الأقباط متحدون | عيد العمال بين هايماركت ومصنع كفر الدوار
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٣:٢٢ | الاربعاء ٧ مايو ٢٠١٤ | برمودة ١٧٣٠ ش٢٩ | العدد ٣١٨٢ السنة التاسعه
الأرشيف
شريط الأخبار

عيد العمال بين هايماركت ومصنع كفر الدوار

الاربعاء ٧ مايو ٢٠١٤ - ٢٠: ٠٨ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 
صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

بقلم : عادل عطية
مع تقدم العمر وزحف الشيخوخة القاسي الذي غالبا ما يترك بصماته العنيفة خاصة علي شخصي المتواضع, من ضعف للسمع والبصر ووهن في العظام وبطء في الحركة واشتعال للشيب في الرأس وقلة الكولجين تحت الجلد خاصة في الوجه, لكن الشيئ الوحيد الذي حباني الله به, وزاد ولم ينقص مع الزمن, هو قوة الذاكرة. فمع الأحداث اليومية المتلاحقة تجدني أتذكر أحداثا مضي عليها الزمن وكاد أن يمحوها, لذلك أحببت أن أدونها لكم كشاهد علي العصر.

عندما هل علينا شهر مايو أول ما عن علي ذاكرتي المتوقدة, احتفالاتنا واحتفال العالم أجمع بعيد العمال, وانتظار عمالنا للمنحة السنوية التي بمن بها الرئdس كما لوكان هو المانح الوهاب. بدأت فكرة "عيد أو يوم العمال" في أستراليا في 21 ابريل 1856. ثم انتشر الحدث ليصبح عالميا تكريما للعمال وتم تحديد الأول من مايو للاحتفال به كذكرى لإحياء النضال من أجل الثماني ساعات في اليوم. وكانت قضية هايماركت التي وقعت نتيجة للاضراب العام في شيكاغو عاصمة ولاية إلينوى الأميركية والتي شارك فيها عموم العمال والحرفيين والتجار والمهاجرين هي السبب. ففي أعقاب الحادث الذي فتحت فيه الشرطة النار على أربعة من المضربين فتم قتلهم في شركة ماكورميك للحصاد الزراعي، وتجمع حشد كبير من الناس في اليوم التالي في ساحة هايماركت. وظل الحدث سلمياً إلى أن تدخلت الشرطة لفض الاحتشاد، فألقى مجهول قنبلة وسط حشد الشرطة، وأدى انفجار القنبلة وتدخل شرطة مكافحة الشغب إلى وفاة ما لا يقل عن اثني عشر شخصاً بينهم سبعة من رجال الشرطة. وتلا تلك الواقعة محاكمة مثيرة للجدل، حيث تمت محاكمة ثمانية من المدعى عليهم بسبب معتقداتهم السياسية وليس بالضرورة عن أي تورط في التفجير، وأدت المحاكمة في نهاية المطاف إلى إعدام سبعة أشخاص. وبهذا صارت قضية هايماركت مصدرا لغضب الناس في أرجاء العالم. وفي السنوات التالية ظلت ذكرى (شهداء هايماركت) في الذاكرة ضمن العديد من الإجراءات والتظاهرات الخاصة بالأول من مايو.

ومازال الأول من مايو هو يوم الاحتفال بعيد العمال في مصرنا الحبيبة أيضا, رغم أن لنا أحداثا مماثلة لما حدث يالهايماركت  الأمريكي بل أشد قسوة وإيلاما, كان الأجدر بنا أن نتخذها عيدا لعمالنا حتي لا ننسي ما حدث في 12 أغسطس 1952. بعد نجاح حركة ضباط يوليو في الاستيلاء علي السلطة وبعد طرد الملك بأسبوعين قامت إدارة مصنع كفر الدوار بنقل مجموعة من العمال من مصانع كفر الدوار إلي كوم حمادة تنكيلاً بهم ودون وجه حق. ومع تدني أجور العمال وتدهور أوضاعهم وبؤس معيشتهم, ومع تطلعهم لمستقبل أفضل نتيجة لما أشاعه العهد الجديد من آمال من خلال آلته الإعلامية عن ضباط الحركة المباركة الذين استولوا علي الحكم ليس طلبا للسلطة ولكن للقضاء علي الفساد ونصرة العمال والفلاحين وإشاعة العدالة والقضاء علي الإقطاع ونفوذ رأس المال إلي غير ذلك من شعاراتهم الجوفاء. ظن العمال أن الجو العام أصبح مهيأ لتحقيق مطالبهم ونيل حقوقهم فأعلنوا الإضراب العام, توقفوا عن العمل وأوقفوا ماكينات المصنع وتصاعدت هتافاتهم عاليا بالتعبر عن مطالبهم والإعلان عن فرحتهم بالعهد الجديد وحركة الضباط المباركة التي ستنصفهم (كما تصوروا)  مكررين هتافهم "يحيا القائد العام, يحيا اللواء محمد نجيب وتحيا حركة الضباط المباركة" فوجئ العمال بالشرطة تحاصر المصنع وتصطدم بهم وتطلق النيران عليهم فتقتل أحد العمال مما زاد التظاهرات اشتعالا. سمع العمال أن القائد العام سيمر بمدخل المدينة فخرجوا من المصنع تتصاعد هتافاتهم بحياته, وفي الطريق مروا علي كتيبة من كتائب الجيش فوقفوا يحيونها بالهتاف لقائدها واستكملوا سيرهم. وهناك بالقرب من مدخل المديبة فوجئوا بقوات الشرطة تنتظرهم مدججة بالسلاح لتدور معركة هائلة بينهم وبين العمال العزل, تنتهي يفض المظاهرة بالقوة التي نتج عنها جرح العشرات والقبض على المئات. شكل البكباشي جمال عبد الناصر وزير الداخلية في ذلك الوقت, محكمة عسكرية برئاسة عبد المنعم أمين لمحاكمة ما يزيد عن ستين متهما ً منهم أطفال في سن العاشرة والحادية عشر وعلى رأسهم المتهمان مصطفي خميس "العامل" ومحمد البقري "الخفير" باعتبارهما المحرضين الرئبسيين.

وفي المهزلة أقصد المحاكمة ظل المتهمان البائسان يجعران بأعلي صوتيهما "يا عالم ياهوه, يا خلق الله يا مؤمنين, شدولنا محامي ينقذنا من دي اللوصة, داحنا كنا فرحانين بالحركة المباركة, وهتفنا للقائد محمد نجيب, هوده جزاتنا, جاي يا أولاد جاي". ولاستكمال الشكل المسرحي نظر القاضي إلي الحضور متسائلا: هل فيكم محام؟ وكان الصحفي الكبير موسي صبري حاضرا (وهو حاصل علي ليسانس الحقوق ولكنه لم يمارس المحاماة وغير مدرج بنقابة المحامين) فاعتبروه محامياً وتقدم للدفاع عن المتهمين بكلمات لا تشفي ولا تثمن من جوع, قد تكون أدانتهما أكثر من إفادتهما. وهكذا سارت المحاكمة سمك لبن تمر هندي, مهزلة بلا دوابط قانونية. وفي النادي الرياضي تم إجبار العمال علي الجلوس في دائرة كبيرة تحت حراسة مشددة من جنود الجيش شاكي السلاح لتذاع فيهم الأحكام المرعبة من خلال مكبرات الصوت وسط ذهول الجميع. الحكم بإعدام كل من: العامل مصطفي خميس "18 سنة". والخفير محمد البقري "19.5 سنة" الذي يعول خمسة أبناء وأم معدمة كانت تبيع الفجل لتشاركه بملاليمها التي تربحها في إلإعالة. والحكم علي الباقين بالأشغال الشاقة بين المؤبدة والمؤقتة. وافق مجلس قيادة الثورة علي الحكم وصدق نجيب عليه رغم اقنناعه ببراءة الشابين بعد أن أقنعه عبد الناصر بضرورة ردع التمرد حتى لا يجرؤ أحد علي تكرار ما حدث.
   وسيق الشابان إلي حبل المشنقة 7/9/1952 وسجلت الصحف وقتها لحظاتهم الأخيرة, دون ذنب جنوه غير أنهما كانا ضحية للتجبر والظلم والفجور, ولولا ذلك ما كنا سمعنا يهما وما كنا ترحمنا عليهما وذكرناهما بكلمة طيبة, أعدم الشابان البائسان وسط مظاهرة إعلامية هائلة طبّل فيها الجميع وزمروا للمجرم الجاني مؤيدين ومحبذين, وخرسوا ضعفا وجبنا أن ينبثوا ببنت شفة دفاعا عن المظلومين البائسبن, رحمة الله عليهما, ولعنة الله علي الظالمين ليوم الدين. أُعدما لمجرد زرع الخوف  في تفوس الناس وإشاعة الرهبة في قلوبهم حتي لا يتجرأ كائن من كان مستقبلا علي المعارضة, وتحقق لهم ما أرادوا, فكانت بداية زرع المنهج الديكتاتوري التعسفي القمعي الذي ابتدعه عبد الناصر وأعوانه لإلغاء شخصية الإنسان المصري وتحويله إلي قطيع خانع مسلوب الإرادة لا يعرف سوي التملق والتمجيد والتصفيق للزعيم الملهم والاستسلام للقهر والذل والهوان, الذي استلهمه زعماء العرب الآخرين تقليدا.

نعم يحتفل معظم دول العالم خاصة الدول الشيوعية والاشتراكية بأول مايو كعيد للعمل والعمال, ولكن ألا تري معي صديقي القارئ أن ما حدث لعمال كفر الدوار وخاصة يوم إعدام خميس والبقري, أولي أن يُحتفل يه كعيد للعمال في مصر والدول العربية ويكون يوم 7 سبتمبر (يوم إعدام شهيدي الجبروت والظلم والتدليس) عيا لعمالنا بدلا من يوم أول مايو, والجدير بالذكر أن ليس كل دول العالم تحتفبل بأول مايو كعيد لعمالها. فالولايات المتحدة رغم أن ما حدث في هايماركت كان الشرارة لبدء الاحتفال بعيد العمال إلا أن الولايات المتحدة تحتفل بعيد عمالها في أول يوم إثنبن من سبتمبر لكل عام. كما تحتفل يه كندا في أول إثنين من سبتمبر أيضا.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :