الكشح وطحا الأعمدة، ولأن الكاتب أصدر كتابه في نهاية العام الماضي، فلذلك لم يذكر شهداء نجع حمادي، فهم ينضمون لقائمة الشهداء التي لم تنتهِ بعد.
ولم يغفل الكاتب أن يتحدث عن أقباط المهجر في القرن العشرين، حيث إن هجرة الأقباط خارج البلاد بدأت منذ الستينات من القرن الماضي، وازدادت في السبعينات جراء تصاعد الأصولية الإسلامية وأعمال العنف والانتهاكات المتكررة لحقوق الإنسان القبطي في مصر، وفضل الأقباط الاستقرار خارج مصر، وبصفه خاصة في بلدان أوروبا والولايات المتحدة وكندا واستراليا.. ثم يذكر لنا الكاتب بعض الشخصيات البارزة من أقباط المهجر ممن كان لهم دور فعَّال في القضايا القبطية منهم: دكتور سليم نجيب، وهو من مؤسسي الهيئة القبطية الكندية وهو رئيسها منذ تأسيسها وحتى الآن، ود. شوقى كراس، رئيس الهيئة القبطية الأمريكية، والمهندس عدلى أبادير، رئيس منظمة "الأقباط متحدون".. والعديد من الشخصيات ممن كان لهم دور مهم ولا يزالون فيما يتعلق بقضايا الأقباط في مصر.
ولقد اهتم الكاتب أيضًا برصد الآباء البطاركة ودورهم في الكنيبسة أثناء القرن العشرين، بالإضافة إلى أنه أفرد فصلاً آخر لمشاهير الأقباط من سياسين وأطباء وصيادلة ومحامين وإعلاميين وفنانيين وأساتذة الجامعات.
وتحت عنوان " فتاوى وقنابل"، قدم الكاتب مجمعة من الفتاوى التي تعتبر بمثابة قنابل حقيقية، منها ما قاله سليم العوا، عضو مجلس البحوث الإسلامية، تعليقا على حرق الكنائس والاعتداء على بيوت الأقباط حيث قال: "إن القباب والصلبان يستفزون مشاعر المسلمين، فلماذا هذا الاستفزاز ؟!".. أما مصطفى مشهور، مرشد عام الإخوان المسلمين، فقد نشر من قبل في جريدة "الأهرام ويكلي" قائلاً: "على الأقباط أن يدفعوا الجزية بديلاً عن التحاقهم بالجيش حتى لا ينحاز المسيحيون الذين في صفوفه إلى صف الأعداء عند محاربة دولة مسيحية..!!!".
وفي نهاية الكتاب، يذكر لنا الكاتب ملاحظات مهمة؛ منها أن الكنيسة القبطية منذ بدأ التاريخ القبطي لم تعش تحت حماية أي سلطة مدنية او حكومية ولم تبن أية كنيسة إلا باموال أبنائها، ولم يكن هناك أي اعتماد مالي في أي موازنة للدولة حاليًا أو سابقا للصرف على الكنائس ورجال الدين المسيحي.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :