الأقباط متحدون | الإسلام الإنساني
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٢١:١٧ | الاثنين ٥ مايو ٢٠١٤ | برمودة ١٧٣٠ ش٢٧ | العدد ٣١٨٠ السنة التاسعه
الأرشيف
شريط الأخبار

الإسلام الإنساني

الاثنين ٥ مايو ٢٠١٤ - ١١: ٠٨ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

مهندس عزمي إبراهيم

أبدأ مقالي بأن الإنسانية هي العمود الفقري للدين، أي دين. وإذا خلا الدين من النوازع الإنسانية فهو ليس بدين. وجميع الأديان تحتضن الإنسانية أي العدل والرحمة و السلام والمحبة والحكمة وإعمال العقل لصالح البشرية. وما تحتاجه مصر اليوم، بل ما يحتاجه العالم، هو الإسلام الإنساني. أي الإسلام الذي يهتم بالسلام والاستقرار للبشرية عامة. والذي يهتم بالإنسان غير المسلم لا أقل عن اهتمامه بالمسلم حيثما كان.

الإسلام الإنساني الذي يكفل ما أراده الله للبشر أجمعين، من إخاء ومساواة وعدالة وتعايش ومودة،  تحت حكم "القانـون" العادل المطلق في عدله، لا تحت مباديء "الشريعة" التى لا تعرف العدل بل تحابي فصيلاً بعينه دون باقي الفصائل في الوطن. وإن بدا هذا للبعض أنه يتناقض مع بعض آيات الإسلام أو مباديء الشريعة، فهو لا يتناقض إطلاقاً مع الكثير والعديد من مباديء الإسلام الإنسانية، لو شاء المسلمون طريق الإنسانية.
***
لا يختلف اثنان أن في عصر نهضة النصف الأول من القرن العشرين، شاهدت مصر بمسلميها ومسيحييها ويهودها وكل من حمل جنسيتها، أزهي وأسمى صورة للإسلام الإنساني بسماحته وكرامته وبعده عن الحكم والسلطة. إلى أن جاءت خمسينات القرن، ولوَّح عبد الناصر بالشعار العروبي الأجوف، فبدت تكشيرة الإسلام المتشدد تبدو في الساحة المصرية التي كانت أقرب ما تكون للديموقراطية العادلة الكريمة في حمى أزهرها الشريف راعي الإسلام حينئذ، ومرجع المسلمين بالشرق العربي كله وبالعالم أجمع.

وما أن حَلَّت السبعينات من ذات القرن حتى فتح السادات أبواب مصر و(أبواب السجون) للإسلام المتشدد ليخطو بخطاه الثقيلة في شوارع مصر وخلاياها ومؤسساتها. حتى قام المتشددون، الذين أطلق السادات صراحهم من السجون، باغتياله في أوج احتفاله وفي لحظة فخره. وشاء الأزهر الشريف حينئذ وخلال نمو الإسلام المتشدد، النابت من الأخوان والمستورد من الوهابيين، أن يغض الطرف عنهما أو غير مقدر لخطورتهما، حتى استقوى الشر والأشرار في مصر.

وفي عصر مبارك تزايدت أمواج وأفواج الوهابية المتخلفة المتشددة مستوردة من السعودية بجيوب وحسابات بنوك مفعمة بالدينارات النفطية. وبتضامنها مع الأخوان المسلمين ذات الأهداف السلطوية اللاوطنية استفحل المارد في غفلة أو تغافل من مبارك وعلا صوت التشدد حتى امتلك الشارع المصري ونواصيه ومؤسساته وأزهره وحتى طال كرسي الحكم بتجليس مرسي الأخواني الهارب من السجن رئيساً على لمصر.
فتح مرسي أحضانه بل أحضان مصر للإرهاب والثعالب والذئاب والكلاب، حيث عفى عن كثيرين من المحكوم عليهم واستدعى الكثيرين من كل صوب من الأخوان الهاربين من أحكام قضائية والوهابيين السلفيين والقاعدة وحماس والجماعات الاسلامية من أفغانستان واليمن والصومال والسودان وليبيا وغزة وأوروبا وافريقيا وآسيا وأمريكا.

وركز مرسي من أول يوم في حكمه على برنامج (التمكين) ليقبض الأخوان (أهله وعشيرته) على جميع مفاصل مصر الحيوية من حكومة ومؤسسات وجامعات ونقابات وإعلام والسلطتين التشريعية والتنفيذية تنفيذاً لقسَمِه للجماعة ومرشدها الحاكم الفعلي لمصر، دون النظر إلى شعب مصر المنكوب والمغلوب والمدفون في فقر وجوع وبطالة ومرض وبؤس وموت. بينما كان الأخوان والسلفيون وأذناب حماس وباقي الجماعات يرتعون في مصر بلا قيود أو ضيق.

عمل مرسي بكل جهده علي تقسيم مصر شعباً وأرضاً، وإضعاف جيشها والقضاء علي شرطتها واندحار قضائها وإنهيار اقتصادها وإفساد التعليم بها، وبيع مفاصلها ومعالمها وثرواتها ومواردها الحيوية: مؤسسات ومصايف ومشاتي لخيرت الشاطر ولأمراء السعودية ودول الخليج، وقناة السويس لحكام قطر وسيناء لغزة بل لقادة حماس، وشلاتين وحلايب للسودان، وغرب مصر على حدود ليبيا مركزا للقاعدة. وبالاضافة لهذا وذاك ضرب وسطية وصحيح إسلام مصر السمح بالتشدد الوهابي الأسود وإنهاء الدور العالمي للأزهر الشريف.  وكل فعل من هذه الأفعال هو جريمة وطنية تندرج تحت وصف الخيانة العظْمى.

تلك كانت خطوات تدرج الإسلام المتشدد في تاريخ مصر الحديث. الإسلام المتشدد الذي رفع راية سوداء فوق أرض مصر الخضراء، بل أقام خيمة سوداء تحجب سماءها الصافية وشمسها الساطعة عن أرضها وشعبها الطيب، وفاحت من تحتها الروائح الكريهة من عفن دماء مسفوكة وأشلاء مبتورة متناثرة ومنشئات مُفجَّرة وأخلاق مهدورة، حيث وصلت مصر إلى أدنى وأدنى حضيض بشري ووطني تحت فيضان وحكم الإسلام المتشدد.
***
يفرح البعض منا، مسيحييو مصر ومسلموها المعتدلون، بالقول أن الأزهر يتبنى أو كان يتبنى "الإسلام الوسطي".أنا لا أقر هذا الوصف. فالوسط لابد أن يكون بين نقيضين مختلفين تماماً. كالأبيض والأسود ومتوسطهما رمادي، وكالبارد والساخن ومتوسطهما دافيء. فالإسلام الوسطي يعني وسط بين الإسلام المتشدد والإسلام المتراخي. وليس هناك في التاريخ إسلام ليِّن متراخي. فالحقيقة ليس هناك إلا إسلام متشدد في أغلب تاريخهـ إلا قبس ضئيل.

هناك إسلام متشدد ظالم يحمل سلاح الشريعة الغير مناسبة والتي يحاول أن يفرضها على وطن متعدد العقائد، مستنداً على المتشدد من آيات قرآنية وأحاديث نبوية صدرت في مواقف وظروف بدوية جاهلية عفى عليها الزمن ولا تتناسب مع عصورنا الحضرية. وهناك إسلام إنساني لم تراه مصر إلا في عصر نهضتها الرائعة. إسلام إنساني يتبنى ما بالإسلام من آيات خيِّرات. فبالاسلام من العدل والإنصاف للبشرية جمعاً أطنان يغفل المتشددون والمتطرفون النظر إليها عمداً، لغرض الاتجار بالدين بين البسطاء.

إن الله هو العدل ذاته، وصفة من صفاته، وسٍمَة من سِماته، واسم من أسمائه. فمن يحيد عن العدل يحيد عن الله، ومن لا يؤمن بالعدل لا يؤمن بالله. والعدل هو صُلب الدين وجوهره... فلو خلا الدين، أي دين، من العدل فهو ليس مكتمل كدين."

وكلامي هذا ليس ضد الإسلام. فبالاسلام (كما هو بكل الأديان) من العدل أطنان لو أراد الإسلاميون وجماعاتهم التمتع بتطبيقها. ولكن المتأسلمين والهيئات المبدعات التى تطلع علينا كل يوم بأسماء وألقاب وعناوين وبيانات وشعارات وفتاوي أشكالاً وألواناً كلها محشوة بالظلم ومبنية على الظلم وتخلو من العدل والعدالةـ أي تخلو من الإنسانية وهي العمود الفقري للدين.. أي دين.

وإذ أنا أعيبهم وأعيب ظلمهم وشرهم، بل وكفرهم بالله حيث أن الله هو العدل ذاته، ألوم السلطات والهيئات الإسلامية المسئولة بمصر وعلى رأسهم الأزهر الشريف وفضيلة المفتي لعدم تصديهم لهذه التيارات المتشددة المنحرفة الهوجاء التي تعصف بسلام مصر وسلامة شعبها. هناك ملايين من الأخوة المسلمين العاقلين المؤمنين بالعدل الإنساني يرفعون أصواتهم ضد هذه العواصف الصحراوية، ولكن لا نسمع صوت الأزهر الشريف ومفتي الديار!!

الحقيقة: أن الأخوان والسلفيين ومن شابههم لم يبتدعوا شيئاً جديداً في معتقدهم وتصرفاتهم البدوية الهمجية المتخلفة، ولم يطرقوا طريقاً لم يطرقه غيرهم من قبل. فمنذ أن استَعمر العرب مصر ما عدا فترة نهضتها الرائعة في النصف الأول من القرن العشرين، وهي تكبو وتئن تحت نير الإسلام المتشدد الذي عانى منه المواطن المصري، مسلم ومسيحي. ففي 1400 سنة حتى اليوم ظلت مصر متقوقعة متأخرة تسيح في جهل وفقر ومرض وجوع وظلم وتعصب ولم تتقدم خطوة واحدة للأمام ولم ترقى ثقافياً أو اقتصاديا أو اجتماعيا، إلا في تلك الفترة المشار إليها تحت رعاية الإسلام الإنساني.

ذلك هذا هو السر وهذا هو الخيار: إما أن يتخاذل الأزهر الشريف ويستسلم للإسلام المتشدد وحكم الشريعة، حكم القبيلة الظالم المتعصب المتواطئ مع فصيل دون الآخرين. ويرضى بتقوقع الوطن في أعماق مستنقع الضياع. أو ينتفض الأزهر الشريف لرسالته وواجبه من أجل رفعة الوطن، بل ومن أجل كرامة الإسلام حيث يعيد له إنسانيته، أي يعود للإسلام الإنساني وعدل القانون المدني العادل والمساوي لجميع المواطنين مهما اختلفت عقائدهم، تحت شعار الدين لله والوطن للجمبع والحكم للقانون. وهذا ما تحتاجه مصر.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تقييم الموضوع :